قال تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، إن المسيحيين المصريين اختاروا الانغلاق على الذات "بحثا عن الأمان"، مرجعة ذلك إلى تصاعد ضغوط ما أسمته "أشكال الأصولية الإسلامية"، لكنها حملت البابا شنودة الثالث بطريرك الأقباط الأرثوذكس جانبا كبيرا من المسئولية عن الفصل بين عنصري الأمة.
وجاء في التقرير الذي كتبته الين كينكمير، ونشر على الموقع الإلكتروني للصحيفة أمس، أنه "تحت ضغوط بعض أشكال الأصولية الإسلامية، وانفجار العنف المتعصب، بدأ اكبر مجتمع مسيحي في منطقة الشرق الأوسط، يبحث عن الأمان بالانغلاق علي الذات، ليقطع بذلك الاتصال اليومي، الذي ظل متواصلا لقرون بين المسلمين والمسيحيين"، بحسب قول مواطنين مصريين مسلمين وأقباط.
وقالت إن هذا الشقاق يأتي في ظل وجود أكثر قادة الكنيسة المصرية بقاء في المنصب البابوي، في إشارة إلى البابا شنودة (85 عاما) الذي أمضى قرابة 36 سنة في منصبه الكنسي.
ونسبت الصحيفة إلى يوسف سيدهم رئيس تحرير جريدة "وطني" المسيحية، القول: "جزء من الانفصال ينبع من سياسات البابا شنودة الذي صعد من دور الكنيسة من خلال الترويج لمدارس الأحد القبطية".
وأضاف: "الكنيسة في عصر شنودة بنت مؤسستها، ما جعل الأقباط يعولون عليها في الدراسة، والرياضة، والاجتماعيات، إضافة الأمور الدينية (..) كان هذا هو التغير الكبير... الانسحاب".
وأثارت حالة الانفصال هذه حالة من الحزن بين قطاع كبير من المصريين، فيما رأى البعض أنها الوضع الأفضل.
وقال عياد لبيد فالح، من منطقة شبرا للصحيفة: "هذا طبيعي"، في إشارة إلى الانفصال، متحدثا عن حياته وحياة جيرانه الذين يبدأون يومهم مبتسمين من خلال مشاهدة أحد البرامج الفضائية المسيحية التي تستفز مشاعر المسلمين بتعرضها لمعتقداتهم.
وذكرت الصحيفة، إن عياد وجيرانه يرسلون أطفالهم إلى مدرسة الكنيسة، والذي هم في نفس الوقت أعضاء بفريق كرة القدم التابع للكنيسة أيضا، مضيفة أنه – بشكل متزايد - يختار عياد وجيرانه قضاء أجازاتهم في الحج إلى "المواقع المقدسة" مع أصدقائهم الأقباط.
وأشار مواطن مسلم إلى كيف أنه افتقد في ظل أجواء "الانفصال" أصدقائه من المسيحيين، وقال علاء عبد العزيز، إن أصدقاء طفولته المسيحيين اختفوا جميعا، ولا يكاد يرى أحدا منهم بالمنطقة، مضيفا "لقد تولد لدي شعور بأنهم لا يردونني أن أكون جزءا من حياتهم (..) وأنهم قد أُخبروا بأن عليهم فعل ذلك".
وحمَّلت الصحيفة جانبا من المسئولية على "الإخوان المسلمين"، حيث اعتبرت صعودهم سياسيا، سببا في دفع المسيحيين خارج المنافسات السياسية وداخل الاتحادات التجارية، وهو ما أفضى أيضا إلى تقوية دور البابا شنودة كوسيط بين المسيحيين ومصر بشكل كامل، وفق قولها.
واستعرضت الصحيفة تاريخ المسيحيين في مصر، وعلاقتهم بالأغلبية المسلمة، قائلة، إن فترة الخمسينات من القرن الماضي حظيت بأعلى دراجات التسامح بين الجانبين، وكان في ذلك الوقت يوجد 1 من كل 7 مصريين يدين بالمسيحية، لكن هذه النسبة تراجعت حاليا إلى 1-10 وفق بعض التقديرات، مشيرة إلى أن الحكومة المصرية لا تصدر إحصاءات حول هذه القضية الحساسة.
كما ربطت بين تراجع أعداد المسيحيين بشكل عام بمنطقة الشرق الأوسط إلى التأثير السلبي للحروب على المجتمعات المسيحية في المنطقة؛ فدولة مثل العراق علي سبيل المثال، كان بها ما يناهز المليون مسيحي قبل الغزو الأمريكي لها، وانخفض تعدادهم إلى نحو 400 ألف فقط، وفقا لأكثر التقديرات شيوعا بين المنظمات المسيحية.
وأشارت أيضا إلى الوضع في الأراضي الفلسطينية، الذي كان له أثره السلبي علي المسيحيين في مدينة بيت لحم كمثال آخر، حيث كانت نسبتهم فيها نحو 90% ثم انخفضت إلى نحو 50% أو أقل مؤخرا.