أين نحن من القرءان
لا إلـه إلا اللــه والعقيدة

محمد صادق في الجمعة ٠٧ - ديسمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

أين نحن من " لا إله إلا اللــه "
أين نحن من القرءان الكريم
أين نحن من عقيدة لا إله إلا اللــه
أين نحن من الدين الخالص للــه
أين نحن من الأمة المسلمة التى نزل فيها القرءان أول مرة
أين نحن أمة الاسلام الآن وفى عصرنا هذا
أين نحن من الجاهلية المعاصرة

أسئلة كثيرة لابد أن نتوقف عندها ونحاول معرفة الاجابة لأن الطريق صعب والنهاية أص&Uacude;عب وأمر. لا أود أن أكثر من هذه الأسئلة لأنها لا تحصى ولا تعد فى عصرنا هذا ولكن اقتصرت على بعض منها لعل من ينتمى إلى أمة الاسلام أمة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام أن يقف وقفة الناقد لنفسه بكل أمانة وصدق ويتدبر فى شئون حياته كمسلم يقول دائما وابدا لا إله إلا اللــه.
فأين نحن من لا إله إلا اللــه، أين نحن من كلمة الاخلاص وأين نحن من العقيدة الراسخة التى لا تتزحزح ولا تتغير ولا تتبدل. فهلم بنا سويا نجول فى أعماق أنفسنا ونتجرد من كل شيئ يمنعنا من رؤية النفس البشرية بدون مؤثرات خارجية وبدون قرارات مسبقة من أى جهة خارج هذه النفس البشرية.

ما أكثر ما كتب عن القرءان وما أكثر ما يقال عن القرءان ولم أجد كتابا حظى من الاهتمام والحفظ والرعاية اكثر من ما حظى به هذا الكتاب. ومع ذلك فإننا فى عصرنا هذا، اخذنا ننظر إلى القرءان نظرة بعيدة عن الهدف الذى أنزل القرءان من أجله. فقد اتجه الكتاب المسلمين فى القديم وفى الحديث الى الاعجازات اللغوية والاعجازات البيانية والبلاغية وغيرها من الاعجازات فى القرءان الكريم. ولا شك ان القرءان معجز بكل ما فيه. ولكن الاهتمام البالغ بهذه الاعجازات ربما صرف الناس شيئا عن الهدف الاساسى الذى نزل هذا الكتاب من أجله.
أين نحن من القرءان الكريم ... فى عصرنا الأخير حين اعتزلنا الحياة بالاسلام وصارت مجتمعاتنا تذكر الاسلام ذكرا اكثر مما تعيشه واقعا، اصبح القرءان كتابا يتلى أو يقرأ أو يتغنى به أو يتذوق الجمال الذى يحتويه اكثر مما هو كتاب منهج حياة. وكل دراسة عن القرءان هى دراسة واجبة وينبغى على المسلمين أن يعكفوا على دراسة هذا الكتاب من كل جوانبه. ولكنى ارى أن هناك عدة أسباب لعزلتنا التدريجية عن حقيقة الاسلام وكون الاسلام اصبح ذكرا فى نفوسنا أكثر من ما هو واقع يعاش. وسنتعرض لاحدى هذه الأسباب فى هذا الجزء من المقال وسوف نتابع بعد ذلك إن شاء اللــه الأسباب الأخرى.

إن الدراسات القرءانية فى هذا العصر بالذات، بعيدة عن واقع الحياة فهى دراسات ذهنية أو جمالية أو فقهية أو ما إلى ذلك من دراسات. أما القرءان ككتاب هداية ومنهج حياة فقليل ما نلتفت إليه، يقول اللــه سبحانه وتعالى فى مبتدأ سورة البقرة " ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين* " ويقول فى موضع آخر " إن هذا القرءان يهدى للتى هى أقوم."
هذا كتاب هداية وكتاب تربية، ولقد كان كذلك فى عصوره الأولى يوم كان المسلمون يعيشون الاسلام واقعا، كان القرءان بالنسبة اليهم هو دستور الحياة وكتاب تربية. أما فى عصرنا هذا ابتعد المسلمون تدريجيا عن الحياة بالقرءان فصار الاسلام كتابا للتلاوة والتذوق بعيدا عن التطبيق العملى.
نحاول ان نتعايش مع القرءان ونتتبع منهج الحياة كما يرسمها القرءان فنجد أن الفقه جزء من هذا الكتاب وأن الاعجاز البيانى جزء من هذا الكتاب وأن الاعجاز اللغوى أو الجمالى أو العددى اجزاء من هذا الكتاب واننا إذا ركزنا على إحدى هذه الجوانب على حساب الجوانب الأخرى ففى هذه الحالة نكون بعدنا عن الهدف الذى أنزل من أجله هذا الكتاب، انما نخدم هذا الكتاب أن نعيشه كله ونعيشه من كل جوانبه بقدر ما نستطيع.
وأقول أن كل دراسة فى هذه الاعجازات هى دراسة قرءانية ولابد أن نعلم ان هذه الدراسات ما هى إلا وسيلة إلى العبور إلى موضوعات القرءان. القرءان لا شك أنه كتاب معجز فى كل نواحيه، ولكن لم يتنزل هذا الكتاب لنمطمط شفاهنا ونقول اللـــه حين نسمعه بصوت جميل أو نقول اللــه على موسيقاه الجميلة، لا نكون صنعنا شيئا إذا كانت حياتنا تظل كما هى وسلوكنا وقلوبنا وفكرنا تظل كما هى بعد أن نسمع القرءان.
فلنسأل أنفسنا فيما نزل هذا الكتاب، هذا الكتاب يتعبد بتلاوته، كل حرف يقرا فيه هو عبادة ولكن اللــه سبحانه أمرنا أن نتدبر هذا الكتاب " افلا يتدبرون القرءان ام على قلوب اقفالها" ويقول " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته". فهذا التدبر مطلوب فإذا قرأنا دون تدبر ونحن نقدر على التدبر فنحن مقصرون فى كتاب اللــه وفى حق اللــه.
ولنسأل أنفسنا فيما أنزل هذا الكتاب، أنزل لغرض أكبر من هذا كله، إنه كتاب هداية وكتاب تربية. وهلم نبدأ تدبرنا فى هذا الكتاب الكريم ومدى تأثيره فى الأمة المسلمة التى نزل إليها هذا الكتاب لأول مرة.

يقول علم الاجتماع والمهتمين بهذا العلم ان مقومات الأمة هى أن مجموعة من البشر لها أرض مشتركة ولغة مشتركة وتاريخ مشترك ومصالح مشتركة ، فإذا إجتمعت هذه المقومات صارت أمة.فلننظر إلى سكان الجزيرة العربية قبل نزول القرءان الكريم وحين نتتبع تاريخ هذه الأمة كيف كانت فى جاهليتها وكيف صارت فيما بعد.

كانت قبل نزول القرءآن قبائل متفرقة شتاتا متناثرة مع ان عندهم كل مقومات الأمة التى ينادى بها علم الاجتماع المعاصر. فالأرض واحدة والمصالح مشتركة واللغة واحدة وأنساب متقاربة ومع كل هذه المقومات لم تكن أمة موحدة فى عصرها الجاهلى. كانت قبائل متقاتلة متحاربة وبهذه المحصلة نجد أن ما ينادى به علم الاجتماع المعاصر لقيام أمة ينقصه شيئ واحد لا ثانى له. وبمقارنة هذه القبائل المتناثرة قبل نزول القرءآن وبعده نجد أن المحصلة قيمة هذا الكتاب الكريم.
فكيف إجتمعت هذه القبائل وعلى أى شيئ تربت هذه الأمة وما الذى جمع هذه القبائل وكون منها أمة متماسكة متلاحمة وتناست الخلافات والقتال واتحدت. ما الذى صنع هذا التغيير؟ هو القرءآن الكريم الذى نزل إليهم والذى حمله قلب رسول اللــه عليه الصلاة والسلام وترجمه واقعا يعاش ثم يقدمة للناس حتى ان اللــه سبحانه وتعالى وصفهم بأحسن وصف لأى أمة على وجه الأرض فقال تعالى:
" كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ " 3:110

إن هذه القبائل المتحاربة المتناثرة كانت فيها كل مقومات الأمة التى يزعم علم الاجتماع المعاصر ومن يؤيده، فالذى يكذب هذا الادعاء هو هذه الأمة الأولى المسلمة لأن علم الاجتماع حين فرض هذه المقومات كان فى غفلة عن الرباط الحقيقى وهو العقيدة، فهو الذى يكون الأمة وليس الأرض ولا المصالح ولا اللغة وليست الثقافة. كل ذلك أربطة ثانوية وبلا الرابطة الأولى وهى العقيدة فلا أمة على الاطلاق. وهذه الروابط ذاتها التى نفاها الاسلام إلا من إجتمع على عقيدة فى قوله:

"قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " 9:24
هذه هى كل الروابط التى يقوم عليها علم الاجتماع المعاصر واتباعه  ولكنها لا تقيم أمة والدليل هذه القبائل المشتتة التى كانت تسكن الجزيرة العربية.

ثم جاء هذا الكتاب فقاومه العرب أشد مقاومة فغلبهم برغم كل وسائل المقاومة المختلفة. فقد كانت الرسالة الأولى لهذا الكتاب هو بث الايمان باللــه وهذا هو الرباط وهذا هو القلب الحقيقى لهذا الدين هو " لا إلــه إلا اللــه " وحين نقرأ هذا الكتاب وحين نتدبره كما ينبغى لنا أن نتدبره نجد ان الحقيقة الكبرى فى هذا الكتاب هى " لا إلــه إلا اللــه ".
فننظر إلى السور المكية بصفة خاصة، نجد أن الموضوع الرئيسى فيها قضية لا إله إلا اللــه تأخذ الحيز الأكبر وتكثر فيها عن العقيدة وتعرف اللــه سبحانه على خصائصه وصفاته واسمائه وافعاله لأنها كانت تجابه قوما مشركين لا يعرفون اللــه حق معرفته ويشركون به آلهة أخرى.
ولكن لا يتصور الناس ان هذه الفترة المكية قد كثر فيها الكلام عن العقيدة ولا إله إلا اللــه بسبب ان القوم فى هذا الزمان كانوا مشركين ولكن إذا نظرنا نظرة عامة فى السور المدنية لوجدنا ان فيها شطر كبير عن العقيدة ولا إله إلا اللــه برغم انه كانت هناك أمة مؤمنة مسلمة، قوم بلغ من ايمانهم بهذا الدين ان جهزوا أنفسهم للتضحية من أجل هذا الدين.
هؤلاء الذين بلغ الايمان منهم ان يقدموا أنفسهم رخيصة فى سبيل اللــه وأن يحكموا بما انزل اللــه فكان اللــه يحدثهم عن لا إله إلا اللــه وحديث مفصل عن العقيدة. فليس السبب هو وجود مشركين فقط ولكن هو إحدى الأسباب التى كان فيها الكلام عن العقيدة.
قال اللــه سبحانه وتعالى فى سورة النساء: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا " 4:136 هذه سورة مدنية

الخطاب هنا للمؤمنين، أليس هم مؤمنين، بلى.. ولكن يقول لهم استمسكوا بإيمانكم لا تفرطوا فيه لا تنسوه ولا شيئ يصرفكم عنه، فهو يعلم سبحانه وتعالى أن الطبيعة البشرية لا بد من تذكيرها دائما.
وفى سورة آل عمران " الم * اللــه لا إله إلا هو " هذه سورة مدنية تتكلم عن لا إله إلا اللــه، كلها من أولها إلى آخرها مشغولة بقضية واحدة هى لا إله إلا اللــه. لماذا هذا التركيز والحديث عن كلمة الاخلاص، لم يكن للمشركين فقط بل للمؤمنين كذلك "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ". لابد من التذكير فاللــه الذى خلقهم فسواهم وهو يعلم أنها تحتاج إلى تذكير دائما باللــه واليوم الآخر لأن هذا المخلوق عرضة للنسيان " وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا " فلا بد من التذكرة وأن هذا الكتاب تذكرة، ليذكرهم بإلاههم الذى خلقهم وباليوم الآخر.
لماذا هذا التذكير المستمر ولماذا لم تكن تذكرة عابرة ثم ينصرف الناس إلى أمورهم.
فالحديث عن لا إله إلا اللــه لا ينتهى ابدا، فأين نحن من الأمة المسلمة الأولى وكيف صرنا وماذا حدث حتى فقدت كلمة الاخلاص حيويتها وقوتها ومدلولها. فأين نحن من لا إله إلا اللــه، فلننظر إلى حال الأمة المسلمة فى عصرنا هذا و لا نتحرج من أن نقول شتان شتان بين الأمة الأولى المسلمة وبين الأمة المسلمة فى عصر الجاهلية المعاصر. وأكرر مرة أخرى أن الكلام عن لا إله إلا اللــه والعقيدة لا ينتهى ابدا.

والحمد لله رب العالمين ولنا بقية فى هذا الموضوع – إن شـــاء اللــه – الذى لا نمل ولا نتعب من الكلا م عنه حتى نذكر أنفسنا دائما وابدا ب " لا إلــه إلا اللــه ".
وباللــه التوفيق

اجمالي القراءات 16413