ادل حمودة يكتب : خطة الإخوان الخفية لتفكيك الشرطة وتسريح الجيش!
3/18/2013 5:48 AM
فى الساعة العاشرة وخمس دقائق من صباح يوم الثلاثاء 28 ديسمبر 1948 أطلق طالب طب بيطرى متنكراً فى زى ضابط شرطة ثلاث رصاصات على ظهر محمود فهمى النقراشى وهو يدخل المصعد الخاص بوزير الداخلية بعد أن أدى له التحية العسكرية.
اعترف القاتل بانتمائه للتنظيم السرى المسلح للإخوان المسلمين وبرر جريمته بأنه أراد الانتقام من الرجل الذى حل الجماعة.. لكن.. أهم ما قال: «أن قادته فى الجماعة تعمدوا أن يقتل النقراشى فى مقر وزارة الداخلية لا فى مقر رئاسة الحكومة، وكان يجمع ما بين المنصبين ليكون عبرة لكل مسئول أمنى يعادى أبناء وأنصار وأحباب حسن البنا».
وطبقاً لحكم القصاص انتقم النظام الملكى بقتل حسن البنا بعد نحو شهرين.. وكان الرجل يتوقع نفس المصير.. ولم يكن ليرفض اعتقاله.. فالسجن أصبح المكان الوحيد الآمن له.
لقد فرضت الجماعة «جزية» الدم على مصر.. وواصلت التنظيمات المتشددة التى خرجت من رحمها السير فى طريق الخراب.. وفى المواجهة أجبرت النظم السياسية المتعاقبة على تقوية المؤسسات الأمنية.. وتسامحت فى قسوتها.. وغضت البصر عن تجاوزاتها.. وكان مبدأها.. لكل فعل رد فعل.. ولا يفل الحديد إلا الحديد.
وتأتى الشرطة على رأس المؤسسات الأمنية التى دخلت فى حروب شرسة مع الجماعة وشركائها.. وهى حرب كانت تكلفتها المالية والبشرية أكبر من تكلفة الحروب مع إسرائيل.. بل أكثر من ذلك.. كانت هذه الحرب مبرراً للديكتاتورية وسيادة الدولة البوليسية التى توحشت وتجبرت وتغلغلت فى كل مكان حتى احتلت شرايين الشعب نفسه.
ولو بقى الإخوان على حالهم.. جماعة تدعو إلى سبيل الله بالموعظة الحسنة.. ما كانت الشرطة وصلت إلى ما وصلت إليه قبيل التظاهرات الأولى فى 25 يناير.. لكن.. سهولة الإخوان فى إباحة دم خصومهم.. وجنونهم المنفلت بالحكم.. جعل الشرطة بكل أجهزتها جيشاً نظامياً مدرباً ومسلحا ومجهزا لمواجهة الشعب.. فاصبح طرفا فى العداء المزمن بين الشرطة والإخوان.. فلم يعد هو الآخر يطيقها رغم حاجته الشديدة للأمن.
وتجلى العداء بين الشرطة والإخوان بالهجوم على أقسام الشرطة والسجون ومقار جهاز أمن الدولة وبتكرار الدعوة لإعادة هيكلة وزارة الداخلية وبتغيير خمسة وزراء لها فى أقل من سنتين.
لكن.. السؤال.. هل يمكن أن يتحول عداء 84 سنة إلى حب فى 24 شهراً؟.. هل يأمن الإخوان بطبيعتهم المرتابة فى ضابط شرطة ولو أضاء أصابعه العشرة شمعاً لهم؟.. وعلى الجانب الآخر.. هل تثق وزارة الداخلية فى وعود الرئيس الإخوانى بأن يدعمها ويساندها ولا يقضى عليها؟
لقد حاول محمد مرسى أن ينقل تبعية جهاز الأمن الوطنى إلى رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة كى يضمن استخدامه ضد خصومه.. لكنه.. فشل.. وسعى إلى إعادة الجهاز إلى سيرته القديمة القبيحة فى الحصول على معلومات عن خصومه بالاستجوابات الباطشة.. لكنه.. فشل.. فقد قصر الجهاز عمله على تقديم التقارير التى ترصد مشاعر الغضب فى صدر الرأى العام.. رافضا مهمة القبض والاعتقال والتحقيق.. وإن نجح فى أن يصل إلى خلية القاعدة فى مدينة نصر.. وترك الأمن العام يتدخل للقبض على أعضائها.
ولم يتردد محمد مرسى فى إقالة وزير الداخلية السابق أحمد جمال لأنه رفض أن يتدخل ويضرب المتظاهرين.. بل سعى للتعامل معهم بوسائل سلمية.. حضارية.. وجاء سلفه لينفذ المطلوب.. فتضاعف عدد القتلى.. وانتشرت التظاهرات.. وسادت موجة العصيان المدنى.. وبدأت محافظات تعلن استقلالها عن السلطة المركزية.
لكن.. أخطر ما نتجت عنه سياسة الوزير الجديد هو إضراب الشرطة نفسها.. أغلقوا الأقسام بالجنازير.. توقفوا عن العمل فى الشوارع.. انسحبوا من خدمات الرئيس.. وانضموا إلى باقى فئات المجتمع الغاضبة.
والمؤكد أن «عندهم حق».. فقد سقط منهم قتلى دون تقدير.. وهم يخشون المحاكمة لو وقفوا وتصدوا.. وهم متهمون بالقتل ولو ارتكب الجريمة طرف ثالث خفى لم يتوصل إليه أحد.. ولايزال يوقع بينهم وبين القوى الثورية الغاضبة.. لكن.. خروجهم من المشهد الأمنى هو الخطر بعينه.. فهم بأنفسهم يسهلون للجماعة وأنصارها مهمة القضاء على الشرطة.. عدوهم الأول.. والأخير.
إن الإخوان لا يشعرون بانزعاج من عصيان الشرطة.. فسوف يجدون فيه مبررا للقضاء عليها.. والانتقام منها.. وسيجدونها فرصة للإسراع بتكوين شرطة بديلة من ميليشياتهم المدربة على السلاح.. سيدخلون أفرادها فى دورات سريعة لن تزيد عن شهور قليلة.. ليخرجوا إلى الشارع.. فى زى مختلف.. ليضعوا أنفسهم فى خدمة النظام قبل أن يهتموا بأمن المواطن.
وربما يؤكد ذلك.. إعلان التنظيمات الجهادية السابقة أنها ستحمى أسيوط.. حيث تكونت.. إذا ما أضربت الشرطة عن العمل.
وستتكرر الدعوة فى أماكن أخرى.. لتولد الميليشيات الدينية.. والميليشيات المضادة لها.. لتصبح الحرب الأهلية أسرع وأسهل.. وتقسيم مصر أمراً واقعاً.
ولو وجد الجيش نفسه فى مكان الشرطة فإن الخطر الذى تعرضت له فيما قبل سيناله فيما بعد.. ليمتد التهديد بالتفكيك إلى المؤسسة العسكرية.. خاصة أن الولايات المتحدة تطالبه منذ نحو ثمانى سنوات بأن يغير استراتيجيته الدفاعية من الحرب المفتوحة فى الصحراء إلى الجماعات المكثفة المدربة على مواجهة التنظيمات الإرهابية.. وأبدت واشنطن استعدادها لمزيد من الدعم المالى لو حدث هذا الانقلاب.. وبررت رغبتها بأن هناك معاهدة سلام مع إسرائيل.. وليس فى الأفق عدو آخر يبرر بقاء الجيش المصرى على ما هو عليه.. حجما وتسليحا.. ولو جرى تسريح الجيش المصرى لن يكون هناك جيش عربى آخر يمكن أن يحارب.. فقد قضى على الجيش العراقى بالغزو.. وقضى على الجيش السودانى بحرب أهلية طويلة الأجل.. ويقضى على الجيش السورى بالحرب الأهلية التى تجرى هناك.
ولو كان انسحاب الشرطة سيفرض حروبا بين الميليشيات فى المحافظات فإن ما سيحدث للجيش ربما سيؤى إلى انقسامات أكبر وتقسيمات أكثر.. لتتحقق فى النهاية خطة أن تصبح الدولة المصرية الموحدة أكثر من دولة صغيرة متفرقة.
ولن يبكى الإخوان ومن فى خنادقهم على الشرطة ولا الجيش.. فهم يحلمون بتكرار النموذج الثورى الإيرانى.. حيث انتهى الجيش النظامى القوى وأصبح الحرس الثورى الذى خرج منه الرئيس أحمدى نجاد هو البديل لكل المؤسسات الدفاعية والأمنية.
وأبدت الحكومة الإيرانية استعدادها لمساعدة النظام الإخوانى الحاكم فى مصر فى تكرار تجربتها.
إن معظم النار من مستصغر الشرر.. وما نراه على أرض مصر من تصاعد الأحداث.. وانتقال البلاد من حال إلى حال.. يجب أن ننتبه إلى أن طرد الشرطة من الخدمة سيجر علينا خراباً.. يتجاوز فقدان الأمن إلى فقدان وحدتنا السياسية والجغرافية.
أعرف أن هناك تجاوزات فى الشرطة.. يمكن معاقبة من يرتكبها.. لكن.. يجب الحفاظ على هذه المؤسسة حماية لنا.. وحرصا على وطننا.. ضياع هذه المؤسسة سيؤدى إلى ضياع باقى مؤسسات الدولة.. فهناك فى كثير من المبانى عمود لو ضرب انهار المبنى على من فيه.
إن أخطاء الشرطة لا تعنى القضاء عليها.. وإلا منعنا السيارات خوفاً من حوادث المرور.. وحرمنا السكاكين لأنها يمكن استخدامها فى القتل.. يجب إعادة النظر فى كيان الشرطة.. لا إلغاء هذا الكيان.. وهناك أبرياء بينهم وبين الشرطة خصومة.. تدفعهم لمساندة الإخوان دون أن يدروا فى تحقيق هدفهم الخفى.. تفكيك المؤسسات السيادية.
الطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الطيبة