أولا : المتابعة فى الخطأ والخطيئة
1 ـ الخط الواضح فى هجوم د. كامل النجار على الاسلام هو أنه يخلط بين الاسلام و المسلمين
ليحمل الاسلام اوزار المسلمين بدءا من الفتوحات ، ويتردد هذا بكثرة فى كتاباته ، فيقول مثلا : (. أما الإسلام فلم يخرج من المدينة إلا على أسنة الرماح والسيوف.) أى يعتبر مافعله الصحابة فى الفتوحات تطبيقا فعليا للاسلام.
عندما خرج الصحابة من المدينة لغزو بلاد لم تقم بالاعتداء عليهم ، وحينما احتلوا تلك البلاد بعد نهب خيراتها وقتل ابنائها وسبى نسائها فان كل ما فعلوه يتناقض مع شريعة الاسلام . بل إنهم حين كانوا يعرضون على ضحاياهم الذين يغزونهم قبل الحرب أن يقبلوا واحدا من ثلاثة : إما الاسلام أو دفع الجزية أو الحرب فانهم كانوا يتناقضون مع ألف آية قرآنية تؤكد على انه لا إكراه فى الدين وأن لكل انسان حقه المطلق فى العقيدة و انه مسئول عن اختياره امام الله تعالى يوم القيامة.
أى أن ما انتشر بسيف الفتوحات لم يكن الاسلام الحقيقى وانمااستعمار واستيطان بالقوة أدى فيما بعد الى نشأة أديان ارضية رجعت بها الديانات السابقة الى الظهور تحت اسم الاسلام فقط .
وبمعنى آخر اسهمت الفتوحات العربية التى حملت ـ ظلما وزيفا ـ اسم الاسلام فى تعريف العالم باسم الاسلام فقط ، وقدمت بذلك اكبر طعنة للاسلام الحقيقى إذ ربطته بالسيف والعنف من وقتها وحتى الان .وهنا نؤكد ما كررناه كثيرا من أن تلك الفتوحات هى أول خروج صريح على تشريع القتال الدفاعى فى الاسلام ، وأول انتهاك سافر للسنة التى اتبعها النبى محمد فى نشر الاسلام بالرسائل السلمية ومجرد التبليغ .
2 ـ وسنرد فيما بعد وبالتفصيل عن تناقض التشريعات بين الاسلام و المسلمين ، ولكن نؤكد هنا أن تشريع المسلمين تناقض مع تشريع الاسلام لأنه قام على أساس تسويغ الفتوحات بأحاديث ضالة ينسبونها كذبا للنبى محمد عليه السلام ، ومنها حديث ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله ..) وهو الحديث الذى يخالف أكثر من ألف آية قرآنية تتحدث عن حرية العقيدة و تأكيد الوجه السلمى للاسلام التى اعتدوا فيها على من لم يعتد عليهم .
وباختراع الأحاديث فى العصرين الأموى و العباسى و نسبتها للنبى محمد بعد موته بقرون ـ وبأثر رجعى ـ أقام المسلمون لأنفسهم أديانا أرضية حين جعلوا تلك الأحاديث وحيا الاهيا ، وهم بذلك ينكرون اكتمال الاسلام بانتهاء القرآن الكريم نزولا ، ويكفرون بقوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) ( المائدة 3 ) .
وبالتالى فان المسلمين فى العصر العباسى هم الذين أرسوا ذلك الخط الظالم بين الاسلام و المسلمين حيث جعلوا ضمن الاسلام كل حديث يتم صنعه وكل فتوى يتم صياغتها ، أى يظل دين الاسلام عندهم ناقصا محتاجا ـ دائما ـ للمزيد ، ويظل النبى محمد عليه السلام متهما بأنه ما بلغ الرسالة كاملة ، وأنه ترك جزءا كبيرا منها ضائعا لم يبلغه ، وترك للاجيال الآتية أن تقول فيه ما تريد ، وأن تختلف فيه كيف تشاء ، وأن تتناقض فيه الى ابعد مدى.
أى قامت تلك الأديان الأرضية للمسلمين بإزالة الفارق بين الاسلام و المسلمين ، فكل تراث المسلمين داخل ضمن الاسلام مهما كان متناقضا مع القرآن الكريم ، ومهما كان متناقضا مع بعضه البعض .
وهكذا ، فإن الخلط بين الاسلام و المسلمين هو خطيئة أرساها السلف ( الصالح ) ويروج لها حاليا السلفيون الذين يطبقون فقه التراث بالحديد والنار، ويتابعهم معظم الناس حين يطلقون على أعمدة هذا التيار السلفى ( السياسى و الارهابى ) لقب (الاسلاميون ) وليس لهم علاقة بالاسلام سوى التناقض .
3 ـ ونحن ـ القرآنيين ـ نضع فاصلا قاطعا وصارما بين الاسلام ـ وهو القرآن وكفى ـ وبين تراث المسلمين وتاريخهم وحضارتهم ، وبعده نفهم الاسلام من خلال القرآن الكريم فى قراءة موضوعية وفق مفاهيمه ومصطلحاته ، ثم نناقش من خلال القرآن الكريم تناقض الفقه السلفى و تشريعاته مع القرآن الكريم لنجرد ذلك التيار من أقوى سلاح يملكه ، وهو رفع راية الاسلام التى يستطيل بها على العالمين.
ولكن ياتى د. كامل النجار ليتابع السلفيين فى هذه المنهجية فيخلط بين الاسلام والمسلمين وينسب الى الاسلام جرائم المسلمين . وهنا خروج عن المنهج العقلى و العلمى يستحق بعض التفصيل .
ثانيا
الاسلام شىء و المسلمون شىء آخر
1 ـ هناك فارق بين المبدأ وتطبيقه ، فمن السهل أن تصدر الأوامر وتوضع الخطط والأفكار ، ولكن تطبيقها يخضع لظروف الزمان والمكان وأهواء الانسان.
يسرى هذا على النظريات والأفكار البشرية ، فالشيوعية مثلا اختلفت رؤاها الفكرية بين لينين وتروتسكى ، واختلفت تطبيقاتها مع الأصول الفكرية لما قاله ماركس ، ثم إختلفت تطبيقاتها فيما بين الصين والاتحاد السوفيتى ويوغوسلافيا ورومانيا .
الديمقراطية فكرتها واحدة ولكن تختلف تطبيقاتها فى دول أوربا وأمريكا. وحتى مصطلح العلمانية ومدى الفصل بين الدين والدولة لا يخلو من اختلاف نظرى وتطبيقى. هذا على المستوى البشرى الفكرى والعملى التطبيقى.
2 ـ تراه أيضا فى الدين الالهى السماوى وفى الأديان البشرية الأرضية.
تراه فى المسيحية التى تتسم بالحب والتسامح والعفو والمغفرة ، ولكن تحت رايتها تمت الكشوف الجغرافية واسترقاق شعوب وابادة بعضها على يد الاسبان أكثر المسيحيين تمسكا بالمسيحية ، ثم سارت بقية شعوب أوربا المسيحية على نفس الطريق فى استعمار واستعباد وقهروسلب واستغلال شعوب العالم .
ودفع الثمن فى العصور الحديثة معظم أمم العالم من الهنود الحمر فى أمريكا وشعوب آسيا فى اندونيسيا والهند والصين والهند الصينية والشعوب المسلمة فى أواسط آسيا الى العرب والأفارقة. كل العالم تقريبا قامت أوربا المسيحية باستغلاله وقهره خلال ثلاثة قرون انتهت بحربين عالميتين أزهقت حياة الملايين من البشر الأبرياء .هذا عن العصر الحديث ، اما ما سبقه من حروب صليبية وغير صليبية فهو أبشع.
فى كل ذلك التاريخ الدموى لأوربا المسيحية لم يتهم أحد المسيحية بأنها دين الارهاب والابادة الجماعية ، ولم يجعلها احد مسئولة عما فعله المسيحيون الأوربيون. المسيحية لم تتحمل وزر الاستعمار الأوربى والمذابح الغربية بدءا من استعمال السيف والرمح فى العصر الرومانى الى استعمال القنبلة الذرية فى الحرب العالمية الثانية ،والأسلحة المحرمة دوليا فى فيتنام وما بعد فيتنام.
المسيحية الأوربية كان أساسها العدوان على الآخر وقهره بدءا من الرومان الى الأسبان ثم الصرب والكروات والأمريكان فى عصرنا الحالى . وهذا التطبيق الأوربى للمسيحية يناقض التطبيق المصرى لها ، فالمسيحية القبطية المصرية تقوم على الصبر على الظلم والاستكانة له دون اللجوء للثورة عليه إلا عندما يبلغ الظلم مداه.
3 ـ إن التطبيق البشرى لمبادىء المسيحية والاسلام يتشكل تبعا لثقافة كل دولة أو مجتمع ، ولهذا ترى فى المسيحية الأوربية ملامح أوربا ، وترى فى المسيحية المصرية القبطية ملامح الثقافة المصرية الزراعية ، كما يختلف التدين المصرى بالاسلام عن التدين الصحراوى العنيف الذى تجده فى الجزيرة العربية وأفغانستان والجزائر ، كما تجد التدين الايرانى بالاسلام ترديدا للعقائد الفارسية القديمة تحت اسم التشيع.
أى إن ما حدث فى المسيحية من تطبيقات مختلفة حدث مثله مع الاسلام.
الفارق الوحيد هنا أنهم برءوا المسيحية من جرائم إرتكبتها الأكثرية من معتنقى المسيحية ، وظلت ترتكبها منذ فجر المسيحية الى منتصف القرن العشرين ، من عصر الرومان الى وقت الصرب والأمريكان ، وفى نفس الوقت جعلوا الاسلام هو المسئول عن ارهاب ارتكبته تنظيمات لا يمكن أن يصل عدد أفرادها بضع مئات الألوف ضمن تعداد للمسلمين يصل الى بليون ونصف البليون من البشر.
هذا الفكر السلفى هو المسئول عن معظم الجرائم الارهابية ، وقد انتشر بنفوذ الدول النفطية ،وقد تمرد بعض رموزه على تلك الدول بينما لا يزال شيوخه الرسميون يحتمون بسلطانها . هذا الارهاب السلفى جاء ردا متأخرا على تاريخ لارهاب مستمر مارسه الاستعمار الأوربى المسيحى إمتد قرونا ، كما جاء أيضا نتيجة لاستغلال أمريكى له فى حربها ضد الشيوعية فى أفغانستان. أمريكا المسيحية هى التى تحالفت مع نشطاء هذا الفكر واستغلتهم فى أفغانستان ضد نظامها الشيوعى ، ثم إنقلبوا عليها. اى هو استغلال سياسى لفكر سلفى يناقض الاسلام جملة وتفصيلا . ومع ذلك فقد جعلوا الاسلام هو الذى يتحمل وزر ما فعله وما يفعله الارهابيون ومن يحركهم، حيث يطلق عليهم الغربيون و العلمانيون العرب اسم ( الاسلاميون).
ولقد قضيت ثلاثين عاما من عمرى أرد على هذه المقولة الخاطئة منهجيا وعلميا . وكتبت الكثير فى هذا ، ولكن بعض الناس يكتب دون ان يقرأ .
ثالثا : الاسلام هو ماينبغى ما يكون،أما المسلمون فهم ما هو كائن.
1 ـ الاسلام أو أى دين أو أى منهج أخلاقى أو تشريعى هو مبادىء وأوامر ونواهى ونظم وقواعد كلها فى الأصل تنحو نحو ما ينبغى ان يكون . أما التطبيق البشرى فهو ما هو كائن فى الواقع من سلوكيات وأفعال. ولا يصح الخلط بين ما هو كائن وما ينبغى أن يكون .
الاسلام فى القرآن الكريم هو تلك القيم الى تدعو للسلام و حرية العقيدة و الفكر و العدل و القسط والرحمة والتعاطف و هو (الأمر ) بكل ما هو (معروف )من تلك القيم الانسانية. وهو ايضا ( ينهى عن ) كل ما هو (منكر) من الظلم والعدوان و البغى والاثم والفحشاء والفجور والفساد و الجحود .
أفعال المسلمين ترجع اليهم ولا شأن للاسلام بها ، سواء كان ذلك بإضافة أحاديث كاذبة وتحريف معنوى للقرآن الكريم بزعم النسخ أو بالتأويل والتفسير، أو بما قاموا به من غزوات واحتلال و نهب وسلب واسترقاق وارهاب وظلم بالمخالفة للقرآن الكريم.
وفى كل ذلك كتبنا مئات المقالات والبحوث ومعظمها منشور على الانترنت.
ولكن صاحبنا لا يقرأ.
2 ـ حسنا ...
فهل صاحبنا ايضا لايعقل ما يجرى فى الواقع المعاش؟
فى الواقع المعاش فالاسلام ليس مسئولا عن اجرام المسلمين المنتسبين اليه ، فهناك ملايين الأشخاص المجرمين المساجين كل منهم يحمل اسما اسلاميا مثل (محمد ، أحمد ) فهل نضع الاسلام معهم فى السجن ؟
وهل الاسلام مهدد بدخول السجن مع ذلك الضابط فى البوليس المصرى الذى اسمه (اسلام نبيه ) المحكوم عليه بالسجن لقيامه بتعذيب وانتهاك حرمة شخص اسمه (عماد الكبير )؟
وأولئك المجرمون الآمرون بالتعذيب والقائمون بتنفيذه فى سجون الوطن العربى ، كل منهم يحمل إسما اسلاميا و ينتمى الى الاسلام ، وبعضهم يجهر بلعن الاسلام والقرآن الكريم ـ كما حدث فى تعذيب القرآنيين ـ ليكيد الضحية الذى يعذبه .!! فهل الاسلام هو ما يفعلون ؟!!
وهناك ملايين المنتمين للمسيحية فى السجون ولهم اسماء مستوحاة من العهدين القديم والحديث فهل نؤاخذ المسيحية باجرامهم ؟
دعنا من حديث الاجرام .
لدينا شخص اسمه ( كامل النجار ) يحمل لافتة أو اسما يميزه عن غيره يقول إنه (كامل النجار ). ما هو كائن هو ذلك الشخص ، أما ما ينبغى ان يكون فهو اللافتة التى تقول إنه ( كامل النجار )
فهل نطالب (كامل النجار ) بأن يكون تطبيقا حرفيا لاسمه ؟
هل لا بد أن يكون كامل (كاملا ) فى الشكل والمظهر و السلوك ؟ هل لا بد أن يفوق (يوسف ) عليه السلام فى الحسن والجمال ، ويتفوق على شوارزينجر ( الثمانينيات ) فى العضلات ، وعلى المطرب عبد الحليم حافظ فى عذوبة الصوت ، وعلى اينشتاين فى الذكاء و على غاندى فى الصبر والاحتمال وعلى كل الأنبياء فى سمو الأخلاق ؟
هل نطالب (كامل النجار ) بكل هذا الكمال طبقا لاسمه الذى يزعمه ؟ وإلا اعتبرنا اسمه تزويرا فى اوراق رسمية ؟
ثم تاتى المعضلة الأخرى ، وهى ( النجار )..
فهل نطالبه بالتخلى عن تلك (الدال ) إذا كان طبيبا أو استاذا حاصلا على الدكتوراة و نلزمه بالعمل نجارا ليتطابق الاسم على الواقع ـ ولكى ينطبق ما هو كائن على ما يجب أن يكون ..؟
لو سألتمونى عن رأيى لاخترت له أن يعمل نجارا فربما يفلح فى هذه المهنة أفضل من قيامه بالكتابة ..
فكيف يفلح كاتب يكتب دون ان يقرأ ..؟ !!
والى اللقاء فى الحلقة القادمة ..