كلما خطب تراجعت شعبيته انتقادات لاذعة لقول مرسي إن الشرطة جزءٌ من الثورة -عدو نفسه وعدو شعبه

في السبت ١٦ - مارس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أثارت خطابات مرسي الأخيرة سخرية المصريين، إذ لم يقبلوا سقطته بقوله إن الشرطة وضباط وجنود الأمن المركزي جزء أساس من ثورة 25 يناير، التي قامت أساسًا ضد بطشهم. ويرى محلل أن زلات لسانه المتكررة تساهم في تراجع شعبيته.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: تثير خطابات الرئيس المصري محمد مرسي الكثير من الجدل في مصر، لاسيما أنها عادة ما تتسم بالتطويل والاسترسال غير المفيد، إضافة إلى سوء التصوير، وغالباً ما تأتي بنتائج عكسية.

أضاف مرسي إلى ذلك سمة جديدة، تتمثل في أن خطاباته تحمل بعض المغالطات، ولعل أبرز مثال، هما آخر خطابين له، ألقاهما خلال أقل من 24 ساعة. وساهمت خطابات مرسي في تخفيض شعبيته بدرجة كبيرة، كما ساهمت في إثارة سخط وسخرية النشطاء، لاسيما بعدما اعتبر أن "الشرطة كانت في القلب من ثورة 25 يناير"، التي اندلعت بالأساس ضد استبداد وقهر الشرطة للمصريين.

"معاكم يوم بيوم"
ألقى الرئيس محمد مرسي، خطاباً مسجلًا، خصّ به أهالي مدينة بورسعيد، التي تموج بحالة من الغضب ضد نظام حكمه، منذ 26 يناير/ كانون الثاني، الماضي، وصلت إلى حد اضطرار الرئيس إلى فرض حالة الطوارئ، وحظر التجوال فيها لمدة 30 يوماً، ثم إخلائها من قوات الشرطة، وتحميل الجيش مسؤولية حفظ الأمن في المدينة.

وفي محاولة منه لاسترضاء أهلها، أصدر قرارات بجعلها منطقة حرّة، وتخصيص 400 مليون جنيه سنوياً لها من عائدات قناة السويس، إلا أن كل ذلك لم يساهم في إعادة الهدوء إلى المدينة.

وقال مرسي في كلمته، "النهارده، أنا عاوز أقول لكم: أنا عايش معاكم يوم بيوم، ساعة بساعة، أنا عارف أن الظروف صعبة. وأنا عارف أن احنا كلنا، الآباء والأمهات، متأثرين باللي حصل. وزيّ ما انتو عارفين، بلدنا مصر بتاعتنا كلنا، شايلين مع بعض وماشيين لحد ما نوصل لبرّ الأمان".

وأضاف مرسي، الذي كان يتحدث جالساً، وتبدو عليه ملامح الإرهاق الشديد، فالنعاس كان واضحاً في عينيه: "مطالبكم، ولادكم، حقوقهم، العمل، المينا، المنطقة الحرة، حقكم جميعاً. في عنّيا، في قلبي، زيّ باقي المصريين، دي مسؤوليتي، وأنا ماشي معاكم لغاية الآخر، متحمّل المسؤولية إن شاء الله".

بلا مضمون
أثار خطاب مرسي عاصفة من الانتقادات من جانب أهالي بورسعيد، والسخرية أيضاً، لاسيما أن الخطاب جرى تصويره بشكل رديء جداً، فظهر كأنه مصوّر بكاميرا هاتف نقال سيئة، وليس عبر الموديلات الحديثة حتى منها، إلى جانب أن الخطاب جاء خالياً من أي مضمون حقيقي، ولم يتضمن أية قرارات، من التي يتوقعها أهل المدينة، ومنها مساواة القتلى، الذين سقطوا خلال أعمال العنف الأخيرة، بشهداء الثورة.

وقال الناشط السياسي، جورج إسحاق، الذي ينحدر من بورسعيد، إن خطاب مرسي لأهالي بورسعيد، جاء مخيّباً للآمال، وموضحًا لـ"إيلاف" أن الرئيس تأخر كثيراً في لقاء أهالي المدينة والتحدث إليهم، مشيراً إلى أن الأحداث مشتعلة منذ نحو شهرين، ولكنه لم يتحدث إلا الآن.

وأضاف أن أهالي القتلى كانوا يتوقعون أن يصدر قرارات بمساواة أبنائهم، الذين فقدوا حياتهم في الأحداث الأخيرة، بشهداء ثورة 25 يناير. ولفت إلى أن الرئيس لم يعلن نتائج التحقيقات في الأحداث، لمعرفة القاتل ضمن الأحداث التي راح ضحيتها أكثر من 43 قتيلاً، معتبراً أن الخطاب كان سيئاً على المستويين السياسي والإعلامي، لأن تصويره كان سيئاً للغاية.

تصوير رديء
أثارت رداءة تصوير خطاب الرئيس مرسي عاصفة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما فايسبوك وتويتر، وكتب النشطاء تعليقات كثيرة منها: "يامرسي إنت جيت على رأس الدولة غلطة وأكيد قريب قوي.. الغلطة دي حتتصحح". وكتب آخر "هو الراجل اللي كان بيصوّر كلمة الرئيس لأهالي بورسعيد عضو في جبهة الإنقاذ؟"، في إشارة إلى أن هذا السوء، لا يمكن أن يفعله في مرسي، إلا أحد معارضيه من جبهة الإنقاذ الوطني من أجل تشويه صورته.

رشوة من باسم يوسف
ولأن الإعلامي باسم يوسف، مقدم برنامج "البرنامج"، لا يكفّ عن السخرية من الرئيس، حول طريقة حديثه في خطاباته السياسية، كتب أحد النشطاء: "يبدو أنها مصوّرة بكاميرا موبايل".

وأضاف: "على ﻓﻜﺮﺓ ﻣﻦ الآﺧﺮ ﻛﺪﻩ.. ﺍﻟلي ﺑﻴﻌﻤﻞ ﺧﻄﺎﺑﺎﺕ ﻟﻤﺮسي ﻗﺎﺑﺾ ﻣﻦ ﺑﺎﺳﻢ ﻳﻮﺳﻒ". وعلق أحد النشطاء على مناداة مرسي لأهالي بورسعيد بـ"آبائنا، أمهاتنا، أخواتنا"، ساخراً فكتب: "بورسعيد، البورسعيدية، آباؤنا، أمهاتنا، أخواتنا، أولادنا وبناتنا وأنا وأنت... ورقصني يا جدع.. ده ملخص كلمة مرسي".

شائعات عدو الخارج
إلى ذلك، ألقى الرئيس مرسي خطابه الثاني اليوم الجمعة في معسكر الدراسة لقوات الأمن المركزي، في محاولة منه، لاسترضاء ضباط الشرطة، الذين دخلوا في إضراب عن العمل، احتجاجاً على ما وصفوه بـ"تسييس الشرطة"، وللمطالبة بإقالة وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، ولم يسلم من الانتقادات، أو السخرية، لاسيما أنه تضمن العديد من السقطات والأخطاء أو المغالطات.

وقال مرسي في خطابه، الذي ألقاه واقفاً، وإلى جواره وزير الداخلية: "إن هذا اليوم هو يوم مبارك، وأنتم جنود مصر، الذين تسهرون على حماية الوطن وأمن المواطنين وأمن المؤسسات، وتقومون بتحقيق الأمن بكل معانيه".

وأضاف: "أنتم العين الساهرة التي تحمي هذا الوطن، وأنتم بذلك تخدمون وطنكم الذي يقدركم ويحتضنكم، وينتظر منكم التضحية، وأنتم تعرفون أن هذا الوطن يمر بظروف دقيقة، وأنتم في العين والقلب، وأنتم أحد جناحي حماية الوطن، مع القوات المسلحة داخله وخارجه". وحذر مرسي ضباط وجنود الأمن المركزي من الانسياق وراء الشائعات، وقال: "إحذروا الشائعات، فعدونا في الخارج يسعى إلى تفريق جمعنا".

مغازلة الشرطة
غير أن أخطر ما ورد في خطاب مرسي، عندما تحدث إلى ضباط وجنود الأمن المركزي، معتبراً إياهم جزءًا من ثورة 25 يناير، كانون الثاني، رغم أن الثورة اندلعت بالأساس ضد الشرطة، واختار النشطاء يوم 25 يناير، وهو عيد الشرطة، إحتجاجاً على انتشار التعذيب، ووفاة الناشط خالد سعيد تحت التعذيب.

أثارت هذه السقطة غضب النشطاء، فكتب أدمن الصفحة "كلنا خالد سعيد"، التي ساهمت في اندلاع الثورة: قال الرئيس محمد مرسي، مخاطباً ضباط وجنود الأمن المركزي: "هذا عبورنا الثالث، فلقد كان العبور الأول، والشرطة جزء منه، هو عبور أكتوبر 1973، وكان العبور الثاني والشرطة في القلب منه أيضًا هو 25 يناير 2011. وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون 25 يناير هو أيضا عيد الشرطة وذكرى ما ضحّت به الشرطة ضد الاستعمار وضد المحتل. ثم العبور الثالث ما بعد الانتخابات الرئاسية، ما بعد التوجّه إلى الاستقرار. وها نحن نمر بهذه المرحلة، وأقول أنتم في القلب منها (الثورة) والحراس لها".

"كفاية شعارات وخطب"
كما وجّه أدمن الصفحة انتقاداً إلى الرئيس بقوله: "سيادة الرئيس، لعلنا نذكرك أن يوم 25 يناير تم اختياره من قبل الداعين إلى الثورة، بسبب رمزيته، لما قامت به وزارة الداخلية على مر العصر السابق من قمع، وتحولت إلى يد يبطش بها النظام ضد كل أنواع معارضيه. فكيف نفسر حديثك بأن الشرطة كانت في القلب منها؟.

وأضاف: "بدلًا من هذا الكلام الذي يقلب الوقائع، في محاولة واضحة للتقرب من ضباط وجنود الأمن المركزي: أليس من الأولى أن يقدم الرئيس خطة لإصلاح العلاقة بين المواطنين والداخلية؟، أليس من الأولى أن يضع الرئيس أمام الشعب خطة لإصلاح قطاع الأمن المركزي، الذي يعتمد بشكل أساسي على أعداد كبيرة من المجندين الإجباريين من غير المتعلمين، وتضعهم في خط المواجهة مع المتظاهرين؟، أليس من الأولى أن ينفذ إصلاحات هيكلية تعيد هيبة رجل الشرطة، وتؤهله للقيام بدوره على خير وجه وتحفظ للمواطن كرامته؟، واختتم أدمن الصفحة بعبارة: "سيادة الرئيس: كفاية شعارات .. وخطب!".

عيب يا مرسي!
بدورها وجّهت حركة 6 أبريل، الانتقادات نفسها إلى مرسي، وقالت الحركة في بيان لها: مرسي النهارده قال إن الثورة كانت يوم 25 يناير، وهو أيضاً عيد الشرطة.. وإنه العبور الثاني، والشرطة كانت في القلب منه". وأضافت: "بالنسبة إلى رئيس يملأ آذاننا ضجيجاً بادعائه الثورة.. كما يدعي ليل نهار أنه مرشح الثورة.. عيب ما تكونش عارف سبب اختيارنا للتاريخ ده من 2009 للاحتجاج على الداخلية.. وعيب إنك ماتكونش عارف الشرطة عملت إيه في الشباب في الثورة.. صحيح إنت وجماعتك ما شاركتوش فيها.. بس على الأقل كنتوا تحاولوا تعرفوا الوقائع عشان كلامك يبقى مقبول شوية".

واصلت الحركة الانتقاد بشدة بالقول: "بعدين يا مرسي.. هو إنت مابتفكرش في الكلام قبل ما تقوله؟!، يعني مكتب الإرشاد إدالك "سكريبت" تقراه النهارده.. تروح قايله كده من غير تفكير ولا مراجعة؟!. وأضافت: "يا مرسي أنت وجماعتك، ضعفكم واضح.. و خيانتكم واضحة.. عدم وجود نية أو خطة لتطهير الداخلية تخطيتوه بوضوح عبر نيتكم في تبرير القتل سواء في عهدكم أو في وقت الثورة.. الدم مافيهوش كلام.. وإفتكروا مبارك محبوس ليه".

"خراب ثالث"
وكتب نشطاء عبارات ساخرة، تعليقاً على الخطاب، ومنها: "انت معتبر نفسك عبور ثالث.. يا اهبل إنت خراب، انت دمار، انت فاشل مش عبور"، "الدهل معتبر نفسه العبور الثالث، يا عم أنت النكسة التانية صدقني هي الأحداث بس لخبطت معاك".

"الشرطة في القلب" سقوط لشعبية الرئيس
وقال الدكتور، خالد خيري، أستاذ تحليل الخطاب والرأي العام، إن خطابات الرئيس محمد مرسي الأخيرة، تكشف أنه يعاني حالة اضطراب وقلق، مشيراً إلى أن مرسي، لم يعد يمتلك التماسك النفسي والعصبي، اللذين كان يتمتع بهما في خطاباته الأولى، لاسيما خطابات ميدان التحرير، ثم خطابه أمام قمة دول عدم الانحياز في العاصمة الإيرانية طهران، ثم خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأضاف خيري لـ"إيلاف" أن الاضطرابات التي تموج بها مصر، وعدم قدرة الرئيس على السيطرة عليها، تركت أثراً نفسياً سيئاً عليه، فيبدو أنه مرهق جداً من خلال كلمته لأهالي بورسعيد، ثم خطابه أمام ضباط وجنود الأمن المركزي، فضلاً عن أنه مضطرب أثناء الحديث، وغير قادر على امتلاك ناصية الكلام.

ونبه إلى أن محاولة الرئيس استرضاء الشرطة بأي ثمن، أوقعته في هذا الخطأ القاتل، وهو أن يعتبر الشرطة في القلب من ثورة 25 يناير، رغم أن الثورة قامت بالأساس ضد استبداد الشرطة، ضد التعذيب الممنهج للشرطة. ورأى خيري أن خطابات مرسي ساهمت كثيراً في انخفاض شعبيته، لاسيما أنها عادة ما تتضمن سقطات كثيرة، متوقعاً أن تسهم سقطة "الشرطة في القلب في ثورة يناير"، في الهبوط بشعبيته إلى أدنى مستوياتها خلال الأيام المقبلة.

 

 

 


اجمالي القراءات 3634