الحركات الجهادية: خطر أطنابه ضاربة في عمق مصر

في الثلاثاء ١٩ - فبراير - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

بحجة قيام الخلافة الإسلامية، مصر تقع بين براثن الإسلاميين والجهادييين
الحركات الجهادية: خطر أطنابه ضاربة في عمق مصر

الباحث الأميركي في معهد واشنطن، هارون ي. زيلين، يسلّط الضوء في دراسة حملت عنوان "الجهاديون على ضفاف النيل: عودة اللاعبين القُدامى" على الجماعات الجهادية التي أصبحت تشكل تهديدا كبيرا في مصر وخطرا على مصالح أميركا في المنطقة، مقدما في نهاية الدراسة توصيات للإدارة الأميركية حول كيفية دعم مصر وفي نفس الوقت الضغط على حكومتها لمواجهة هذا التهديد.

واشنطن- أصبحت الجماعات الجهادية تشكل تهديدا كبيرا في مصر بسبب ثلاثة تطورات: المناخ المتسامح للتعبئة الإسلامية بشكل عام منذ الإطاحة بحسني مبارك في شباط/فبراير 2011، وتساهل جماعة "الإخوان المسلمين" الحاكمة تجاه زملائها من الإسلاميين، وضعف الدولة المصرية.

يشير الباحث الأميركي هارون ي. زيلين إلى أن الجماعات الجهادية برزت عقب ثورة 2011 ومنح المجلس العسكري، الذي حل محل مبارك، عفوا للعديد من الإسلاميين، من بينهم أشخاص تلطّخت أياديهم بالدماء. وقد أعلن الكثير من أولئك الرموز عن نبذهم للعنف، وبعضهم أسس أحزابا سياسية، لكن البعض الآخر لم يتغير. وتعمل هذه الفئة الأخيرة، التي لم تنتهج مسار الإصلاح، على إضفاء التطرف على المشهد السياسي الداخلي في مصر وتهديد مصالح الولايات المتحدة.

الجماعات الجهادية الرئيسية ورموزها

تجدر الإشارة إلى اثنتين من جماعات "أنصار الشريعة" المصرية، التي تشبه تسميتها أسماء جهات جهادية إقليمية أخرى. الأولى هي "جماعة أنصار الشريعة في مصر"، التي تأسست في منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2012، وتركز على "الإصلاح" الداخلي، بما في ذلك تطبيق الشريعة وتعويض شهداء الثورة وتطهير القضاء والإعلام والسماح بإطلاق ضباط الشرطة للحاهم وعدم الاعتماد على الربا في المعاملات المالية. وعلى غرار أنشطة جماعات "الأنصار" في تونس وبنغازي في ليبيا، تدير "جماعة أنصار الشريعة في مصر" خدمات مجتمعية محلية مثل توزيع الأضاحي أثناء إجازة عيد الأضحى وتوفير الغذاء للمحتاجين.

وعلى النقيض من ذلك تأتي جماعة "الطليعة السلفية المجاهدة – أنصار الشريعة" التي تأسست في يناير/ كانون الثاني 2013 لكن تم الإعلان عنها رسميا في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني، لتمثل توجها يكتسي مزيدا من الصبغة العالمية. ويدير الجماعة أعضاء سابقون في جماعة "الجهاد الإسلامي" المصرية التي تنشر بياناتها الصحفية على منتديات إلكترونية تابعة لـ تنظيم "القاعدة"، وهي تؤكد على تحرير أراضي المسلمين المحتلة من قبل الأجانب ودعم المجاهدين الأجانب ومقاومة الأيديولوجيات الأجنبية الليبرالية والشيوعية وإبطال تطبيق القوانين العلمانية القادمة من أوروبا ووقف "تنصير" التعليم المصري. وعلى عكس "جماعة أنصار الشريعة في مصر"، لا تعلن "الطليعة السلفية المجاهدة – أنصار الشريعة" عن أي خدمات اجتماعية تتولى تقديمها؛ وقد يركز الكثير منها منذ الإطاحة بمبارك على مقالات وكتب وفتاوى تتعلق بالمرحلة الانتقالية في مصر.

في غضون ذلك، فإن ظهور رمز "حركة الجهاد الإسلامي المصرية" السابق محمد الظواهري، شقيق زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري، قد منح هذه الجماعات مظهرا عاما. وكان الظواهري قد أُطلق سراحه من السجن في آذار/مارس 2012، ويعمل منذ ذلك الحين على الترويج للرؤية الجهادية العالمية من خلال إجراء مقابلات صحفية محلية ودولية. ورغم أنه ينكر أنه عضو في تنظيم "القاعدة"، إلا أنه يتفق مع رؤيتها الأيديولوجية، وعمل من خلال موقع "تويتر" على التحريض على احتجاجات 11 أيلول/ سبتمبر العام الماضي التي جرت أمام السفارة الأميركية في القاهرة. كما تعاون مع رئيس "الطليعة السلفية المجاهدة – أنصار الشريعة" أحمد عشوش في التخطيط لمشاركة الجهاديين السلفيين في مظاهرة مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني دعما للشريعة. وفي ديسمبر / كانون الأول شجّع على مقاطعة الاستفتاء على الدستور وانتقد "الأخطاء في حق الشريعة" التي ارتكبتها جماعة "الإخوان" وزعم أن الميثاق الجديد ليس إسلاميا بما فيه الكفاية.

رغم أن لهذه الجماعات والشخصيات عددا قليلا من الأتباع فقط، كما يتضح من معدلات الإقبال الضعيفة في احتجاجاتهم التي تقع بين الحين والآخر في "ميدان التحرير"، إلا أن هناك مخاطر كبيرة من أن يكسبوا أتباعا جددا خلال الأشهر القادمة. فالانفتاح النسبي في مصر في مرحلة ما بعد مبارك أتاح لهم فرصا غير مسبوقة لإقناع الآخرين بآرائهم. علاوة على ذلك، يرجح أن يكسبوا أتباعا على حساب الأحزاب السياسية السلفية، التي قد يخيب أمل أعضائها في العملية السياسية التي يعتبرونها فعليا "شرا لا بد منه". كما أن تدهور الوضع الأمني الداخلي في مصر سوف يمنح الجهاديين المزيد من الفرص لتجنيد أعضاء جدد. وعدم الاستقرار في سيناء يمكن أن يوفر لهم أيضا أرضا جديدة للتدريب.

لم تفعل الحكومة المصرية سوى القليل حتى الآن لتحجيم ظهور الجهاديين. وفي حين لا يرغب الجيش ولا جماعة "الإخوان المسلمين" في ظهور الجماعات الجهادية، إلا أن كليهما يخشى التداعيات السياسية الداخلية التي قد تنشأ عن تحديهم بشكل مباشر؛ وتخشى "الجماعة" على وجه الخصوص أن تصب مواجهة زملائها الإسلاميين في صالح منافسيها من السلفيين. كما يرى الجيش أيضا أن المشكلة هي قضية تخص الشرطة التي تتحمل عنها وزارة الداخلية المسؤولية في المقام الأول.

ولم يتم حتى الآن تنفيذ سوى عدد قليل من الاعتقالات المرتبطة بتهريب أسلحة الجهاديين عبر مصر إلى سيناء. وعمليات الحكومة في شبه الجزيرة نفسها لم تحدث فارقا يُذكر، حيث يزعم البعض أن العديد من الأفراد الذين قُتلوا أو اعتُقلوا كانوا في الواقع من رجال القبائل البدوية، وليسوا من الجهاديين. وعلاوة على ذلك، لم يُبذل أي جهد للتأكد من صحّة التقارير القائلة إن "شبكة الجمل في مصر" لها صلة بهجوم العام الماضي على المجمع الدبلوماسي الأميركي في بنغازي. كما عجزت القاهرة عن التحقيق في طبيعة العلاقة بين محمد الظواهري وأخيه، زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.

التوصيات السياسية

تقرير مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى جاء في إطار العمل على تقديم توصيات للحكومة الأميركية لمجابهة هذه الحركات التي قد تشكّل خطرا على مصالح أميركا في المنطقة. وفي هذا السياق قدّم هارون ي. زيلين في ختام دراسته مجموعة من التوصيات إلى واشنطن التي عليها الاستعانة بأدوات مختلفة للتعامل مع مشكلة الجهاديين الوليدة في مصر، والضغط على الحكومة المصرية للتعاون مع أميركا واسرائيل حتى لو أدى ذلك إلى قطع المساعدات ومنع الرئيس المصري محمد مرسي من دخول أميركا.

من هذه التوصيات التي ذكرها زيلين: أولا، يجب على الولايات المتحدة أن تشجّع من خلال جماعة "الإخوان المسلمين" على تنفيذ برنامج تفكيكي لاستيعاب الجهاديين وإدخالهم في العملية الدبلوماسية. ولأن مصر لا تملك الأموال الكافية لمحاكاة السعوديين في هذا الصدد، والذين تمكنوا، من بين أمور أخرى، من "إعادة برمجة" المتطرفين من خلال توفير المال والسكن والزوجات، فإنه باستطاعتها اعتماد جانب واحد من البرنامج السعودي، ألا وهو: استخدام العلماء المعتدلين من "الأزهر" لإقناع الجهاديين بخطأ تفسيراتهم لمصادر إسلامية محددة. يجب أيضا أن يكون كبار أعضاء "الجماعة الإسلامية" الذين تخلوا عن العنف في أواخر التسعينات، جزءا من تلك المناقشات، فضلا عن أعضاء منظمة "الجهاد الإسلامي المصرية" التي قبلت مراجعات "الجماعة الإسلامية"…

ثانيا، ينبغي على واشنطن أن تنسق خطواتها مع إسرائيل لتوفير المعلومات الاستخباراتية للسلطات المصرية من أجل مساعدتها على تحديد الجهاديين ومراقبتهم. وعلى الرغم من أن العديد من الجهاديين لم يتورطوا في أعمال عنف منذ إطلاق سراحهم من السجون، إلا أن القدرة على إغلاق شبكاتهم بسرعة أصبحت حتمية في ضوء احتمالية عودتهم إلى تلك الأنشطة في المستقبل. كما أن وضع خطط لشبكاتهم سوف يساعد في تقرير مدى إسهام الجهاديين في وادي النيل في عدم استقرار سيناء…

ولكي ينجح هذا المنهج القائم على ثلاثة أجزاء، يجب على واشنطن، وفق رؤية الباحث الأميركي، أن تقنع القاهرة بأن ذلك يخدم مصالح مصر بشكل أفضل . كما ينبغي على الولايات المتحدة أن توفر حوافز اقتصادية ودبلوماسية فضلا عن استخدامها للعراقيل. على سبيل المثال، إذا لم تتعاون القاهرة يجب عدم السماح للرئيس محمد مرسي بزيارة البيت الأبيض؛ وإذا – مع ذلك – اتخذت الحكومة المصرية إجراءات متسقة بمرور الوقت، فينبغي أن يفكر الرئيس أوباما في القيام بزيارة رسمية لمصر.

وفضلا عن ذلك، في حالة عدم رغبة جماعة "الإخوان" أو الجيش في العمل مع واشنطن حول هذه القضايا، أو إذا واصل مرسي الدعوة إلى الإفراج عن "عمر عبد الرحمن"، فيتعين على الولايات المتحدة أن تعلق المساعدات التي توفرها أو تسحبها أو تغير مقدارها. ونظراً لمدى أهمية المشكلة الجهادية لكل من مصالح مصر والولايات المتحدة، ينبغي أن تكون عنصرا مركزيا في العلاقات الثنائية.
اجمالي القراءات 3311