لا يسعني ألا أن أقر بحقيقة استمتاعي بالمناظرات التليفزيونية التي تجري بين مرشحي الأحزاب في الانتخابات الأولية في أمريكا كما استمتعت من قبل بالمناظرة التليفزيونية التي جرت بين بوش ومنافسه الديمقراطي كيري في الانتخابات الماضية .. و أقر و أعترف بشعور الحسد والغيرة والحقد الذي انتابني نحو الشعب الامريكي .. فالرئيس المحتمل لاقوي دولة في العالم والذي ترتعد أمامه فرائص حكامنا الأشاوس يقف و يستجدي شعبه أعادة انتخابه ويتعرض لأسئلة محرجة من جانب جمهور عادي من الشعب الامريكي ويتعرض لهجوم قاسي من منافسيه ويتعرض لتشكيك في جدوي سياسته الخارجية والداخلية وتعرض لاتهامات قاسية بانحيازه لأثرياء أمريكا والشركات متعددة الجنسيات من جانب المرشح الديمقراطي .. ورغم ذلك لم يخرج عن أعصابه ولم يتهم منافسه ومن أحرجوه بالأسئلة من الجمهور بأنهم يريدون تقويض الاستقرار الذي تتمتع به أمريكا أو انهم أعداء الوطن الذي يتم اختصاره في شخص الحاكم مثلما يحدث في الجزء التعيس من العالم الذي نعيش فيه.
أثناء المناظرات وبعدها لا استطيع ألا أن أقارن بيننا وبينهم .. بين شعوبنا والشعب الامريكي وغيره من الشعوب التي تتمتع بنظام حكم ديمقراطي .. بين حكامنا وحكامهم ..بين نظامنا السياسي ونظامهم .. وهذه المقارنة للأسف تؤدي الي نتيجة و أجابه واحدة للأسئلة المنطقية :
لماذا أمريكا هي اقوي دولة في العالم ولماذا نحن في الدرك الاسفل ؟.. في قاع النظام العالمي الجديد وقاع الحضارة .. ولماذا شعوبنا يتفشي بينها الفقر والتعصب والارهاب ؟.. لماذا تعيش شعوبنا في الماضي بينما تتطلع شعوب العالم نحو المستقبل؟
.. أجابة بسيطة وساطعة وواضحة وضوح الشمس ولكننا لا نراها او نتعامي عنها عمدا حفاظا علي الوهم الذي نعيش فيه وهو أن العالم كله يتآمر علينا خوفا منا .. لا أدري خوفا من ماذا .. نحن لا نمثل تهديدا في أي شيء .. لا تهديد حضاري ولا اقتصادي ولا سياسي ولا عسكري .. ولو أراد العالم القوي ان يسحقنا مثل الحشرات المزعجة لكان قادرا علي ذلك لولا قيم الحضارة المسيطرة علي العالم الآن و خوفا من منظمات حقوق الانسان والاعلام الحر الذي لا يرحم من يعتدي علي المواثيق الدولية .. نفس الاعلام الذي كشف جرائم التعذيب التي حدثت في سجن ابو غريب .. رغم أن نفس السجن وجميع سجوننا العامرة بفضل حكامنا كانت ومازالت تجري فيها مايندي له جبين الانسانية من جرائم تعذيب واعتداء علي ابسط حقوق الانسان , ولكن أعلامنا الوطني الهمام لايستطيع ألا أن يهاجم أمريكا والغرب والآخرين .. أما ما يفعله سادتهم فهو من الخطوط الحمراء والا اصبح نجوم هذا الاعلام هم نزلاء هذه السجون .. وقناة الجزيرة خير مثال علي ذلك .. تهاجم الجميع الا اسيادها حكام قطر .
لا يسع المرء الا المقارنة بيننا وبينهم .. الحاكم عندهم يحاول ان يرضي شعبه ويستجديه ليظل في الحكم أربعة سنوات أخري ويعرف انه بعدها سيكون حاكما سابقا مهما فعل ومهما أجاد في أداء وظيفته لأنه والشعب معه يعرفون أن سنة الحياة هي التجديد وانه دائما هناك من هو أفضل .. ولكننا شعبا وحكاما تسيطر علينا ثقافة الحكم مدي الحياة .. نملأ الدنيا صراخا وأعجابا بسيدنا أبو بكررضوان الله عليه, عندما قال " أن رأيتم في اعوجاجا فقوموني " ونتجاهل عن عمد أو عن جهل أنه لم يقل اعزلوني ..
ونتجاهل عن عمد أو عن جهل ان أي حاكم الآن في أي دولة حرة وديمقراطية يقول لشعبه " أن رأيتم في اعوجاجا فاعزلوني ولا تعيدوا انتخابي" ..
نتجاهل عن عمد أو عن جهل اننا كنا ومازلنا منذ أربعة عشر قرنا نحتاج لعزرائيل ليخلضنا من حاكم هو مكتوب علي الجبين مثل القدر والمرض .. نحتاج لعزرائيل ليخلصنا من الملل الذي يصيبنا من رؤية وجهه الدائم علي وسائل الاعلام وواجهة الصحف لمدة تزيد أحيانا عن ربع قرن , أن لم نكن نريده أن يخلصنا من قهره وظلمه واستبداده .
لا يسع المرء ألا أن يقارن بيننا وبينهم .. شعوب تنتج كل شيء وتتمتع بمستوي معيشه يحسدها عليه العالم كله ولكنها رغم ذلك تحاسب حكامها وتطلب منه المزيد والا فليذهب لمنزله يستمتع بمعاشه ويكتب مذكراته .. بينما نحن شعوبا لا ننتج شيئا ونعيش عالة علي ماينتجه الآخرون و علي كدهم وعرقهم أو علي ما يمن عليه الله علينا من ثروات تخرج من باطن الارض ونستقدم من العالم الاخر من يستخرجها لنا ويعتبر حكامنا انهم يملكون الارض وما عليها وما في جوفها..
ورغم ذلك نملأ الدنيا صراخا أننا خير أمة أخرجت للناس .. وأن العالم يتآمر علينا ولذا يجب علينا أن نفجرهم ونقتلهم وننحرهم ونخرجهم من أرضنا .. رغم أن الجميع يعرف أن غير المسلمين لو خرجوا من أرضنا وتوقفوا عن بيع منتجاتهم لنا ..لما وجدنا ما نأكله ونلبسه ولما وجدنا وسائل مواصلات ألا الابل والجمال ولظلت الثروات الطبيعية في باطن الارض لا تجد من يستخرجها لنا .. نفجر ونقتل السياح كما حدث في في العملية الارهابية في طابا و التي يسميها المهاويس من الارهابيين غزوة سيناء المباركة وكما حدث من قتل السياح في الاقصر من قبل .. رغم معرفة الجميع ان السياحة هي مصدر الرزق للملايين من المصريين ومصدر أساسي للعملة الصعبة التي نستورد بها القمح الذي لاننتجه فما بالك بغيره .. ولكن حياة الشعوب ورخائها لا تهم هؤلاء المهووسين .. المهم ان يصلوا الي السلطة ويعيدوا عصور الاستبداد والقهر التي لم نتخلص منها تماما بعد .
أني لا أخفي أعجابي الي درجة الحقد بالنظام الذي أنتج تلك المناظرة ولا يسعني ألا أن اصرخ قولا أني أحلم " مع الاعتذار لمارتن لوثر كينج " باليوم الذي يستجدي فيه الحاكم العربي شعبه مثلما كان يستجدي أي مرشح للرئاسه في أمريكا شعبه . .
أني أحلم باليوم الذي يكون فيه الشعب في أي دولة عربية هو السيد علي أرضه والحاكم هو الخادم لهذا الشعب..
أني أحلم باليوم الذي نستطيع فيه أن نغير حكامنا دوريا وسلميا دون الحاجة لعزرائيل ليقوم بهذه المهمة نيابة عنا ..
أني أحلم باليوم الذي تدرك فيه شعوبنا أن الحياة هي هبة من عند الله يجب أن نحافظ عليها لا أن ندمرها عبثا في عمليات أرهابية لم ولن تعيد لنا حقا ضائعا ومسلوبا ولا تؤدي ألا الي استعداء العالم علينا ..
أني أحلم باليوم الذي تدرك فيه شعوبنا قبل حكامنا ما هو المعني الحقيقي لحقوق الانسان و أن أهم هذه الحقوق هو حق الانسان في أن يؤمن بأي دين يشاء ويمارس شعائره بحرية تامة طالما لا يفرض ما يعتقد فيه علي الآخرين بالقوة ولا يهين معتقداتهم .. بل وحقه ألا يؤمن بأي دين طالما لا يستهزيء بالاديان ولا يحاربها..
أني أحلم باليوم الذي نفهم فيه معني الشوري الحقيقي والتي حضنا عليها الاسلام وهي انتخاب ممثلين عن الشعب بحرية وشفافية ليراقبوا الحاكم والحكومة ويسنوا القوانين التي تحمي حقوق المواطن وليس ولي الامر ويكون الشعب من خلال ممثليه قادرا علي عزل أي حاكم لا يؤدي واجبه كما يجب .. بطريقة سلمية دون الحاجة لقتله أو سحله ..
أني أحلم باليوم الذي تدرك فيه شعوبنا ان الذي انتصر و يقود العالم الآن ليس أمريكا أو غيرها ولكنها نظم الحكم الديمقراطية التي تحترام حقوق الانسان وحقوق المواطن بصرف النظر عن الجنس او الدين او اللون ..
أني أحلم باليوم الذي تدرك فيه شعوبنا أن الديمقراطية لا تتعارض مع الاسلام أو اي دين ولذا لا مبرر أطلاقا لما يدعيه البعض من طلاب السلطة مما يرفعون راية الدين رياءا ليبتزوا مشاعر البسطاء من شعوبنا من أقصاء الديمقراطية كنظام للحكم و أنها في الحقيقة مع الانتخابات الحرة النزيهة لاختيار الحكام والسلطة التشريعية هي التطبيق العصري للشوري .
أني أحلم فهل هناك من يحلم معي .. أم تراني أخرف ..
عمرو اسماعيل