أخبار مروعة تناقلتها وكالات الأنباء عن جرائم يندى لها الجبين ترتكب ضد المسيحيين وغيرهم من أصحاب الديانات من غير المسلمين في العراق من قبل الفاشية الإسلامية، من السنة والشيعة على حد سواء. كذلك جرائم لا تقل بشاعة ترتكب في مصر ضد المسيحيين الأقباط منذ سنوات. ففي العراق تفيد الأنباء أن أتباع منظمة القاعدة الإرهابية يطرقون أبواب بيوت المسيحيين من سكان مدينة الدورة الواقعة جنوبي بغداد، يضعونهم أمام ثلاثة خيارات: أما التخلي عن دينهم واعتناق الإسلام، أو الرحيل عن العراق وترك ممتلكاتهم غنائم للمسلمين، أو يواجهوا القتل. وفعلاً تم قتل المئات منهم وأحرقت كنائسهم وذبح العديد من القسس والرهبان ذبح النعاج باسم الله والإسلام، وفرَّ معظمهم عن مناطق سكناهم إما في هجرة داخلية أو هجرة خارجية.
قد يعترض البعض من الإسلاميين على مصطلح (الفاشية الإسلامية) ويعتبرونها تجاوزاً على الإسلام!! فأوضح لهؤلاء بأن الفاشية هي أية حركة تعادي الإنسان بسبب انتمائه العرقي أو الديني أو الاختلاف في اللون أو اللغة وغيرها. وعليه وكما أن هناك فاشية قومية قادت شعوبها إلى كوارث، كذلك هناك فاشية إسلامية تهدد البشرية بالدمار، ولا بد أن يسحقها التاريخ كما سحق الحركات العنصرية الأخرى. فالنصر النهائي للأخوة الإنسانية والحضارة البشرية ولا بد أن تنتصر الحضارة على الهمجية.
هذه الجرائم ترتكب من قبل أتباع القاعدة في العراق الذين جاءوا من خارج الحدود ل"الجهاد" ضد الاحتلال الأجنبي كما يدعون. ولكن لا يمكن تبرئة الغلاة العراقيين من هذه الجرائم، إذ كيف لهؤلاء الأجانب أن يعرفوا أماكن سكن المسيحيين دون مساعدة الغلاة العراقيين من أبناء المدينة؟ كذلك يتعرض المسيحيون الأقباط في مصر إلى اعتداءات متكررة بين حين وآخر منذ سنوات من قبل الغلاة الإسلامويين وعلى مرأى ومسمع من رجال السلطة ورجال الدين هناك وآخرها تلك الجرائم التي وقعت يوم الجمعة 11/5/2007 حيث تم حرق العشرات من بيوت ومحلات تجارية للأقباط في قرية (بهما) بمركز العياط في محافظة الجيزة المجاورة للعاصمة أثناء الاشتباكات التي اندلعت عقب صلاة الجمعة.(بي بي سي العربية).
والسؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا هذا الصمت المطبق من قبل الحكومة ورجال الدين وحتى أولئك الذين يدعون الاعتدال، إزاء الجرائم البشعة ضد أصحاب الديانات الأخرى من غير المسلمين في العراق ومصر وغيرهما من البلاد العربية؟ كذلك ندين صمت الكتاب الإسلامويين الذين كرسوا أقلامهم فقط للدفاع عن الإسلام السياسي والترويج له ومواجهة أي كاتب علماني ينتقد جرائم هذا الإسلام السياسي. إذ يعتبر هؤلاء أي نقد لهم بهذا الخصوص هو نقد موجه ضد الله ورسوله وضد الإسلام. فجرائم الإرهابيين الإسلاميين هي نتاج لما يتلقونه من تحريض من أئمة المساجد وفقهاء الموت.
الإسلام يصف الساكت عن الحق بأنه شيطان أخرس. لذلك من حقنا أن نسأل الفقهاء المسلمين المعتدلين، من السنة والشيعة وغيرهم من أصحاب الحل والعقد، لماذا إذنْ هذا الصمت المطبق إزاء الفاشيست الذين يرتكبون أبشع الجرائم باسم الإسلام بحق المسيحيين المسالمين العزل، و المعروفين بحبهم للسلام؟
إن مسؤولية القتل الجماعي ضد المسيحيين والصابئة والأيزيديين وتشريدهم من ديارهم بسبب الإرهاب الإسلامي تقع على عاتق الجميع، حكومة وشعباً وأحزاباً سياسية ومنظمات المجتمع المدني وبالأخص رجال السلطة ورجال الدين.
كان على الحكومة العراقية إرسال قوة مسلحة لحماية المسيحيين من سكان مدينة الدورة وغيرها من مدن العراق التي تكاد أن تخلو من سكانها المسيحيين. فمدينة البصرة التي كانت مثالاً لروح التسامح والتقارب والانفتاح بين أصحاب الديانات أفرغت تقريباً من سكانها المسيحيين والصابئة المندائيين بسبب الاعتداءات المتواصلة عليهم من قبل جماعة القاعدة والمليشيات الشيعية وبالأخص عصابات جيش المهدي التي تدعمها إيران.
ونحن إذ نسأل، ما هو موقف المسلمين لو انعكست الآية، كأن وقع مثل هذا العدوان على الجاليات الإسلامية من قبل مسيحيين في الغرب مثلاً؟
الجواب واضح، لقد أقام المسلمون الدنيا ولم يقعدوها احتجاجاً على رسوم كاريكاتيرية بسيطة نشرت في مجلة دنماركية غير مشهورة، كما وتظاهروا ومارسوا العنف ضد الأبرياء احتجاجاً على تصريحات البابا بنديكت في العام الماضي والتي اعتبروها ضد الإسلام وهي لم تكن كذلك. ففي سبتمبر من العام الماضي انتقد البابا بنيديكت السادس عشر مفهوم "الجهاد" في الإسلام، في محاضرة ألقاها في جامعة ريجينزبورج "إن العنف لا يتوافق مع طبيعة الرب وطبيعة الروح". واستشهد بقول من إمبراطور بيزنطي في القرن الرابع عشر بهذا الخصوص. وعندها انفجرت جموع المسلمين في كل مكان في مظاهرات عنيفة وصاخبة أدت إلى حرق كنائس المسيحيين وسفارات دول أجنبية وقتل العشرات من المسيحيين الأبرياء. كل هذا حصل من قبل مسلمين يدعون الاعتدال احتجاجاً على قول للبابا مدعين أن الإسلام ضد العنف. فلماذا إذنْ هذا الصمت المطبق من قبل رجال الدين المسلمين إزاء المذابح البشعة التي يرتكبها غلاة المسلمين ضد المسيحيين؟
من الغريب أن ينفجر المسلمون ضد أبسط أنواع النقد ويريدون فرض تقاليدهم وأعرافهم ودينهم حتى على الشعوب الغربية التي آوتهم في تشردهم من حكوماتهم الجائرة، بينما يسمحون لأنفسهم اضطهاد المسيحيين وحتى قتلهم في بلدانهم والذين هم من السكان الأصليين لتلك البلدان مثل العراق ومصر، وبناة حضاراتها العريقة مثل الكلدو- آشوريين والصابئة المندائيين في العراق، وكذلك الأقباط المسيحيين في مصر الذين صاروا هدفاً سهلاً للغلاة الإسلامويين ومحرومين من أبسط حقوق المواطنة في بلادهم.
هذه هي حالة المسيحيين في بلاد العرب والمسلمين، ومع ذلك يتبجح المسلمون أنهم يحترمون أصحاب الديانات الأخرى من غير المسلمين وأن الإسلام معروف بروح التسامح...الخ. المفروض بالمسلمين دعم أقوالهم بالأفعال. بينما الذي يجري في البلاد العربية هو أن الأفعال عكس الأقوال. وقد ينبري البعض من كتاب الإسلام السياسي ليقولوا لنا أن هؤلاء الإرهابيين هم مجرد شلة اختطفوا الإسلام ويلحقون الأذى حتى بالمسلمين، وهو كذلك. ولكن لماذا لا يقوم هؤلاء الكتاب والمعتدلون من الفقهاء المسلمين بإدانة هذه الجرائم في وسائل الإعلام علناً؟ بينما الذي يحصل هو أن وسائل الإعلام العربية من الفضائيات وغيرها مكرسة للقرضاوي وغيره من فقهاء الإرهاب للترويج للعنف والإرهاب وحث الشباب المسلمين على القيام بالأعمال الانتحارية باسم الجهاد. نحن لا نطالب القرضاوي أو راشد الغنوشي ولا سلمان العودة ومن لف لفهم من فقهاء الإرهاب بإدانة هذه الجرائم، فموقف هؤلاء معروف لدينا وميئوس منه، ولكننا نطالب أولئك المعتدلين من رجال الدين من أمثال السيد علي السيستاني وشيخ الأزهر وغيرهما بإدانة جميع جرائم العنف التي ترتكب بحق المسيحيين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى باسم الإسلام. نطالبهم بإصدار الفتاوى ضد من يرتكب جرائم العنف ضد المسيحيين وغيرهم من مختلف الديانات. أما إذا امتنع هؤلاء عن إدانة هذه الجرائم، فمن حقنا عندئذٍ أن نقول لهم أن السكوت من الرضا، ونذكرهم بالنص الإسلامي: (الساكت عن الحق شيطان أخرس.)
وفي الوقت نفسه فإننا نهيب بحكومة المالكي أن تبذل كل ما في وسعها لحماية المسيحيين وغيرهم في العراق وإلا فإنها مجرد حكومة على ورق وأسيرة المنطقة الخضراء كما يصفها كثيرون.