الإخوان يبايعون جمال مبارك رئيسا للتخلص من حكم المؤسسة العسكرية

في الثلاثاء ٢٤ - يونيو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

عبد الحفيظ سعد
أكثر ما يؤرق جماعة الإخوان المسلمين الآن هو إيجاد رجل قوي.. حديدي.. يلعب دور الرجل الثاني.. ويمسك بكل الخيوط في يده.. ويستطيع أن ينفذ ما يقول.. ويفي بما يعد به.. ويمتلك حنكة كافية تؤهله للعب دور ضابط الاتصال مع مؤسسات الدولة والمجتمع المختلفة.

ظهرت هذه الأزمة بغياب خيرت الشاطر النائب الثاني للمرشد في غياهب السجون بعد الحكم عليه بالسجن في القضية العسكرية الأخيرة.. فقد بات مؤكدا أنه سيغيب طوال الخمس سنوات القادمة.. سيفقد خلالها حريته وبراعته وخبرته التنظيمية المشهود بها بجانب دوره في إجراء الاتصالات بالدولة إذا لزم الأمر ذلك.

لقد نجح خيرت الشاطر علي مدي السنوات الخمس السابقة علي سجنه في أن يقوم بدور ضابط الاتصال الأول مع الدولة.. بجانب قدرته في السيطرة علي التنظيم.. بل واستطاع تهميش غالبية أعضاء مكتب الإرشاد بما فيهم محمود عزت أمين التنظيم نفسه.. ومعه الدكتور محمد حبيب النائب الأول.. تاركا للمرشد دور الواجهة والفاترينة الإعلامية والسياسية للتنظيم الدولي الذي أسهم في تأسيسه.. ولم يكن وضع خيرت الشاطر المتميز في الجماعة بدعة جديدة.. فعبد الرحمن السندي مسئول التنظيم السري الخاص كانت قوته في الأربعينات تفوق قوة حسن البنا نفسه. والدليل علي ذلك أن الإخوان أنفسهم يعترفون أن العمليات المسلحة التي نفذها التنظيم السري ( مثل قتل محمود النقراشي وقتل القاضي أحمد الخازندار بجانب تفجير محكمة الاستئناف ) لم يكن حسن البنا يعلم عنها شيئا.

إن هناك دائما قيادة خفية للجماعة تصل أحيانا إلي منصب المرشد كما هو الحال مع مصطفي مشهور المرشد الخامس للإخوان.

وقد استمر نفوذ عبد الرحمن السندي كرجل ثان في وجود المرشد الثاني حسن الهضيبي.. وبعد خروجه من الجماعة وقت تحالفه المؤقت مع جمال عبد الناصر صعد عبد القادر عودة بدلا منه.. وبعد إعدامه وجد سيد قطب نفسه في موقع الرجل الثاني القوي واستمر تأثيره حتي إعدامه عام 1965.

ومع عودة الروح للإخوان بقبلات الحياة التي منحها لها أنور السادات صعد عمر التلمساني ليصبح المرشد الثالث في وجود المهندس حلمي عبد المجيد الذي أصبح الرجل الثاني القوي الخفي صاحب القرار رغم شعبية المرشد.

وظلت فكرة نفوذ الرجل الثاني مسيطرة علي الجماعة مع وصول حامد ابو النصر المرشد الرابع لها.. ولكن كانت الكلمة العليا داخل التنظيم في يد مصطفي مشهور.. وفور صعوده مرشدا أصبحت القوة في يد الرجل الثاني مأمون الهضيبي.. وتكرر المشهد بعد صعود مأمون الهضيبي مرشدا.. وجدنا أن صعوده اقترن بتصعيد خيرت الشاطر ليأخذ موقع الرجل الثاني في التنظيم.. وقد بقي في موقعه رغم صعود مهدي عاكف إلي منصب المرشد.

ولذلك كان غياب خيرت الشاطر صدمة قوية للتنظيم فقد فقدت المحرك المؤثر في الأحداث والقادر علي اتخاذ القرار.. وضاعف من حدة الأزمة أن الشخصيتين الرئيسيتين القويتين في الإخوان وهما الدكتور محمود عزت والدكتور محمد حبيب لا يمتلكان مؤهلات الرجل الثاني .. فلا محمد حبيب صاحب كاريزما.. ولا يلقي محمود عزت قبولا سياسيا.

ويلاحظ أن كل من لعب دور الرجل الثاني القوي عاش فترة من حياته خارج مصر.. خيرت الشاطر عاش في أوروبا.. وسيد قطب عاش في أمريكا. ولذلك لا يكون مستغربا أن نجد أن الشخصيات التي تسعي لإخراج الإخوان من ما هم فيه تعيش في الخارج مثل يوسف ندا الذي أطلق مبادرة مقصودة تسعي إلي فتح حوار بين الإخوان وجمال مبارك.. وهي مبادرة تفتح المجال لإدخال الجماعة في صفقة سياسية يباركون فيها التوريث.. والملفت للنظر أن مبادرة يوسف ندا مباشرة ومقصودة منه رغم أن تصريحات مكتب الإرشاد الأخيرة ترفض التوريث.. إن ذلك ما أكده المرشد.. وأكده الدكتور محمد مرسي عضو مكتب الإرشاد ومسئول اللجنة السياسية.. ولكن يوسف ندا يطالب جمال مبارك أن يبادر بسماع وجهة الإخوان ليمدوا من جانبهم أيديهم إليه.

قال الدكتور محمد مرسي: إنه لا توجد لديه إجابة عن تلك المبادرة.. وأنه غير متأكد حتي الآن من حقيقة ما قاله يوسف ندا! ويضيف : " إنني كمسئول سياسي أؤكد أن الجماعة لم تناقش أمر التوريث ولم تقطعه تماما وفكرة قبول الإخوان لترشيح جمال مبارك رئيسا تفرض عليها الجماعة عدة شروط.. يقول سعد الحسيني العضو الجديد في مكتب الإرشاد: موقف الإخوان مبدئي! وهو قبول اختيار الشعب إذا ما جري بطريقة نزيهة.. ولا يرفض الإخوان شخصا بعينه طالما كان مصريا.. ولكننا نعتقد أن ما يتم الآن سواء في انهيار الحريات وحقوق الانسان أو تمهيد الطريق أمام شخص بعينه هو الأمر الذي لا يبشر بخير. إن رؤية الإخوان كما يضيف سعد الحسيني واضحة وهي رفض التوريث.. ولم تخرج إجابته حول ما قاله يوسف ندا عن إجابة واحدة هي "لا تعليق"..!!

ونفهم من ذلك أن الإخوان يرفضون كلام يوسف ندا لكنهم في الوقت نفسه لا يتبرأون منه.

ورغم أن ما يطرحه يوسف لا يبدو أنه جري بتنسيق مع مكتب الإرشاد ولكنه يكشف عن قوة خفية يمتلكها الرجل ويستطيع بها أن ينفذ ما يعد به أو يتحدث عنه.

ويبدو واضحا أن مبادرات الإخوان في فتح حوار مع الدولة خاصة في قضية التوريث تأتي من الخارج فما طرحه يوسف ندا عن حوار بين الإخوان وجمال مبارك يؤكد بالفعل وجود قرار من الإخوان بقبوله .. وخاصة أن يوسف ندا طرح اسم وسيط للحوار.. هو رجل أعمال مصري سويسري اسمه الأول محمود.. وربما يمتد الحوار إلي ما هو أبعد منه.. الترويج للتوريث.. وربما يصل الامر للترويج لفكرة التوريث.

ولكن الغريب أن مثل هذا القرار المصيري بقبول التوريث لا يعلم عنه أعضاء مكتب الإرشاد شيئا.. ولا يتحدث عنه إلا أقطاب من الإخوان خارج مصر.. وأيضا المستشار علي جريشة الذي تناوله في مقال له يوم 16 يناير 2007 نشر في موقع أخوان أون لاين وكان المقال موجها مباشرة إلي الرئيس مبارك.. ويحثه علي علي أن يسمع للإخوان بل ينصحه أن يستمع ابنه جمال إليهم أيضا أو يتصل بهم.. وجاء توقيت مقال علي جريشة عقب قضية خيرت الشاطر والعرض العسكري لجامعة الأزهر وهو ما يوضح أن الإخوان كانوا في حاجة لفتح حوار أو قناة اتصال مع الدولة بعد أن فقدوا الاتصالات السياسية بالقبض علي خيرت الشاطر.. وهي أزمة تؤرق الإخوان في مصر فهم لا يعرفون مدي تصعيد الدولة تجاههم علي الأقل.. إنهم يسعون بكل دأب لإيجاد ضابط اتصال جديد مع النظام. ولذلك جاء الحل من الخارج بعد أن عجز مكتب الإرشاد عن حلها.. إن هناك شخصيات قريبة من الإخوان ومتحمسة لهم وعلي صلة بهم يلعبون أدوارا لهم وإن لم يدخلوا في تنظيماتهم.. إنهم مثل "حراس المعبد" في التنظيمات الماسونية والصهيونية وتقوم فكرتهم علي وجود مجموعة ليس لها سلطات مباشرة ولكنها في الوقت نفسه عليها حراسة التنظيم ودعمه ولو كانت خارجه.

وفي ظل غياب الرجل الثاني بعد القبض علي خيرت الشاطر أدرك حراس معبد الإخوان أن عليهم التدخل مباشرة كما فعل يوسف ندا خاصة في ظل مرشد عام متهور مثل مهدي عاكف.. لذلك جاءت عدة مبادرات منهم مثل فتح حوار مع الرئاسة في قضية التوريث.. إن ما ذكره يوسف ندا في حواره مع المصري اليوم لم يكن عفويا بل كان مقصودا.. وربما كان هدف يوسف ندا من الحوار كله أن يوصل هذه الرسالة.. خاصة بعد وصول الحالة بين الإخوان والنظام في مصر لمرحلة صدام كامل.

كانت هناك اتصالات سابقة بين جمال مبارك والإخوان وتقرر عقد لقاء بينهما في نهاية عام 2006 وكان ذلك بتنسيق من رجل الأعمال أسامة فريد عبد الخالق ابن القطب الإخواني فريد عبد الخالق.. ولكن أسامة عبد الخالق غير منتم للإخوان تنظيميا وله علاقات جيدة ببعض رجال الأعمال في أمانة السياسات.. وكان مقررا أن يحضر هذا الاجتماع من الإخوان كل من الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح والدكتور محمد علي بشر والدكتور عصام العريان ولكنه ألغي بعد قضية العرض العسكري في جامعة الأزهر.

ولم يمانع الإخوان في التقرب من جمال مبارك في فترات أخري.. مثلا.. حرص جميع الإخوان من أعضاء هيئة تدريس جامعة القاهرة وعلي رأسهم الدكتور مدحت عاصم مسئول الإخوان في الجامعة علي حضور لقاء جمال مبارك مع أعضاء هيئة التدريس هناك.

كما أن مكتب الإرشاد وعلي رأسه خيرت الشاطر قبل سجنه كان يعطي إشارات لبعض رجال الأعمال من الإخوان بالتقرب إلي جمال مبارك.. وكان علي رأس هؤلاء رجل الأعمال عادل عفيفي مسئول اللجنة السياسية للجماعة في محافظة الجيزة وهو شقيق أحد أعضاء لجنة السياسات بالحزب الوطني.. ويمتلك عادل عفيفي مصنع" بريما " للسيراميك.. وتجمعه علاقات جيدة بكوادر الحزب الوطني وبعض الأعضاء النشطين في نادي الصيد.. ولكن لم تكن هذه المبادرات في التقرب من جمال مبارك من قبل الأخوان طريقا استراتيجيا للجماعة.. بل يمكن أن تعتبر تصرفات خاصة فالجماعة لم تبلور موقفها من التوريث.. وهو ما ظهر في عدة تصريحات متناقضة للمرشد ونائبه محمد حبيب الذي قال في مقال نشر له في موقع إخوان أون لاين يوم 24 أكتوبر عام 2006 تحت عنوان " التوريث بين المعارضة والمنع " قال فيه إن الإخوان لا يمكنهم أن يمنعوا التوريث وكل ما يقدرون عليه هو خروج مظاهرات ضد التوريث تستطيع السلطة أن تمنعها.. ويمتد الموقف الملتبس للإخوان تجاه التوريث إلي المرشد نفسه الذي وقع في تناقض واضح.. فنجده في 4 يونيه 2006 يقول في حوار له نشر في جريدة الكرامة أن الإخوان يرفضون التوريث نهائيا.. ولكنه بعد يومين أصدر تصريحا نشر علي إخوان أون لاين جاء عنوانه إنه " مستعد لاستقبال جمال مبارك كشاب مصري ".

ويكشف هذا التناقض السريع أن هناك قوة ما تحرك الأحداث في القضايا الحساسة.. لأننا لا يمكن أن نتصور انقلابا في تصريحات المرشد أو نائبه يحدث في أقل من يومين إلا إذا كانت هناك قوة تحرك الأحداث في الخفاء أقوي أو لها تأثير أعلي من المرشد أونائبه.!!

ومن هنا يتبلور لدينا وضع حراس التنظيم أو حراس المعبد وهم الشخصيات التاريخية في مسيرة الجماعة مثل يوسف ندا والمسستشار علي جريشة وفريد عبد الخالق وفتحي الخولي أحد الأقطاب الهامة للإخوان ويعيش في السعودية.. ويوجد أيضا الكويتي توفيق الواعد..وبدرجة ما نجد أن هناك ارتباطا للشيخ يوسف القرضاوي بحراس المعبد لتنظيم الأخوان.. وهي مجموعة الشخصيات الباقية علي الحياة من الهيئة التأسيسية للجماعة بالإضافة إلي الشخصيات التاريخية فيها.. ومهمة هذه الشخصيات هي السعي للحفاظ علي استمرارية الجماعة ولا تهتم هذه المجموعة كثيرا بالوضع السياسي للإخوان فكل ما يهمها وجود جماعة للدعوة.. وفي الوقت نفسه هناك إدراك ما داخل الإخوان بأن قضية التوريث تعد فرصة جيدة للجماعة تستطيع عن طريقها أن تتخلص من قوي تقليدية تمنعها من الوصول للحكم وهي المؤسسة العسكرية وتصعيد جمال مبارك لمنصب الرئيس يزيح من علي كاهلها عبء الصراع مع هذه المؤسسة ليقتصر الصراع علي جمال مبارك فقط. ووقتها يصبح الصراع أسهل علي السلطة.

اجمالي القراءات 5799