نظرة فى دستور الإخوان ----- الظالم

في الأحد ٢٣ - ديسمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

دستور " الإخوان " .... ظاااالم

دستور
 

لماذا رفض نحو نصف الناخبين ممن ذهبوا للاستفتاء في المرحلة الأولي.. دستور الإخوان؟

 

بحساب التجاوزات التي ارتكبت في اللجان ندرك أن «لا» تفوق «نعم» بصورة كبيرة ولو أدلي كل من لهم حق التصويت بصوته يسقط الدستور «المسلوق» في دقائق معدودة.. لماذا؟!
لأن واقع الشعب المصري يؤكد أن ما أعدته اللجنة التأسيسية لا يعبر إلا عن أنفسهم فقط، وليس فيه صرخات 40 مليون مصاب بأمراض مزمنة من كبد وكلي وسرطان وقلب وأنيميا، و48 مليون امرأة وفتاة جاهدت سنوات لنيل بعض حقوقها، وجاءت مواد الدستور لتدهس ما حصلت عليه ويضحي بملايين المعيلات والمسنات والمعاقات، ولا يعبر الدستور عن 29 مليون طفل منهم أكثر من مليون طفل يعملون في ظروف خطيرة و3 ملايين في الشوارع و5 ملايين محرومون تماما من أبسط حقوقهم الأساسية، ولا يعبر دستور «الإخوان» عن 16 مليون مواطن يسكنون 1221 منطقة عشوائية في الجحور والجبال والعشش والقبور ومخرات السيول.
دستور «الإخوان».. ضد 25 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر في جميع أنحاء مصر ولا يجدون قوت يومهم.

لم تنصف الفقيرات وتجاهل «المعاقات والمسنات»
الطوابير «الناعمة» ترفض وثيقة «الدم»
المادة (68) تفتح باب زواج الصغيرات وعدم تجريم الختان
غياب تام للإجراءات الملزمة لتمثيل المرأة في الحياة السياسية
المجلس القومي للمرأة والقوي الثورية لا يعترفان بـ «قفص الحريم»

 

الدستور الجاري الاستفتاء عليه ينتقص حق المرأة ولا ينصف «المعيلات» والفقيرات في المجتمع.. ربما لهذا السبب خرجت نساء مصر وفتياتها للتصويت علي الدستور.. ليس بدافع المشاركة فحسب بل خوفا علي حقوق المرأة التي ناضلت من أجلها عشرات السنين!
المرأة في المرحلة الأولي للاستفتاء كانت علي درجة عالية من الوعي بدليل 1400 شكوي تقدمت بها نساء وفتيات للمجلس القومي للمرأة بسبب تجاوزات في عملية الاستفتاء. كانت الطوابير «الناعمة» قوية في وجه الردة الحضارية التي أرادها لها «المتأسلمون».
البعض ذهب الي أن نسبة مشاركة المرأة في الاستفتاء في مرحلته الأولي تكاد تكون أعلي من الرجل، أو علي الأقل هي شاهد علي يقظة المرأة المصرية في مواجهة من يرغبون الانقضاض علي حقوقها التي ناضلت من أجلها وشاركت في الثورة باعتبارها شريكا أساسيا في المجتمع وليس طبقا لتصنيفها النوعي لكن نساء مصر وجدن أنفسهن في معرض مؤامرة تحاك من أجل إرهابها وإعادتها الي قفص الحريم والنيل من حقوقها السياسية والاجتماعية التي انتزعتها علي مر السنوات الماضية وحمتها بالمواثيق والاتفاقيات الدولية.
وقد حذرت الحركات النسائية في مصر وكذلك القوي الثورية الليبرالية من الدستور الجديد الذي لا ينصف النساء الفقيرات والمعيلات.
ليلي حسين امرأة من مصر لا تحمل سوي الشهادة الابتدائية مؤهلا تعليميا لكنها خرجت الي لجنتها.. انتظرت من الثامنة صباحا وتحملت للسادسة مساء واقفة علي قدمها تبدل إحداها مع الأخري.. سألتها لماذا؟ قالت: لأقول «لا».
وعندما سألتها: هل قرأت الدستور؟ أجابت: إنها تابعت شرحه من الخبراء عبر التليفزيون وأشارت الي إنها قارئة جيدة للصحف، ولم تخجل «سناء» عاملة النسيج بأحد المصانع من أن تقول: انها غير معنية بالتفاصيل لكنها تعلم جيدا أن الإخوان لن ينصفوا النساء وينظرون إليهن نظرة أقل من الرجل ولم يرد في الدستور ما يكفل لها ولمثيلاتها حياة كريمة فهي «مطلقة» ثم صححت جملتها قائلة «أقصد خلعته» لأنه كان يضربني ويأخذ «شقايا» ليشتري به حشيش ويتركني وأطفالي نمد أيدينا للجيران لنأكل وعندها نصحتني جارتي بأن أخلعه لأسلم من ضربه وإهانته واستيلائه علي نقودي التي أطعم بها أطفالي في الوقت الذي تخلي فيه عن مسئولياته.
وأضافت سناء: أعلم جيدا أن الإخوان والسلفيين ضد الخلع بل ضد المرأة أصلا لذلك قلت «لا».
أما أم محمد فهي كغيرها من النساء المعيلات، تعمل عاملة نظافة في أحد المستشفيات العامة وتعتبر نفسها امرأة عاملة «بجد» وصاحبة مرتب.. صحيح انها غير معينة أي يمكن أن تترك عملها في أي وقت لكن هذا الوضع أفضل لها علي كل حال،. فهي لم تتزوج الي الآن رغم أنهاشارفت علي الخمسين من عمرها.
< لماذا؟
- أبويا وأمي ماتوا وسابولي اخواتي الثلاثة بنات غلابة مالناش حد.. اشتغلت في البيوت ومسحت الحمامات علشان أربيهم، والحمد لله محترمة وماحدش يقدر يقول عليا كلمة واحدة لكن صحتي تعبت وأخشي أن أعجز يوما عن العمل فلا أستطيع أن أنفق علي نفسي.. كنت أنتظر أن يأتي نظام وحكومة ترعي النساء أمثالي اللائي لا عائل لهن ونصيبهن من الدنيا قليل لكن بصراحة كل اللي شيفاهم همهم السلطة والكراسي والمصالح ولا أحد ينظر لأحوال الفقراء من النساء واحنا كتير فيه ستات ماتعرفش تشتغل وهناك أخريات أرامل أو طفش زوجها زي «محبات» زميلتي وأشارت الي زميلتها التي اضطرت لشراء الخضروات وتنظيفها وبيعها للموظفات أمام باب المستشفي لتستطيع الإنفاق علي ولدين في المرحلة الابتدائية بعد أن هجرهما أبوهما ولا تعلم عنه شيئا منذ عامين؟!
لطيفة سليمان، سيدة في العقد السادس من العمر، أم لثمانية أبناء 6 منهم استطاعت تزويجهم بشق النفس ومازال هناك اثنان تعاني من أجلهم، أحدهما مريض بالشلل ويحتاج الي علاج طويل بينما معاش زوجها يقدر بـ650 جنيها شهريا تنفق منه 150 جنيها علي علاج الضغط والسكر وعلاج عينيها والمطلوب من الأسرة كلها أن تعيش بالـ500 جنيه الباقية.
تقول لطيفة: عشنا حياتنا كلها في عذاب لم نجد سوي هذا البيت الفقير بمنطقة عزبة السبع بنات لنسكن فيه، حجرة واحدة كانت تؤوينا أنا وبناتي وأبنائي الثلاثة واليوم أصبحت الحجرة آيلة للسقوط، وأعيش فيها أنا ووالدي فهل تنتظر الحكومة موتنا تحت أنقاضها؟
وأضاف: عشت عمري كله في عذاب وأتمني أن أرتاح في آخر أيامي فلم يعد لي أمل في الحياة سوي الانتقال من هذا المكان لأعيش في مكان يري النور وأشعر بدفء الشمس، وحينما سألناها عن الدستور قالت: لا أعلم عنه شيئا لكن لو هيوفر لي شقة حلوة أعيش فيها الأيام اللي باقية من عمري يبقي ياريت يعملوه وإذا كان مش هيقدم ولا يؤخر تبقي قلته أحسن إحنا مش ناقصين كفاية الناس اللي ماتوا بسببه.
نموذج آخر لنساء مصر هي آمنة عثمان محمد «مطلقة» قامت بتربية 6 أبناء بمفردها، بعد أن تركها الزوج تصارع أمواج الحياة دون مساعدة، تقول: كنت أعمل في المنازل وما يرزقني به الله كان يكفي لإطعام أبنائي حتي استطعت بتجهيز 4 بنات حسب قدرتي لكن إصابتني جلطة في اليد ولم أعد أقدر علي العمل وأعيش علي ما يرزقني الله به حتي أن ابنتي الخامسة تمت خطبتها منذ فترة ولا أملك مالا لجهازها، وأضافت: ليست هذه مشكلتنا فقط فالفقر يطحنا والأمراض تقتلنا كل يوم، ومازاد الطين بلة هو أن منازلنا تشققت حتي أن العقارب وثعابين الجبل تدخل علينا من الشقوق، وأمطار الشتاء تغرق منازلنا ومع ذلك نقول الحمد لله علي كل شيء، لكن نريد أن ينصفنا أحد بعد هذا العمر الطويل من المعاناة وما نشاهده ونسمعه في التليفزيون كل يوم يرعبنا من مستقبلنا ومستقبل بناتنا.
وتلتقط صباح عثمان أطراف الحديث، مشيرة الي أن كل نساء مصر أصبحن يعشن معاناة حقيقية،فتكاليف الحياة نار، والأسعار كل يوم في تزايد مستمر، وزوجي يعمل سائق وأحيانا لا يجد عملا، ومطلوب مني تدبير نفقات البيت، وتوفير علاج ابني المريض بالإضافة الي حالة الرعب التي نعيش فيها كل يوم بسبب البلطجية وحوادث الاغتصاب التي تزداد يوما بعد يوم فنحن نعيش في رعب دائم.
ورغم أن المرأة تمثل أكثر من نصف المجتمع حيث يصل عدد النساء في تعداد السكان الي نحو 48 مليون نسمة إلا أنها لم تحصل حتي علي نصف حقوقها كزوجة وأم وابنة وشريك في المجتمع بل إن حقوقها انتقصت عن ذي قبل، ونجحت المرأة في أواخر القرن الماضي وأوائل الألفية الجديدة في الحصول علي جزء كبير من حقوقها وانتزعت حقها في المساواة، بل أصبحت شريكا في الحكم، وعضوا في مجلس الشعب ووزيرة وقيادية في كل مكان وفجأة وجدت نفسها تعود للخلف، لتبدأ في الدفاع عن صافي المشاركة في مجتمع تمثل نصفه وتجاهد من أجل انتزاع أبسط حقوقها في ظل دستور طائفي لا يعترف بالمساواة.
هكذا أصبحت نساء مصر كلهن متساويات، متكاتفات دفاعا عن حقوقهن فلم يعد هناك فرق بين امرأة متعلمة أو أمية، بين ريفية أو حضرية، بين ناشطة سياسية وربة منزل أو امرأة معيلة تسعي لإطعام أطفالها فكلهن أصبحن سواء، مسلوبات الحقوق في دستور وضعته فئة لا تعرف عن المرأة سوي كونها جارية لإرضاء رغبات سيد القصر!
من هنا تصاعدت «لاءات» نساء مصر ضد هذا الدستور الذي لا ينصف «نصف المجتمع»، لذلك رفض المجلس القومي للمرأة مشروع الدستور ونص في بيانه علي أن هذا الدستور يحرم المرأة من الحقوق التي اكتسبتها من قبل. كما أنه لم يحظر الاتجار بالبشر ويتضمن تزويج القاصرات. كما انتقد المجلس إضافة المادة 219 التي فتحت الباب لآراء الفقهاء والأئمة والمذاهب بالإضافة الي الإشارة الي فئة من المسلمين دون الباقي مما يفتح الباب لخلافات كثيرة.
وأكد المجلس أن المادة 68 قيدت حقوق المرأة بأحكام الشريعة مما سيفتح الباب لآراء الفقهاء والمذاهب المختلفة وهو ما قد يتيح زواج الفتيات الصغيرات في أي سن، بالإضافة الي عدم تجريم الختان وغيره من الممارسات الضارة طبقا لآراء الفقهاء. كما انها أوجدت صورة مغلوطة تضع الشريعة الإسلامة في حالة عداء مع المرأة وتظهرها علي أنها تنتقص من حقوقها والشريعة بريئة من هذه التهمة.
وأشار البيان الي أن المادة تنص علي أن الدولة تكفل حق الإرث للمرأة، وهو حق كفلته لها الشريعة، وكان يجب أن تتم الإشارة الي تجريم حرمان المرأة من حقها السماوي في الإرث كما يحدث في بعض مناطق الصعيد كما انتقد المجلس الاكتفاء بالإشارة الي المرأة المعيلة والمطلقة والأرملة وإقصاء بعض الفئات الأخري مثل المرأة المعاقة والمسنة. كما تجاهل الدستور وضع اجراءات ملزمة لتمثيل المرأة في الحياة السياسية تمثيلا متوازنا مع عددها ودورها في المجتمع، وإلزام الأحزاب بنسب معينة للمرأة في القوائم الحزبية حتي تصبح هذه القوائم معتمدة.
وأكد عدد من المنظمات النسائية أن الدستور الجديد ينتقص من حقوق المرأة المصرية التي جاهدت سنوات طويلة للحصول عليه حيث جاء الدستور خاليا من التزام الدولة باحترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صدقت عليها مصر مثل اتفاقية حظر الاتجار بالبشر واتفاقيات حقوق المرأة والطفل كما خلا مشروع الدستور من النص علي التزام الدولة بإنشاء آلية وطنية لمراقبة عدم التمييز وعدم التزام الدولة باحترام حق المرأة في المناصب القيادية بناء علي مبدأ تكافؤ الفرص بين النساء والرجال حيث لم ترد في الدستور عبارة أن «المرأة مواطنة وشريك في صناعة القرار».

صحة المصريين ضاعت

العلاج «غالٍ».. والمريض «رخيص»
10 ملايين مريض بالكبد.. و7 ملايين مصاب بالربو الشعبى.. و18 مليوناً بالبلهارسيا
المركزية ونقص الاعتمادات وطوابير الانتظار.. ثلاثية «الموت السريع»

إحنا غلابة من أطراف الفيوم.. بعنا كل حاجة علشان علاج الولد، عنده 25 سنة «يا كبدى» وبياخد كيماوى، والله «بنجوع» علشان نكمل المشوار ونعمل اللى علينا.. والشافى هو الله.
جذبت طرف شالها الأسود ومسحت دموعها، وجلست على الأرض بعد أن ضعفت قدماها.. كادت تسقط لولا يد أختها التى امتدت فى الوقت المناسب.
كان الشاب متكوماً على كرسى متحرك أمام باب معهد الأورام عندما احتوته أمه فى أحضانها، وقالت «يا ريت أنا يا بنى»!
بين الرغبة فى الحياة والانحدار نحو الموت مشاعر مخيفة فيها كثير من التفاصيل المفزعة نطقت بها عيون الغلابة على أبواب المعاهد الطبية والمستشفيات.
طوابير قوامها ضحايا لأمراض فتكت بأجسادهم وعصفت بأحلامهم.
ملايين المرضى أمام أبواب معاهد الأورام والقلب والكبد والكلى والسكر.
وحكايات «مالهاش آخر» مع مريض «جاى م البلاد البعيدة» لمصر أم الدنيا يطلب الرحمة من ألم سكن أعضاء جسده ومزقها تمزيقاً..
وأمهات يحملن أطفالاً، النهاية أقرب إليهم من تاريخ البداية، ضحايا الأمراض المزمنة فى مصر.. هم أيضاً ضحايا للفقر ولسياسات صحية فاشلة، سمحت لأعداء المرض بالتزايد المستمر دون توقف وميزانيات كانت ولاتزال عاجزة عن توفير الرعاية الصحية للجميع.
المشهد أمام معاهد ومراكز علاج الأمراض المزمنة خير دليل على مشكلة كبرى يواجهها المرضى، فنسبة كبيرة منهم مغتربون جاءوا من القرى والصعيد لتلقى العلاج بالقاهرة، إما لعدم توافر الخدمة العلاجية فى بلادهم أو بناءً على توجيه الطبيب المعالج فى هذه المناطق.
وعلى سلالم معهد الأورام.. تجد نفسك لست بحاجة لدخول المكان حتى تكتشف حجم الضغط الذى يواجهه.. فالمرضى المساكين بعضهم تراص فى طوابير طويلة، ومنهم من لا يستطع، فجلس على السلم، وضاق بهم المكان فافترشوا الرصيف المقابل للمعهد.
على باب المعهد لمحت دموع الحاجة أم أحمد.. وهى تستند على عكازها قالت «تعبت يا بنتى.. الألم ما بيسبنيش لحظة وأنا مضطرة آجى علشان أصرف العلاج وإلا أشتريه على حسابى.. علبة البرشام بـ 550 جنيهاً كل شهر، غير الكالسيوم والمسكنات التى تصل إلى ألف جنيه وأنا ع المعاش وأنفق على دخلى على المرض الذى أصاب صدرى ثم رقبتى.
وعلى سلم المعهد أسند الحسينى محمد محمود رأسه على أحد الجدران وتعالت أنفاسه الدالة على تعب وإرهاق شديدين.. علمت أن الرجل قادم من كفر درويش بالفشن، ويضطر إلى استقلال سيارة بتكلفة 70 جنيهاً فى المرة الواحدة سألته:
< لماذا لا تعالج فى بلدك؟
- العلاج فى مستشفى البلد تبع التأمين الصحى وأنا ماليش تأمين وأعالج بقرارات على نفقة الدولة.. واستطرد الرجل بتعب شديد.. 10 شهور وأنا على هذه الحال.. لابد أن أحضر لإجراء جلسة الكيماوى، وبعدها ما أقدرش أتحرك.. اضطر انتظر عند أحد أقاربى ثم أسافر.. يا ريت يحضروا العلاج فى كل بلد لأننا أساساً مرضى والواحد بيتحرك بالعافية.
أما تلك الفلاحة المسكينة التى تدعى «فاطمة» فقد احتوت ابنها الشاب ذا الخامسة والعشرين، فقد انهارت من البكاء وهى ترى فلذة كبدها ينحدر نحو نهايته وهو فى «عز شبابه».
قالت: إحنا من أطراف الفيوم.. أتينا من قرى متطرفة بعيدة عن المدينة اسمها «الفانوس» لدى 8 أولاد.. وزوجى فلاح يعمل بالأجر، لا نملك أرضاً ولا غيره.. وأنا بعت كل اللى حيلتى واقترضت علشان أعمل عملية فى قصر العينى الفرنساوى، كلفتنى 30 ألف جنيه لولاها كنت قد غادرت الحياة.. وتركت الشاب الغلبان ده.. أنا التى اصطحبته.. أنا وأختى نترك أولادنا ونؤجر سيارة بـ 100 جنيه.
وعلى باب معهد الأورام أيضاً، وقفت أم تحمل ابنها «أحمد» البالغ من العمر 18 عاماً، والمصاب بمرض السرطان وضمور فى المخ، أخذت تغالب حزنها وتمنع بالقوة دمعة كادت تفر من عينيها، وقالت: منذ ميلاد ابنى وهو يعانى من هذا المرض اللعين، والعلاج مكلف، ورغم أننا نحصل عليه من المعهد، إلا أن المشكلة التى نعانى منها باستمرار هى مشكلة الدم، فأكياس الدم غير متوافرة دائماً، لذلك نضطر إلى شراء الكيس بـ 82 جنيهاً إذا وجدناه، وأحياناً لا نجده ونصبح فى مشكلة، خاصة أن ابنى يحتاج إلى 3 أكياس دم شهرياً، لذلك نشعر دائماً بهذه المعاناة حتى أنها أصبحت جزءاً من حياتنا.
أضافت: الحمد لله على كل شىء، لكن كنت أتمنى أن تنظر لنا الدولة بعين العطف وتوفر لنا أكياس الدم، فيكفى ما أنا فيه من معاناة، ألا يكفى أننى مازلت حتى الآن أحمل ابنى لأنه لا يستطيع السير؟ ألا يكفينا عذاب المرض وآلامه؟ واختتمت حديثها قائلة: لا أملك سوى التفرغ لله، فهو أحن من الحكومة ومن أى إنسان، وكل ما نريده هو حقنا فى العلاج وتوفير الدم لأبنائنا المرضى.
ياسمين فتحي، شابة فى الثلاثين من العمر، أم لطفلين، أصابها المرض اللعين فى ريعان شبابها ليسرق كل أحلامها، تركت عملها مدرسة بالأجر بعد أن اشتد عليها المرض، وبما أن تكاليف العلاج تصل إلى 45 ألف جنيه، وقيمة العملية الجراحية 35 ألفاً وتحتاج إلى 15 ألفاً لإجراء 20 جلسة علاج إشعاعى بعدها، لم تستطع توفير هذه الأموال، لذلك لجأت لمعهد الأورام طلباً للعلاج، ولكن كانت هناك مفاجأة سيئة فى انتظارها، حيث رفض المعهد حتى توقيع الكشف عليها لأن الرقم القومى مدون به أنها مدرسة، وبالتالى تخضع للتأمين الصحي.. مأساة «ياسمين» ظهرت جلية على وجهها الجميل، وقالت بحسرة: كان هذا المعهد هو الأمل الأخيرة لى فى الحياة، حتى أعيش لأربى أبنائى، ولكن رفض الموظف حتى منحى تذكرة علاج أصابنى بخيبة أمل، فماذا أفعل؟ وأين أذهب؟ فأنا لا أمتلك ثمن العلاج فى المستشفيات الخاصة، وأسرتى محدودة الدخل، وبما أننى تركت عملى فلم يعد لى تأمين صحى، إذن ماذا أفعل؟! وتساءلت: أليس العلاج حق لكل مصرى؟ فلماذا يحرموننى من حقى؟ أين الدستور المعجزة الذى يتحدثون عنه؟ وكيف يحرمنى من حقى فى العلاج؟ واختتمت حديثها قائلة: حسبنا الله ونعم الوكيل.
وأمام معهد الكبد حالات مماثلة.. عائلات تأتى من قرى ومحافظات الوجه البحرى والصعيد فى رحلة أمل ويأس فى ذات الوقت.
على محمود، شاب لم يتعد عمره الـ 40 عاماً، زوجته الشابة قالت: جئنا من القليوبية، وزوجى مريض منذ ثلاث سنوات ويعانى الآن من فشل كبدى تام، ولم يعد أمامنا حل سوى زراعة الكبد، لأن العلاج لم يعد يجدى فى حالته، والأطباء أكدوا لنا أن هذه الجراحة لا تجرى الآن، لأن قانون زراعة الأعضاء «لسه ما اشتغلش»، والجراحة فى الخارج تتكلف أكثر من 250 ألف جنيه وأنا موظفة راتبى 350 جنيهاً وزوجى كان عنده ورشة «ألوميتال» أغلقناها بعد مرضه.. أترك طفلى مع أمي.. وأطرق كل أبواب المستشفيات فى مصر.. وبكت وهمست فى أذنى: «قالولى مافيش فايدة.. هيموت لو ماعملش زراعة كبد.. وأنا مش عارفة أتصرف»!
مرضى القلب فى مصر أيضاً ضحايا طوابير الانتظار والعلاج الذى يفوق طاقة الجميع، فالمعهد نفسه يعتمد على التبرعات لضعف الميزانيات ومرض القلب لا يرحم كبيراً ولا صغيراً.
ورغم بناء مبنى جديد بمعهد القلب على مساحة ألف متر مربع بتمويل من البنك الأهلى المصرى وتوفير أسرة للرعاية المركزية، فإن قوائم الانتظار ماتزال مشكلة تهدد حياة مرضى القلب، وعلى سبيل المثال فإن قوائم انتظار عمليات القلب المفتوح فى المعهد، وصلت لما يقرب من ألف حالة، ورغم أن ميزانية المعهد تبلغ حوالى 90 مليون جنيه سنوياً، ويتم توقيع الكشف على حوالى ألف مريض كل يوم بالعيادة الخارجية، إلا أن نسبة الإشغالات تفوق طاقة المعهد لتصل إلى 150٪.
وعلى قوائم الانتظار مرضى يحتاجون لعمليات قلب مفتوح ودعامات وهناك قوائم انتظار تبلغ 800 مريض، منهم 100 مريض يحتاجون لإجراء عمليات قلب مفتوح، بواسطة القسطرة البالونية التى تتكلف 18 ألف جنيه، ويكفى أن نعلم أن مرضى روماتيزم القلب وأمراض الصمامات يشكلون نحو 60٪ من المرضى فى سن الشباب و30٪ مصابون بالشرايين التاجية.
العديد من مرضى معهد القلب ينتظرون أسابيع طويلة للحصول على العلاج المجاني، رغم افتتاح مشروع للمعهد فى سوهاج وقنا، لكن المرضى لا يثقون إلا فى معهد «إمبابة» الذى مازال يعانى من سياسات وزراء الصحة فى عهد مبارك، ومازالت المشكلة عالقة بسبب نقص الميزانية.. والنتيجة المئات يهددهم خطر الموت فى قوائم الانتظار.
هذه هى أحوال المرضى فى مصر، آلام وهم بالليل، وعذاب ومشقة بالنهار، أكثر من 40 مليون مواطن مصرى مصابون بأمراض مزمنة، منها ما هو بسيط كالضغط والسكر، ومنها ما هو معقد وقاتل كالسرطان والفشل الكلوى والكبدى، ورغم علم الدولة بكل هذه الكوارث، جاء الدستور مخيباً لآمال جميع المرضى الذين تتزايد أعدادهم يوماً بعد يوم.
وأكدت إحصاءات منظمة الصحة العالمية أن مصر بها 18 مليون مصاب بمرض البلهاريسيا، و7 ملايين مصاب بالربو الشعبي، و10 ملايين مواطن مصابون بأمراض الكبد، منهم حوالى 3 ملايين مريض فشل كبدى، والعدد مرشح للزيادة، نظراً لانتشار الإصابة بالالتهاب الكبدى الوبائى «سى» وانتظار البلهاريسيا التى تؤدى إلى مضاعفات خطيرة فى الكبد، بالإضافة إلى تزايد أعداد مرضى السرطان كل عام بمعدل 250 ألف شخص، ورغم عدم وجود إحصاء دقيق بعدد مرضى السرطان فى مصر، إلا أن الخبراء أكدوا أن المرضى فى تزايد مستمر، خاصة سرطان الكبد الذى يفتك بنحو 400 ألف مصرى سنوياً.
ورغم هذه القائمة الطويلة من الأمراض التى تقتل آلاف المواطنين سنوياً، وتؤثر سلباً فى الاقتصاد المصرى، إلا أن مواد الصحة فى الدستور جاءت «كارثية» كما وصفها بيان نقابة أطباء القاهرة الذى أكد أن مواد الصحة فى الدستور ستزيد من سوء الخدمة الصحية المقدمة وتفتح الباب لخصخصة التأمين الصحي.
كما شنت حركة «أطباء بلا حقوق» هجوماً عنيفاً على المادة 62 من الدستور الجديد التى تنظم الحق من الصحة. وأوضح بيان الحركة أن هذه المادة حالت دون تحقيق آمال وطموحات الأطباء بصفة خاصة، والمواطنين المصريين بصفة عامة، والذين ظنوا أن الحق فى الصحة سيكون من أول الحقوق التى سيحصل عليها المواطن المصرى بعد ثورة 25 يناير.
وأوضحت الدكتورة منى مينا, منسق الحركة, أن الصياغة الحالية للمادة 62 تكرس الفساد وتهدر حق المواطن فى العلاج، موضحة أن نص المادة تم حذف جزء منه، يحظر تلقى مقابل عن خدمات الطوارئ والحالات المهددة بالوفاة، كما كان النص فى المسودة الأولى للدستور فى المادة 36، مؤكدة أن رفع هذا النص من المسودة النهائية للدستور يعد جريمة اجتماعية وإنسانية ومهنية أيضاً.
وأشارت إلى أن كل الدول بما فيها الدول التى تتبنى خصخصة الرعاية الصحية، تنص فيها القوانين على تلقى خدمة الطوارئ مجاناً.
وأضافت: تم حذف عبارة «نظام طبى موحد» عند الحديث عن التأمين الصحي، مما يفتح الباب لعمل شرائح متعددة للتأمين الصحى، وبالتالى تصبح الخدمة الصحية متفاوتة.
وأشارت إلى أن الدستور جاء خالياً من النص على الرقابة الشعبية للصحة، وقصرها على الرقابة الحكومية فقط، وهو ما يفتح الباب للفساد وإهدار المال العام.


1221 منطقة تؤوي 16 مليون قنبلة اجتماعية تهدد بالانفجار
العشوائيات.. شرخ في قلب الوطن
ملايين المصريين يسكنون القبور والجبال ومخرات السيول وعشش الصفيح
سكان عزبة خير الله تطاردهم فواتير الكهرباء.. ومشروع السكن البديل في «خبر كان»!


كانت ذرات الرخام تتطاير أمام وجهه والمنشار الكهربائي يشطر اللوح الصلب أمامه.. بعض من شرارات النار تكاد تخترق جبهته وعينيه، إلا أنه ممسك بآلاته في تحد رهيب، كأن الغيظ دافعه وليس العمل.
علي حافة ارتفاع أشبه بجبل، يقف «عم محمود» وخلفه «كومة أطفال» تصرخ.. وأم متجهة غاضبة.. في الوقت الذي يشتبك فيه الجيران مع «محصل» الكهرباء الذي أصر علي تحصيل فاتورة عام كامل عجزوا جميعاً عن سدادها.
وما بين صراخ المحصل والنساء حوله.. وصراخ المنشار الكهربائي.. كادت بيوت عزبة «خير الله» تصرخ هي الأخري من الألم علي «حرف الجبل» وعلي مرمي البصر قبور البنات السبعة.. وامرأة تترقب الموقف في هدوء لتفعل ما جاءت من أجله!.
أقوي من خيال مؤلف فيلم سينمائي.. أبطال الواقع يسكنون جحورا يطلقون عليها مجازاً «بيوتهم» لكنها جدران من طوب وخشب وصفيح أصابه الصدأ.. وحجارة عتيقة تتراص في عشوائية ككل الاشياء الموجودة في المكان.
ذهبت من قبل كثيراً إلي عزبة خير الله.. في عهد «مبارك» وبعد الثورة.. ثم أثناء نظام «مرسي» وحكم الإخوان.. سكان العزبة ينتقل حالهم من سيئ إلي اسوأ.. هم سكان عشوائيات، بل نموذج صارخ لعشوائيات مصر.. لكن في هذه المرة، الأمر أشبه بثورة حقيقية.. الأب واحد من عشرات، بل مئات أو آلاف الآباء من سكان هذه المناطق.. يقسم ان «حتة الشغل اللي في ايده» هي أول رزق يأتيه منذ 4 أشهر، لم يدخل جيبه مليم واحد.
ويتابع في ثورة غضب: «أجبرت العيال علي عدم الذهاب إلي المدرسة علشان ليس معي 2 جنيه أشتري بهما عيش وفول الصبح»!، وأشار إلي ابنه الأكبر قائلاً: مصاريف المعهد 650 جنيها علي مرتين، ما قدرتش أدفع ولا قسط، وما صدقت ربنا بعتلي حتة الرخام دي علشان أخذ 100 جنيه والعيال الجعانة تاكل، وقال جاره: «الحال واقف بعد الثورة ومافيش بيع ولا شراء».
علي مرمي البصر جبال قمامة تحيط بالمكان، وعلي بعد امتار ابراج عالية.. سألت عن سر هذا المشهد العجيب، فأجابني عم محمود: المنطقة دي اسمها حرف الجبل وماحدش يكره الخير، مش كلنا رافضين نروح مكان نظيف وفيه ناس استلمت فعلاً.. وكل البيوت دي في العزبة جايلها ازالة، لكن ماحدش عرض علينا بديل آخر.. وكان هناك حصر للمنطقة والبيوت قبل الثورة بـ 6 شهور.. وبعدها ماحدش سأل فينا وكلنا فايقين.
احدي السيدات كانت في شبه معركة مع محصل الكهرباء، وتجمع حوله النسوة، وكانت زيارة المحصل أشبه بهجوم مفاجئ علي أهل المنطقة الذين اخذوا يصرخون ويبكون ويتحسرون علي حالهم، ومن بعيد جاء صوت «فتحي» احد السكان «إحنا موقوفين من سنة.. إزاي ييجي وصل النور»، وامسكت احدي السيدات وصل الكهرباء، وقالت: 100 جنيه.. اجيب منين.. احنا مش لاقيين اللقمة الحاف.
وقال ساكن آخر: كانت الفاتورة بتجيلي بـ 90 جنيها، لكنهم قالوا بعد الثورة «مافيش كهرباء» علشان المنطقة جالها إزالة فكيف يفاجئوننا بهذه الفواتير، ورد المحصل بأن هذه الفاتورة عن السنة الماضية كلها وليست شهرا واحدا.. وبكت السيدة: «واحنا ذنبا إيه قالوا هنمشي ويدونا شقق وماحدش شاف حاجة»، وقالت أخري: «هي دي بيوت تدفع عليها كهربا.. ثم ان الكهرباء أصلاً مقطوعة اغلب الوقت»، واشارت «أم سيد» إلي بيتها وهو عبارة عن سلم بلا «درابزين» يتوسطه تجويف، يتعاملون معه علي اعتباره مدخل البيت وتتفرع من التجويف حجرتان، كل حجرة تسكنها اسرة، بها علي الأقل 7 أفراد، وغالباً ما يوجد جد أو جدة وحفنة اطفال، وأب عاطل عن العمل وأم تتحسر علي حالها وحال أطفالها.
علي خلفية الصراع بين المحصل وسكان العزبة علي فواتير الكهرباء، رأيت مصباحا كهربائيا يتدلي من سقف خشبي متباعد الالواح يربطه ببعض خيوط عنكبوت كثيفة. وتؤكد الزوجة أن الكهرباء «مابتجيش اصلاً» وكيف تدفع 100 و90 و80 جنيها، وكل ما نملكه لمبة وحيدة، لا تليفزيون ولا غسالة ولا غيره؟.
علي محمد من سكان عزبة خير الله، أشار إلي تلال القمامة ومياه الصرف الراكدة في الاسفل وجيوش الذباب التي تشن حملات دورية غير منتظمة علي الناس والبيوت، قائلاً: هي دي عيشة ترضي ربنا.. كل الإعلام اتكلم عننا، وكل بتوع مجلس الشعب زارونا.. ومافيش فايدة.. لا يوجد أدني احترام للانسان في هذا المكان، فالاطفال يأكلهم المرض من قلة المياه وعدم النظافة والكبار يأكلهم الفقر.. معظمنا أرزقية وحال البلد واقف، كنا فاكرين الإخوان هيعملوا حاجة طلعوا أسوأ من بتوع الحزب الوطني.
سكان عزبة خير الله لم يصل إليهم شيء من دعوات «المجبورين» ببركة السبع بنات.. رغم أنه في كل يوم جمعة تأتي النساء الراغبات في الحمل والانجاب إلي هذا المكان ويتمرمغن في التراب. بعض السكان اكدوا ان النساء يتركن ببنات «الجيوش» المدفونات في القبور هنا، واللاتي تطوعن في الجيش لنصرة الإسلام، واحيانا تأتي احداهن ويستيقظ السكان علي صوت «الزغاريد» لأن الأمل تحقق وحملت المرأة بعد صبر سنتين، فتوزع الحلوي علي الاطفال، وبعضهن توزع «النذر» اياً كان، فول نابت، ويا سلام لو كان «لحمة» ينعم الفقراء ويدعو الجميع للجميع قبيل ما يتمني.. ويذهب الحفل بالمحتفلين ويخيم السكون علي المكان ليعود سكان القرية إلي فقرهم وبؤس حالهم.
للعشوائيات في مصر وجوه كثيرة ابدعت فيها الفوضي ورسم لها الاهمال لوحات ولوحات تتشابه في بعض الملامح وتختلف في الأخري. فمنطقة المعتمدية بالجيزة مثلاً نموذج صارخ للعشوائيات في مصر، فضلاً عن الاهمال في المرافق ومياه الصرف التي تغرق الشوارع من فترة لأخري، وهناك تلال القمامة التي فشلت كل محاولات اخفائها من الوجود، ورغم ذلك توجد ابراج سكنية معظمها بلا تراخيص وتناطح جبال القمامة في ارتفاعها.. في الوقت الذي يسكن فيه كثير من البيوت مواطنون اهملتهم الحكومات المتعاقبة، ولم تفلح ثورة يناير في ابدال احوالهم من السيئ إلي «الممكن».
وهناك عشوائيات في مصر تصل بسكانها إلي بر الموت في كل لحظة.. وتعتبر من المناطق الخطرة، وليس ادل علي ذلك من منطقة الدويقة التي تسقط فيها صخور الجبل بين حين وآخر لتطحن أسفلها مواطنين اضطروا إلي سكن الجبل، فتقع كوارث سقوط الصخور وعشرات الضحايا، ورغم وقوع اكثر من حادثة مفجعة، إلا أن حال السكان لم يتغير ومازال الجميع في انتظار المزيد. ولأن المصريين كانوا دائما خارج اهتمام المسئولين ولم يكن حتي السكن والمأوي المناسب حقاً لهم في يوم من الأيام.. سكنوا القبور في ظاهرة تنفرد بها مصر عن دول العالم المختلف والمتقدم.. تجد الاحياء يجاورون الاموات في مقابر الامام الشافعي والبساتين.. لانهم لم يجدوا من يوفر لهم حتي 4 جدران بين الاحياء، ومر علي ظاهرة سكان القبور حكام وحكومات وانظمة ولم يلتفت إليهم أحد.
هذه مجرد نماذج لمناطق من 1221 منطقة عشوائية يسكنها اكثر من 16 مليون مواطن، منها مناطق مهددة بالانهيار وعددها 35 منطقة، وهذه تحتوي وحدها علي 13 ألفا و431 وحدة سكنية في الجبال ومخرات السيول، وهناك 281 منطقة غير آدمية.
القاهرة وحدها محاطة بـ 80 منطقة عشوائية يسكنها نحو 3٫13 مليون نسمة، أي اكثر من ربع سكان عشوائيات مصر كلها، ويضم اقليم القاهرة الكبري 53٫2٪ من سكان عشوائيات مصر. الخطير في الامر والذي ترصده الاحصاءات والدراسات ان العشوائيات في تزايد، ولم تتمكن أي حكومة من حصارها أو وقف زحفها ونموها، فمساحة عشوائيات القاهرة الكبري تضاعفت 18 مرة منذ عام 1950 من 6٫6 كيلو متر إلي 119٫5 كيلو متر عام 2006.
ويأتي في المرتبة الثانية بعد القاهرة اقليم الدلتا الذي يضم 362 منطقة عشوائية، وحسب تقارير جهاز التعبئة والاحصاء فإن المد العشوائي في تزايد مستمر، وبعد ان كان عدد المناطق العشوائية في مصر كلها 434 منطقة عام 1993 وصلت إلي 1221 منطقة منتشرة في 24 محافظة من محافظات مصر، يسكنها 16 مليون نسمة، تمثل 24٪ من اجمالي سكان مصر، وقد وصلت نسبة، العشوائيات في بعض المدن إلي نحو 77٪ من النمو العمراني للمدينة «في بني مزار بالمنيا»، ووصلت إلي 87٪ من الامتداد العمراني في مدينة الجيزة و25٪ في محافظة اسيوط. ويسكن نحو 1٫36 مليون نسمة بالإسكندرية 24 منطقة عشوائية، ويمثلون 35٪ من سكان المحافظة.
أما اخطر ما في قضية العشوائيات والخاص باستراتيجيات معالجة القضية فهو ما يتعلق بتضارب الأرقام حول عدد المناطق العشوائية وتعدادها السكاني، ففي الوقت الذي تعلن فيه بيانات وزارة الاسكان أن عدد العشوائيات علي مستوي الجمهورية لا يتعدي 497 منطقة، يؤكد مركز المعلومات، ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء ان عدد العشوائيات في مصر وصل إلي 1034 منطقة، اما وزارة التنمية المحلية، فتؤكد أن عدد هذه المناطق يصل 1150 منطقة، في حين يؤكد جهاز التعبئة والاحصاء أن عدد العشوائيات 909 منطقة.
وانسحب ذلك علي اختلاف في تقدير سكان العشوائيات، فهناك تقرير للجنة الإسكان بمجلس الشعب يؤكدان عدد سكان العشوائيات يصل 12 مليون شخص، في حين ان جهاز التعبئة والاحصاء يؤكد أنه 7٫5 مليون فقط، وهو ما يتقارب مع ارقام دراسة للمركز المصري لحقوق السكن الذي أكد وجود ما يزيد علي 7 ملايين نسمة يعيشون في عشوائيات القاهرة والجيزة فقط.
وفي ظل هذا التخبط في الارقام، يبدو مؤكدا ان استراتيجيات حل هذه المشكلة ستظل مؤجلة ومهمشة، ويظهر ذلك بالاكثر في ظل نظام وحكومة ودستور الإخوان.. لكن الحقيقة التي ستظل صارخة هي أن الملايين من سكان هذه المناطق لا ينالون ابسط حقوقهم الاساسية من مساكن آدمية وصرف صحي آمن وماء شرب نظيف.. انهم حقاً خارج كل الحسابات.

عددهم 25 مليوناً ويتزايدون في جميع المحافظات
.. وضاعت حقوق الفقراء
انتظروا تحقيق العيش الكريم والعدالة الاجتماعية.. فذهبت أحلامهم أدراج الرياح
«عبدالحي»: قضيت 71 عاما من عمري في جمع القمامة.. وأرفض الانتقال من منزلي الآيل للسقوط
«سعد»: أريد الزواج.. وأقيم في حجرة بـ 250 جنيها.. ولا أعرف طعم اللحم


«لقمة عيش، ملبس نظيف، و4 حيطان» تؤويهم من حر الصيف وبرد الشتاء.. هذه هي كل أحلام فقراء مصر، أكثر من 25 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر، محرمون حتي من أبسط حقوقهم في الحياة، انتظروا الثورة التي مثلت لهم الحلم بالعيش والعدالة الاجتماعية، ترعرعت أحلامهم معها، طالت عنان السماء.. وجاءت الثورة، وأصبح الحلم قريب المنال، إلا أن الانتظار طال، والأيام مرت ثقيلة، حتي جاء الدستور، ظنوا أنه سيكون حائط الصد الأخير الذي سيحول دون المزيد من تدهور أوضاعهم، اعتقدوا أنه الملاذ الآمن لهم، إلا أن الأحلام كلها تبخرت علي صخرة دستور، لا يعرف الفقراء، لا يعترف بحقهم في العيش الكريم، لا يلزم الدولة بتوفير معيشة كريمة لهم.
بعيون دامعة، وقلب جريح، وحزن بالغ، بدأ عبدالمنعم عبدالحي حديثه قائلا: قضيت 71 عاماً من عمري في فقر، أعمل في جمع القمامة منذ أن كان عمري 7 سنوات، واليوم بعد بلوغي هذه السن لم أشعر بالراحة، فمازلت أعمل، أخرج من بيتي القابع في حضن الجبل منذ الصباح الباكر، وأعود إليه ظهراً بعد أن أجمع الكرتون والبلاستيك من القمامة لأبيعها بجنيهات قليلة أسد بها الأفواه الجائعة التي تطلب الطعام، ففي واحدة من أفقر مناطق مصر، عزبة بطن البقرة، يعيش عبدالمنعم وابناؤه السبعة وأحفاده في منزل يحيطه الجبل من كل اتجاه، ورغم أنه يرضي بحالة «العدم» وبالجنيهات القليلة التي يحصل عليها من بيع الكرتون، إلا أن منزله الآيل للسقوط في أي وقت وغيره من المنازل، جعل حي مصر القديمة يفكر في نقل المنطقة بمن فيها إلي مدينة 6 أكتوبر، إلا أن «عبدالمنعم» يرفض النقل، معللاً سبب رفضه بقوله إن النقل يعني موته وأولاده وأحفاده فجميعهم يعملون في هذه المهنة، ونقلهم إلي أي مكان آخر يعني أنهم لن يجدوا قوت يومهم، وأضاف: ليس لدي معاش، وأبنائي علي باب الله، وإذا تم نقلنا من أين سنأكل، طبعاً النتيجة معروفة، الأولاد الصغار سيعملون في السرقة، بينما ستنحرف البنات!.
وأضاف: لماذا لا تتركنا الدولة في حالنا؟ نحن فقراء لا نملك شيئاً سوي هذه المهنة، وهل ستوفر لنا الدولة عملاً إذا نقلتنا إلي أكتوبر، وكيف سنعيش هناك؟، وعن أحواله قال: زفت والحمد لله.. نعيش في بؤس، ولكننا راضين بما قسمه الله لنا، ونأكل أي شيء، المهم نملأ بطوننا وبطون أبنائنا، عيش وملح أو مخلل أو أي شيء، التفاح لا نعرف شكله، وإنما نري قشره في الزبالة، ونكتف بهذا، اللحم لا نعرفه إلا في المواسم، وعن طريق أهل الخير، لانستطيع شراء كيلو اللحم المستورد، بـ 40 جنيهاً، ونكتفي بشراء هياكل الدواجن التي يرمونها للكلاب بـ 6٫5 جنيه للكيلو، هذه هي أحوالنا، فهل الدستور الذي يتحدثون عنه سيفعل لنا شيئا.
وأضاف: حاولت تحسين مستوي أسرتي فسافرت للعراق، وهناك «انضربنا علي قفانا».. وعدت بلا شيء، وذهبت للسعودية ولم أحصل علي شيء أيضا، عدت إلي بلدي علي أمل أن أحصل علي أبسط حقوقي، ولكني ايضاً وجدت الويل وذقت الأمرين، واليوم أنتظر الموت، وكل ما اتمناه أن أموت في المكان الذي شهد كل أيام حياتي «السوداء»!.
الفقر في بر مصر ضارب بجذوره في كل مكان، فأينما تذهب تلتقي بالفقراء والمعدمين الذين حلموا بغد أفضل، إلا أن هذا الغد لم يأت حتي الآن، أحد هؤلاء الفقراء يدعي محمد سعد، جاء من محافظة أسيوط للعمل في القاهرة، حيث الرزق الوفير، إلا أنه عمل خفيرا في إحدي الشركات مقابل 600 جنيه شهرياً، يدفع منها 250 جنيهاً مقابل إيجار حجرة يقيم فيها، ويقول: الـ 350 جنيها الباقية لا تكفيني حتي لشراء العيش والجبن.. نفسي أتزوج ويكون عندي ولد، لكن الظروف التي نعيش فيها تجعل الزواج مشكلة، كما أنني أساعد أسرتي من هذا المبلغ بـ 100 كل شهر، فكيف أعيش؟ لا أعرف طعم اللحم ولا الخضراوات أو الفاكهة، وكل ما أتمناه أن تنظر لنا الحكومة بعين العطف، فنحن مصريون لنا حقوق، ونتمني أن يفكر فينا أحد.
وعن الدستور قال: نسمع عنه من التليفزيون والناس كلها بتتكلم عنه، لكن مش عارف هو هيعملنا إيه، فهل سيقضي علي فقرنا، أم سنظل مهملين ونموت ولا أحد يشعر بنا؟.
تختلف الوجوه بين فقراء مصر، ولكن المعاناة واحدة، هموم أثقل من الجبال يحملها 25 مليون مواطن، لا يجدون أبسط حقوقهم في وطن ينتمون إليه، حقوق ضائعة، يبحثون عنها طوال السنوات الماضية، وظنوا أن الثورة قد تعيدها إليهم، ولكن هذا لم يحدث، بل إن الدراسات أشارت إلي تزايد معدلات الفقر في مصر بعد الثورة بسبب الانهيار الاقتصادي، وزيادة معدلات البطالة، لتنتشر خريطة الفقر في كل مصر، وحتي تلك المحافظات التي كانت نسب الفقر فيها منخفضة، فيما مضي زادت معدلاتها ليصبح الفقر هو القاسم المشترك الأعظم بين كل المحافظات، لا فرق بين قبلي وبحري، فالكل في الفقر سواء.
ورغم أن محافظات دمياط وبورسعيد كانت في الاحصاءات القديمة من المحافظات الغنية التي لا يوجد بها فقراء، إلا أن تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادر عام 2011 حول الفقر في مصر، أكد أن نسبة الفقر في محافظة دمياط بلغت 29٪، بينما وصلت إلي 12٪ في بورسعيد!.
وتشير الإحصاءات إلي أن الفقر أصبح منتشراً في كل المحافظات، ومنها محافظات الصعيد، حيث تبلغ نسبته 57٪ في محافظة سوهاج، و50٪ في المنيا، و44٪ في أسيوط، و32٪ في بني سويف، و25٪ في أسوان، و19٪ في قنا، و10٪ في الأقصر، أما محافظات الوجه البحري فإنها ليست أفضل حالاً، حيث يبلغ معدل الفقر في محافظة الشرقية 21٪، والدقهلية 16٪، والبحيرة 9٪، والقاهرة 12٪ والإسكندرية 9٪، والمنوفية 14٪، والفيوم 11٪، وكفر الشيخ 55٪، والغربية 6٪، أما محافظات القناة فليست مستثناة من الفقر، حيث يقدر عدد الفقراء في الإسماعيلية بـ 5٪ وفي السويس بـ 7٪.
وتقدر الإحصاءات عدد قري مصر بـ 4040 قرية، منها ألف قرية اكثر فقراً، يسكنها نحو 10 ملايين مواطن، معظمهم من الفقراء والمعدمين، ويعاني هؤلاء جميعاً من سوء الأوضاع المعيشية، وانخفاض مستوي الدخل، حتي إن معظمهم لا يستطيع توفير قوت يومه.
وتجاهل الدستور الجديد حقوق كل هؤلاء الفقراء، فلم يلزم الدولة بأي فعل إيجابي للقضاء علي ظاهرة الفقر التي استشرت في المجتمع المصري، وهو ما دفع السياسيين والخبراء إلي المطالبة برفض هذا الدستور الذي يساعد علي سحق الفقراء، كما قال حمدين صباحي زعيم التيار الشعبي في تغريداته علي موقع «تويتر»، بل إن الباحث الاقتصادي أحمد النجار ذهب لأكثر من ذلك، مشيراً إلي أن هذا الدستور الذي لا يحمي حقوق العمال والفلاحين ولا المهنيين سيؤدي إلي سحق الطبقة الوسطي وزيادة معاناة الطبقة الفقرة، وزيادة معدلات الفقر في مصر.



اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية الوفد - دستور " الإخوان " .... ظاااالم

اجمالي القراءات 4105