تسببت فتوى أطلقها رجل دين سعودي بانقسام علماء الأزهر في مصر بين مؤيد ومعارض لاجتهاد يبيح إقامة المطلقين، من الآباء والأمهات، مع أولادهما في منزل واحد لرعايتهم، شرط الابتعاد عن "المخالفات الشرعية".
وجاءت فتوى الأمين العام لهيئة الإعجاز العلمي في السعودية الداعية عبد الله المصلح، في إطار ردّه على سؤال طرحته على متصلة في برنامجه التلفزيوني. إذ عرضت المتصلة إقامة والدها ووالدتها، المطلقين منذ 13 عاماً، مع بعضهما في المنزل نفسه، حتى لا يتشرد أبناؤهما، متساءلة عن شرعية هذا الوضع من الناحية الدينية.
وعلى الفور، ردّ الداعية السعودي أنه، حين وقوع الطلاق، وانتهاء عدّة المرأة، "صارت كأي امرأة موجودة خارج البيت، بمعنى أنها تكون أجنبية عنه، ولا تجوز له مطلقاً، وتنطبق عليها كل الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة الأجنبية".
وأشار إلى عدم وجود مانع شرعي من بقاء المطلقين معاً، تحت سقف واحد، إذا كانت المرأة في مكان والرجل في مكان آخر وكل منهما في حاله ولا تحصل بينهما خلوة شرعية، وعرف كل من الطرفين الضوابط الشرعية لهما رغم أنهما يعيشان في بيت واحد ولكن كأجنبيين وليس كزوجين.
ونقلت مجلة "لها" الأسبوعية، التي أثارت الموضوع في عددها الأخير، آراء مجموعة من علماء الأزهر بمصر، والذين اختلفت آراؤهم بين مؤيد ومعارض للفتوى. من المؤيدين العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الدكتورة آمنة نصير، التي أشارت إلى أن بقاء المطلقين معاً له آثار ايجابية على الاستقرار النفسي للأولاد، و"هذا خير ألف مرة من افتراقهما وقيام كل منهما بالزواج من جديد وما قد ينتج عن ذلك من أضرار نفسية للأولاد نتيجة المشاكل التي ستحدث حتماً بينهم وبين زوجة الأب أو زوج الأم".
واعتبرت أن المهم "ليس بقاء الوالدين المطلقين معاً في منزل واحد، وإنما مدى إلمامهما ومعرفتهما بأحكام الشرع في حدود العلاقة بينهما. فإذا التزما بذلك فهذا أفضل من عيش كل منهما في منزل مستقل. والقاعدة الفقهية تؤكد لأن درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة.
ورأت نصير أن المفسدة ليست في بقاء الوالدين المطلقين معاً، بل "المفسدة الأكثر هي ضياع الأولاد وتشردهم".
مرفوض شرعاً
في المقابل، أكد مفتي مصر السابق نصر فريد أن "الأحكام الشرعية لا تقبل المجاملة بأي شكل"، معتبراً أن بقاء المطلقين تحت سقف واحد "مرفوض شرعاً، لأن احتمال الخطأ والانحراف وارد، وبقوة".
ولفت إلى أنه، لهذا، نهى الشرع عن بقاء الرجل والمرأة الأجنبية معاً في خلوة بعيداً عن الناس، "لأن الشيطان سيكون ثالثهما، وسيوقعهما في المحظور شرعاً، ولو بعد فترة".
كما اعتبرت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر سعاد صالح أن سكن المطلقين معاً بحجة رعاية الاولاد مرفوض شرعاً، "لأن أضراره أكثر من فوائده، واحتمالات الانحراف أقوى بكثير من احتمالات الاستقامة"، وفق ما أشارت المجلة في عددها الصادر في 18 يونيو 2008.
كذلك عارض أستاذ العقيدة والفلسفة في كلية أصول الدين جامعة الأزهر محمد المسير أي مبرر لبقاء المطلقة مع زوجها، حتى وإن كان لديهما 10 أبناء، لأن أحكام الشرع مقدمة على العاطفة وفيها حماية للمطلقين باعتبارهما أجنبيين عن بعضهما من الوقوع في المحظور الشرعي، "وهو لا يقتصر هنا كما يظن البعض على الجماع بل ومقدماته من النظرة بشهوة أو اللمس أو الخلوة بالبقاء معاً ولو للحظات بعيداً عن الأبناء لأن هذه المقدمات لا بد أن تؤدي إلى نتائج كارثية".
رأي علم الإجتماع
من جهتها، رأت أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس سامية الساعاتي أن الاقتراح وجيه، "وقد تكون فيه بعض الجوانب الايجابية على استقرار الأسرة وما فيها من أبناء"، لكنها تستدرك بالإشارة إلى احتمال ظهور مشكلة اجتماعية كبرى، لأن المجتمع يرفض بقاء رجل وامرأة أجنبية من الناحية الشرعية معاً، في منزل واحد وستطاردهما الشائعات القاتلة وسوء السمعة، وذلك بحكم التقاليد الشرقية. وتقترح إخضاع الاقتراح للمزيد من الدراسة تضع في الاعتبار الجوانب الدينية والاجتماعية والتربوية والنفسية في الحسبان.
أما أستاذ الصحة النفسية في جامعة عين شمس الدكتور سيد صبحي فأظهر خشيته من أن يتسبب وجود المطلقين في منزل واحد بضياع الأولاد، بدلاً من استقرارهم نفسياً، "أنه لو كان الآباء والأمهات فيهم خيراً لفضلوا البقاء معاً في حياة زوجية شرعية حتى وان كان كل منهما منفصل حقيقة عن الآخر".