الخميس 8 نوفمبر 2007
فى إصلاح الأقباط
أولا
1 ـــ التعميم خطأ منهجى ، وحين أقول (الأقباط ) فليس القصد كل الأقباط ، وانما أقصد هنا المتعصبين منهم .
2 ـ أعتقد أنه لا يوجد من يستطيع المزايدة علىّ فى الدفاع عن الأقباط وحقوقهم فى المساواة الكاملة مع أشقائهم المسلمين المصريين ، فثلاثون عاما من الجهاد السلمى فى إصلاح المسلمين من داخل الإسلام وفى الدفاع عن الأقباط يعطينى الحق فى توجية النصح للأقباط حرصا عليهم وإكمالا لمسيرة الإصلاح لمصر بمسلميها وأقباطها .
3 ـ ولمجرد التذكير فإن جهادى فى سبيل إصلاح المسلمين إقترن بالتذكير للمسلمين بالمظالم التى تعرض لها الأقباط منذ غزو العرب لمصر وضرورة إقامة العدل معهم على أنه فريضة إسلامية .
4 ـ وأعطى بعض الأمثلة : ـ
* فى رسالتى للدكتوراة التى أصرت جامعة الأزهر على تغييرها سنة 1977 ظل النزاع بنى وبينهم قائما إلى أن اتفقنا على حذف ثلثى الرسالة ونوقش ثلثها فقط ، وأجيزت فى أكتوبر 1980 بمرتبة الشرف الأولى .
كان من أسباب الرفض أننى عقدت فصلا كاملا فى الرسالة عن إضطهاد الأقباط فى العصر المملوكى وكان ذلك فى باب الحياة الدينية فى مصر المملوكية والذى إتفقنا على حذفه ، ولكن تصميمى على إبراز إضطهاد الأقباط جعلنى أنقل الفصل االخاص بهم من القسم المحذوف إلى الباب السياسى مع تعديل بسيط . ولم يفطن شيوخ الجهل فى جامعة الأزهر لما فعلت ، وبذلك نوقشت أول رسالة جامعية فى الأزهر تتحدث فى فصل منها عن إضطهاد الأقباط فى مصر.
* وفى كتاب ( السيد البدوى : بين الحقيقة والخرافة ) الصادر عام 1982 كشفت لأول مرة عن أكبر مؤامرة قام بها أتباع السيد البدوى لتدمير كل الكنائس المصرية فى العصر المملوكى إنتقاما من الدولة المملوكية ، وحذرت فى نهاية الدراسة من خطورة الدعوة السلفية ودعوت إلى ضرورة البدء فى قراءة التراث قراءة نقدية .
* وفى عام 1984 أصدرت أربعة كتب قررتها على الطلبة فى جامعة الأزهر ، منها كتابان : الأول هو كتاب " شخصية مصر بعد الفتح الإسلامى " وفيه تعرضت بالتفصيل للإضطهاد الذى تعرض له الأقباط فى مصر بعد الغزو العربى ، وأثبت وحدة التدين المصرى فى العصور الثلاثة :، الفرعونى والقبطى والأسلامى ، وكيف قامت مصر بتمصير المسيحية ثم الأسلام تحت رموز وأسماء مسيحية ثم اسلامية عربية . أى إنه تدين مصرى ذو أصل مصرى واحد وبأسماء ورموز مختلفة ، وهذا يستدعى التسامح وليس التعصب .
وفى الكتاب الآخر" البحث فى مصادر التاريخ الدينى : دراسة عملية " ناقشت نفس التدين المصرى للمسلمين من خلال مصادره التاريخية ووثائقه وكيفية التعامل البحثى معها .
ولأول مرة فى تاريخ الأزهر يتم بمنهج علمى وموثق توضيح التناقض بين الإسلام كدين والمسلمين كبشر لهم تدين مخالف للإسلام مع أنهم يرفعون إسم الإسلام ، والذى شرحته لأبنائى الطلبة وقتها أنه يجدر بالمسلمين قبل أن ينظروا بإستعلاء إلى المسيحين ويتهمونهم بتأليه البشر أن يصلحوا تدينهم الأرضى السنى والشيعى والصوفى وهو يؤله الأنبياء والأئمة مثل ما سبقهم من أتباع الديانات السابقة .
*وأثناء الثمانينيات تجولت فى أخطب الجمعة فى المساجد فى القاهرة والأقاليم ، وكان موضوع التشابه والتطابق والمقارنة بين التدين العملى لكل من المسيحين والمسلمين هو أهم الموضوعات للتاكيد على إصلاح المسلمين من الداخل بدلا من اهتمامهم بنشر أديانهم الأرضية فى الخارج ونظرتهم الإستعلائية للأقباط وغير المسلمين .
وأذكر خطبة لى فى أحد مساجد الأسكندرية تحدثت فيها عن ميلاد المسيح كما جاء فى القرآن الكريم فى سورتى " آل عمران " و " مريم " فى نفس الوقت الذى لم يذكر فيه القرآن الكريم أى إشارة لميلاد النبى محمد عليه السلام أوإلى نشأته مكتفيا بقوله تعالى " ووجدك ضالا فهدى " وقارنت بين البيئة الإيمانية التى نشأت فيها السيدة مريم ووضعت فيها أبنها المسيح عليه السلام والبيئة المشركة التى ولد ونشأ فيها خاتم النبيين عليه السلام ، وكيف أنقذه الله تعالى من الضلال بالهداية وجعله خاتم الأنبياء عليهم جميعا سلام الله جل وعلا. وكالعادة ـ حدث هرج ومرج فى المسجد وأثيرت مناقشات مكثفة بعد صلاة الجمعة ولم يصمد فيه المحتجون للحجج التى جئنا بها من القرآن الكريم .
* فى كل ذلك لم أكن قد عرفت أو التقيت أى شخص من الأقباط . حدث لى ذلك لأول مرة عام 1989 عندما تزاملت مع الدكتور فرج فودة فى الدعوة للأصلاح المؤسس على حقوق الإنسان وحقوق المواطنة . وبعد إغتياله رحمة الله – فى يونية 1992- استمررت فى الطريق مع آخرين منهم الأقباط ومنهم المسلمون .
ثانيا
(أ )
ولكن هذا الجهد الإصلاحى الذى يقوم به مصلحون مسلمون دفاعا عن الأقباط يتعرض لتيارات سلبية تأتى من جانب الأقباط أنفسهم ، ربما لا يحس بها المسلمون العلمانيون ولكنها تؤلمنى بإعتبارى شيخا أزهريا ومفكرا إسلاميا حريصا على دينه ، ومن خلال إنتمائه للإسلام وحرصه عليه يدافع عن حقوق الأقباط ، فكيف يسمع منهم ما يكره عن دينه الذى يعتزّ به ؟
وأؤكد هنا من وجهة نظر محايدة وعادلة أننى لا ألوم الأقباط على كراهيتهم للإسلام وذلك للأسباب الأتية :-
1 ـــ ان الأسلام الذى عرفوه وكرهوه هو الذى جاء به " عمرو بن العاص " غازيا لبلادهم ناهبا لثرواتها ، ومع أن الأقباط هم الذين ساعدوه على الإنتصارعلى الروم إلا أنه كافأهم بفرض الجزية عليهم ، ثم جاء ولاة بعده كانوا أشد منه ظلما . ويكفى أن تراجع بحث " إضطهاد الأقباط فى مصر بعد الفتح الأسلامى " والمنشور على موقعنا أهل القرآن (http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=80 )
لتعرف معاناة الأقباط تحت حكم الولاة العرب وغيرهم ..
إذن إرتبط الإسلام فى ذهنية الأقباط بالظلم الذى أوقعه بهم العرب المسلمون .
2 ـ ومهما أشرح لهم من أن الغزو العربى الذى حمل زورا اسم الأسلام هو مناقض ومخالف لتشريع القرآن فى القتال الدفاعى وفى فرض الجزية، فإن شرحى واستدلالى بالقرآن لا يجدى شيئا لأنه صوت خافت وسط ضجيج هائل يقدس أبطال الغزو ويبنى على هذا التقديس أديانا أرضية للمسلمين ما بين تشيع وسنة.
3 ـ ثم أننى متهم بإزدراء الدين الأسلامى من قبل نظام الحكم والأزهر و أتباعهم من الأغلبية .أى أن حجة الأقباط تأتى من الجانب الأخر الظالم المستحق للإصلاح ، واللوم يجب توجيهه الى أولئك الظالمين المفسدين و ليس للضحايا .
4 ـــ أن الله تعالى يبيح للمظلوم أن يجهر بالسوء من القول (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا :النساء 148 ) وعليه فإذا صرخ بعض الأقباط إحتجاجا فإن الواجب تحمل صراخهم لأنهم ضحايا لظلم وقع ولا يزال يستمر فى الوقوع بهم . وكل إنسان مسئول أمام الله تعالى عما ينطق به وعما يفعل.
5 ـــ وفى النهاية فإن هذا التعصب القبطى قد إزداد كرد فعل ضد ثقافة التطرف السلفية التى تنسب نفسها للإسلام والتى ملأت المساجد والإعلام والتعليم ،وأصبح من معالمها الطعن فى عقائد الأقباط والتحريض على كراهيتهم . وامتد هذا الصراع الدينى ( السلفى – القبطى ) إلى فضاء الإنترنت الذى أتاح للأقباط مزية هامة وهو أن يطعن أحدهم فى الاسلام كيفما شاء بإسم مستعار.
(ب )
وفى خضم هذا التراشق بالألفاظ بين المتطرفين السلفيين والمتعصبين من الأقباط تناسى المتعصبون من الأقباط أن من سيدفع الثمن لهذا التراشق هم ملايين البسطاء من الأقباط، إذا ما أثمرت تلك المشاحنات عن حرب أهلية تكون نتيجتها المباشرة أن تلتهم الأغلبية المتطرفة الأقلية القبطية ومعظمهم فقراء لا شأن لهم بما يجرى على الانترنت وغيره .
ثالثا
1 ـ هذه الملايين من الأقباط الذين لا حول لهم ولا قوة يلجأون للكنسية طلبا للحماية فتضع الكنيسة القبطية فى مشكلة مع السلطة ، فى وقت تعانى فيه الكنيسة نفسها من مشاكل وخلافات تضع مطلب الاصلاح فى موقع الصدارة .
وفى البداية فإن الدعوة لإصلاح الكنيسة القبطية مرتبطة بنشأة الكنيسة القبطية وتاريخها ، ومن يقرأ كتاب " تاريخ الكنيسة القبطية " للشماس منسى القمص يجد ذلك واضحا ، حيث قام المؤلف بتتبع تاريخ الكنيسة القبطية من القرن الأول الميلادى وحتى القرن التاسع عشر ، خلال أربعة أقسام ويأتى القسم الرابع فى كل قرن ليتحدث عن البدع والإنشقاقات داخل الكنيسة القبطية ، مما يدل على وجود حراك للإصلاح والتغيير استمر ولا يزال.
2 ـ وقد شهدت بنفسى خلال العقد الأخير من القرن العشرين دعوة إصلاحية من داخل الكنيسة قام بها القس إبراهيم عبدالسيد ـ رحمه الله جل وعلا ـ والذى لازمنى لعدة سنوات فى رواق ابن خلدون ، وأشهد أنه كان مسيحيا مخلصا لدينه ومحافظا عليه ومعتزا به ، ودارات كتاباته الكثيرة حول دعوته الإصلاحية من داخل التراث المسيحى ذاته . وقد عاش القس إبراهيم عبدالسيد مضطهدا من البابا شنودة ، واستمر إضطهاد البابا له حتى إنه رفض دفنه والصلاة عليه فى أى كنيسة قبطية ...
وبعد موت القس إبراهيم عبدالسيد ظهرت حركة إصلاحية من داخل العلمانيين الأقباط ولا تزال مستمرة ، وبهذا فإن كتاب " تاريخ الكنيسة القبطية " يحتاج إضافة فصل آخر يتحدث عن الإنشقاقات والبدع خلال عصرنا .
3 ـ إن حتمية إصلاح الكنيسة القبطية هو واجب وطنى مصرى يجب أن يتصدى له الأقباط ، ليس فقط لأن الإصلاح فى مصر يجب أن يشمل كل المؤسسات من الأزهر والكنيسة والحياة الدينية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية والتشريعية . ولكن أيضا لسبب قبطى بحت ...
فالتطرف الدينى السلفى فى مصر انتج حركات عنف ضد الأقباط تسببت فى المزيد من عزلة الأقباط وعزوف الأكثرية منهم عن الإنضمام لتيار الحراك الوطنى المصرى ، فلجأ معظم الأقباط للكنيسة يحتمون بها تاركين الشارع الثقافى حكرا على المتطرفين والمتعصبين من الجانبين .
وانسحاب الأقباط من الحياة السياسية إلى الكنيسة له دلالة سلبية فى ظل الأحساس بأن الكنيسة القبطية نفسها تحتاج لإصلاح من الداخل يتحدد فيه دورها ، هل هو " أعط ما لله لله وما لقيصر لقيصر " أو هو التفاعل مع قضايا المجتمع من خلال رؤية مستنيرة تقوم على اساس حقوق الانسان وحقوق المواطنة والتسامح تقوم بها مؤسساتها وقياداتها العلمانية ، كما تقوم بتطوير دورها الإجتماعى والقانونى فى قضايا معلقة كثيرة تخص الشأن القبطى فى موضوعات الزواج والطلاق. وهنا نلفت النظر إلى المؤلفات الأصلاحية الكنسية للقس إبراهيم عبدالسيد ، والتى لم تلق من القيادة الكنسية الراهنة سوى التجاهل والكراهية .
وموضوعات الأصلاح القبطى من الداخل كثيرة ومتشعبة ، والأقباط المصلحون أقدر على طرحها والتعامل معها. وأتمنى أن تتضافر معا جهود الأصلاح الأسلامى والأصلاح المسيحى ، وأن تتحد جهود إصلاح الأزهر مع إصلاح الكنيسة أملا فى مستقبل أفضل لمصر،وهى مهددة بالفقز فى الظلام ، ظلام حرب أهلية مدمرة .
رابعا
أننى أخاطب المسلمين داعيا للتسامح مستشهدا بعشرات الآيات القرآنية،ومنها قوله تعالى ( وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ : الحجر 85)
وأمل أن يتعظ بها المتطرفون السلفيون .
وهنا أخاطب المتعصبين من الأقباط داعيا للتسامح مستشهدا بما جاء فى إنجيل " متى "( «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. 39 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. 40 وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. 41 وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. 42 مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ.43 «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. 44 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، ).
وآمل أن يتعظ به المتعصبون من الأقباط .
أخيرا
أعرف تماما أن هذا المقال سيضيف لى أعداءا جددا من الجانبين ...
ولكنها ضريبة الإصلاح : أن تقول ماتعتقده حقا ثم تتلقى الشتائم واللعنات ، وتغفر و تصفح .