بســـم اللـــــــــــه الرحمــــــن الرحيــــــم
"لا إلـــــه إلا اللـــــــه"
التوحيد الذى جاء به الرسل إنما يتضمن إثبات الالـــــهية للــــــه وحده بأن يشهد أن لا إلــه إلا اللـــه، لا يعبد إلا إياه، ولا يتمكل إلا عليه، ولا يعمل إلا لأجله، وذلك يتضمن إثبات ما أثبته لن&Yacutute;نفسه من الأسماء والصفات فقال تعالى: " وإلهكم إله واحد هو الرحمــن الرحيم" البقرة 163
وقال تعالى :" وقال الله لا تتخذوا إلـهين إثنين إنما هو إلــه واحد فإيى فارهبون. " النحل 51
وإخبر عن كل نبى من الأنبياء أنهم دعوا الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وقال: "قد كانت لكم إسوة حسنة فى إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء ابدا حتى تؤمنوا بالله وحده..." الممتحنة 4
وقال عن المشركين: " إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون * ويقولون أئنا لتاركوا ءالهتنا لشاعر مجنون" الصافات 36،35 وهذا فى القرءان كثير.
التوحيد الذى دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب فهو نوعان:
الأول هو إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وصفاته وأسمائه، وإثبات عموم قضائه وقدره وحكمته وقد أفصح القرءان عن هذا النوع جد الافصاح، كما فى سورة الحديد وسورة طه، وآخر الحشر، والسجدة، وأول آل عمران، وسورة الاخلاص بكا ملها وغير ذلك.
الثانى ما تضمنته سورة قل يا أيها الكافرون، آل عمران 64، وأول سورة المؤمنون ووسطها وآخرها، وأول سورة الأعراف وآخرها، وجملة سورة الأنعام وغالب سور القرءان بل كل سورة فى القرءان فهى متضمنة لنوعى التوحيد.
وليس المراد بالتوحيد مجرد توحيد الربوبية، وهو إعتقاد أن الله وحده خلق العالم كما يظن ذلك من يظنه من أهل الكلام والتصوف. ويظن هؤلاء أنهم إذا أثبتوا ذلك بالدليل فقد أثبتوا غالية التوحيد، فإن الرجل لو أقر بمل يستحقه الرب تعالى من الصفات، ونزهه عن كل ما ينزه عنه، وأقر بأنه وحده هو خالق كل شئ، لم يكن موحدا حتى يشهد أن لا إلـــه إلا الله وحده، فبقر بأنه وحده هو الاله المستحق للعبادة ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له، و الالــه هو المألوه المعبود الذى يستحق العبادة، وليس هو الالــه بمعنى القادر على الاختراع، فإذا فسر المفسر الالــه بمعنى القادر على الاختراع واعتقد أن هذا المعنى هو أخص وصف الالــه، جعل إثبات هذا هو الغاية فى التوحيد، كما يفعل ذلك من متكلمةالصفاتية، وهو الذى يقولونه عن ابى الحسن وأتباعه، لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذى بعث الله به رسوله، فإن مشركى العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شئ، وكانوا مع هذا مشركين. قال تعالى: "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" يوسف 106
وقال تعالى: " قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل أفلا يذكرون * قل من رب السمــوت السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون * قل من بيده ملكوت كل شئ وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون * سقولون لله قل فأنى تسحرون." المؤمنون 84-89
فليس كل من أقر بأن الله تعالى رب كل شئ وخالقه يكون عابدا له دون سواه، ويطيع رسله ويأمر بما أمر به وينهى عما نهى عنه. وعامة المشركين أقروا بأن الله خلق كل شئ، وأثبتوا الشفعاء الذين يشركونهم به وحعلوا له أندادا. قال تعالى: " أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذى من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد. " " أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون." الزمر 36، 43
" ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعؤنا عند الله قل اتنبؤن الله بما لا يعلم فى السموت والأرض سبحــنه وتعالى عما يشركون." يونس 18
شهادة أن لا إلـــه إلا الله تقتضى أن يكون الشاهد عالما بأنه لا إله إلا الله كما قال تعالى: " فاعلم أنه لا إلـــه إلا الله" وإسم الله مرتفع بعد "إلا" من حيث أنه الواجب له الالهية فلا يستحقها غيره سبحانه. وجملة الفائدة فى ذلك أن تعلم أن هذه الكلمة مشتملة على الكفر بالطاغوت والايمن بالله، فإنك لما نفيت الالهية ب "لا إلـه" واثبت الايجاب لله ب "إلا الله" كنت ممن كفر بالطاغوت وآمن بالله.
وهذه أعظم كلمة تضمنت بالوضع نفى الالهية عما سوى الله، وإثباتها له بوصف الاختصاص.
قال تعالى: " ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلى الكبير."
فدلت " لا إلــه إلا اللــه " عن نفى الالهية عن كل مل سوى الله كائنا من كان، وإثبات الالهية لله وحده، دون كل ما سواه، وهذا هو التوحيد الذى دعت إليه الرسل ودل عليه القرءان من أوله إلى آخره.
" وحده لا شريك له " تأكيد وبيان لمضمون معناها وقد أوضح الله ذلك وبينه فى قصص الانبياء والمرسلين فى كتابه الكريم. فما أجهل عباد القبور بحالهم، وما أعظم ما وقعوا فيه من الشرك المنافى ل" لا إلــه إلا اللــه ". فإن مشركى العرب جحدوا " لا إلــه إلا اللــه " لفظا ومعنى، وهؤلاء المشركون أقروا بها لفظا وجحدوها معنى، فتجد أحدهم يقولها وهو يأله غير الله بأنواع شتى من العبادة، بل زاد شركهم على شرك العرب بمراتب، فإن أحدهم إذا وقع فى شدة أخلص الدعاء لغير الله تعالى، ويعتقدون أنه أسرع فرجا لهم من الله بخلاف المشركين الاولين، فإنهم كانوا يشركون فى الرخاء وأما فى الشدائد فإنما يخلصون لله وحده كما قال تعالى: " فإذا ركبوا فى الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون." العنكبوت 65
فبهذا يتبين أن مشركى أهل هذه الازمان أجهل بالله وبتوحيده من مشركى العرب ومن قبلهم. واللــه أعلم
ولنا بقية فى هذا الموضوع إن شــاء الله