قام العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز (84 عاماً)، والذي يحمل لقب خادم الحرمين، بزيارة رسمية إلى المملكة المتحدة يوم الإثنين 29/10/2007 استغرقت ثلاثة أيام، وهي الأولى من نوعها التى يزور فيها ملك سعودى بريطانيا منذ عشرين عاما. وقد أثارت هذه الزيارة جدلاً حاداً ومعارضة واسعة في الإعلام البريطاني والوسط السياسي ومنظمات حقوق الإنسان، بسبب طبيعة النظام الحاكم (ملكي مطلق مستبد) والذي هو من بقايا الأنظمة الملكية المطلقة في العالم. فالملك في السعودية هو الحاكم المستبد المطلق وغير خاضع لأية مؤسسة قانونية للمساءلة. إضافة إلى سجل المملكة الكالح في مجال حقوق الإنسان واضطهاد المرأة وحرمانها من أبسط حقوقها حتى مثل قيادة السيارة وغيرها، كذلك التزمت الشديد والعداء الصريح ضد أصحاب الديانات الأخرى غير الإسلام. فالنظام السعودي يطبق ما يسمى بحكم الشريعة الإسلامية، والتي هي في الحقيقة عبارة عن مجموعة التقاليد والأعراف البدوية المتمثلة بالعقيدة الوهابية المتشددة جداً في الإسلام.
لذلك اعتبرت الصحافة البريطانية هذه الزيارة غير مرغوب فيها وتتعارض مع الالتزامات الاخلاقية في السياسة الخارجية التي تعهد بها حزب العمال الحاكم عند استلامه السلطة عام 1997. كذلك قاطع ممثلو حزب الديمقراطيين الأحرار وعدد من نواب حزب العمال حضور حفلات التكريم الرسمية التي أقيمت على شرف الضيف السعودي من قبل الملكة في قصر باكنغهام.
لذلك أعتقد أن هذه الزيارة قد أضرت كثيراً بسمعة الملك والمملكة السعودية أكثر مما كان مؤملاً منها من مكاسب دعائية. فقد فسحت هذه الزيارة المجال للإعلام البريطاني والعالمي لكشف عيوب النظام السعودي ومساوئه وتعريته على حقيقته أمام العالم. فهناك فروق شاسعة بين عقلية النظام والمجتمع السعودي البدويين، وعقلية المجتمع البريطاني والغربي بصورة عامة. فالسعودي مازال يعتبر الفخامة والضخامة والبهرجة ومظاهر البذخ والثراء والإسراف وسائل لجلب السمعة الطيبة لأصحابها، بينما في العقلية البريطانية تكون نتائج هذه المظاهر معكوسة تماماً. فالبساطة والعدالة هنا هما سر الإعجاب. لذلك كانت البهرجة التي أحاطت الملك إثناء زيارته لم تكن غير مألوفة هنا في بريطانيا فحسب، بل وممقوتة وأثارت موجة من الانتقاد والقرف والنفور.
ومن هذه المظاهر الممقوتة، أن راق الملك نحو خمسمائة من الحاشية، من بينهم واحد وعشرين من مستشاريه، وعدة زوجات واكثر من مائة خادم شخصي، وعشرات الأطنان من الأمتعة، حملتهم 6 طائرات الجمبو الي لندن، حسب تقرير مراسل البي بي سي. كما وذكرتصحيفة الاندبندنت ان الملك قد تزوج اكثر من ثلاثين مرة. هذا وقد كتب الصحفي البريطاني المعروف روبرت فيسك في الإنديندت يوم 31/10/2007 عن الملك ونظامه قائلاً: "أما الحقيقة المحزنة والقبيحة فهي أننا نزود أولئك الناس بطائرات مقاتلة وويسكي وعاهرات" .
كما وأثارت تصريحات الملك قبل الزيارة بيوم في مقابلة له مع المراسل السياسي الأقدم للبي بي سي المعروف، جون سيمبسون، عندما سأله :" ألا ترغب في تسمية الدول التي تعتقد انها لا تحارب الارهاب بفعالية؟" فأجاب الملك قائلاً: اغلبها بما فيها انجلترا، نحن أرسلنا للانجليز بصفتهم اصدقاء لنا بعثنا لهم برسالة لهم قبل وقوع أول عملية إرهابية هناك ولم يعملوا بها وصار لديهم ارهاب." هذا التصريح قد أثار موجة من السخط والغضب والاستنكار، ليس لدى الصحافة البريطانية فحسب، بل وحتى لدى السياسيين والمسؤوليين في المؤسسات الأمنية البريطانية. إذ كتب روبرت فيسك في الإنديبنت مقالاً غاضباً ومتهكماً بعنوان عريض: (الملك عبدالله طار إلينا ليعطينا محاضرة عن الإرهاب). فالمعروف أن 15 من 19 إرهابي قاموا بهجمات 11 سبتمبر 2001 ضد أمريكا، كانوا سعوديين، وأن منظمة القاعدة الإرهابية هي سعودية ومؤسسها بن لادن سعودي. كما وبات معروفاً للقاصي والداني أن المملكة السعودية هي وراء تمويل المدارس الدينية والمساجد في العالم التي تنشر العقيدة الوهابية المسؤولة عن التشدد والتطرف، وتقوم بعملية غسل عقول الشباب وترفدهم إلى المنظمات الإرهابية "الجهادية".
أما الحكومة البريطانية العمالية، فهي كما يبدو، لا يهمها ما يجري في السعودية من مظالم ضد الناس وسياسات معادية لحقوق الإنسان، بقدر اهتمامها بالمصالح المادية التي يمكن أن تستدرها من المملكة. فهناك مشروع اليمامة لتسليح الجيش السعودي بالطائرات الحربية وغيرها والتي تقدر تكاليفها بعشرات المليارات من الجنيهات الاسترلينية، وتوفر العمل لعشرات الألوف من الأيدي العاملة، إضافة إلى التبدل التجاري التي تقدر قيمته بنحو عشر مليار جنيه استرليني سنوياً في صالح بريطانيا. لذلك فجميع صيحات الاحتجاج ضد ترحيب الحكومة بالبريطانية بالملك وعلاقتها بالنظام السعودي لم تؤثر في موقف الحكومة سياستها هذه، سواءً في عهد توني بلير، رئيس الوزراء السابق، أو في عهد غوردن براون، رئيس الوزراء الحالي.
خلاصة القول، كانت زيارة الملك لبريطانيا ودول أوربية أخرى كارثة كبيرة باءت بالفشل الذريع في تحقيق أغراضها الإعلامية للسعودية، رغم نجاح الدول المضيفة في تحقيق المزيد من البزنز والمكاسب المادية.