بقلم : أحمد زين
فرض فوز الرئيس محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، بالرئاسة المصرية واقعا جديدا زاد من المخاوف الإقليمية والدولية حول سعي الجماعة التي أنشئت قبل 84 عاما لإعادة الخلافة الإسلامية التي كان انهيارها أحد الأسباب التاريخية لنشأة الجماعة.
ومع صعوبة الوضع في مصر، والتشكيك المستمر في نوايا الجماعة والاتهامات المتتالية بالسعي "لأخونة" المؤسسات المصرية، يظل السؤال حول ما إذا كان حلم الجماعة "التاريخي" بإعادة الخلافة قابلا للتحقيق في عالم تملؤه معطيات جديدة.
فهل احتفظ الإخوان بحلمهم القديم؟، وهل ستكون مصر نقطة انطلاق نحو تحقيقه؟، وما الدور الذي يلعبه التنظيم الدولي للإخوان الذي تحوم حوله الشبهات منذ عقود؟ وهل سيلعب التنظيم دورا في التقريب بين الإخوان سياسيا في مختلف الدول التي باتوا حاكمين لها أو لاعبين أساسيين فيها؟.
في البداية يقول المتحدث السابق باسم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الدكتور كمال الهلباوي إن التنظيم الدولي للإخوان كان مشروعا لم يتم لأسباب عديدة، فهو مشروع فكر فيه الإخوان أواخر السبعينيات ووضعوا له اللوائح بهدف جمع الإسلاميين من الإخوان في شتى البقاع في عمل مشترك.
وأضاف أن هذا المشروع لم يتم كما هو مخطط له نتيجة القبض على زعماء الإخوان وإيداعهم السجون والمعتقلات، ومنعهم من السفر، ومطاردتهم أينما كانوا.
واعتبر الهلباوي، الذي استقال من جماعة الإخوان المسلمين قبل خمسة أشهر ، أن هذه الأسباب جعلت التنظيم على مدار 33 سنة "مجرد تنسيق بين الإخوان المسلمين وتنظيمات الإخوان يشترك فيه مسؤولون في لجان متعددة، مع عقد اجتماعات كثيرة للتربية والتنشئة والتنسيق السياسي وما إلى ذلك".
من ناحيته يقول الدكتور حسن البرنس القيادي في حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، إن "التنظيم الدولي للإخوان ليس مؤسسة"، كما أنه "لا توجد علاقة بين حزب الحرية والعدالة والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين على الإطلاق".
واستطرد البرنس قائلا إن "جماعة الإخوان المسلمين توجد في بلاد كثيرة جدا بنفس الاسم أو بأسماء أخرى أو في صورة حزب سياسي أو في صورة جماعة دعوية إصلاحية، والعلاقة بينها وبين جماعة الإخوان في مصر علاقة فكرية".
وأضاف أن "هذه الجماعات تشترك في أنها تحمل فكر الشيخ حسن البنا الإصلاحي الذي ينظر إلى الإسلام كدين وسطي يحب الناس ويسعى لإقامة كل أنواع العلاقات الطيبة التي يسودها السلام والمحبة مع جميع الفئات سواء كانت من المسلمين أو غير المسلمين ويسعى لإصلاح المجتمعات بكل أنواع السلام".
وشدد البرنس على أن "الصلة فكرية بين هذه الجماعات وليست تنظيمية، بمعنى أنهم لا يتلقون تعليمات من (الإخوان المسلمين في) مصر، فكل دولة لها نظامها المستقل، وتعيش جماعة الإخوان في ظل نظام الدولة وقواعدها وطباع شعبها، تحترم نظم الدولة وطباع شعبها".
وحول ما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين تسعي نحو إقامة الخلافة الإسلامية، قال البرنس إن "طبيعة العصور تجعل المسميات وأشكالها تختلف، فنحن نرى الآن أن تجمع الدول هو تجمع اقتصادي، وتسهيل لانتقال المواطنين بين الدول على نموذج الاتحاد الأوروبي".
واستطرد البرنس قائلا إن "نموذج الإمبراطوريات السابقة أصبح غير موجود بشكله التقليدي لكن الموجود حاليا هو اتحادات اقتصادية وأخرى لتسهيل حركة الناس ومحاولة لتوحيد مناهج التعليم والقوانين الداخلية للبلاد".
وتابع قائلا "لذلك فنحن نظن أن إقامة اتحادات اقتصادية بين الدول العربية والإسلامية على أن تحتفظ كل دولة بنظامها الذاتي ونظام الحكم فيها ونظمها الاجتماعية هي الطريقة المثلى والمناسبة لطبيعة العصر هذه الأيام".
الاستفادة من الثورات
لكن من جانبه يتساءل الهلباوي قائلا " لماذا لا يكون هناك تفكير في جمع الأمة في مشروع وطني تنموي يعطي الأمة شيئا من القوة لتعيش بين الأمم القوية في القرن الحادي والعشرين؟".
وأعرب عن اعتقاده بأن "الإخوان المسلمين لديهم الآن القدرة لإقامة تنظيم دولي كبير بالاستفادة من الحريات المتاحة" حاليا مشيرا في الوقت ذاته إلى أن التنظيم الدولي وكل آلياته تخضع للمرشد العام للإخوان المسلمين في القاهرة، على أن يتم تمثيل مكتب الإخوان في مصر وفي غيرها من الدول وفقا للوائح الموضوعة.
واستطرد الهلباوي قائلا إنه "بعد قيام الثورات العربية وخصوصا في مصر وتونس وليبيا واليمن فضلا عن تقدم الوضع في سورية الآن، فإنني اعتقد أن التنظيم الدولي للإخوان قد ينشط، ولن يجد معوقات كما كانت موجودة من قبل".
وشدد على أن "وجود تنظيم دولي للإخوان على غرار التنظيمات الدولية الاشتراكية أو غيرها ينبغي ألا يثير مشاكل أو تكهنات سيئة ضد هذا المشروع".
وحول هدف التنظيم الدولي للإخوان بعد أن بدأ ينشط بالاستفادة من الثورات العربية، قال الهلباوي "قد يكون هدف التنظيم هو التنسيق والتكامل أو التعاون بشكل أكبر وأوسع ، أو أن يكون نواة لأمة ، لكن ليس بالضرورة لخلافة إسلامية بل بالسعي لجمع الأمة"، كما قال.
من ناحيته يقول الدكتور طارق فهمي مدير وحدة الدراسات بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط في مصر إنه "يجب أن نميز بين التنظيم الدولي للإخوان المسلمين كتنظيم دولي متشعب في أكثر من 80 دولة، وبين وصول نموذج الإخوان للحكم في مصر التي تعد درة التاج بالنسبة للتنظيم الدولي".
وأضاف فهمي أنه " في حالة نجاح التنظيم في الدولة الأم (مصر) فستكون لذلك تداعيات مؤثرة، لأن الحالات السابقة سواء في الدول العربية أو في بعض الحركات بقطاع غزة أو السودان أو تونس في مراحل معينة، كان ينظر إلى وصول هذه الحركات لسدة الحكم فيها على أنها في النهاية قطاعات فرعية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين".
وأكد أن " الحالة المصرية حالة خاصة للغاية، ففي حال نجاح النموذج المصري فسوف يقدم للعالم العربي والإسلامي نموذجا جيدا يمكن البناء عليه، أما في حال فشله فستكون التجربة أجهضت ولن تقوم قائمة للتنظيم ليس في مصر (فقط) ولكن في الدول العربية الأخرى (أيضا)".
وقال إن "حالة الإخوان المسلمين في مصر لها معطياتها وثوابتها على اعتبار أن التنظيم يعمل في مصر منذ عام 1928 وحتى اليوم وله محطات انكسار وصعود في مراحل معينة، وبالتالي فإن مقارنتها بالوضع في غزة غير صحيح فحركة حماس تعيش تجربة هامشية في القطاع"، على حد قوله.
علاقة فكرية
وفي ظل التواجد النشط للإخوان المسلمين في العديد من الدول العربية والإسلامية لاسيما الأردن وتونس وسورية والسودان والمغرب واليمن، يبرز التساؤل حول ما إذا كانت الجماعة قد شرعت بالفعل في التواصل مع نظرائها في الخارج لتحقيق أهداف سياسية بعينها.
ومع التواجد الفاعل لتركيا في الشرق الأوسط وخضوعها في الأعوام التسعة الماضية لقيادة حزب إسلامي هو حزب العدالة والتنمية الذي يتشابه كثيرا مع حزب الحرية والعدالة المنبثق عن الإخوان المسلمين في مصر، يثور التساؤل حول أي اتصالات محتملة بين الحزبين اللذان يقودان اثنتين من أكبر بلدان العالم الإسلامي.
وعن ذلك يقول البرنس إن "حزب العدالة والتنمية في تركيا لا يستند إلى مرجعية إخوانية بل مرجعية إسلامية ويتشابه مع الحرية والعدالة في ذلك، فهما يستمدان من الإسلام معانيه الحضارية من خلال منظومات سلمية وليس منظومات أخرى".
ومضى يقول إن "ذلك هو العامل المشترك الرابط بين حزبي الحرية والعدالة في مصر والعدالة والتنمية في تركيا" مؤكدا أن "الموضوع هو مشاركة في المناهج وليست مشاركات تنظيمية"، كما قال.
الإمكانات على الأرض
ولكن مع اختلاف الرؤى في صفوف جماعة الإخوان نفسها حول السياسات الواجب إتباعها في بعض الأحيان، كما يقول قادتها، فإن الواقع السياسي والاقتصادي والظروف الدولية تظل تتحكم بشكل كبير في قدرة الجماعة على تحقيق أهدافها أو حتى الجهر بها.
وعن ذلك يقول الدكتور طارق فهمي إن "موضوع الخلافة في جزء من أدبيات الإخوان المسلمين في حاجة إلى المراجعة لأن الخلافة بالمنطق الإخواني ليس لها وجود".
وأضاف أن "العالم قد تغير والخلافة التي يبتغيها الإخوان لا يمكن أن تتم لظروف متعلقة بأنماط الحكم والأنظمة التي يعمل فيها الإخوان المسلمون"، مشيرا إلى وجود أحزاب إسلامية أخرى مثل حزب التحرير المحظور في بعض الدول العربية، تمتلك رؤية أكثر تقدما لتطبيق الخلافة لكنها في النهاية رؤية "تبقى حبيسة الإطار النظري وتبدو غير قابلة للتطبيق على الأقل في الوضع الراهن".
وشدد على أن "هناك فارقا كبيرا بين الخلافة في جزء من أدبيات الإخوان المسلمين وبين الواقع الراهن" مؤكدا أن الإخوان " يقولون إنهم يطمحون لحكم الخلافة لكنهم لا يمتلكون الأدوات ولا الوسائل ولا القدرات ولا الإمكانيات على الأرض لتحقيق هذا الهدف، فالظروف والمعطيات تغيرت بشكل كبير وهناك فارق بين التصريحات والواقع".
يذكر أن جماعة الإخوان المسلمين تأسست عام 1928 على يد الإمام حسن البنا في مدينة الإسماعيلية المصرية، وتصف نفسها بأنها جماعة "إصلاحية شاملة" وتتبنى أهدافا سياسية واجتماعية واقتصادية ودعوية مختلفة، وخاضت صدامات متفاوتة الحدة مع الأنظمة السياسية في العديد من البلدان العربية والإسلامية على مدار تاريخها.