بسم الله الرحمن الرحيم
د. أحمد صبحى منصور
الحلقة الرابعة
الأربعاء 10 أكتوبر2007م، 28 رمضان 1428 هـ
الإعجاز العلمى ومعجزات داود وسليمان عليهما السلام
طبيعة الرسالة
أقام النبى داود دولة بنى إسرائيل وحكمها بعده أبنه سليمان ، وكلاهما من أنبياء الله تعالى ، وقد كان إبتلاؤهما بالنعمة وليس بالشدائد . وقد تركزت عقيدة " لا إله إلا الله " فى بنى إسرائيل فى هذا العهد بتوالى الرسل والكتب السماوية من هارون وموسى عليهما السلام إلى إقامة دولة بنى إسرائيل ، ولذلك فإن الكتاب السماوى الذى نزل على داود عليه السلام لم يركز على الدعوة إلى " لا إلى إلا الله " بقدر تركيزه على النواحى العلمية التى تجلت فى الأعجازات التى أعطاها الله تعالى لداود وورثها أبنه سليمان عليهما السلام ضمن الكتاب السماوى " الزبور" الذى ورثه سليمان عن أبيه.
الزبور
يقول تعالى "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا : النساء 163" ، أى هنا تميز فى مجال الوحى والكتاب المنزل ، يتجلى فى أن الله تعالى ذكر داود وحده فى نهاية الآية، حيث ذكر أنه أوتى الزبور . وتكرر نفس المعنى فى قوله تعالى " وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا : الإسراء 55" . أى أن الله تعالى قد ميز وفضًل داود عليه السلام بإعطائه الزبور.
مصطلح الزبور فى القرآن الكريم
وكلمة الزبور فى اللغة العربية يعنى الكتاب ، وفى الجمع يقال " الزبر " أى الكتب .
وفى مصطلحات القرآن يطلق الزبور على :
1 ـــ وصف للكتب السماوية على العموم "فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ : آل عمران 184 " ، " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ : النحل44:43 " . أى أرسلناهم بالكتب البينات والزبر اى الكتب .
ويقول تعالى عن القرآن الكريم : "وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ : الشعراء 196 " "أى أن ما جاء فى القرآن الكريم جاء سابقا فى الكتب السماوية السابقة ، كما قال تعالى " مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ": فصلت 43"
2 ـ الكتب المزيفة فى الدين والتى تقوم على أساسها الأديان الأرضية ، وبها يختلف أتباع الدين الإلهى الواحد إلى فرق وأحزاب، ولكل حزب كتاب مقدس أو عدة كتب مقدسة ، يقول الله تعالى عن الرسل السابقين والأمم السابقة فى وحدة الكتاب ووحدة الدين " يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ : المؤمنون 52:51" هنا كلام عام عن الأصل النقى لكل الرسالات السماوية ، ولكن يحدث دائما أن يختلف الأتباع وينحرفون عن المنهاج القويم ويفترقون إلى جماعات وأحزاب . لكل منهم كتاب مقدس ، لذا يقول تعالى فى الآية التالية:" فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ : المؤمنون 53 ". وهنا تكرار موجز لتاريخ كل الرسالات السماية فى مرحلة الدين الحق ، ومرحلة التفرق و تكوين الأديان الأرضية لكل دين أرضى كتابه المقدس أو كتبه المقدسة أو الزبزر أو الزبر الخاصة به . وقد تكرر نفس المعنى فى قوله تعالى " إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ : الأنبياء 93:92".
وهذا بالضبط ما حدث للمسلمين حين أقاموا لهم أديانا أرضية ولكل منها كتاب مقدس . ليس أولها " البخارى " وليس آخرها " كشف الشبهات ".
3 ـــ ويأتى بمعنى كتاب الأعمال التى تسجلها الملائكة تسجيلا جماعيا لكل قوم وتسجيلا فرديا لكل شخص " وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ : القمر 52".
4 ـــ ووردت أشارة إلى الزبور فى قصة يأجوج ومأجوج وذى القرنين الذى حصرهم داخل جوف الأرض مستعملا ما أعطاه الله جل وعلا من إمكانات علمية وتقنية متقدمة لم نصل اليها فى عصرنا، كان منها " زبر الحديد " أى كتاب الحديد ، يقول تعالى " آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا : الكهف 96". وسنتوقف مع موضوع يأجوج ومأجوج ضمن الإعجاز العلمى المدخر للمستقبل فى القرآن الكريم .
5 ـ وأيضا يطلق الزبور على الكتاب العلمى الذى أعطى لداود وسليمان ، وهو كتاب لم يخل من آيات التوحيد والإخبار عن المستقبل ، وقد أورد القرآن الكريم بعض آياته فقال تعالى " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ : الأنبياء 106:105 "
الزبور ومعجزات داود وسليمان :
تحدث رب العزة عن آيات ومعجزات داود وسليمان فى أربعة مواضع :-
1 ـ يقول تعالى " فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ : الأنبياء 82:79 "
2 ـ ويقول تعالى " وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ـ " : النمل 15 ـ"
3 ـ ويقول أيضا جل وعلا " وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ :سبأ 13:10 "
4 ـ وأخيرا يقول تعالى " اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ : ص 20:17"
أى أن داود قد أعطاه الله تعالى معجزات إدراك تسبيح الطير والجبال وصناعة الحديد . أما أبنه سليمان فقد أعطاه الله تعالى تسخير الريح وتسخير الشياطين والجن ومعرفة منطق الطير أو لغة الطيور وإسالة أو إذابة عين القطر (النحاس ).
وواضح أن هناك من تلك المعجزات ما يقع خارج إمكانات البشر مثل تسخير الشياطين والجن ومعرفة تسبيح الطير والجبال،وإن منها ما يقع فى إمكانات البشر مثل صناعة الحديد وإذابة النحاس ، والزبور أو ذلك الكتاب العلمى الإلهى هو الذى مكن داود من ذلك التسخير وتلك المعرفة .
وعندما ورث أبنه سليمان ذلك الكتاب توسع فى الأستفادة به ، بل كان هناك من المحيطين به من يستطيع إستعمال نفس الكتاب " الزبور" وقد استطاع به أن يحضر عرش ملكة سبأ فى أقل من لمح البصر ، أى كانت له قدرة الإفلات من قبضة الجاذبية الأرضية وإستحضار الأشياء بأسرع من سرعة الضوء. وتلك مرحلة يتمنى البشرالوصول إليها فى المستقبل القريب.
نقل عرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين :
يقول الله تعال فى قصة سليمان وملكة سبأ " قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ : النمل 40:38".
أى أن الذى عنده علم من الكتاب " أى المتخصص فى الزبور"أستطاع أن ينقل عرش الملكة قبل أن يرتد طرف سليمان إليه ، أى بأسرع من الضوء، وتلك كانت ولا تزال معجزة حتى عصرنا ، وإن كانت تقع فى إطار الممكن علميا وتكنولوجيا حين يصل البشر إلى معرفة كيفية تحييد الجاذبية الأرضية .
لست متخصصا فى العلوم الطبيعية ، وعملى هنا هو فى تحليل النصوص القرآنية التى تحوى إعجازا علميا تاركا المجال للمتخصصين فى العلوم الطبيعية ليبحثوا محتواها العلمى ،وقد أذكر بعض المعلومات العلمية ، وهى تحتاج من المتخصصين للتصحيح و الشرح ، فهم الذين يستطيعون ـ فيما يخص موضوعنا الآن ـ توضيح تحكم الجاذبية وقوة الطرد المركزية فى دوران الأرض فى مدارها الثابت حول الشمس وحول نفسها، وفى إمكانية إنتقال الإنسان والدواب فوق سطح الأرض وفق سرعات تتفاوت ولكن لا يمكن أن تصل الى سرعة الضوء ، لأنها الحد الأقصى للسرعات المكتشفة حتى الان ـ ولا يمكن أن تصل اليها المادة إلا إذا تحولت الى طاقة ضوء.
هذا مبلغ علمى ، وبقدر ما أعلم فانه إذا تم تحييد الجاذبية الأرضية ، أوالخروج عن سيطرتها أمكن للمواد والأنسان أن ينتقل من مكان لأخر بأسرع من سرعة الضوء.
وهذا ما حققه "الذى عنده علم من الكتاب ".
الزبور و السلطان
المعنى المفهوم أن هذا الكتاب " الزبور " هو ( السلطان) الذى به يمكن الإفلات من قبضة الزمن والجاذبية ، أى بهذا السلطان يستطيع الانسان ـ والجن ـ الخروج من أقطار السماوات والأرض مصداقا لقوله تعالى "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ : الرحمن 33" . وبدون هذا السلطان يتعرض البشر للإحتراق والمحو فى طبقات الفضاء ، يقول تعالى ِ :" يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ "."الرحمن 35".
لو كان هذا مستحيلا على البشر لما جاء رب العزة بالإستثناء ( إلا بسلطان ) أى أنه فى نطاق الممكن وفى إطار مشيئة الرحمن يمكن للبشر الوصول الى الاحاطة ببعض علم الله تعالى فى هذا الكون ، يقول تعالى " يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ": البقرة 255 ".
وربما يستطيع البشر تحقيق ذلك قبيل قيام الساعة حين تأخذ الأرض زخرفها وتتزين ويظن أهلها أنهم قادرون عليها " حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ : يونس 24 " .
وفى كل الأحوال فهو إعجاز علمى مدخر للمستقبل ، وهو إعجاز علمى يشجع البشر على الطموح إلى تحقيق هذا الممكن المشار إليه فى القرآن الكريم ...
وقدر فى السرد
إذا كان نقل عرش بلقيس بأسرع من الصوت يفوق أمكانياتنا الحالية ، فهو بالتالى كان آية فى عصر سليمان منذ أكثر من 25 قرنا من الزمان .
المعجزة الكبرى فى كتاب الزبور أنه لم يخبر فقط عن معلومات أو حقائق علمية سابقة لعصرها كما يحدث فى القرآن الكريم ، وإنما كان يتبعها تطبيق تلك الحقائق على أرض الواقع ؛ فالمكتوب فى " الزبور " عن تسخير الجاذبية والأفلات منها تم تطبيقه فى نقل عرش ملكة سبأ ،والمذكورعن الحديد وعن النحاس تم تطبيقة عمليا فى الصناعة، وهكذا فى تسخير الجن والشياطين والكلام مع الطيور والنمل .
ويقول تعالى عن أحدى التطبيقات التى تدخل فى إطار الممكن لنا "وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ : سبأ 12" ، والحديث هنا عن معجزة سليمان فى إذابة أو إسالة ليس النحاس ولكن " عين النحاس " أى التحكم فى خصائصة الذرية بالإذابة .
ويقول تعالى عن إستعمال داود عليه السلام لعنصر الحديد " وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ : سبأ 10 " ليس إذابة الحديد وتسييله ، ولكن إلانته وتطويعه بطريقة باردة يمكن بها تحويل الحديد إلى ثياب لدنة لينة مريحة يرتديها البشر ، يقول تعالى :" وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ":سبأ 10 :11"أى أن إعمل من الحديد دروعا حديدية تغطى الجسد كله يرتديها الإنسان فلا تعوق حركته ولا تبطئها، أى هو حديد لين كالقماش الخفيف .
وهذا كله فى إطار الممكن لنا وسنصل إليه فى المستقبل المحدد لنا سلفا ليكون تطبيقا لإشارة علمية جاءت فى القرآن الكريم .
وهذا التطبيق التكنولوجى للحقائق العلمية التى جاء بها الزبور كان سابقا لعصره وعصرنا.
وحتى نفهم طبيعة التدرج العلمى فى التاريخ فلنتدبر قوله تعالى لداود " وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ".
التقدير هو الحساب أو عمل خطة يتم على أساسها تطبيق حقيقة علمية . أنها أشبه لما نعرفه الأن بدراسة الجدوى التى لابد منها لأقامة مشروع ما . هذا التقدير يتعامل مع الواقع البشرى والواقع المادى بكل تعقيداته وظروفه لأنه يؤسس واقعا على الأرض بين الناس . هذا عن التقدير ..
فماذا عن السرد ؟
السرد هو التتابع الزمنى فى الأحداث سواء كانت فى قصة أو حادثة تاريخية أو حركة بشرية على الأرض . والمفهوم هنا أن الله تعالى أمر داود عليه السلام وهو يقوم بتطبيق الآيات السابقة لزمنها أن يراعى ويقدر الزمن الذى يعيش فيه الناس لأن ثقافة الناس وظروفهم لا تستوعب هذا التقدم التكنولوجى الهائل والذى من المقرر أن تصل إليه البشرية بعد عشرات من القرون . وحين تصل البشرية إلى هذه التكنولوجيا ستمارسها وتعتاد عليها لأنها – أى البشرية – أصبحت مؤهلة لهذا التقدم العلمى وآثاره الجانبية .
وهكذا كان على داود ـ وهو يصنع الدروع الحديدية ثيابا لينة طرية للناس ـ أن يعلمهم كيفية الإستعمال حتى يرتفع بهم إلى مستوى التكنولوجية التى جىء بها قبل الأوان .
وهو درس – لو تعلمون – عظيم . لأننا نحن العرب والمسلمين لسنا ـ مع الأسف ـ مؤهلين للتكنولوجيا واستعمالها الآمن بدليل أن نعمة الأنترنت أظهرت فينا أمراضا تتمثل فى صعاليك الأنترنت الذين يكتبون ولا يقرأون وعلى العلماء يتطاولون .
أضحك مع المفسراتية
ولمداعبة صعاليك الأنترنت وعبيد التراث ولكى نتعرف على الفارق بين علم القرآن وجهل المفسراتية ننقل (بعض) إجتهادات القرطبى فى قصص داود وسليمان .
يقول فى معنى قوله تعالى (وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين ) :
قال مقاتل في الآية: كان سليمان جالسا ذات يوم إذ مر به طائر يطوف، فقال لجلسائه: أتدرون ما يقول هذا الطائر؟ إنها قالت لي: السلام عليك أيها الملك المسلط والنبي لبني إسرائيل! أعطاك الله الكرامة، وأظهرك على عدوك، إني منطلق إلى أفراخي ثم أمر بك الثانية؛ وإنه سيرجع إلينا الثانية ثم رجع؛ فقال إنه يقول: السلام عليك أيها الملك المسلط، إن شئت أن تأذن لي كيما أكتسب على أفراخي حتى يشبوا ثم آتيك فافعل بي ما شئت. فأخبرهم سليمان بما قال؛ وأذن له فانطلق. وقال فرقد السبخي: مر سليمان على بلبل فوق شجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه، فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول هذا البلبل؟ قالوا لا يا نبي الله. قال إنه يقول: أكلت نصف ثمرة فعلى الدنيا العفاء. ومر بهدهد فوق شجرة وقد نصب له صبي فخا فقال له سليمان: احذر يا هدهد! فقال: يا نبي الله! هذا صبي لا عقل له فأنا أسخر به. ثم رجع سليمان فوجده قد وقع في حبالة الصبي وهو في يده، فقال: هدهد ما هذا؟ قال: ما رأيتها حتى وقعت فيها يا نبي الله. قال: ويحك! فأنت ترى الماء تحت الأرض أما ترى الفخ! قال: يا نبي الله إذا نزل القضاء عمي البصر. وقال كعب. صاح ورشان عند سليمان بن داود فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول: لدوا للموت وابنوا للخراب. وصاحت فاختة، فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا. قال: إنها تقول: ليت هذا الخلق لم يخلقوا وليتهم إذ خلقوا علموا لماذا خلقوا. وصاح عنده طاوس، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول: كما تدين تدان. وصاح عنده هدهد فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال: فإنه يقول: من لا يرحم لا يرحم. وصاح صرد عنده، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول: استغفروا الله يا مذنبين؛ فمن ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله. وقيل: إن الصرد هو الذي دل آدم على مكان البيت. وهو أول من صام؛ ولذلك يقال للصرد الصوام؛ روي عن أبي هريرة. وصاحت عنده طيطوى فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا. قال: إنها تقول: كل حي ميت وكل جديد بال. وصاحت خطافة عنده، فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا. قال: إنها تقول: قدموا خيرا تجدوه؛ فمن ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلها. وقيل: إن آدم خرج من الجنة فاشتكى إلى الله الوحشة، فآنسه الله تعالى بالخطاف وألزمها البيوت، فهي لا تفارق بني آدم أنسا لهم. .. وهدرت حمامة عند سليمان فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا. قال: إنها تقول: سبحان ربي الأعلى عدد ما في سماواته وأرضه. وصاح قمري عند سليمان، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال إنه يقول: سبحان ربي العظيم المهيمن. وقال كعب: وحدثهم سليمان، فقال: الغراب يقول: اللهم العن العشار؛ والحدأة تقول :( كل شيء هالك إلا وجهه) . والقطاة تقول: من سكت سلم. والببغاء تقول: ويل لمن الدنيا همه. والضفدع يقول: سبحان ربي القدوس. والبازي يقول: سبحان ربي وبحمده. والسرطان يقول: سبحان المذكور بكل لسان في كل مكان.
وقال مكحول: صاح دراج عند سليمان، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول: (الرحمن على العرش استوى ) ، وقال الحسن قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الديك إذا صاح قال اذكروا الله يا غافلين ) . وقال الحسن بن علي بن أبي طالب قال النبي صلى الله عليه وسلم: (النسر إذا صاح قال يا ابن آدم عش ما شئت فآخرك الموت وإذا صاح العقاب قال في البعد من الناس الراحة وإذا صاح القنبر قال إلهي العن مبغضي آل محمد وإذا صاح الخطاف قرأ (الحمد لله رب العالمين) إلى آخرها فيقول (ولا الضالين ) ويمد بها صوته كما يمد القارئ.
ويقول القرطبى فى معنى قوله تعالى :
{ حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين }
قوله {قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم}قال الشعبي: كان للنملة جناحان فصارت من الطير، فلذلك علم منطقها ولولا ذلك لما علمه... قال كعب: مر سليمان عليه السلام بوادي السدير من أودية الطائف، فأتى على وادي النمل، فقامت نملة تمشي وهي عرجاء تتكاوس مثل الذئب في العظم؛ فنادت: (يا أيها النمل}الآية. قال الزمخشري: سمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال، وكانت تمشي وهي عرجاء تتكاوس؛ وقيل: كان اسمها طاخية. وقال السهيلي: ذكروا اسم النملة المكلمة لسليمان عليه السلام، وقالوا اسمها حرميا..
وقال وهب: أمر الله تعالى الريح ألا يتكلم أحد بشيء إلا طرحته في سمع سليمان؛ بسبب أن الشياطين أرادت كيده. وقد قيل: إن هذا الوادي كان ببلاد اليمن وأنها كانت نملة صغيرة مثل النمل المعتاد قاله الكلبي. وقال نوف الشامي وشقيق بن سلمة: كان نمل ذلك الوادي كهيئة الذئاب في العظم. وقال بريدة الأسلمي: كهيئة النعاج. .
قلت: وقوله {لا يحطمنكم}يدل على صحة قول الكلبي؛ إذ لو كانت كهيئة الذئاب والنعاج لما حطمت بالوطء؛ والله أعلم. وقال {ادخلوا مساكنكم}فجاء على خطاب الآدميين لأن النمل ههنا أجري مجرى الآدميين حين نطق كما ينطق الآدميون. قال أبو إسحاق الثعلبي: ورأيت في بعض الكتب أن سليمان قال لها لم حذرت النمل؟ أخفت ظلمي ؟ أما علمت أني نبي عدل؟ فلم قلت}يحطمنكم سليمان وجنوده}فقالت النملة: أما سمعت قولي}وهم لا يشعرون}مع أني لم أرد حطم النفوس، وإنما أردت حطم القلوب خشية أن يتمنين مثل ما أعطيت، أو يفتتن بالدنيا، ويشغلن بالنظر إلى ملكك عن التسبيح والذكر. فقال لها سليمان: عظيني. فقالت النملة: أما علمت لم سمي أبوك داود؟ قال: لا. قالت: لأنه داوى جراحة فؤاده؛ هل علمت لم سميت سليمان؟ قال: لا. قالت: لأنك سليم الناحية على ما أوتيته بسلامة صدرك، وإن لك أن تلحق بأبيك. ثم قالت: أتدري لم سخر الله لك الريح؟ قال: لا. قالت: أخبرك أن الدنيا كلها ريح. {فتبسم ضاحكا من قولها}متعجبا ثم مضت مسرعة إلى قومها، فقالت: هل عندكم من شيء نهديه إلى نبي الله؟ قالوا: وما قدر ما نهدي له! والله ما عندنا إلا نبقة واحدة. قالت: حسنة؛ ايتوني بها. فأتوها بها فحملتها بفيها فانطلقت تجرها، فأمر الله الريح فحملتها، وأقبلت تشق الإنس والجن والعلماء والأنبياء على البساط، حتى وقعت بين يديه، ثم وضعت تلك النبقة من فيها في كفه، وأنشأت تقول:
ألم ترنا نهدي إلى الله ماله وإن كان عنه ذا غني فهو قابله
ولو كان يهدي للجليل بقدره لقصر عنه البحر يوما وساحله
ولكننا نهدي إلى من نحبه فيرضى به عنا ويشكر فاعله
وما ذاك إلا من كريم فعاله وإلا فما في ملكنا ما يشاكله
فقال لها: بارك الله فيكم؛ فهم بتلك الدعوة أشكر خلق الله وأكثر خلق الله.
"روى مسلم من حديث أبي هريرة" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله تعالى إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح) وفي طريق آخر فهلا نملة واحدة .
ونستمر مع أساطير القرطبى :
قوله {قال عفريت من الجن) .... وقال وهب بن منبه: اسم هذا العفريت كودن؛ ذكره النحاس. وقيل: ذكوان؛ ذكره السهيلي. وقال شعيب الجبائي: اسمه دعوان. وروي عن ابن عباس أنه صخر الجني
وفي الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن عفريتا من الجن جعل يفتك علي البارحة ليقطع علي الصلاة وإن الله أمكنني منه فدعته...) وذكر الحديث." وفي البخاري" (تفلت على البارحة) مكان (جعل يفتك)." وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد" أنه قال: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى عفريتا من الجن يطلبه بشعلة من نار، كلما التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه؛ فقال جبريل: أفلا أعلمك كلمات تقولهن إذا قلتهن طفئت شعلته وخر لفيه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلى) فقال: (أعوذ بالله الكريم وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وشر ما يعرج فيها وشر ما ذرأ في الأرض، وشر ما يخرج منها ومن فتن الليل والنهار ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن )..
قوله {أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك}يعني في مجلسه الذي يحكم فيه. {وإني عليه لقوي أمين}أي قوي على حمله. {أمين}على ما فيه. ابن عباس: أمين على فرج المرأة؛ ذكره المهدوي. فقال سليمان أريد أسرع من ذلك؛ فـ {قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك}أكثر المفسرين على أن الذي عنده علم من الكتاب آصف بن برخيا وهو من بني إسرائيل، وكان صديقا يحفظ اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب. وقالت عائشة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن اسم الله الأعظم الذي دعا به آصف بن برخيا يا حي يا قيوم) قيل: وهو بلسانهم، أهيا شراهيا؛ وقال الزهري: دعاء الذي عنده اسم الله الأعظم؛ يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت ايتني بعرشها؛ فمثل بين يديه. وقال مجاهد: دعا فقال: يا إلهنا وإله كل شيء يا ذا الجلال والإكرام. قال السهيلي: الذي عنده علم من الكتاب هو آصف بن برخيا ابن خالة سليمان، وكان عنده اسم الله الأعظم من أسماء الله تعالى.
{ قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون، فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين، وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين }
قوله {قال نكروا لها عرشها}أي غيروه. قيل: جعل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه. وقيل: غيّر بزيادة أو نقصان. قال الفراء وغيره: إنما أمر بتنكيره لأن الشياطين قالوا له: إن في عقلها شيئا فأراد أن يمتحنها. وقيل: خافت الجن أن يتزوج بها سليمان فيولد له منها ولد فيبقون مسخرين لآل سليمان أبدا، فقالوا لسليمان: إنها ضعيفة العقل، ورجلها كرجل الحمار؛ فقال {نكروا لها عرشها}لنعرف عقلها. وكان لسليمان ناصح من الجن، فقال كيف لي أن أرى قدميها من غير أن أسألها كشفها؟ فقال: أنا أجعل في هذا القصر ماء، وأجعل فوق الماء زجاجا، تظن أنه ماء فترفع ثوبها فترى قدميها؛ فهذا هو الصرح الذي أخبر الله تعالى عنه.
{ قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين }
قوله {قيل لها ادخلي الصرح}
وقيل: الصرح الصحن؛ كما يقال: هذه صرحة الدار وقاعتها؛ بمعنى. وحكى أبو عبيدة في الغريب المصنف أن الصرح كل بناء عال مرتفع من الأرض .. . وقيل: عمله ليختبر قول الجن فيها إن أمها من الجن، ورجلها رجل حمار؛ قاله وهب بن منبه. فلما رأت اللجة فزعت وظنت أنه قصد بها الغرق: وتعجبت من كون كرسيه على الماء، ورأت ما هالها، ولم يكن لها بد من امتثال الأمر. {وكشفت عن ساقيها}فإذا هي أحسن الناس ساقا؛ سليمة مما قالت الجن، غير أنها كانت كثيرة الشعر.. ولما رأى سليمان عليه السلام قدميها قال لناصحه من الشياطين: كيف لي أن أقلع هذا الشعر من غير مضرة بالجسد؟ فدله على عمل النورة، فكانت النورة والحمامات من يومئذ. في روى أن سليمان تزوجها عند ذلك وأسكنها الشام؛ قاله الضحاك. وقال سعيد بن عبدالعزيز في كتاب النقاش: تزوجها وردها إلى ملكها: باليمن، وكان يأتيها على الريح كل شهر مرة؛ فولدت له غلاما سماه داود مات في زمانه. وفي بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كانت بلقيس من أحسن نساء العالمين ساقين وهي من أزواج سليمان عليه السلام في الجنة) فقالت عائشة: هي أحسن ساقين مني؟ فقال عليه السلام: (أنت أحسن ساقين منها في الجنة) ذكره القشيري. وذكر الثعلبي عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(أول من اتخذ الحمامات سليمان بن داود فلما ألصق ظهره إلى الجدار فمسه حرها قال أواه من عذاب الله). ثم أحبها حبا شديدا وأقرها على ملكها باليمن، وأمر الجن فبنوا لها ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعا: سلحون وبينون وعمدان، ثم كان سليمان يزورها في كل شهر مرة، ويقيم عندها ثلاثة أيام.
وقال محمد بن إسحاق ووهب بن منبه: لم يتزوجها سليمان، وإنما قال لها: اختاري زوجا؛ فقالت: مثلي لا ينكح وقد كان لي من الملك ما كان. فقال: لا بد في الإسلام من ذلك. فاختارت ذا تبع ملك همدان، فزوجه إياها وردها إلى اليمن، وأمر زوبعة أمير جن اليمن أن يطيعه، فبنى له المصانع، ولم يزل أميرا حتى مات سليمان. وقال قوم: لم يرد فيه خبر صحيح لا في أنه تزوجها ولا في أنه زوجها. وهي بلقيس بنت السرح بن الهداهد بن شراحيل بن أدد بن حدر بن السرح بن الحرس بن قيس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. وكان جدها الهداهد ملكا عظيم الشأن قد ولد له أربعون ولدا كلهم ملوك، وكان ملك أرض اليمن كلها، وكان أبوها السرح يقول لملوك الأطراف: ليس أحد منكم كفؤا لي، وأبى أن يتزوج منهم، فزوجوه امرأة من الجن يقال لها ريحانة بنت السكن، فولدت له بلقمة وهي بلقيس، ولم يكن له ولد غيرها. وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كان أحد أبوي بلقيس جنيا) فمات أبوها، واختلف عليها قومها فرقتين، وملكوا أمرهم رجلا فساءت سيرته، حتى فجر بنساء رعيته، فأدركت بلقيس الغيرة، فعرضت عليه نفسها فتزوجها، فسقته الخمر حتى حزت رأسه، ونصبته على باب دارها فملكوها. واخيرا
الفارق هائل بين روعة القرآن الكريم وخرافات المفسراتية..
ونلمح الى الخلفية التاريخية لهذه الخرافات .
أنها ترجع الى عصر الرواية الشفهية حيث تصدر مجالس العلم من كانوا يعرفون بالقصّاص ، وهى وظيفة رسمية ابتدعتها الدولة الأموية لغرض سياسى هو الدعاية لها ضد خصومها خصوصا من العلويين والشيعة . وكان القاص يجلس بعد الصلاة فى المسجد يقص ويحكى للناس خرافات يخترعها بنفسه أو ينقلها عن غيره وينسبها الى النبى محمد عليه السلام وبعض الصحابة و التابعين، ثم يمدح الخليفة ويطعن فى خصوم الخلافة . وحتى يستحوذ على اهتمام الناس كانن لا بد أن يبرع فى الحكاوى و الأقاصيص خصوصا ما يتعلق منها بقصص الأنبياء و تاريخ الأقدمين ، فيأخذ القاص يروى كأنه كان حاضرا مع آدم و سليمان ونوح وداود و موسى و ..الخ . ويصدقه المستمعون لأنه كان حريصا على ان ينسب ما يقول ويسنده الى أنه سمع ذلك من فلان الذى سمعه من فلان ثم من علان الى الصحابة والنبى محمد عليه السلام.
وفى العصرالعباسى الأول تكاثرالقصاصون وتقربوا للخلافة العباسية باسناد خرافاتهم الى عبد الله بن عباس جد الخلفاء العباسيين . ثم جاء عصر التدوين فدونوا كل هذه الخرافات على انها سنة و أحاديث نبوية و فقه وعقائد وعلوم .
وبهذا نشأ الدين الأرضى السنى..
ومهما شرحنا سيظل معظم الناس أسرى للخرافات السنية وغير السنية .
ولا عزاء للمغفلين و المغفلات ..