يا رب الستر والتوفيق ولما أطلع الشقة ما ألاقي فيها حد فأعرف أسرقها بسهولة وأتوكل على الله ، جملة يقولها لص وهو متوجه لسرقة شقة ملك الغير.
يا رب استرها معي وجوزها ما يرجع البيت على ما أخلص وانزل ، يا رب أعوذ بك من الفضيحة ، جملة يقولها زاني يخون أحد أصدقاءه مع زوجته في غير حضوره.
الحمد لله رحت قابلت صاحبي ورجعت قبل ما زوجي يعود للمنزل ، جملة من فم زوجة خائنة
إحنا بنخاف ربنا وبنعطي كل ذي حق حقه ، جملة يقولها موظف مرتشي.
الحمد لله خلصنا منها وأخذها صاحب نصيبها il; ، كلام يردده بائع سلعة مغشوشة.
يا رب لما أدخل اللجنة تكون سهلة ، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا إنك تجعل الحزن إذا شئت سهلا ، يا رب يكون المراقب ابن حلال ويسمح بالغش ، كلمات يرددها تلميذ بليد على باب لجنة الامتحان
يا رب ... يا رب ... يا رب ، دعاء لمشجعي فريق كرة قدم لصالحة ضربة حرة مباشرة دعاء منهم لكي ينجح اللاعب في إحراز الهدف ، وفي المقابل يردد نفس الدعاء مشجعي الفريق الآخر دعاء منهم لكي تفشل الضربة في إحراز هدف .
يجتمع لاعبوا كل فريق قبل المبارة لقراءة الفاتحة من أجل التوفيق وكأن لاعبي الفريق الآخر من الكفار.
في النهاية تكتشف أن الجميع يزج باسم الله سبحانه وتعالى في كل شيء ،اللص يطلب التوفيق من الله ، والعاهرة والداعر ، والمرتشي والفاشل ، ولاعب الكرة والجمهور ، والبائع الغشاش
فبما نعلل هذه الظاهرة؟
نرى البعض قد أفرط في التفاؤل وأعتبر ذلك من حسن إسلام الناس وتدينهم ، فبرغم أنهم يخطئون إلا أنهم لا ينسون الله ربهم ويدعونه ، فالصلة التي بينهم وبينه لا تنقطع أبدا رغم غرقهم في المعاصي ، وبعدين (كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون) ، ولعل الله سبحانه وتعالى يقبل توبتهم ، وبعدين هو سبحانه (غافر الذنب وقابل التوب)
ولكن هذا التفسير لهذه الحالة الشاذة مغرق في البلاهة والسذاجة ، وتطل من ثناياه عقيدة الإرجاء التي تقول ( لا يضر مع الإيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة).
ولكن في الحقيقة هذه الحالة المذرية تكشف بوضوح الفرق ما بين دين الله (الإسلام) والأديان الأرضية ، وتبين بوضوح الهوة السحيقة بين إتباع قوله تعالى ، وإتباع قال فلان عن فلان ، ونسبة ذلك زورا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فالله تعالى يقول " ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم ان تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم" البقرة 224 ، وقال تعالى وَاحْفَظُوا أَيْمَانكُمْ " [ الْمَائِدَة : 89 ] ، فلمجرد الحلف بالله قد نهى الله عن الاستكثار منه لأنه أهيب لقلوب المؤمنين ، فكيف يستخدم المرء اسم الله في معصية أو لعب ، ألا يعد ذلك استهزاء؟ ، والله تعالى يقول" ولئن سالتهم ليقولن انما كنا نخوض ونلعب قل ابالله واياته ورسوله كنتم تستهزؤون" التوبة 65
ثم أننا مأمورون بالتأدب مع رب العزة سبحانه وتعالى ، وعند ذكره نسبحه وهو القائل" سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا " الاسراء43 ، والقائل سبحانه وتعالى" فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون"الروم 17 ، والقائل عز من قائل" سبحان ربك رب العزة عما يصفون" الصافات 180 ، والآيات كثيرة في القرآن تؤكد وتأمر بتسبيح الله سبحانه وتعالى ، والعجيب أنك إذا ذكرت الله أمامهم لا يتحركون ، وإذا ذكرت الرسول (ص) قالوا وفي نفس واحد (صلى الله عليه وسلم) ، طبعا أنا لست ضد الصلاة والسلام على رسول الله - وإن كان معنى الأمر في القرآن أعم وأشمل من مجرد القول باللسان – ولكنني أتعجب ممن تذكر عنده الرسول فيصلي عليه ويسلم ، وحين تذكره برب العزة لا يحرك ساكنا
ولكن أديان المسلمين الأرضية تسمح لهم بذلك ، لأن الدين عندهم أصبح مظهر ومجموعة من الحركات التي تخلوا من أي مضمون ، عليك أن تشهد بألا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله ، ولا تخف بعد ذلك ، فأنت إما في شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو ممن سيردون على الحوض ، أو من عتقاء الرحمن ، وفي كل الأحوال لن يبقى في النار كل من في قلبه ذرة من إيمان ، ثم تجد ترسانة من الأحاديث النبوية والأحاديث القدسية جاهزة لتبرير كل هذه الأفعال بل وتصحيحها ، أو على أقل تقدير سيقولون العبرة بالخواتيم وربنا يحسن خاتمتنا.
سيقول أحدهم ذلك الرجل ينكر الشفاعة كشيخه ، وأقول إن الشفاعة التي تؤمنون بها وهي أن يأتي أحدكم يوم القيامة وقد زنا وقد سرق وقد قتل وقد اغتاب ونم وقد أسرف على نفسه بارتكاب المعاصي والذنوب ، ولديه تسعة وتسعون سجلا من الخطايا ثم يشفع فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويقول يا رب هذا من أمتي فشفعني فيه وأقبل وساطتي وادخله الجنة ، فيقبل الله – سبحانه وتعالى – وساطة الرسول فيدخل الرجل الجنة ، أقول هذا النوع من الشفاعة غير موجود إلا في مخيلتكم المريضة وعقولكم القاصرة.
أما في الحقيقة فالموضوع يحتاج لبحث نعرف فيه معنى الشفاعة ، ونتدارس أماكن ورودها في القرآن الكريم ثم نصل إلي مفهوم شفاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – لكي نتفق على معناها الصحيح.
أصل الشفاعة من (الشفع) وهو الزوج في العدد يقول سبحانه وتعالى" والشفع والوتر" الفجر3 ، والشفيع يصير مع صاحب الحاجة شفعا ، ويقال ناقة شفوع إذا اجتمع لها حمل مع ولد يتبعها ، والشفع هو عملية ضم واحد إلي واحد ، ومنه الشفعة والتي تسمح بضم مال الشريك للشريك مع استيفاء الشروط ، فالشفاعة هي ضم غيرك لك ، وشهادة منك له بإتباعك.
وعلى هذا التفسير فإن الشفاعة قد تكون حسنة كما قد تكون سيئة ، لأنها لا تعدوا كونها شهادة بالإتباع ، وقد قال خير من قائل رب العزة سبحانه وتعالى " من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا"النساء 85.
فالأنبياء يشفعون لمن اتبعهم بمعنى يشهدون لهم بأنهم اتبعوا الأوامر وانتهوا عن النواهي التي أنزلها الله عليهم ، ولا دخل لهم في دخولهم الجنة والتي ستكون بإذن رب العالمين فهو صاحب الحق في قبول الشفاعة لإحاطة علمه بعمل المشفوع له ونيته ، فتكون الشفاعة على هذا النحو في الطاعة وليست في المعصية ، أما الذنوب فهي من إطلاقات رب العزة ووفق مشيئته إن شاء غفرها وإن شاء حاسب عليها ومرددها لله وحده لا شريك له ، قال تعالى " لا يملكون الشفاعة الا من اتخذ عند الرحمن عهدا" مريم87 ، وقال تعالى" يومئذ لا تنفع الشفاعة الا من اذن له الرحمن ورضي له قولا"طه 109.
والملائكة يشفعون ، بمعنى يشهدون أيضا وفي هذا يقول سبحانه وتعالى" يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون" الأنبياء28 ، كما يقول سبحانه وتعالى" الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين امنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم" غافر7 ، وهذه الآية أكبر دليل على أن الشفاعة بمعنى الشهادة لهم في قولهم (الذين تابوا واتبعوا سبيلك) فيستحقون الاستغفار المترتب على الشهادة ، ولكن الإجابة تكون من الله وحده ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى " قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والارض ثم اليه ترجعون" الزمر 44
كما توجد الشفاعة السيئة ، وهي الشفاعة التي تكون ممن أتبع (بضم أوله وكسر ما قبل أخره) من دون الله لمن اتبعه ، وفي هذا يقول الحق سبحانه وتعالى " ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون" الأنعام 94
وعلى هذا النحو يكون للشفيع نصيبا من الشفاعة إذا كانت حسنة أو سيئة ، فلو جاءك صديق وعرض عليك طاعة الله واتبعته في هذه الطاعة فهو شفيعك (بمعنى شهيد لك) على هذه الطاعة وله نصيب من الأجر لعرض الطاعة عليك وحثه لك على فعلها ، والعكس صحيح لو جاءك صديق آخر وحبب إليك معصية وطالبك باقترافها وفعلت فهي شفاعة سيئة يكون له قطعا كفل منها.
أما إنكار الشفاعة بالكلية على مذهب المعتزلة ، فلا نقبله رغم استشهادهم يقوله سبحانه وتعالى"ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع"غافر18 ، وقوله تعالى" واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة" البقرة48 ، وقوله تعالى"من يعمل سوءا يجز به"النساء 123 ، وقد حملوا حكم هذه الآيات على العموم ، وسريان حكمها على كل مذنب حتى ولو لم يكن كافرا ويكفي انه مرتكب للكبيرة والمعصية ، ونسوا أن الحكم المطلق في هذه الآيات قد تم تقيده على الكفار دون المسلمين بقوله سبحانه وتعالى"ولا يشفعون إلا لمن ارتضى" الانبياء28 وقوله تعالى"ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له" سبأ23 ، فوجود الاستثناء لمن ارتضى أو لمن أذن له من عموم النفي عن جنس الشفاعة بالمستثنى بما و إلا يفيد التقييد والتخصيص ، ويؤكد صحة ذلك قوله تعالى في حق الكافرين "فما تنفعهم شفاعة الشافعين" المدثر 48 فهناك شفاعة وهناك شافعين ولكن رغم وجود الشفاعة والشافعين فلن تنفع الكافرين شيئا ، وكما قلنا سابقا أن آيات القرآن لا تفسر بمعزل عن باقي الآيات كجزر منعزلة ولكن تفسر مع باقي الآيات لاستخراج الأحكام وفقا لمقصود رب العزة سبحانه وتعالى.
أما أصحاب الدين الأرضي ، وما أدراك ما أصحاب الدين الأرضي ، فقد أثبتوا الشفاعة للرسول على غير مراد رب العالمين ، بأنها شفاعة ذنوب ومعصية يتوب الله على الإنسان منها لمجرد أن يشفع له الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وليست شفاعة طاعة ويكفي الإنسان الإيمان بلا عمل على الإطلاق والذي يعتبر والكفر سواء فلم يطع الرسول ولم ينفذ أوامر رب العزة وكفر كفر فعل ولم تكن له طاعة يشفع له الرسول بها ثم ينتظر شفاعة جاهزة توصيل الطلبات للمنازل يدخل بها جنة الخلد ، ثم تقدموا خطوة أخرى بل خطوات فأثبتوها للصحابة ولآل بيت النبي ، ثم للأولياء والصالحين ، ثم لكل أصحاب المقامات.
وعندي قصص طريفة عن أتباع أصحاب القبور أذكر صديق لي – رحمه الله – وكنا يوميا نمر أمام قبر لأحد (الأولياء) – كما يطلقون عليهم – وكان صديقي هذا يلقي السلام بطريقة كوميدية وفي خشوع وتذلل عجيب ويرفع يده اليمنى إلي أعلى رأسه ثم يضعها على صدره مرتين أو ثلاث ويقول لمن في القبر (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا سيدنا وابن سيدنا ذرية بعضها من بعض) ، وفي يوم قررت أن أشغله لحظة مرورنا بالقبر فأوقعت نظارتي في أرضية السيارة ، وطلبت منه أن يساعدني في إحضارها ، فنزل ليحضرها لحظة مرورنا على الشيخ وقلت الحمد لله لن يسلم عليه اليوم ، ولكنه رفع رأسه فجأة بمحاذاة القبر وسلم عليه بنفس الطريقة ثم عاد ليحضر النظارة ، ولما سألته لماذا تعظم صاحب هذا القبر أجاب وبلهجة مصرية خالصة(إحنا غلابه ومحتاجين لهم) ، هذا المسكين علموه أصحاب الأديان الأرضية أن شفاعة من في القبور ترتجى ، تعالى الله عن ذلك اللغو علوا كبيرا.
وإذا ذهبت لمسجد السيدة زينب أو الحسين أو السيدة نفيسة أو الشيخ علي زين العابدين أو غيرهم من المساجد والأضرحة ، سوف تجد عجب العجاب ، فمن يحارب لكي يصلي بالمقصورة الرئيسية حتى ينال الرضا السامي ، ومن يتمسح بسياج المقام ويبلله بدموع الندم والتوبة – وكأن التوبة لا تنفع إلا بالشرك – ومن يقدم نذرا دستة شموع أو ذبيحة أو خلافة لقضاء حاجته ، وتسمع من الأوصاف ،( يا ست يا طاهرة ، يا ريسة ، يا ابن بنت النبي ، يا نفيسة العلم) وتلح الناس في قضاء حوائجها بدأ من التوفيق في العمل للخلفة الصالحة والذرية مرورا بكل ما هو جائز وغير جائز من نجاح الأولاد لكسر رقبة فلانة وخرس علانة وضربة في قلب ترتانة ، وهكذا ، وقد بدأ هذا الشرك أولا بقبول هؤلاء شفعاء لهم ولكنهم سيتبرؤون منهم يوم القيامة وفقا لقوله تعالى" هل ينظرون الا تاويله يوم ياتي تاويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا او نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون"الأعراف 53
وأخيرا لا يسعني إلا أن أقول لا حول ولا قوة إلا بالله ألعلي العظيم
وكل عام وانتم جميعا بخير بمناسبة قرب انتهاء رمضان وحلول العيد ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شريف هادي