قالت إن 80 ألف قبطي يجمعون القمامة بعد فشلهم في الحصول على فرصة عمل
إسرائيلية راقبت المصريين 12 شهراً من "نافذة" الجامعة الأميركية
نوجا ملخين |
أقامت الاسرائيلية نوجا ملخين 12 شهراً في القاهرة دون أن يعلم أحد هويتها، فرصدت خلال تواجدها ما جرى قبل وبعد مبارك، فضلاً عن تحليلها للتطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها مصر، وما يتعلق منها بجماعة الإخوان المسلمين، وفوز الدكتور محمد مرسي بالرئاسة.
في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وتحديداً خلال إجراء انتخابات مجلس الشعب المصري، دلفت الفتاة الاسرائيلية "نوجا ملخين" إلى إحدى سيارات تاكسي القاهرة، وطلبت من السائق التوجه إلى أحد مراكز التصويت، إذ حرصت - وفقاً لتبريرها – وما نقلته عنها صحيفة هاآرتس العبرية، على التجول وتبادل أطراف الحديث مع المصريين البسطاء، الذين حرصوا على الإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات ديمقراطية تشهدها البلاد، وخلال حديث مقتضب، سألها السائق: "لأي حزب ستعطين صوتك؟"، فأجابت بلهجة مصرية متقنة: أنا لست مصرية، فسألها السائق مرتاباً: لماذا اذاً ترغبين في التوجه إلى مركز الاقتراع؟، فأكدت الفتاة الاسرائيلية دون الكشف عن جنسيتها، أنها طالبة في الجامعة الأميركية في القاهرة، لكن حديثها لم يقنع السائق، وبدا التوتر على وجهه حينما قال: اذا لم تكوني كذلك، لقمت بتسليمك إلى مخفر الشرطة، وابلغت عنك بأنك جاسوسة"، وبحسب ما نقلته هاآرتس عن الفتاة الاسرائيلية: "انتابتني حالة من الصمت الطويل، حتى فارقت السائق وسيارته، وكانت هذه هي المرة الاولى، التي أشعر فيها بالخوف وانعدام الأمان في القاهرة".
إنتخابات تشريعية ورئاسية ديمقراطية
وتشير المعطيات العبرية إلى أنه في نهاية ايار (مايو) 2011، وصلت الفتاة الاسرائيلية "نوجا ملخين" (27 عاماً) إلى القاهرة، واستأجرت شقة فيها مع شريك أميركي، بعد قبولها للدراسة في مركز تعليم اللغة العربية في الجامعة الأميركية Center for Arabic Study Abroad))، وخلال الاثني عشر شهراً الماضية، اقامت ملخين في القاهرة على اعتبار دراستها في الجامعة الأميركية، المتاخمة لميدان التحرير. وفي هذا العام الذي شهد سقوط نظام مبارك، واجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ديمقراطية، تعايشت الفتاة الاسرائيلية مع تفاصيل مدينة القاهرة، واستقطبت عدداً كبيراً من الأصدقاء المحليين، الذين كان معظمهم في نفس عمرها تقريباً، وعبر هؤلاء الأصدقاء تمكنت ملخين من زيارة ميدان التحرير اكثر من مرة، واحتكت بالعديد من الثوار، وزادت من التصاقها بالمصريين، اللهجة القاهرية التي تجيدها بطلاقة.
واعترفت الصحيفة العبرية بأن مصر حظرت منذ العام الأول لثورة يناير، دخول صحافيين إسرائيليين أراضيها، إلا أن الفتاة ملخين ابتكرت آلية جديدة، سهَلت عليها الاقتراب من المصريين وتكوين علاقة صداقة معهم، وعن ذلك تقول الفتاة الاسرائيلية: "اشتباه المصريين في الأجانب، ينطوي على خلفية تاريخية، ففي عهد مبارك وبعد انتقال السلطة الى المجلس العسكري، حرصت الأبواق الإعلامية الرسمية على تصدير فكرة، وقوف دوائر أجنبية وراء حالة الفوضى التي تشهدها البلاد، وعندما يتردد في مصر مصطلح "الأيادي الأجنبية"، تتجه الانظار إلى اسرائيل والولايات المتحدة وايران".
وفي ما يتعلق بدراستها الاكاديمية، قالت ملخين: "كنت أجلس على مدرجات الجامعة الأميركية في القاهرة كل يوم تقريباً، فدرست أدب اللغة العربية، وتعلمت لهجتها الدارجة، كما درست فن كتابة المقال، وقرأت العديد من الكتب المصرية، وتمثل الجانب التطبيقي في اختلاطي بالمصريين يومياً، فتجولت في القاهرة نهاراً وليلاً، وتحدثت مع سائقي سيارات التاكسي، والبسطاء في الشوارع، وعلى العكس من زيارتي السابقة للقاهرة عام 2007، حرصتُ على إخفاء هويتي الاسرائيلية، فقدمت نفسي لمن حولي على أنني طالبة أميركية".
الأفضلية الوحيدة التي كان الاسرائيليون يتمتعون بها خلال زياراتهم الى القاهرة في عهد مبارك، هي رغبة الشرطة حينئذ في تلاشي أي صدام قد يقود إلى ورطة دولية مع اسرائيل، وبحسب صحيفة هاآرتس، كانت ملخين على قناعة بأنها اذا تعرضت لمشكلة حال تواجدها في مصر، فستكون الشرطة حريصة على إزالة هذه المشكلة، ورغم أن اعلانها عن هويتها في الوقت الراهن لن يسبب لها مشكلة بالمعنى التقليدي، إلا أنها تتحسب من إمكانية استغلال بعض القوى السياسية لوجود شخص اسرائيلي بشكل معلن في القاهرة.
الصحيفة العبرية، أكدت ان اسم نوجا الاسرائيلي، لم يكشف عن هويتها، إذ ان الاسم يقترب من الاسم المصري الشهير "نجوى"، لذلك لم يشتبه فيها أي مصري، وعن ذلك تقول ملخين: "كانت تؤرقني مشكلة اخفاء هويتي الحقيقية عن المصريين، الا أن هذه المخاوف تبخرت سريعاً، خاصة أن زملائي في الجامعة، كانوا يقدمون أنفسهم على أنهم مجموعة أميركية وأنا من بينهم، بالاضافة إلى أن ملامحي، اعطت المصريين انطباعاً بأنني أميركية انحدر من أصول مصرية، وكان يبدو ذلك من خلال لهجتي العربية والملابس التي ارتديها، الشخص الوحيد الذي كان يعلم هويتي هو شريكي في الشقة التي استأجرتها، وهو شاب أميركي يعمل في القاهرة، كما أنه مثلي الجنس، وله صديق مصري يبلغ من العمر 22 عاماً، وكنت كثيراً ما اتندر أنا والشاب الأميركي على أننا ما زلنا نخفي هويتنا، فكان دائمًا ما يداعبني بقوله: ما زلنا نخفي أنفسنا في التابوت، انت تخفين عن المصريين أنك اسرائيلية، وأنا اخفي عنهم أنني مثلي الجنس".
ظاهرة المثليين جنسياً في مصر
الفتاة الاسرائيلية انتقلت في حديثها مع الصحيفة العبرية لما وصفته بظاهرة المثليين جنسياً في مصر، مشيرة إلى أن هذه الحالة تلقى استهجانًا من المصريين رغم أنها في تزايد مستمر، ففي يوم الخميس من كل اسبوع تتجمع اعداد كبيرة من المثليين جنسياً على أسطح بعض عقارات القاهرة ليلاً، نظراً للمشهد الساحر لليل القاهرة والمناخ اللطيف، وذات يوم رافقت ملخين صديقها الأميركي ورفيقه في واحدة من تلك الأمسيات، لتكتشف أنها الفتاة الوحيدة بين الحضور، وتؤكد أن الشرطة المصرية تعلم بتوقيت ومكان تجمع المثليين جنسياً، إلا أنها تتجاهل التعامل معهم أو تجريم تجمعاتهم، كما لا تقتصر حفلات المثليين على أسطح العقارات، وانما يتجمع اعضاء الجنس الثالث على فترات متقاربة في السفن النيلية الضخمة، ويشي ذلك بأن اعضاء هذه التجمعات ينتمون إلى الطبقة الاجتماعية الراقية، وكان من هؤلاء صديق شريك الفتاة الاسرائيلية في الوحدة السكنية المستأجرة، وكان من الطبيعي أن يخفي الشاب كغيره من المصريين هويته الجنسية عن أسرته العريقة، لدرجة أنه ابلغ ملخين رغبته في الانتقال للاقامة في العاصمة البريطانية لندن، وقالت الفتاة الاسرائيلية: "إن المجتمع المصري مجتمع أسري بطبيعته، ولا يجوز لفرد في اطار هذا النظام التغيب عن منزله دون علم من اهله، لذلك يلجأ الشباب للكذب، أو للهرب إلى مكان بعيد عن اسرته".
وعادت الفتاة الاسرائيلية للحديث عن الثورة المصرية من منظورها الخاص، مشيرة إلى أنه في شهر كانون الثاني (يناير) وبداية من اليوم الثاني للثورة، ظهر في الميدان ما يُعرف بـ "اقتصاد الثورة"، إذ تصدر المشهد العشرات من الباعة المتجولين، الذين باعوا أعلام مصر والاكواب الزجاجية، وملابس كُتب عليها تاريخ ثورة الخامس والعشرين من يناير، اما في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام ذاته اختلف مضمون اقتصاد الثورة، حيث ابتاع الثوار من البائعين انفسهم الاقنعة الواقية من الغاز المسيل للدموع، المستخدم في تفرقة المتظاهرين، إلا أن تلك الأقنعة لم تؤدِ مهمتها، رغم أن سعر القناع الواحد بلغ 25 جنيهاً مصرياً، واكتفى فقراء الثوار بشراء "الكمامة"، ليبدوا كأطباء في غرفة الجراحة، الأغرب من ذلك هو أن الكمامات أو الأقنعة الواقية من الغاز، كانت دليلاً على الثوار الحقيقيين الملتصقين بالميدان، أو اولئك الذين يدخلون في صدام مباشر مع عناصر فض الشغب في الشرطة المصرية.
قبل ما يقرب من شهر ومع نهاية دراستها الأكاديمية، غادرت ملخين القاهرة وعادت إلى اسرائيل، ومن الوحدة السكنية التي استأجرتها في تل ابيب، طافت كل يوم ارجاء المدينة، حاملة على كتفها حقيبة يد كُتب عليها باللغة العربية "القاهرة"، ورغم اجادتها لغة بلدها "العبرية"، الا أنها كانت تتعمد ادراج كلمات واصطلاحات عربية بلهجة مصرية في حديثها مع الأصدقاء.
وتشير سيرة ملخين الذاتية إلى أنها ولدت ونشأت في مدينة تل ابيب، وبعد حصولها على شهادة الثانوية العامة من مدرسة "تالما يالين"، تجندت في الجيش، لتصبح من أمهر مصوري الفوتوغرافيا في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وبعد تسريحها من الجيش سافرت إلى نيويورك، لاستكمال دراستها في جامعة كولومبيا، وبعد اربع سنوات تخرجت في الجامعة، وحصلت على إجازة العلوم السياسية وحقوق الانسان، وفي اطار تخصصها درست اللغة العربية، وزاد من حماسها في هذا المجال قناعتها بأن 20% من الفلسطينيين يقيمون في اسرائيل، ويحرصون على تعلم اللغة العبرية، وعن ذلك تقول: "يجب أن نتعلم نحن ايضًا اللغة العربية حتى نتمكن من التعايش مع الآخر "غير اليهود". تعمقت ملخين في دراسة اللغة العربية، وفي عام 2007 سافرت إلى القاهرة للمرة الاولى في حياتها، حيث درست العربية في إطار دورة لتبادل الطلبة بين جامعات اسرائيل والجامعة الأميركية في القاهرة.
طلب لدراسة اللغة العربية في القاهرة
ملخين كانت من أمهر مصوري الفوتوغرافيا في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية |
بعد نهاية دراستها في الولايات المتحدة عادت إلى اسرائيل، لتعمل في فرع منظمة (هيومان رايتس ووتش) الدولية في القدس، وبعد عامين قدمت طلباً لدراسة اللغة العربية في مركز تعليم اللغة في الجامعة الأميركية في القاهرة، وبعد تلقيها رداً ايجابياً على طلبها نهاية 2010، لم تتوقع أن ترى القاهرة بعين غير التي رأتها بها عام 2007، وعن ذلك تقول: "عندما اندلعت الشرارة الاولى لثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير)، كنت في مكتبي في القدس، لكنني لم استطع ممارسة عملي اليومي المعتاد، ولم افعل شيئاً سوى متابعة قناة الجزيرة القطرية، كما أن الجامعة الأميركية التي درست فيها هي أحد مباني ميدان التحرير، وهذا هو الميدان الذي اعرفه جيداً، فقضيت في الميدان تقريباً أربعة أشهر كاملة، مدة اقامتي في مصر عام 2007، وعندما كنت هناك لم يتحدث أي شخص في قضايا سياسية، وكان سبب هذا الاحجام هو خوف المصريين من المشاكل الأمنية، التي قد تترتب على الخوض في هذه القضايا، كما أن اهتمامات المصريين كانت بعيدة عن المشاكل السياسية وتعقيداتها".
وفي تدخل مباشر قال تقرير الصحيفة العبرية، إن الجامعة الأميركية في القاهرة التي درست فيها ملخين، تجسد واقع الفجوة الاجتماعية بين المصريين، فالمؤسسة الأكاديمية الأميركية التي اقيمت بداية القرن الماضي على ايدي مبشرين أميركيين، تعد من اعلى الجامعات في مستواها الاجتماعي، ولا يلتحق بها إلا أبناء الطبقة الراقية، وقبل عام تقريباً، انتقل حرم الجامعة التاريخي من وسط القاهرة إلى حرم جديد وضخم في وسط الصحراء، وترى ملخين في حديثها مع هاآرتس: "أن الابتعاد عن وسط القاهرة يبرز بوضوح الفجوة بين شرائح المجتمع المصري، إذ اقامت ادارة الجامعة حرماً هائلاً في الصحراء، ودشنت حمام سباحة اوليمبي، وملعباً للتنس، من أجل أبناء الطبقة الراقية، التي لا تعكس الواقع الفعلي لمستوى المجتمع المصري، وكان اختيار مكان بعيد عن وسط القاهرة لإقامة الحرم الجديد عليها، هو رغبة الطبقة الراقية في ابتعاد ابنائهم عن بسطاء الشعب، وعدم الاحتكاك بهم في الطرق المؤدية إلى الجامعة في وسط القاهرة".
وتؤكد ملخين ان ابتعاد حرم الجامعة الأميركية عن وسط القاهرة هو البداية، التي قادت أثرياء الطبقة الراقية إلى الاقامة في الصحراء، حيث خصصوا لانفسهم مقرات جديدة للاقامة في مدن "السادس من اكتوبر"، "القاهرة الجديدة"، و"الرحاب"، وفي هذه المدن تتضح الفجوة الكبيرة، إذ تبدو الطرق اكثر اتساعاً وتمهيداً، وقبل عدة سنوات كانت هناك محاولات لشق فرع من النيل ليصل إلى المدن الجديدة، وتضيف الفتاة الاسرائيلية: "يبدو واضحاً أن الهدف من هذه التحولات الاجتماعية، هو رغبة طبقة الأثرياء الابتعاد عن الطبقة الفقيرة، وتجلى الفساد عندما اقام كبار رجال الاعمال المقربين من السلطة في تلك الفترة العديد من الفيلات الفارهة واحاطوها بحمامات السباحة".
الفتاة الإسرائيلية (المصور الفوتوغرافي الماهر في الجيش الاسرائيلي)، لم تكتفِ برصد ما يجري في الاحياء السكنية المخصصة لاثرياء مصر، وإنما تجولت في الاحياء الفقيرة وبين المحال البسيطة التي تبيع الفول والفلافل، وعن ذلك تقول: "يوجد في القاهرة كل شيء، احياء يطغى عليها الطراز المعماري الذي ينم عن الغنى الفاحش، والملاهي الليلية، والفنادق الفارهة، واحياء أخرى تضم سكان الفبور ومواقع تجميع القمامة".
أكبر مركز لتجمع المقابر شمال القاهرة
مدينة الأموات بحسب نوجا ملخين، هي أكبر مركز لتجمع المقابر في شمال القاهرة، ويضم هذا المكان مقابر يعود تاريخها الى القرن الرابع عشر الميلادي، وفي هذه المقابر يقيم مئات الآلاف من المصريين، ومن المثير أن ترى الاطفال صبيحة كل يوم وهو يلهون بين القبور بحرية كاملة رغم هدوء المكان، اما مدينة القمامة فيسكنها ما يربو على 80 الف نسمة معظمهم من الاقباط، وكان هؤلاء قد انتقلوا من اقاليمهم المختلفة إلى القاهرة، بحثاً عن فرصة عمل، الا انهم لم يعثروا عليها، فاضطروا للاقامة في مدينة القمامة، وعكفوا على الاشتغال بها وجعلوا القمامة مصدر قوتهم اليومي، إذ يتجول هؤلاء بين احياء القاهرة المختلفة، ليجمعوا القمامة من المنازل مقابل أجر شهري، وحتى اليوم يمكن لأي شخص أن يلاحظ بنفسه عربات القمامة تجرها الخيول وهي تنتقل من مكان لآخر لجمع القمامة، وبعد عملية الجمع تستقبل نساء وأطفال جامعي القمامة حصيلة اليوم، ليقوموا بدورهم في فرزها وتصنيفها ما بين زجاج ومعادن وورق، حتى يقوموا ببيع كل ذلك للمصانع كل في مجال تخصصه.
الغريب أن الفتاة الاسرائيلية المفترض أنها جاءت إلى القاهرة لدراسة اللغة العربية في الجامعة الأميركية، أعدت بهذا المضمون تقارير مصورة واصطحبتها معها إلى اسرائيل، إذ تشير صحيفة هاآرتس العبرية إلى أن نوجا ملخين استعرضت مع محرر الصحيفة عدداً هائلاً من الصور وافلام الفيديو، التي تجسد تفاصيل جولاتها لمدة اثنى عشر شهراً في قاهرة المعز، وعن ذلك تقول: "المثير أن المصريين في "مدينة القمامة" يتمكنون من اعادة تدوير القمامة بنسبة 80%، ورغم أنه من المستحيل على أي شخص زيارة المكان، نظراً لوحشته وقذارته، الا أنني زرته لأكثر من مرة، واطلعت على كثير من تقارير المنظمات التطوعية، التي تقوم بتطعيم سكان المكان، وتحذر من انتشار الاوبئة والامراض". وتؤكد ملخين أنه منذ عدة اعوام استثمرت محافظة القاهرة ملايين الدولارات، لشراء سيارات حديثة مخصصة واكياس بلاستيك كبيرة من اوروبا لجمع القمامة، الا أن المشروع فشل، بسبب عدم تمكن السيارات من دخول الشوارع الضيقة وازقة الاحياء الشعبية، التي تشكل النسبة الاكبر في خارطة مصر السكنية.
الحنين لعودة نظام حسني مبارك
انتقلت الفتاة الإسرائيلية نوجا ملخين من الحديث عن مدن الأموات والقمامة إلى الحديث عن السياسة، مشيرة إلى أنه منذ شهر تقريباً تمكن مرشح الاخوان المسلمين للرئاسة الدكتور محمد مرسي من التغلب على منافسه العنيد الفريق احمد شفيق، واقتنص مقعد الرئاسة ليصبح أول رئيس للجمهورية بعد ثورة يناير، رغم ذلك ترى ملخين أن الفريق شفيق كان وجه العملة الآخر للرئيس السابق حسني مبارك، فقبل ما يقرب من شهرين قال شفيق في محاضرة له "إن مبارك مثله الأعلى"، وعلى عكس التوقعات كان ذلك سبباً في ضيق الفجوة بين الاصوات التي حصل عليها مرسي ومنافسه شفيق، وتضيف ملخين: "سمعت بأذني توجهات شعبية تطالب بإعادة انتاج نظام مبارك، فالفترة الانتقالية بالغة الصعوبة مثل أي فترة انتقالية أخرى، خاصة ما يتعلق منها بالأوضاع الإقتصادية، فجميع الصناعات القائمة على السياحة التي تمثل ثلث دخل المصريين اصيبت بالشلل التام، وتضررت شريحة كبيرة من المصريين جراء ذلك، واعتقد أن اعطاء 25% من الناخبين اصواتهم لشفيق في المرحلة الاولى من الانتخابات الرئاسية يعود الى تلك الاسباب، واذا كان ذلك بالنسبة للسياحة، فارتفاع معدل الجريمة في الشارع المصري يؤكد هذا المعنى، فلا توجد احصائيات رسمية أو غيرها في مصر إبان عصر مبارك، تؤكد اختفاء الشرطة المصرية من الشوارع، أو تشير إلى ارتفاع معدل الجريمة بنفس الصورة التي باتت عليها بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، لقد واجهت بنفسي وقائع لسرقة حقيبة يد أو حافظة نقود في عهد مبارك، الا أن ذلك تطور إلى جرائم منظمة بشكل ملحوظ بعد الثورة، وللتدليل على ذلك يمكن الارتكان إلى معطيات مركز الابحاث الأميركي Gallup، حينما عقد مقارنة من خلال استطلاع عام للرأي بين مستوى الجريمة قبل وبعد ثورة يناير، فضلاً عن ثقة المصريين في الامن قبل وبعد الثورة، واظهر الاستطلاع أن المصريين لا يشعرون بعد الثورة بالأمان، وأن معدل الجريمة فاق أي نسبة شهدتها مصر في تاريخها الحديث".
وفي ما يتعلق بتعويل المصريين على الرئيس محمد مرسي بعد فوزه لتحقيق مطالب ثوار التحرير، قالت نوجا ملخين: إن نسبة 50% من الشعب المصري لم ترغب في احمد شفيق أو محمد مرسي، فكل من أيد الثورة لم يكن يرغب في ترشيح شخص ينتمي إلى نظام مبارك، لذلك كان الناخب ذاته مضطراً لمنح صوته لمرشح الاخوان المسلمين، لقد سمعت اكثر من شخص وهو يغادر لجنته الانتخابية، معلناً اسفه لانتخابه محمد مرسي، فقلت لهؤلاء "ديمقراطية مباركة عليكم"، فردوا بأن الديمقراطية فرضت عليهم الاختيار بين شخصين غير مرغوب فيهما، شفيق أو مرسي".
وفي حديثها عن الإنتخابات التشريعية التي سبقت نظيرتها الرئاسية، قالت ملخين: "في نهاية نوفمبر 2011، توجه المصريون إلى صناديق الاقتراع لاختيار البرلمان الذي يمثلهم، إلا أن النتيجة كانت مفاجئة للجميع، إذ حصلت جماعة الاخوان المسلمين على 36 مقعداً من مقاعد البرلمان، بينما سقطت الأحزاب الليبرالية، واعتقد أن نتائج الانتخابات البرلمانية لم تجسد رغبة المصريين في هيمنة الاخوان المسلمين، وإنما يكمن سر صعودهم في حالة انعدام الاستقرار لدى الاحزاب الليبرالية، ولعب ذلك لصالح حزب "الحرية والعدالة" الاخواني، إذ كان المصريون يتطلعون إلى الاستقرار".
وفي تقييمها للإخوان المسلمين رأت الفتاة الاسرائيلية نوجا ملخين، أن الجماعة تضم العديد من الأصوات المتطرفة، ولكنها في الوقت نفسه براغماتية لدرجة كبيرة، وترغب في استقطاب أكبر عدد ممكن من الأعضاء الجدد، لذلك ينبغي على الجماعة والحزب في الفترة المقبلة، اظهار الاعتدال في التصريحات والافعال.