مع صحيفة الوقت البحرينية
حوار أحمد صبحى منصور

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٤ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

صحيفة الوقت
حوار مع الدكتور أحمد صبحي منصور
أجرى الحوار الاستاذ نادر متروك
الجزء الأول
القرآن والسّنة
السؤال الأول:
ثمة إشكالية قديمة/ جديدة بشأن العلاقة بين القرآن والسنة النبوية، وقد ظهرت اتجاهات حيّدت إمكانية الاستفادة من القرآن الكريم بسبب خصوصيته الروحانية وعدم إمكان بلوغ المراد الإلهي في زمن ما بعد الرسول (وما بعد الغيبة الكبرى بالنسبة للشيعة الإمامية) وتمّ الاكتفاء بالسنة النبوية (إضافة إلى سنة أئمة الشيعة الإمامية) في بناء الموقف الشرعي ومرجعية السلوك العبادي.. في المقابل كان هناك اتجاه "القرآنيين" الذين اكتفوا بالقرآن الكريم وأسقطوا مرجعية السنة لأسباب تتعلق بالتاريخانية والخلاف الإيديولوجي وقضية التحريف وغير ذلك. من منظوركم "القرآني" الخاص؛ ألا توجد علاقة توليدية ممكنة بين السنة والقرآن في الوقت الراهن؟ وما هو الحلّ مع التراث النصوصي الهائل، هل يُرمى أم تُعاد معالجته..؟

الاجابة
نحن نضع فاصلا حادا بين الالهى و البشرى ، او فاصلا بين الاسلام و المسلمين فى تاريخهم وحضارتهم وتراثهم و تدينهم الواقعى .
والفاصل هو قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) ( المائدة 3 ). فالاسلام هو القرآن وكفى ، وهذا ما فصلناه فى كتابنا ( القرآن وكفى .) المنشور فى موقعنا :
http://www.ahl-alquran.com/arabic/book_main.php?page_id=2
والكتاب يجيب على كل التساؤلات ، بالاضافة الى كتاب ( الصلاة فى القرآن الكريم ) :
http://www.ahl-alquran.com/arabic/book_main.php?page_id=6

وبالتالى فان اكتمال الاسلام باكتمال القرآن نزولا يؤكد انقطاع الوحى الالهى بعدها ، وبالتالى فان كل ما يأتى بعدها فلا شأن للاسلام به ، وإنما هو منسوب للمسلمين بخيره وشره ، سواء كان فعلا ( أى الفتوحات أو الغزوات ، أو إقامة دول وحضارات ) أو كانت أقوالا مثل التراث و الفرق المذهبية و الفقهية.
الخطأ الأعظم أو الخطيئة الكبرى أن المسلمين ـ كانوا و لا يزالون ـ ينسبون ذلك التراث الى الاسلام عن طريق نسبته زورا و بهتانا للنبى محمد أو لله تعالى تحت مسمى الحديث النبوى و القدسى و السنة وخلافه. وبهذا الافك تحولت المذاهب البشرية الى أديان أرضية مصنوعة ، أى أصبح للمسلمين أديان أرضية تتناقض مع الاسلام الحق الذى عرفه النبى محمد عليه السلام. والمشكلة كلها فى (إسناد ) تلك الأقاويل التى تعبر عن عصرها وقائليها ـ الى النبى محمد بأثر رجعى بعد موت النبى محمد بقرنين وأكثر.
وقد بدأ الأمر بابتعاد المسلمين سلوكيا عن الاسلام ـ او القرآن ـ حين اعتدوا على من لم يقم بالاعتداء عليهم و احتلوا بلادا و تحكموا فى أهلها ـ فيما يعرف بالفتوحات ، ثم اختلفوا فيما بينهم حول الغنائم التى سلبوها من تلك البلاد ـ فاقتتلوا فيما يعرف بالفتنة الكبرى ، والتى دخلها المسلمون منذ قتل الخليفة عثمان ، ولم يخرجوا منها بعد ، والدليل المحزن أن ما يحدث فى العراق الان هو نفس ما يحدث من وقتها من معارك والجمل وصفين والنهروان و كربلاء وعين الوردة .. ويتكرر نفس الاستبداد من خلفاء وولاة من الحجاج بن يوسف الى صدام حسين .
السبب أن ذلك الخلاف السياسى الدموى قد تم تشريعه وتعزيزه باحاديث ، وأصبح كل خصم سياسى يحارب الاخر فكريا و يبارزه بالأحاديث ، فتحول الانحراف السلوكى ( الاعتداء أو الفتوحات و الفتنة أو الحرب الأهلية ) الى إعتداء على الله تعالى ورسوله عن طريق تبرير و تسويغ و تشريع كل ذلك بأحاديث منسوبة للنبى وأئمة المسلمين المتنازعين من أبى بكر وعمر و على ..الخ . وأسفر هذا فى النهاية ـ مع قيام دول امبراطورية مستبدة أموية و عباسية ـ عن اكتمال اختراعهم لأديان أرضية بعقائد وشرائع مناقضة للاسلام الحق ومتناقضة مع بعضها ، فتأكد بها الاختلاف بينهم بل ويتحول الى فرق ، ثم تفرعت تلك الفرق وواصلت انقسامها.
وهذا يحقق ما قاله القرآن الكريم فى ايجاز معجز و مذهل عن تاريخ البشر الدينى وطريقة تعاملهم مع الدين الالهى ، إذا تنزل الرسالات على كل الرسل باوامر موحدة ، ولكن لا يلبث البشر أن يتفرقوا الى فرق و أحزاب لكل منها كتب مقدسة ، وتقوم لهم أديان أرضية على أنقاض الدين الالهى : (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) (المؤمنون 51 ـ ) (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ) (الأنبياء 92 ـ )
ومن منظورنا "القرآني" فالعلاقة بين السنة والقرآن هى التناقض ، وذلك فى جزئية واحدة محددة وهى نسبة تلك السنة الى الوحى الالهى .. القرآن يعتبرها أشد أنواع الظلم ، ويعتبرها وحيا شيطانيا ، وقد أنبأ الله تعالى باستمرار الوحى الشيطانى ، وجعل أصحابه أعداء الأنبياء . ( الأنعام 112 ـ) ( الفرقان 31 ـ ) ( ألشعراء 221 ـ )
ونرى ان الحل مع ذلك التراث هو قطع صلته بالاسلام ونفى اسناده للنبى محمد عليه السلام ، واسناده الى اصحابه وقائليه ورواته ، وأن يكون بخيره وشره معبرا عن عقلياتهم وثقافتهم .
هذا هو المنهج العلمى فى التعامل مع تراث المسلمين ، و قد فصلنا القول فى ذلك فى بحث ( الاسناد ) المنشور على موقعنا:
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=20
وفى بحث ( التأويل ) :
http://www.ahl-alquran.com/arabic/book_main.php?page_id=3

السؤال الثانى
الفكر الديني والعلوم الإسلامية
يسعى المفكرون الدّينيون في الإسلام المعاصر إلى التأكيد على خصوصية التأسيس المفاهيمي للعلوم الإسلامية، وقد جرت صياغة جملة من التراكيب المنهجية المعبّرة عن هذا التوجّه، بينها منهجية أسلمة المعرفة في تجلياتها المتعددة، والمدارس المقاصدية، واتجاهات الأسلمة الحضارية التي تتنامى في أوساط المفكرين المسلمين في الغرب خاصة. ما هو تقييمكم لهذه المسارات في الوقت الراهن؟ وهل تعتقدون أنها نجحت في بيان حجّيتها المنهجية أم أنها أُصيبت بنكسة معرفية لاسيما في ظلّ الحجاجيات التي يطرحها الفكر العلماني والمدارس المنهاجية الحديثة؟

الاجابة
نحن لا نصادر أى فكر مهما بلغ مخالفته لنا ، نحن نرفض محاكمة الفكر و فرض فكر معين على الناس. نحن الذين يؤصلون من داخل القرآن الكريم الحرية المطلقة فى الفكر و العقيدة و التعبير عنها لكل الناس .
وبالنسبة للتيارات الفكرية المشار اليها فهناك نقاط واختلاف بيننا من حيث المنهج ومن حيث التفصيلات ـ وذلك موضوع شرحه يطول ، ولكن باختصار نقول إننا نفهم القرآن الكريم وفقا لمصطلحاته فى قراءة علمية موضوعية تبدا بعدم وجود رأى مسبق ، ثم تجميع الايات المتعلقة بالموضوع كلها و فهمها بالقرآن نفسه . وبهذه القراءة يتحقق ما امر به رب العزة من الأمر بتدبر القرآن . فالتدبر يعنى ان تسير (دبر ) أى خلف الايات ـ اى بدون رأى مسبق . وهو نفس المنهج الموضوعى فى العلوم الانسانية و الطبيعية.
وقد تأكد لنا من خلال تفرغ بحثى فىالقرآن الكريم وتراث المسلمين أن القرآن يقترب من العلمانية بقدر تناقضه مع تراث المسلمين . ولذلك فان الاسلام قد سبق فى تقرير العلمانية المؤمنة التى لا مجال فيها لكهنوت أو تقديس للبشر أو استغلال الدين فى تحقيق مطامح بشرية و سياسية . والتفاصل فى مقالنا :
(التناقض بين الدولة الاسلامية العلمانية ودولة الاخوان المسلمين الدينية ) االتنااقض بين عة الاسلام ودولة الاخوان المسلمين الدينية لتناقض بين الدولة الإسلاميةالعلمانية ودولة الاخوانسلمين الدينية
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=64

السؤال الثالث
الإصلاح.. وتجديد الخطاب الديني

* برغم امتدادات الحركة الإصلاحية في الإسلام وتنوّع مدارسها واتجاهاتها؛ إلا أنّ البعض لازال متشككاً من إمكان الحصول على نتائج إيجابية فاعلة، واستمرارية، للإصلاح الديني في الإسلام. وترتكز هذه الدعوى على وجود كوابح بنيوية في الثقافة الإسلامية تحول دون إحداث إصلاحية دينية شاملة. ومن الداخل، وصل البعض إلى مرحلة إعلان اليأس من الإصلاح، بينما هناك منْ يستبشر بالجهود المبذولة في طريق الإصلاح والتجديد الديني ويتوقع آثارا إيجابية على مرّ الزمن.
- ما هي رؤيتكم لمقولة "الإصلاح الديني" في الوقت الراهن؟
- كيف تنظرون إلى وضعية التعليم الديني (الرسمي، وغير الرسمي) في الوقت الحاضر، وفي مختلف المدارس الإسلامية؟ (لنأخذ مثال الأزهر الشريف، وحوزات قم والنجف الأشرف)

الاجابة
مسيرة الاصلاح لدينا ارتبطت بمنهج فهم القرآن المشار اليه ، فنحن نقرأ القرآن الكريم قراءة موضوعية كما سبق ، وهذه هى المرحلة الأولى ، ثم تاتىالمرحلة الثانية وهى الاحتكام للقرآن الكريم فى تراث المسلمين وتاريخهم السابق و أعمالهم الحاضرة. وهذا الاحتكام للقرآن الكريم فرض الهى ، يقول تعالى (أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ) ( الأنعام 114 ).
ونحن لا نفرض راينا على أحد ، بل نصفح ونغفر لمن يتهجم علينا بسبب دعوتنا السلمية لأن هذه أوامر الاسلام وجوهر اخلاقياته .
ومن الطبيعى أننا نركز على الاصلاح الدينى بالاحتكام الى القرآن الكريم، ولكن هذا يأتى مرتبطا باصلاح سياسى و ثقافى و تعليمى و اجتماعى فى ضوء إصلاح أكبر هو الاصلاح التشريعى المؤسس على الديمقراطية وحقوق الانسان والعدل وحرية الفكر و المعتقد والعبادة.
وقد نشرنا بحثا على موقعنا فى اصلاح الدستور المصرى كبداية لاصلاح شامل يقطع الطريق على الاخوان المسلمين :
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=43

الاصلاح ـ القائم على العدل و الحرية المطلقة فى الدين و الفكر وحقوق الانسان ـ هو جوهر الاسلام عندنا ، وهو أساس الدعوة السلمية للأمر بالمعروف و النهى عن المنكر . فالمعروف هو المتعارف عليه من قيم عليا كالعدل و الرحمة و الصدق و كل الأخلاق الحميدة ، و المنكر هو كل ما تنكره الفطرة الاسلامية الانسانية من ظلم و قهر و بخل وأنانية ... الخ .
التعليم الدينى لا بد من البدء باصلاحه قرآنيا . لا أقول بالغائه لأنه إذا تم الغاء الأزهر أو (قم ) سينشىء الناس معاهد دينية أخرى ، إذن الحل هو فى ابقائها مع اصلاحها من داخل الاسلام ـ أى أن يتم من خلالها تعليم الديمقراطية و حقوق الانسان ـ وعدم تقديس البشر و الحجر ، والمسلم الحقيقى لا يقدس مع الله تعالى بشرا أو حجرا ، وبالتالى لا يمكن ان يخضع لحاكم مستبد متاله ، أى أن عقيدة الاسلام هى التى تخلق الديمقراطية فى عقل المسلم .
باصلاح تلك المؤسسات الدينية يتم الاحتكام الى القرآن الكريم فى كل تراث المسلمين واديانهم الأرضية ، و ذلك مع التقرير على حرية الفكر و العقيدة و الشعائر و العبادات و مسئولية كل فرد عن اختياره الدينى , وهناك أكثر من ألف آية قرآنية تؤكد الحرية المطلقة فى العقيدة و الفكر و العبادة ..
ونقول أن أى اصلاح مبنى على التراث هو اصلاح فاشل . وهذه هى خلاصة تاريخ المسلمين الذين جربوا كل أنواع الاصلاح ففشلوا.
الوهابية مثلا حاولت الاصلاح بالقتل وسفك الدماء و الاستحلال ـ مع احتفاظها بتقديس أئمة دينها الأرضى السنى ففشلت ، وهى الآن مسئولة عن مقتل ملايين المسلمين وغير المسلمين من بداية ظهورها حتى الان ..
أى اصلاح يقوم على تقديس البشر و نشر الخرافة بالدين مصيره الفشل.
لماذا لا نجرب الاصلاح سلميا بالقرآن الكريم ؟
هذا بالطبع لا ينفى احترامنا لمن يخالفنا فى الرأى و المعتقد .
وكل عام وانتم بخير.
أحمد صبحى منصور

اجمالي القراءات 22407