إلغاء مؤتمر اليهود المصريين يثير جدلاً حول حقوقهم

في الثلاثاء ٢٧ - مايو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

جاء إلغاء عقد مؤتمر دولي ليهود مصر كان من المقرر أن ترعاه "جمعية الصداقة المصرية - الإسرائيلية" اليوم الثلاثاء بمشاركة عشرات من اليهود المصريين المهاجرين لأوروبا والولايات المتحدة، ليفتح ملف اليهود المصريين مجدداً وما إذا كان يحق لهم ـ كمواطنين من أصل مصري ـ عقد فعاليات من هذا النوع داخل البلاد التي نشأوا بها، أو أن ذلك محظور لكونهم "يهوداً"، أو أن هناك مخاوف لدى السلطات من فتح ملف تعويضات اليهود عن ممتلكاتهم المصادرة، أو أن هناك أسباباً أخرى .

وحرض الصحافي عمرو أديب عبر فضائية "أوربت" السلطات الرسمية في مصر لمنع عقد هذا المؤتمر، وراح يردد "أن اليهود ليس لهم أية حقوق في مصر"، حسب تعبيره، وهو الأسلوب التحريضي ذاته الذي انخرط في المزايدة عليه فيه عدد من الصحافيين وكتاب الرأي في مصر دون مناقشة للأمر، أو تجشم عناء البحث عن المعلومات حول هذا المؤتمر ومنظميه وأهدافه وغير ذلك قبل إصدار الأحكام الجزافية.
ويقول الدكتور محمد أبو الغار‏ في كتابه الهام "يهود مصر من الازدهار إلى الشتات"، إن يهود مصر عاشوا في حارة اليهود وبعضهم في وسط الدلتا والفيوم ومدن مصرية أخرى، ولكن في حارة اليهود كان معظمهم من الفقراء‏،‏ الذين يعيشون على معونات الأثرياء من أبناء الطائفة،‏ ويصفهم بأنهم "كانوا أولاد بلد حقيقيين، وكانوا يرسلون أولادهم للتعلم في المدارس اليهودية التي يمولها أثرياء اليهود" .

ولم تكن حارة اليهود حكرا على اليهود فقط‏,‏ بل كان يسكنها مسلمون وأقباط‏,‏ ولم يكن يهود الحارة ـ وهم مصريون أصليون ـ ممثلين في الطائفة اليهودية أو قيادتها في مصر،‏ وأضاف أبو الغار أنه "جرى تهميشهم من جانب أغنياء اليهود الذين وفدوا حديثا في مصر".

وربما لا يعرف كثيرون أن الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر عاش سنوات في شارع خميس عدس بحارة اليهود، حين كان شاباً، إلا أن عهده شهد أكبر موجات نزوح لليهود المصريين، وفي شهاداتهم الشخصية التي نشرها موقع الطائفة اليهودية المصرية على الإنترنت حكايات مؤثرة وذكريات حزينة عن الأيام الأخيرة لهم ولأسرهم قبيل رحيلهم من مصر، وسط مناخ معاد لهم، خاصة بعد حرب 1967 مع إسرائيل .

الطائفة والهجرة
وهناك إجماع بين الباحثين الموضوعيين بأن شخصيات يهودية بارزة لعبت أدواراً مهمة في التاريخ السياسي والاقتصادي والثقافي لمصر، وفي المجال السياسي هناك اسماء مثل: يوسف شيكوريل ويوسف قطاوي وليون كاسترو، وكانوا من الصفوة في المجتمع المصري ومع ذلك انضموا إلى حزب الوفد الذي كان يمثل الضمير الوطني لمصر حينذاك، وأدار الأخير حملة دعائية ضخمة لصالح الحزب في أوروبا .

وحول أصل وجود اليهود في مصر فإن صحيفة (الكليم) وهي جريدة الطائفة في مصر، تقول روايتين، الأولى أن الطائفة وصلت مصر مع دخول الإسلام وأن عمرو ابن العاص هو من منحهم الأرض المقامة عليها مقابرهم بمنطقة البساتين، بينما تقول الرواية الثانية إنهم أتوا في عصر آنان بن دايفيد في القرن الثامن الميلادي، وأيا كانت الرواية الأصح فأن تلك الطائفة بلا شك متأصلة بشكل جعل تطورها التاريخي والأجتماعي مطابقاً لغالبية المصريين .
ويرجح باحثون متخصصون في الشؤون اليهودية أن نسبة كبيرة من اليهود المصريين كان يمكن أن تغادر مصر في الخمسينيات حتى لو لم ينشأ صراع عربي إسرائيلي، لافتين إلى أن معظم الذين تركوا مصر لم يذهبوا إلى إسرائيل حيث "إن معظم هؤلاء الذين كان بمقدورهم الاختيار ذهبوا إلى أوروبا أو الأميركيتين" مشيرا إلى أن العائلات الأكثر فقرا هي التي كانت تميل إلى الهجرة لإسرائيل .

وحول حجم الوجود اليهودي في مصر فليس هناك رقم محدد لعدد اليهود في الفترة التي سبقت الخروج، لكن بعض المصادر قالت أنها تزيد عن 36 ألفا بقليل، بينما تقول المصادر اليهودية إنهم يزيدون على خمسة وستين ألفا، وتشير إلى أنه في بداية القرن التاسع عشر كان يقدر عدد يهود مصر بالآلاف إلا أنه نتيجة للمناخ غير المرحب بهم وانفتاح أبواب الثراء في دول المهجر مثل كندا وأميركا وأستراليا بدأت أفواج منهم في مغادرة مصر .وبلغ عدد من هاجروا من يهود مصر إلى إسرائيل في السنوات الخمس 1949 - 1951 ما يتراوح بين 15 إلى 20 ألفا من اليهود أي 20 بالمئة فقط من إجمالي عدد اليهود في مصر عندئذ" .

وكانت أنباء ترددت في وقت سابق أن مصر كانت وراء تأجيل مؤتمر مشابه عام 2006 اضطر منظموه لنقله الى مدينة حيفا في حزيران (يونيو) من العام 2006 تحت رعاية كلية الدراسات الشرقية في إسرائيل، وحضره 320 يهوديا مصري الأصل من نحو 15 دولة، من بينهم ممثلو منظمة يهود مصر في فرنسا وأميركا وكندا والبرازيل والنمسا وإنجلترا، إضافة إلى عدد من الشخصيات الإسرائيلية .

ملف التعويضات
وتخشى السلطات المصرية فتح ملف التعويضات عن ممتلكات اليهود المصريين، التي تقدر منظمات يهودية قيمتها بنحو 5 مليارات دولار وهي قيمة التعويضات في 3500 قضية مرفوعة على الحكومة المصرية في الولايات المتحدة ودول أوروبية، وتدعم واشنطن هذه الحملة اليهودية المطالبة بالتعويضات عبر برنامج الحريات الدينية التابع للخارجية الأميركية إذ سبق لوفد من "لجنة الحريات الدينية الأميركية" أن وضع على أجندة مطالبه من مصر قضية "ممتلكات اليهود المصريين"، وسلم الوفد عام 2006 الحكومة المصرية ملفا كاملا عن أملاك اليهود في مصر وأماكنها .

وعلى الصعيد الاقتصادي ، أسس اليهود وساهموا في تأسيس عدد 103 شركة من مجموع الشركات الاقتصادية العاملة في مصر والبالغ عددها 308 شركة خلال أربعينات القرن الماضي، وقد ارتبط تاريخ البنوك في مصر باليهود، واشتهرت عائلات بعينها في عالم البنوك مثل عائلات : قطاوي وموصيري وسوارس، وكان البنك العقاري المصري الذي تأسس عام 1880 اول بنوك مصر، وفي العام 1898 تأسس البنك الاهلي المصري والذي لعب دورا هاما في تاريخ مصر الاقتصادي، كان رأسماله 3 ملايين جنيه استرليني، وقد تحول الى بنك مركزي عام 1951، وكان روفائيل سوارس هو صاحب امتياز التأسيس يشاركه ميشيل سلفاجو وإرنست كاسل .

وفضلاً عن العمل المصرفي فقد امتدت أنشطة اليهود المصريين إلى مجالات اخرى هامة مثل قطاع البترول فقد قام اميلي عدس بتأسيس الشركة المصرية للبترول برأسمال 75000 جنيه في مطلع العشرينات، في الوقت الذي أسست فيه عائلة عدس اليهودية الشهيرة مجموعة شركات مثل بنزايون ـ ريفولي ـ هانو ـ عمر افندي .

اجمالي القراءات 4098