أزمة الختان
د. علي جمعة 2003: الختان مكرمة وله أصل في الشريعة والسنة
د. علي جمعة ٧٠٠٢: الختان حرام ولم يرد فيه نص شرعي
زينب عبد اللاه
أثارت المادة الخاصة بتجريم ختان الإناث في مشروع قانون الطفل والتي تقضي بمعاقبة كل من أجري أو شرع في إجراء ختان لأنثي بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز سنتين أو بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد علي خمسة آلاف جنيه، جدلا واسعا أثناء مناقشتها في مجلسي الشعب والشوري خلال الأيام الماضية خاصة أن قضية ختان الإناث لم تحسم طبيا أو فقهيا أو اجتماعيا
حتي الآن، ففي حين خالفت فتوي الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الصادرة مؤخرا بشأن تحريم الختان كل الفتاوي السابقة الصادرة عن دار الإفتاء المصرية وكذلك الفتاوي السابقة والحالية لمجمع البحوث الإسلامية الرافضة لمبدأ تجريم ختان الإناث، بل خالفت أيضا فتاوي الدكتور علي جمعة نفسه السابقة لتوليه منصب مفتي الديار المصرية.. وفي حين تعلن الآراء الطبية والمواد الإعلانية والإعلامية الرسمية وكذلك منظمات المرأة والطفل خطورة ختان الإناث وتطالب بتجريمه بأقصي العقوبات تعلو أصوات طبية أخري لتؤكد خطورة تجريم الختان ووجوبه في بعض الحالات، مؤكدة أن التجريم سيفتح الباب لاجرائه في الخفاء علي يد حلاقي الصحة والدايات خاصة في الريف والصعيد، مما يزيد من المخاطر التي تتعرض لها الفتيات خاصة مع تمسك معظم الأسر بختان بناتهم وأنه لن يمنعهم من ذلك إصدار قانون أو تشديد العقوبات.
فضلا عن الآراء القانونية التي تؤكد أن إصدار هذه المادة بتجريم الختان في قانون الطفل مطعون عليه بعدم الدستورية لعدم موافقة مجمع البحوث الإسلامية عليه،ا لتؤدي كل هذه الأبعاد المتعددة والمعقدة إلي مزيد من حيرة الأسر المصرية التي تمسكت طوال تاريخها بختان بناتها، فيتهامس الآباء والأمهات حتي المتعلمون منهم في الخفاء، ويتساءلوا فيما بينهم: هل نختن بناتنا أم لا؟ خاصة مع فقدان الثقة في كل الآراء الرسمية حتي وإن كانت فقهية ليزيد هذا التضارب من تمسك أسر كثيرة بختان بناتها في الخفاء دون اكتراث بقوانين أو عقوبات، وليتجسد هذا التمسك في تعليق إحدي النساء البسيطات قائلة: 'لما الحكومة بتزن علي حاجة بنعرف إنها لا تقصد مصلحة الناس، وبنعمل عكس اللي بتقوله وإحنا اتعودنا علي تحصين بناتنا بالختان ومش هنبطله مهما حصل'. تعليق هذه السيدة الريفية يؤكد أن الحل لما قد يحدث من تجاوز أو انتهاك ومخاطر في بعض عمليات ختان الفتيات لن يوقفه قانون يجرم الختان في ظل ما نعانيه من تضارب وتناقض في الآراء.. فهل تفطن الحكومة ومنظمات المرأة والطفل لهذه الحقيقة؟
في السطور التالية نحاول طرح الأبعاد المختلفة لقضية الختان بعد أن أصبحت أزمة وتسببت في حيرة ملايين الأسر المصرية.
من الأمور التي يتأكد معها أن قضية الختان لن يحسمها أو يمنعها مجرد إصدار قانون ما يثار حول هذه القضية من آراء فقهية مختلفة ومتناقضة والتي يتغير فيها رأي الفقيه طبقا لموقعه.. ففي خضم الجدل الدائر حول هذه القضية التي أعلن فيها الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية رأيه الواضح والصريح بأن الختان حرام ومنعه أصبح أمرا واجبا لما ظهر معه من أضرار قد تصل إلي الموت، وهو الرأي الذي خالف فيه كل الآراء الصادرة عن دار الإفتاء المصرية قبل توليه لها والتي أكدها كل المشايخ الذين تولوا منصب المفتي ومنهم الشيخ حسنين مخلوف والشيخ علام نصار والشيخ جاد الحق علي جاد الحق والدكتور نصر فريد واصل وكذلك الدكتور محمد سيد طنطاوي عندما كان مفتيا وقبل أن يتراجع هو أيضا عن هذه الآراء مؤخرا وهي آراء موثقة في سجلات دار الإفتاء المصرية وتؤكد كلها أن الختان مكرمة وسنة للنساء وأنه من صفات الفطرة التي دعا إليها الإسلام وحث علي الالتزام بها بما أوصانا به الرسول 'صلي الله عليه وسلم' في كيفية إجرائه بالقدر المطلوب بالخفض وليس الاستئصال وأنه ليس هناك من أقوال الفقهاء ما يشير إلي عدم جوازه أو منعه إذا تم علي الوجه الصحيح وأنه سنة ولا يجوز تجريمه.
وهي الآراء التي خالفها الدكتور علي جمعة مؤخرا ببحثه الذي تم وضعه علي موقع دار الإفتاء الالكتروني معلنا فيه أن الختان حرام وأنه ليس قضية دينية تعبدية وإنما هو قضية طبية من قبيل موروث العادات وأنه مجرد عادة في دول حوض النيل قديما وانتقلت إلي العرب في المدينة مشيرا إلي أن الرسول 'صلي الله عليه وسلم' لم يختن بناته وأنه لم يرد نص شرعي صحيح صريح يأمر المسلمين بأن يختنوا بناتهم حتي بمفهوم الدرجة الأولي التي ينصح بها الأطباء في بعض الحالات وقد وصف الدكتور علي جمعة في هذا البحث من عارضوا القرار الوزاري الصادر عام ٦٩٩١ والذي يمنع إجراء الختان في المستشفيات والعيادات بأنهم ممن لم تتسع آفاقهم.
وقد أصبح هذا هو الرأي الرسمي لدار الإفتاء عندما تجيب عن أي سؤال خاص بالختان، كما أنه عندما نوقشت هذه المادة في مجلس الشعب خلال الأسبوع الماضي حدثت مشادة بين النائب محمد العمدة والدكتور محمد وسام ممثل دار الإفتاء حيث أكد الأخير أنه لا يجب التمسك بعادة أثبتت الحقيقة العلمية ضررها وأنه لا يجب الوقوف عند قول فقهي أثبتت الحقيقة العلمية مخالفته للواقع وهو ما أثار النائب الذي انفجر في وجه ممثل دار الإفتاء قائلا 'كل اللي عايزه النظام بتعملوه.. هوه انتوا شغالين بالأجرة..!!'.
الغريب أن هذه الآراء التي صدرت عن دار الإفتاء مؤخرا والتي أعلنها الدكتور علي جمعة تخالف تماما آراءه قبل أن يتولي دار الإفتاء ويصبح مفتيا للديار المصرية.
ومن المفارقات العجيبة أن تعيد قناة 'دريم ٢' (خلال الأيام الماضية) حلقة مسجلة من برنامج 'الكلام الطيب' أثارت جدلا واسعا بين المواطنين الذين شاهدوها وهو البرنامج الذي كان يعده ويقدمه الدكتور علي جمعة قبل أن يصبح مفتيا وهي حلقة كاملة تحدث فيها عن الختان وكانت قد أذيعت بتاريخ ٢١/٩/٣٠٠٢ قبل أيام من تعيينه مفتيا.
وقد أشار في هذه الحلقة بالنص إلي أن الرأي الفقهي في الختان أنه واجب للرجال ومكرمة للنساء وأن المكرمة إذا فعلت فلا بأس وإذا تركت فلا بأس، وأن ختان الأنثي مكرمة قد ترقي إلي السنية مشيرا إلي حديث أم عطية الأنصارية واصفا إياه بأنه حديث حسن وسرد عددا من الأحاديث التي تتحدث عن الختان ومنها 'إذا التقي الختانات فقد وجب الغسل' و'خمس من الفطرة أولها الختان'، مؤكدا أن الختان موجود في الكتاب والسنة وأن الرسول 'صلي الله عليه وسلم' أمر بختان الإناث وأنه له أصل في الشريعة وأن انكار وروده في الأحاديث خاطيء.
وقال الدكتور علي جمعة بالنص:
'الأبحاث الطبية غير المتحيزة تقول إن هناك بعض الحالات يوصي الأطباء فيها بالختان وقد يوجبونه ويجدون فيه منفعة للمرأة فننصح بطاعة الأطباء في هذه الحالات وأن هناك أبحاثا حول ختان الإناث لأساتذة وأطباء مدعمة بالمراجع الطبية من الشرق والغرب وكذلك بالخبرة والممارسة ومن هؤلاء الأساتذة -الذين ذكرهم الدكتور علي جمعة بالاسم - الدكتور منير محمد فوزي، والدكتور حاتم شلبي، والدكتور عادل حسن عبدالفتاح، والدكتور يحيي زايد، والدكتورة سوسن الغزالي، والدكتور محمد البار.
وقد كرر هذه الأسماء مرة ثانية في تعليقه علي مداخلة إحدي المشاهدات ذكرت فيها اسم الدكتور محمد فياض كمعارض لختان الإناث ليؤكد أن هناك أبحاثا مهمة تؤكد أهمية ختان الإناث ثم أكد أن ختان السنة لا يسبب أي أضرار إذا أجري بطريقة صحيحة وأن الأضرار تنشأ من الممارسات الخاطئة وأن هناك خلطا متعمدا بين الممارسة الخاطئة والأداء السليم مؤكدا أن ختان الإناث يجب أن يجري تحت إشراف طبيب وفي مستشفي مجهز بأجهزة معقمة وبالطريقة الصحيحة التي بينها الرسول 'صلي الله عليه وسلم' في حديث 'اشمي ولا تنهكي فإنه أحظي للزوج وأنضر للوجه' وأن ختان الإناث عملية تجميلية بسيطة ليس لها أي أضرار وأن كل ما يتحدثون عنه يشنعون عليه ويصورونه بطريقة همجية هو الممارسة الخاطئة، وبأدوات غير معقمة وقد أشار د. علي جمعة إلي أن هناك درجات أربعا للختان وأن سنة الختان هي الدرجة الأولي منه والتي ليس لها أي أضرار كما يقول الأطباء في العالم كله، وإنما هي مسألة تحسين، وفي بعض الحالات تكون هناك ضرورة لأكثر من ذلك ولكن البعض عندما يتحدث عن الختان يتكلم عن الدرجة الرابعة التي يحدث فيها التشويه الشديد لهذه المنطقة.
وتحدث الدكتور علي جمعة في البرنامج عن الدوافع وراء الحملة الأمريكية ضد الختان وأن أمريكا تتدخل في حياة شعوب العالم وأن الأمريكان لا يريدون الختان للذكور والإناث علي السواء وأن الأمم المتحدة وأمريكا تروجان لنماذج من المعرفة ضد شريعة الله تحت زعم أنه من حقوق الإنسان عدم إيقاع أي أذي بجسم الإنسان قائلا: 'نحن نرفض إطلاقا أن يتدخل الآخر في ديننا وشرعنا وأن يقول هذا من السنة وهذا من غير السنة' وتساءل د. علي جمعة: 'لماذا أقاموا الدنيا ولم يقعدوها ضد المسلمين في موضوع الختان بالرغم من أنه موجود في اليهودية ولم يفعلوا شيئا لليهود ولم يطلب الكونجرس منع المعونة عن إسرائيل لأنهم يمارسون ختان الإناث وأضاف 'هي حملة تبشيرية صهيونية تهاجم ختان الإناث، لماذا هذا التدخل في خصائص الشعوب؟ مشيرا إلي أن القانون الدولي لا يراعي أحدا من المسلمين والفكر الغربي العلماني يدعو إلي عدم المساس بالجسد البشري بغض النظر عن الشريعة والدين.
وأكد المفتي الحالي قبل أن يصبح مفتيا وجوب الاستعداد لاشتداد هذه الحملة في السنوات القادمة لأن النموذج الغربي يعتبر العفة والشرف نوعا من تقييد حرية الإنسان وأن وثائق الأمم المتحدة التي عرضت في مؤتمر السكان وفي مؤتمر بكين تحدثت عن الختان ودعت للمساواة المطلقة بين المرأة والرجل في الميراث والشهادة ومنح سلطة الطلاق للمرأة ومنع تعدد الزوجات، وكلها أمور صارخة مخالفة للدين وكذلك قضية الإباحة الجنسية والإجهاض قائلا: 'إن مجمع البحوث الإسلامية درس هذه الوثائق واعترض علي ما فيها من مخالفات، مؤكدا أننا نحتاج لدراسة للوثائق التي أصدرتها الأمم المتحدة في هذه القضايا المخالفة للدين وتجهيز الرد عليها للاستعداد قبل حدوث المواجهة الكبري التي ستحدث في السنوات القليلة القادمة' كما أكد د. علي جمعة أن منع ختان الإناث يخالف الدستور قائلا: 'القرارات الوزارية التي صدرت بمنع ختان الإناث ردها مجلس الدولة لأنها تخالف الدستور لعدم وجود الضرر الطبي الفعلي من الختان'.
كان هذا هو نص ما قاله الدكتور علي جمعة في برنامج 'الكلام الطيب' في ٢١/٩/٣٠٠٢ والذي غيره تماما وقال عكسه بعد أن أصبح مفتيا وبعد اشتداد الحملة الغربية لمنع الختان والتي حذر منها في البرنامج ودعا للاستعداد لها وبدأ هذا التغير عام ٥٠٠٢ وتحديدا عندما حدثت سابقة هي الأولي من نوعها في تاريخ دار الإفتاء المصرية حيث قامت مؤسسة تارجت الألمانية بعقد مؤتمر لمناهضة الختان وتمويله تحت إشراف دار الإفتاء وبمساندة قوية من المجلس القومي للأمومة والطفولة ومؤسسة تارجت هي مؤسسة تسعي لفرض عقيدة أن الختان لا يتفق مع القرآن ولا مع آداب الإسلام عن طريق مساعدة علماء الدين، وهذا ما ورد علي موقع المؤسسة علي الإنترنت، وسعت السفيرة مشيرة خطاب جاهدة خلال المؤتمر لانتزاع موافقة العلماء المشاركين فيه علي استصدار توصية بتجريم الختان ولكن عددا كبيرا منهم رفض واعترض علي التوصيات التي تضمنت هذه التوصية وتم تعديلها بعد ذلك ليصدر الدكتور علي جمعة فتواه مؤخرا بأن الختان حرام رغم تعارض هذه الفتوي مع الفتاوي الصادرة من مجمع البحوث الإسلامية الرافضة لتجريم الختان رغم تأكيدات جمعة أنه ليس لأحد مراجعة دار الإفتاء فيما يصدر عنها من فتاوي إلا مجمع البحوث الإسلامية وأنه إذا حدث تعارض بين الإثنين فإن علي دار الإفتاء أن تنصاع لرأي المجمع ولكن هذا لم يحدث في قضية الختان حيث أعلنت دار الإفتاء أنه حرام ورفض مجمع البحوث الإسلامية هذا التحريم.
نفس الشيء حدث مع آراء الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر التي كانت آراؤه السابقة تؤكد مشروعية الختان ومنها فتواه الصادرة وقت توليه منصب المفتي والموثقة في مجلد الفتاوي الإسلامية الصادرة عن دار الإفتاء عامي ٧٨٩١ و٤٩٩١ والتي أكد فيها أنه طبقا للنصوص الشرعية وكتب السنة والفقه فإن الختان للرجال والنساء من صفات الفطرة التي دعا إليها الإسلام وحث علي الالتزام بها علي النحو الذي بينه رسول الله 'صلي الله عليه وسلم' ليتراجع عن هذا الرأي أثناء مؤتمر مؤسسة تارجت معلنا أن الختان مجرد عادة تشوه الأعضاء التناسلية للإناث وأن الختان للرجال فقط وأن أحاديث ختان المرأة رويت من أوجه مخدوشة!
حرب الختان وموقف متناقض للمفتى
في الإثنين ٢٦ - مايو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
اجمالي القراءات
5448