تخــاصم أهل النـــار
(( وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار ، إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ، قل إنما أنا منذر وما من إلــه إلا الله الواحـد القهــار )) – 62- 63 – 64 – 65 – سورة ص-
إن التأمل في هذه الآيات وتدبرها مثير لخوف غريب وعميق ، إذ كيف يتصور أن جماعة من أهل النار تجد متسعا لتتساءل فيما بينها عن رجال لم يروهم معهم في ذلك المصير السيئ البائس ؟
وكيف يزداد المتسائلون حيرة لأنهم كانوا يعدونهم من الأشرار ، وكيف لا يحتارون وقد حute;كموا عليهم مسبقا في الحياة الدنيا بأنهم من أهل النار ؟ وقد كانوا بهم يهزأون ؟
إنها حقا صورة مخيفة لهولها ولهول الخيبة .
وإن التساؤل والمغامرة الأكثر خطورة هي :
إذا فهمنا وجاز لنا أن نتصور تفاصيل هذا المشهد وهذا التخاصم داخل جهنم بين أهلها الذين كانوا يتطلعون إلى رؤية رجال كانوا يحسبونهم من أهل الجحيم .
وتزداد الخطورة خطورة إذا فهمنا وتصورنا أن هؤلاء الرجال الذين لم يظهر لهم أثر هناك داخل الجحيم ، إذا تصورنا أنهم في الحقيقة خارج جهنم وأنهم من الذين زحزحوا عنها وأنهم داخل الجنة يحبرون . نعم هذه هي الكارثة ويا لها من كارثة ويا لها من مفاجأة لأن تصور هذا التخاصم يتولد منه تصور آخر وقد يكون – حسب رأيي - هو مربط الفرس ، وإذا كان في تصوري هذا شئ من الصواب فتلكم هي الكارثة:
لماذا ؟
لأني أستنتج أن كل من سمح لنفسه أن يزكيها وأن يشغلها وأن ينهكها بتتبع عورات غيره وتقصي عيوب الآخرين وإبخاسهم أشياءهم واحتقارهم والإستهزاء بهم واتخاذهم سخريا لا لسبب إلا لأنهم يغايرونه إن في الشكل أو في الخلقة أو في اللون أو في الجنس أو في العادات أو في التقاليد أو في الإعتقاد أو في شكل ممارسة نفس الاعتقاد أو نفس العبادة ، أو بغضهم بسبب نسيانهم أو ضعفهم وارتكابهم أية معصية أو مخالفة ، وبالتالي الإسراع إلى الحكم عليهم باسوإ الأحكام علما أن ذلك لا يفعله من يفعله إلا وقد يكون أصيب بما أصاب إبليس الذي عصى الله ألا وهو الكبر والاعتقاد بأنه هو من العالين ومن الناجين ومن الذين يحابيهم الله.
ألا تكون الحكمة في التزام التواضع والاهتمام كل الاهتمام بما يكون الإنسان أي إنسان ارتكبه من ذنوب وأخطاء ومخالفات ونسيان ، وألا تكون الحكمة في عدم تزكية النفس ما دام الله العليم الخبير هو أعلم بمن اتقى ؟
ألا تكون في تساؤلات أهل النار وتخاصمهم إشارات قوية لمن يريد أن يعتبر ؟ ألا يكون ذلك كله موضوعا يجب وجوبا على كل متدين أن يعيه ويهضمه ؟
ونحن في انتظار آراء أولي الألباب من ذوي الإختصاص ليفيدونا مشكورين .
يحي فوزي
بسم الله الرحمن الرحيم
(( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ، وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فأنت لـه تصدى وما عليك ألا يزكى ، وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهـى كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره )) من 01 إلى 12 – عبس –
* لعل الله يلفت انتباهنا من خلال هذه الآيات إلى أهم ما ينبغي ألا ننساه وهو أن الأنبياء والرسل جميعهم بما فيهم خاتمهم ما هم إلا بشر يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق لا أقل ولا أكثر .
وإن الصورة التي ترسمها هذه الآيات هي أن الرسول محمدا كان منشغلا ومهتما بشخصية ما ذات قيمة ووزن اجتماعيا منتظرا منها أن تعي البلاغ وتستجيب ، ولذلك لم يكن الرسول مستعدا ولم ير مناسبا أن يلتفت إلى ذلك الأعمي الذي جاءه يسعى مهتما وبدون أن يدري طبعا أنه حضر في وقت حرج غير مناسب
ولعل الفهم الآخر المهم جدا هو :
* على محمد الرسول الإكتفاء والإلتزام بالتبليغ وبالبلاغ فقط لا أقل ولا أكثر .
* أن لا يذهب نفسه حسرات أو أسفا إزاء من لم يظهر منه أي اهتمام أو تجاوب.
* أن لا يكترث بمن لم يزكــى.
وعليه فإن هذا إن دل على شئ فإنما يدل على أن البلاغ نفسه هو بين واضح ومبين وفي غنى عن أي إلحاح أو مبالغة .
وإن كل هذا لا يتصور أنه يسود إلا في عالم تتربع فيه الحرية التامة ليصبح بحق كل إنسان مسؤولا.
واخيرا أفلا يكون بيت القصيد أن واجبنا نحن المسلمين المؤمنين هو التحديق مليا في مثل هذه التعاليم والتعليمات ما دام الله قد نبهنا أن لنا في رسوله أسوة حسنة ؟