وبعــد..
الخاتمة:
(1) فهناك حقائق ينبغى التسليم بها:
وهى أن دين الله تعالى فى كل عصر ينزل بالحق والخير والصلاح والسلام والعدل ويستحيل أن يكون مسئولاً عما يقع فيه البشر من ظلم وتعصب باسم الدين..
أن الله تعالى يقول ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (الحديد 25).أى أن هدف الرسالات السماوية هو إرساء القسط والعدل.. فهل من العدل أن تتسلط طائفة على أخرى بالظلم والقهر..؟ وهل من العدل أن ينتسب ذلك لدين الله تعالى؟.
إن الله تعالى يقول عن ذاته ﴿وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لّلْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران 108). ويقول ﴿وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لّلْعِبَادِ﴾ (غافر 31). أى أن رب العزة جل وعلا قد أدان الظلم وأوضح أن الظالمين هم أصحاب النار يوم الحساب ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيّ الْقَيّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً﴾ (طه 111).فكيف يستسيغ من يدعى الإسلام أن يظلم من يختلف معه فى العقيدة، خصوصاً وأنه يعلم أن الله تعالى هو الذى شاء أن يجعل الناس مختلفين فى العقائد ﴿وَلَوْ شَآءَ رَبّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلاّ مَن رّحِمَ رَبّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ (هود 118،119).ولذلك فإن القرآن الكريم هو الذى يدعو لأدب الحوار بين المختلفين فى العقائد ويؤجل الحكم فى العقائد إلى يوم القيامة. ويؤكد على أهمية التسامح والسلام والمساواة.. حتى يعيش البشر فى تعايش سلمى مع ذلك الاختلاف الذى خلقهم الله تعالى على أساسه.
أن الله تعالى يقول عن رسالته الخاتمة التى أرسل بها محمداً عليه السلام ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء 107) أى أرسله الله تعالى رحمة للعالمين ولم يرسله لقتل واضطهاد الآخرين..فكيف يستسيغ بعضهم أن ينسب للنبى (عليه الصلاة والسلام) أحاديث لم يقلها فى اضطهاد البشر وإيذائهم؟..
(2) هناك حقائق تاريخية ظهرت بين العرض التاريخى الموجز.. وهى أن فاتورة الاضطهاد تتضخم حتى يدفعها الجناة بعد الضحايا، فالدولة الأموية سارت سياستها على أساس التعصب، بدأت التعصب للعرب ضد غير العرب، ثم تطرفت فى التعصب فتعصبت لقبائل ضد أخرى فى نطاق العروبة، ثم تطرفت أكثر فأصبح الخليفة يتعصب لابنه ضد أخيه، فيعزل أخاه من ولاية العهد ويولى ابنه مكانه.. وفى النهاية كانت العصبية هى السلاح الفتاك الذى قضى على الدولة الأموية فى شبابها.. وكانت أقوى دولة ووصلت فتوحاتها إلى أبعد مدى فى تاريخ المسلمين.. ولكن دمرتها العصبية من الداخل.. وهو درس- لو تعلمون- عظيم، فالتعصب حين يبدأ أو يستشرى لا ينتهى إلا بتدمير أصحابه والتعصب الدينى أيضاً يرتد سلاحه إلى أصحابه يتحول من تعصب دينى الى تعصب مذهبى داخل الدين الواحد ثم تضيق الحلقة تحمل معها اتهامات التكفير والتكفير المضاد لتصل الى تكفير المجتمع كله كما يحدث الآن. وتتحول اتهامات التكفير الى قتل وعمليات ارهابية. وقد شهدنا أمثلة تاريخية ونشهد الآن صحوة سلفية تنشر الارهاب وتسفك الدماء، ولكن هناك ما هو أخطر..
فمعظم التحريفات الدينية فى عقائد المسلمين وتراثهم أدخلها علماء الموالى الأعاجم الناقمون وقد عجزوا عن الانتقام لأنفسهم فدخلوا فى الإسلام ليكيدوا للإسلام..
ومن أسف أن كتبهم وأسفارهم المقدسة ورواياتهم وفتاويهم تناقض الإسلام وتطعن فى القرآن وفى خاتم النبيين.. ومع ذلك فهى تحظى بالتصديق والتقديس أى أن انتقامهم مستمر حتى الآن !!
وبسبب الاضطهاد الدينى والعنصرى كان اعتناق الإسلام طريقاً سياسياً للانتقام من المسلمين.. ولو كانت هناك عدالة ومساواة وحرية دينية لما لجأ أولئك إلى خندق المقاومة السرية..
أن الاضطهاد العنصرى قصير العمر.. فقد انتهى اضطهاد الأمويين لغير العرب بينما بقى الاضطهاد الدينى الذى أدخله الحنابلة ورواة الحديث فى صميم التدين، ثم ساعد الجمود العقلى على بقاء ذلك التراث دون مناقشة، بل أخذ طريقه للتطبيق باعتباره من ملامح التدين..
وفى عصرنا ظهرت "الصحوة الدينية" تهدف للرجوع بنا إلى السلفية وأفكار العصور الوسطى القائمة على التخلف والتعصب والجمود العقلى..
والخطورة محققة من هذه الصحوة الدينية المزعومة لأنها تدعم نفسها بالاستناد الدينى، مما يجعلها قنابل موقوتة انفجرت وتنفجر فى وجوهنا جميعاً، لأنها كعادة الحركات والدعوات المتطرفة تبدأ بتكفير أصحاب الديانات الأخرى وتنتهى إلى تكفير الناس جميعاً، وتبدأ باضطهاد الآخرين وقتلهم وتنتهى إلى قتل الأهل والأقارب والزملاء داخل الخلية السرية الواحدة وقد رأينا أن حركات التعصب تبدأ بسيطة ثم تنتشر كالسرطان المدمر..
وخطورتها أنها تستمد مشروعية زائفة من الدين وترفع لواء الجهاد.
فالمطلوب أن نثبت زيف تلك المشروعية التى تخالف الكتاب العزيز.
وذلك يحتاج إلى إصلاح دينى للمسلمين، إن لم تقم به الحكومى فلتبادر إليه دوائر الاستنارة فى مصر، فالإصلاح الدينى هو الذى ينقذ مصر من التطرف والإرهاب ولن يكون الإصلاح الدينى إلا بالاحتكام للقرآن الكريم وعرض ذلك التراث عليه حتى ننصف الإسلام من بعض المسلمين.
﴿أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الّذِيَ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصّلاً وَالّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنّهُ مُنَزّلٌ مّن رّبّكَ بِالْحَقّ﴾ (الأنعام 114).
وصدق الله العظيم.. ودائماً صدق الله العظيم..
د. أحمد صبحى منصور