بريطانيا تقف على حافة حظر الزواج القهري قانونياً

في الأحد ١٠ - يونيو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

بريطانيا تقف على حافة حظر الزواج القهري قانونياً

صلاح أحمد

رغم أن الزواج القهري ممارسة تذهب ضحاياها - وبشكل رئيس - فتيات المسلمين البريطانيين بمعدل 8 آلاف في السنة، فقد تغاضت الحكومات السابقة عنها خوفًا من إثارة الحساسيات الدينية والثقافية. لكن الحكومة الحالية تقول إنها في صدد تصنيفها عبودية، وبالتالي جريمة يعاقب عليها القانون.


صلاح أحمد: وصلت الحكومة البريطانية إلى المرحلة الأخيرة من مداولاتها حول إصدار تشريع يحظر تزويج الفتيات القهري، باعتباره ممارسة مساوية للعبودية، ولا مكان لها في هذا العصر. وينتظر أن يُعلن نص القانون وتفاصيله في أي وقت هذه الأيام، على أن يدخل حيز التنفيذ (حاملاً عقوبة السجن الطويلة) ابتداء من مطلع العام المقبل.

قيد إلى الأبد

يأتي هذا التطور، الذي نال أضواء الإعلام البريطاني بكثافة، على خلفية تصريح رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بأن الزواج القهري شكل من أشكال العبودية، ولهذا فهو خطأ من أساسه، ويجب أن يُحظر كاملاً بقوة القانون. أتى هذا مضافًا إلى ما أدلت به وزيرة الداخلية، تيريزا ماي، بأن الحكومة ستعلن الحرب على هذه الممارسة، بعدما اتضح أن 8 آلاف أسرة بريطانية على الأقل تعقد قران بناتها ضد رغباتهن سنويًا.

الأسر المعنيّة هنا مهاجرة من باكستان وأفغانستان وبنغلاديش والهند وشرق أفريقيا، بشكل رئيس، إضافة إلى عدد آخر من الدول التي تعتمد هذه العبودية، إما بواقع الدين أو الثقافة السائدة أو كليهما. لهذا فقد ظلت هذه المسألة تكتسي قدرًا لا يستهان به من الحساسية في مجتمع يحاول إيجاد القدر الأكبر من التسامح والتناغم بين فئاته التي تمثّل مختلف أرجاء العالم.

وفي العام 2004 حاولت الحكومة العمالية تصنيف الزواج القهري في خانة الجرائم الجنائية. لكنها تراجعت عن مشروعها هذا قبيل انتخابات 2005 العامة خوفاً، كما قال المنتقدون، من إغضاب الأقليات العرقية، باعتباره تدخلاً في خصوصياتها الثقافية وإضاعة أصواتها بالتالي. وكان أقصى ما وصلت إليه الجهود هو اتخاذ «كوابح قانونية» في 2008 للتصدي للممارسة. لكن هذه كانت فضفاضة، وتتطلب من الضحايا اللجوء إلى المحاكم المدنية طلبًا للحماية، فذهب مفعوله أدراج الرياح.

على أن ديفيد كاميرون يقول الآن إن المسألة من الخطورةن بحيث إن الانصياع للحساسيات الثقافية وسط الجاليات البريطانية المهاجرة يعني القبول بأحد أشكال العبودية، وهذا ليس واردًا في هذا الزمن. ولذا فسيُتعبر إجبار فتاة على الزواج جريمة يعاقب عليها القانون المسؤول عن مرتكبها بالسجن.

من الواضح بهذا أن كاميرون يسعى أيضًا إلى إصلاح الأخطاء التي رافقت السياسة الحكومية العمّالية إزاء مسألة التعددية الثقافية، وسكوتها تالياً عن عدد من الممارسات المرفوضة تقليديًا في المجتمع البريطاني. ولهذا فقد قال إن «غضّ البصر عن هذه الممارسات ما عاد ممكنًا الآن».

هل ينقذ القانون الضحايا؟.. سؤال يحيّرهن قبل غيرهن

وبسبب علم الأسرة المهاجرة، التي تجبر بنتها على الزواج، بأنها تغرّد خارج سرب الثقافة البريطانية، فهي تأخذها إلى موطنها الأصلي - بحجة التمتع بالعطلة السنوية بين الأهل - وتزوّجها برجل ربما لم تره من قبل في حياتها.

الأمثلة عديدة في هذا الصدد، لكنها، في عدد غير قليل من الحالات، تأخذ أشكالاً تدخل في باب اغتصاب القاصرات نفسه. وعلى سبيل المثال وليس الحصر فقد أخذت أسرة باكستانية تعيش في مقاطعة يوركشاير طفلتها وهي في عمر الخامسة لا أكثر إلى بلدة أبويها الباكستانية، حيث عقدت قرانها. وكان هذا أيضًا مصير صبيتين شقيقتين قاصرتين، عقد والداهما قرانهما في باكستان في اليوم نفسه.

لكن القانون الجديد قد يظل حبرًا على ورق في السواد الأعظم من الحالات، كما يقول المنتقدون، لأنه يناطح الثقافة والدين لدى أولئك الذين يستهدفهم. بل إن الضحايا أنفسهن قد يجدن فيه مصدرًا آخر للشقاء، لأن العمل به يعني وضع أقرب الناس إليهم وراء القضبان.

لهذا السبب - وغيره - تقول الحكومة البريطانية إن القانون سيأتي تتويجًا لبرنامج يهدف إلى التوعية من جهة، والمبادرة إلى ضبط حالات الانتهاك من الجهة الأخرى. وفي هذا الاتجاه أعلنت وزيرة الداخلية ميزانية أولية تبلغ 500 ألف جنيه تخصص لتدريب أطقم المعلمين في المدارس والعاملين في الوكالات الاجتماعية ذات العلاقة للتعرّف إلى المؤشرات التي تشي بأن فتاة ما أُخضعت للزواج القهري.

اجمالي القراءات 4288