نظرات فى كتاب قول الفلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية

رضا البطاوى البطاوى في الأربعاء ٢٢ - يناير - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

نظرات فى كتاب قول الفلاسفة اليونان الوثنيين في توحيد الربوبية
الكتاب من تأليف سعود بن عبد العزيز الخلف وقد قسمه لقسمين :
الأول اختصه بذكر عقيدة السلف وقد ذكر فيه أنواعا للتوحيد ثلاثة كما هى عادة القوم وهو تقسيم بلا دليل من الوحى وهذا لن ندخل فى الكلام عنه لمخالفته عنوان الكتاب وكان يمكن له بيان تلك العقيدة من خلال مناقشة أقوال القوم
وفى مقدمته تحدث عن ضلال البشرية ومن ثم ضلال الفلاسفة الذين أضلوا البشرية فقال :
"تنكبت البشرية طريق الهداية ووقعت في الغواية واستشرى فيها الفساد في نواحي كثيرة من مناحي حياتها، وكان من أكثر انحرافاتها خطرا وأعظمها جرما انحرافهم في الله عز وجل، فقد ضل البشر عن ربهم ضلالا بعيدا وجهلوه جهلا شديدا أورثهم كثيرا من الضلالات والانحرافات.
وكان من أعظم مصادر ضلال البشر اعتمادهم على نظرهم القاصر وقياسهم الغائب على الشاهد، وقولهم على الله عز وجل بلا علم.
وكان من حاملي لواء الضلالة في العالم الفلاسفة وروادهم في ذلك الضلال المتقدمون منهم وهم فلاسفة اليونان، الذين برزوا على الناس بدعوى النظر العقلي، والتدقيق في الأمور، والمسائل المتعلقة بالإنسان، ثم لم يكتفوا بذلك، حتى جادلوا في الله عز وجل بغير علم، ولم يكن ظاهرا أمام أعينهم إلا الإنسان والمخلوقات المحيطة بهم، فقاسوا ما غاب عنهم على ما يشاهدونه، فكان ذلك من أعظم أخطائهم وغلطاتهم، ثم ما لم تسعفهم به عقولهم ونظرهم استلفوه واستلهموه من عقائد مجتمعهم، وما تربوا عليه في الأصل من الوثنيات والضلالات، فنتج عن ذلك كله مقولات في الله تبارك وتعالى هي من أفسد المقالات وأقبحها، وأكثرها بعدا عن العقل السليم، إلا أنها مع ذلك راجت على كثير من بني البشر لما لبست ثوب العلم والنظر العقلي."
وتحدث عن منهجه فى نقد أقوال الفلاسفة مرجعا كل أقوال الفرق التى خالفت عقيدته إلى الفلسفة فقال :
"وفي هذه الدراسة سنذكر قول الفلاسفة في التوحيد، ونبين بطلانه بما يفتح الله عز وجل به من أوجه بطلان تلك المقالات، وإن كان يغني عن بيان بطلان الباطل سماعه، وذلك لأن مقالة الفلاسفة هي الأصل لسائر أقوال أهل التعطيل من الجهمية والمعتزلة وغيرهم."
وتحدث فى الجزء الأساسى من الكتاب عن أقوال الفلاسفة وقد ذكر أنه يعنى بهم فلاسفة اليونان فقال :
"قول الفلاسفة في التوحيد
يقف على الضد من قول السلف في التوحيد قول الفلاسفة، ونعني بهم: فلاسفة اليونان الوثنيين.
وذلك لأن مصدر العقيدة في كل منهما مختلف، فمصدر العقيدة لدى السلف الوحي أما العقل فهو تابع للوحي وخاضع له."

ونعى الرجل على الفلاسفة احتكامهم للعقل والحقيقة أن الفلاسفة لا يتبعون العقل فى أخطائهم وإنما أهواء أنفسهم ومن ثم كلامه عن اتباعهم للعقل وهو :
"أما الفلاسفة فلا يعرفون إلا العقل المجرد من نور الوحي، وهو عقل ملوث بالبيئات الوثنية التي كانوا يعيشون فيها، فلهذا كان قولهم في التوحيد مناقضا لقول السلف وبعيدا عنه كل البعد، بل بعيد عن العقل السليم الصحيح في أكثر مقدماته ونتائجه"
والملاحظ أنه عاد فأنكر اتباعهم للعقل السليم بجملة " بل بعيد عن العقل السليم الصحيح في أكثر مقدماته ونتائجه"
وتحدث عن تاثيرهم فى الكثير من الناس فقال :
"ومع ذلك فقد أثر في أمم كثيرة من بني آدم، وممن تأثر به كثير من المسلمين، والمنتسبين للإسلام، فمنهم من تبنى قولهم وأخذ به والتزمه، ومنهم من تأثر به تأثرا كبيرا في كثير من مناهجه العلمية ووسائله للمعرفة، فأثر بالتالي على النتائج التي توصلوا إليها خاصة فيما يتعلق بمعرفة الله تبارك وتعالى وتوحيده."
والحقيقة أن من تأثروا بالفلاسفة ليس أكثر الناس فالعامة فى كل العصور لا يدرون عن أقوال الفلسفة شىء وإنما التأثير كان على بعض دراسى الفلسفة فقط دون غيرهم وإنما هذا التأثير محدود إلا إذا اتبعه حاكم ما فى بقعة من الأرض
وبين أنه سيناقش أقوال المؤمنين بوجود الله والمنكرين لوجوده فقال :
"ولهذا سنذكر في هذه الدراسة قول فلاسفة اليونان عموما الذين أثبتوا وجود الله عز وجل، وكذلك قول من أنكر وجوده تبارك وتعالى لأن كلا القولين كان له أثر في المسلمين أو في المنتسبين للإسلام، وسنبين بطلان كل مقالة عند ذكرها."

وعرف الرجل الفلسفة فقال :
"وقبل أن نبدأ بذلك نذكر تعريفا مختصرا للفلسفة والفلاسفة.
أما الفلسفة: فعرفها أرسطو بأنها: البحث عن علل الأشياء ومبادئها الأولى أو هي العلم الذي يبحث في الوجود من حيث هو وجود..

وعرفها ابن رشد بأنها: النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع .
وهذان التعريفان خاصان بما نحن بصدده من كلامهم في الله عز وجل لارتباطهما به.
أما الفلاسفة: فهم الذين نظروا في طبائع الأشياء بفكرهم لمعرفة عللها الخفية وراء ظواهرها.
لذا نجد أن الفلاسفة لم يقتصروا على النظر والتفكر فيما هو ظاهر أمام أعينهم من المخلوقات، وإنما راحوا يبحثون فيما وراء ذلك وهو الخالق جل وعلا ويسمون ذلك ما وراء الطبيعة أو الإلهيات."

وهذا التعريف لا يفيد فى كثير أو قليل لأن من اخترعوا تلك الأقوال أرادوا معاداة دين الله فالفلسفة وهى فى نهاية كل معانى اللفظ اليونانى تعنى الحكمة والحكمة هى الوحى الإلهى كما قال تعالى :
"ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة"
وقال :
"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة"
وتحدث مرة أخرى عن احتكام القوم إلى العقل وكما سبق القول من اخترعوا تلك الأقوال أيا كانوا لا يمتون للعقل باآ صلة وإنما اهوى النفس وهو الشهوات فقال :
"وقبل أن نذكر قول الفلاسفة في التوحيد نشير إلى أن الفلاسفة ولجوا في هذا العلم بعقولهم المحدودة، ونظرهم القاصر، وقد أدركوا أن كلامهم إنما هو في أمر لا سبيل إلى التحقق منه بالعقول المجردة وإنما هي محاولات لن يصلوا منها إلى نتيجة حاسمة أبدا، فتبقى هكذا محاولات ومقدمات بلا نتائج لهذا قالوا: "إن عالم ما بعد الطبيعة عالم درج في غير عشه ببحثه عن شيء فوق الحقائق فإذا هو شاعر".
ومرادهم بقولهم: (فإذا هو شاعر) أي: أن الفيلسوف يعبر عن خيالاته وأحاسيس نفسه بالعبارات المنمقة التي لا تعتمد على عرض الحقائق على ما هي عليه."

وتحدث الرجل عن أهمية الفلسفة من خلال كلام فيلسوف حديث فقال :
"وقال رسل: " إن قيمة الفلسفة ليست فيما تقدمه من حلول نهائية للمسائل التي تطرحها، إذ ليس من الضروري أن تكون هناك دائما إجابات نهائية صحيحة، وإنما قيمة الفلسفة في مناقشاتها المفتوحة والفرصة التي تتيحها لتوسيع أفق تصورنا، ولإثراء خيالنا العقلي، ولتقليل التوكيد الجزمي، الذي يغلق كل سبيل أمام التنامي العقلي ".
هذا الكلام تعبير دقيق عن فائدة الفلسفة ـ إذا كان هناك فائدة ـ وغايتها، وهذه الفائدة تتلخص في أنها تورد الإشكالات ولا تحلها، وتجعل المجال فيما يناقشه الفلاسفة مفتوحا لسائر الآراء والتصورات، مما يمنع الجزم واليقين بالأمر، وهذا لا شك مما يدل على عدم صلاحها، وعدم صحة الاعتماد عليها في مسائل العقيدة التي يطلب فيها الجزم واليقين.
كما أنها لا تصلح بديلا ألبتة للتعاليم الدينية في جميع النواحي التعبدية والأخلاقية والعلمية، لأن مصدر العلوم الدينية والأوامر الشرعية من لدن حكيم خبير، أما الفلسفة فإنها تعتمد على نظر عقلي بشري من أهم خصائصه الواضحة النقص وقلة العلم، وتأثير البيئات المحيطة بطريقة التفكير."

قطعا الفلسفة القديمة والحديثة لا تقدم حلولا ناجعة لمن يفكر من الناس فى المسائل العليا التى يسمونها العقيدة
وتحدث عن انقسام الفلاسفة الذين سماهم الوثنيين لمنكرين لوجود الله ومثبتين له فقال :
"ونشير هنا إلى أن الفلاسفة الوثنيين على قولين في الله تعالى من ناحية وجوده،فمنهم من أنكر وجود الله تعالى جملة وتفصيلا، فهؤلاء ملاحدتهم، ومنهم من أثبت لله تعالى وجودا، وهم من يسمون المؤلهة. وسنورد قولهم في المبحثين التاليين:
"قول ملاحدة الفلاسفة:
الفلاسفة اليونان الوثنيون الذين كانوا قبل المسيح (ص) بأكثر من ستمائة عام قد بحثوا في أصل العالم ومصدر وجوده، فمنهم من أثبت وجودا لموجود أعلى يعزى إليه علة وجود العالم، ومنهم من أنكر ذلك، وزعم أن وجود العالم أزلي، ولم يعزه إلى موجد أوجده، وهؤلاء هم الملاحدة المنكرون لوجود الله تبارك وتعالى، وهم على قولين في أصل العالم ومصدره:
القول الأول: القائلون بأن أصل العالم مادي:

أصحاب هذا القول زعموا أن أصل هذا العالم نوع أو أنواع من المادة، وأنكروا أن يكون ثم خالق، وإنما المادة هي أصل العالم.
وهي عند متقدميهم أصحاب المدرسة الأيونية إما الماء، وهو قول طاليس أو عنصران هما الهواء والماء، أو اللامحدود، كما هو قول انكسمندريس، أو الهواء كما هو قول انكسمانس.

أما متأخروهم: فزعموا أن أصل العالم: الجواهر الفردة أو الذرات التي لا نهاية لعددها وحدها وهي غير قابلة للتغير والفساد. وهذا هو قول انكساغوراس وديمقريطس وهيرقليطس وأبيقور.
فكل هؤلاء زعموا أن الكون تكون من مادة أزلية أبدية، وهذه المادة كانت دائمة الحركة، وبسبب حركتها الدائمة اصطدم بعضها ببعض فأنتجت من خلال هذا التصادم الوجود."

وبعد أن ذكر أقوال المنكرين الذين يسمونهم حاليا الملحدين ناقشه لبيان بطلانه فقال:
"بيان بطلان قول القائلين بأن أصل العالم مادي:
هذا القول ظاهر منه إنكار ربوبية الله عز وجل وألوهيته بل ظاهر منه إنكار وجوده عز وجل وأدلة بطلانه من وجوه:
أولا: إن اختلافهم وتفاوت أقوالهم في أصل الكون ومبدأ الوجود دليل على بطلان دعاويهم إذ أن التفاوت بين الماء والهواء أو اللامحدود أي الذرات الكثيرة التي لا نهاية لعددها وحدها لا يمكن الخروج منه بقول واحد، فلا بد من أن يتفقوا على شيء واحد لتثبت لهم النتيجة في أصل الكون.
ثانيا: إن هذه دعاوى تخمينية ليست قائمة على أي مبدأ علمي سليم فهم لم يرو من الوجود إلا ما يحيط بهم من الأرض وأنفسهم، فكيف زعموا أن الكون مكون مما ذكروا، مع أن ما لا يرونه وما لا يبصرونه من الكون أوسع وأعظم بملايين المرات مما رأوه، بل ما رأوه لا يعد شيئا في مقابل ما لم يروه من الكون.
ثالثا: أن المادة التي زعموا ميتة لا يمكن أن تصدر عنها الحياة، ومن المعلوم أن الكائنات المرئية على قسمين: كائنات حية، وكائنات ميتة جامدة، والمادة من ضمن الكائنات الميتة التي لا يمكن أن تصدر عنها الحياة، فمن أين جاءت الحياة؟؟

رابعا: أن المادة التي زعموا غير عاقلة ولا مدركة لما حولها، إضافة إلى موتها فكيف يمكن أن يوجد منها ما هو عاقل ومدرك؟؟
خامسا: أن المادة غير قادرة وليس لها إرادة، فكيف يمكن أن توجد ما هو قادر مريد، ففاقد الشيء لا يعطيه؟؟
سادسا: أن هذه الدعوى باطلة ببديهة العقول من ناحيتين:
- أن المادة التي زعموا أنها أزلية لا يمكن أن تكون وجدت من لا شيء فهذا مستحيل، فلا بد لها من موجد أوجدها، وإلا تكون وجدت من لا شيء وهذا مستحيل معلوم بطلانه ببداهة العقول.
- أن هذا الكون المنظم من أصغر ذرة فيه إلى أكبر جرم فيه لا بد أن يكون موجده أعظم منه وأكبر، وله صفات الكمال لأنه لا يمكن أن يوجد بهذا التنظيم وهذا الضبط بفعل حركة غير عاقلة، فإن الحركة التي لا يضبطها منظم لها لا يمكن أن يوجد منها شيء ذو معنى، كما لو وضعت حروف الهجاء في بطاقات ثم وضعتها في علبة وحركتها مئات بل ألوف الحركات فإنها لا يمكن بحال حين توقف الحركة أن تخرج لك منظومة شعرية ولا حكمة نثرية ولا خطبة ولا حتى جملة مفيدة، بل لا يخرج إلا تشويش وكلمات ليس لها معنى، هذا شيء ظاهر في أمر يسير، فما بالك بهذا الكون البديع والخلق العجيب، لا شك أن في كل ذلك دليلا واضحا على بطلان دعاوى أولئك الضلال ومن أخذ بأقوالهم، وهم في الحقيقة يكذبون على أنفسهم وإلا فوجوب وجود الخالق تبارك وتعالى من أوضح الواضحات.
وقد أقام الله عز وجل الحجة في ذلك بآية مكونة من كلمات معدودة وذلك قوله عز وجل {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون} الطور (5-6) .
فإن كونهم خلقوا من غير شيئ مردود بداهة، وأوضح منه في البطلان أن يكونوا هم الخالقين، وأظهر منه بطلانا أن يكونوا خلقوا السماوات والأرض، فإذا كان الإنسان وهو أقدر المخلوقات على الأرض، وأكرمها بما أعطاه الله من قدرة وإرادة وعقل وسمع وبصر وما إلى ذلك من الصفات والخلق العجيب، لم يخلق من غير شيء فإن تركيبه دال على حاجته إلى صانع، وهو كذلك لم يخلق نفسه لأنه خرج من بطن أمه لا يعلم شيئا، بل أخرج من بطن أمه رغما عنه فكيف يكون خلق نفسه؟؟
وهو كذلك لم يخلق السماوات والأرض فلم يبق إلا أن يكون هناك خالقا أوجد ذلك كله، وهذا الخالق لا بد أن يكون له من صفات الكمال والجلال ما يمكن أن يتأتى منه إيجاد هذا الكون، وهذا بديهة من البدهيات، فإن من رأى طائرة أو حاسبا آليا أو غير ذلك من المصنوعات الحديثة العجيبة فإنه يستدل بها على عظمة صانعها وأن لديه إمكانيات مالية وآلات ومواد دقيقة، وقدرات متعددة، فكذلك ولله المثل الأعلى هذا الكون دليل على كمال وعظمة وجلال موجده وخالقه."

وبعد بيان الأدلة على بطلان إنكار وجود الله تحدث عن أن هؤلاء المنكرة قلة من الفلاسفة فقال :
وهذا القول أعني: إنكار الخالق، ليس عليه إلا شرذمة قليلة من الفلاسفة الدهريين، وليس له أي صدى لدى المسلمين، بل إن جل بني آدم يستنكرونه ويردونه، فإن جميع أصحاب الأديان على خلافه، وحتى الدول الشيوعية الملحدة في هذه الأزمان إنما ملاحدتها هم الساسة ومن دار في فلك أحزابهم. أما الشعوب التي تحت حكمهم فهم ما بين نصارى ويهود ومسلمين يقرون بالخالق ويدينون له بدين."
ثم تحدث عن الفلاسفة الذين أقروا بوجود الله وأنه هو والعالم واحد وهو المذهب المعروف باسم وحدة الوجود فقال :
"القول الثاني: الوجوديون:
الوجوديون هم القائلون بوحدة الوجود، وأساس مذهبهم يقوم على قول القائلين من الملاحدة: إن أصل هذا العالم هو المادة ولا يوجد فيه إلا ما هو جسم، فركب عليه القائلون بوحدة الوجود: إن هذا العالم تشيع فيه قوة حية هذه القوة الحية هي الله تعالى عن قولهم وأنه منبث في هذا الكون في كل ذرة من ذراته وهو القوة المصرفة له.
وأول من ثبت عنه هذا القول برمنيدس ثم قال بهذا الرواقيون وعلى رأسهم زعيمهم زينون وميلوس، ثم من أخذ بهذا من الرومان واليهود والنصارى مثل سبينوزا اليهودي."

ثم تحدث عن أدلة بطلان مذهبهم فقال :
"بيان بطلان قول الوجوديين من الفلاسفة:
قول الوجوديين من جنس قول الملاحدة السابق في عدم إثبات وجود لله عز وجل وجودا متميزا به عن سائر المخلوقات، إلا أن من يسمون بالملاحدة أنكروا وجوده جملة وتفصيلا، أما هؤلاء فقد زعموا أن وجود هذا الكون هو وجوده وهو ذاته تعالى الله عن قولهم، وهو قول لا نصيب له من الحق والهدى، وأوجه بطلانه هي أوجه بطلان الذي قبله. ويزاد عليها أيضا:
- أن هذا فيه طعن في الله عز وجل وسب له هو من أقبح الطعن والسب له سبحانه حيث زعموا أنه تعالى عن قولهم هو هذه الموجودات بما فيها من طيب وخبيث وخير وشر، وجعلوه تعالى عن قولهم الناكح والمنكوح، والآكل والمأكول، والشارب والمشروب إلى غير ذلك من المعاني والأحوال المتضادة والمتناقضة، وقد عاب الله عز وجل من زعم أن الله هو المسيح بن مريم وكفره قال عز وجل: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} المائدة (7) .
كما عاب تبارك وتعالى من ادعى له الولد، وجعل هذا القول من أقبح القول وأفسده، واعتبره سبحانه سبا شنيعا له، ولم يكن لابن آدم أن يسب الله تبارك وتعالى أو ينتقصه قال عز وجل {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا} مريم (88-9) .

فإذا كان ادعاء أن الله هو المسيح، وادعاء الولد له بهذه الشناعة والقباحة والاعتداء والظلم فلا شك أن ادعاء أن الله هو هذا الكون بكل ما فيه من طيب وخبيث أشد ظلما وبغيا وقباحة، ولا يعدو أن يكون قول سفيه أملاه عليه الشيطان وصور له هذه المقولة والدعوى وزينها له حتى نطق بذلك الإفك المبين.
- إن هذا القول يلزم منه أن الله تبارك وتعالى يزيد بزيادة المخلوقات كما يلزم منه في نفس الوقت أنه ينقص ويفنى بنقص المخلوقات وفنائها.
- يلزم من هذا القول أن الله تبارك وتعالى يموت ويحرق ويغرق ويتألم ويتأذى ويهان سبحانه وتعالى ويصيبه كل ما يصيب المخلوقات عزيزها وذليلها.
- أن هذا يلزم منه أن يكون المخلوق خالقا لنفسه موجدا لها، وهذا شيء يعلم كل إنسان من نفسه بطلانه، فهو كما سبق أن ذكرنا خرج من بطن أمه لا يعلم شيئا، بل إنه خلق وأوجد بغير إرادة منه واختيار، وإذا كان هذا حال الإنسان وهو ذو الإرادة والقدرة والقوة فغيره من المخلوقات من باب أولى.
- أن هذا القول يلزم منه أن كل مخلوق صغير أو كبير، حقير أو جليل إله ورب، وجميع العقلاء يدركون بطلان ذلك من أنفسهم ببداهة العقول، إلا أن يكون من سفهاء بني آدم وطغاتهم مثل فرعون وأضرابه، ولا شك أن تصور هذا القول دال على بطلانه ومغن عن الرد عليه."

وتحدث عن أقوال من أثبتوا وجود الله وأنه خارج الكون فقال :
"قول المؤلهة :
المؤلهة من الفلاسفة هم: الذين يقولون بوجود موجود أعلى يسمونه الإله، وهم كثير من الفلاسفة المتقدمين والمتأخرين، إلا أنهم يختلفون في تصوراتهم وعباراتهم عن الإله بالنسبة لصفاته وأفعاله."