البرد فى الإسلام
كلمة البرد لها معانى متعددة فمن معانيها انخفاض درجة الحرارة ومنها مقياس للمسافات بين البلدات والأماكن ومنها ألبسة معينة ومنها القتل
وفى الفقه تحدث الفقهاء عن أمرين فى الإبراد وهو :
تأخير الظهر إلى وقت البرد ويبدأ الإبراد بالظهر بانكسار حدة الحر وبحصول فيء (ظل) يمشي فيه المصلي وفي مقداره اختلاف بين الفقهاء
وقد يكون المراد إمهال الذبيحة حتى تبرد قبل سلخها
وكلمة البرد ومشتقاتها لم ترد فى المصحف إلا نادرا وقد وردت فى الآيات التالية:
البرد على إبراهيم(ص):
قال تعالى :
"قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يا نار كونى بردا وسلاما على إبراهيم "
هنا بين الله لنا أن القوم طلبوا من بعضهم التالى فقالوا :حرقوه أى ضعوا إبراهيم (ص)فى النار الموقدة وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين والمراد وخذوا حق أربابكم إن كنتم منتقمين منه ،وبالفعل صنعوا له محرقة ورموه فيها فقال الله لها :يا نار كونى بردا وسلاما على إبراهيم (ص)والمراد يا لهب أصبح نفعا أى خيرا لإبراهيم (ص)وهذا يعنى معجزة فالنار المضرة للجسم تحولت لشىء نافع للجسم .
ذوق البرد فى الأخرة :
قال تعالى :
"إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أعقابا لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا جزاء وفاقا "
هنا بين الله أن جهنم وهى النار كانت مرصادا أى موعدا مصداق لقوله بسورة الحجر"وإن جهنم لموعدهم أجمعين"وهى للطاغين مآبا والمراد للفاسقين مأوى مصداق لقوله بسورة السجدة"وأما الذين فسقوا فمأواهم النار"وهم لابثين فيها أحقابا أى ماكثين فيها أزمنة متعاقبة والمراد مقيمين فيها دوما وهم لا يذوقون فيها بردا والمراد لا يشربون فيها عصيرا أى شرابا أى ماء إلا حميما أى غساقا وهو سائل محرق مصداق لقوله بسورة الأنعام"لهم شراب من حميم "وهذا جزاء وفاقا أى عقابا عادلا
نزول البرد :
قال تعالى :
"ألم تر أن الله يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار "
هنا سأل الله نبيه (ص) ألم تر أى تعرف أن الله يزجى سحابا أى يدفع بخارا ثم يؤلف أى يوحد بينه ثم يجعله ركاما أى طبقات فترى الودق يخرج من خلاله أى فتشهد المطر ينزل من خرومه وينزل من السماء أى ويسقط من السحاب من جبال أى مرتفعات فيها من برد أى ثلج فيصيب به من يشاء أى فينزله على من يريد ويصرفه عن من يريد والمراد ويبعده عن من يحب ويكاد سنا برقه يذهب بالأبصار أى يريد ضوء ناره أن يخطف نور العيون والغرض من السؤال هو إخبار النبى (ص)بالتالى أن الله يكون السحاب وينهيه فى المراحل التالية :إزجاء السحاب وهو دفع بخار الماء لأعالى الجو ،التأليف أى التوحيد بين ذرات البخار ،الركام وهو ضم الذرات المتوحدة بعضها إلى بعض ،بعد ذلك الودق يخرج من خلال السحاب والمراد تنزل قطرات الماء من خروم مصفاة السحاب وفى حالة أخرى يصبح السحاب جبال أى مرتفعات عظيمة العلو والحجم فينزل الله منها البرد وهو الثلج الصغير وهذا المطر والبرد يصيب الله به من يشاء أى ينزله على من يريد من الخلق ويصرفه عن من يشاء أى ويمنعه عن من يريد من الخلق ،وسنا برق السحاب وهو ضوء نار السحاب يفعل التالى يكاد يذهب بالأبصار أى يهم يخطف العيون أى يريد إزالة قدرة العيون على الإبصار
وقد وردت مشتقات الكلمة فى أحاديث متعددة منها :
346 - حدثنا عمر بن حفص قال حدثنا أبي قال حدثنا الأعمش قال سمعت شقيق بن سلمة قال كنت عند عبد الله وأبي موسى فقال له أبو موسى أرأيت يا أبا عبد الرحمن إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع فقال عبد الله لا يصلي حتى يجد الماء فقال أبو موسى فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم كان يكفيك قال ألم تر عمر لم يقنع بذلك فقال أبو موسى فدعنا من قول عمار كيف تصنع بهذه الآية فما درى عبد الله ما يقول فقال إنا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم فقلت لشقيق فإنما كره عبد الله لهذا قال نعم رواه البخارى
والحديث لا ينطق به مؤمن من الصحابة لأنه يفرض على المسلمين الوضوء بالماء البارد حتى لو كان يمرضهم ويتسبب فى آلام لهم وقد أزال الله عنا الحرج وهو الأذى فأباح لنا تسخين الماء البارد للوضوء والاستحمام به فقال :
" وما جعل عليكم فى الدين من حرج "
والحديث التالى :
666 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ثم قال ألا صلوا في الرحال ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول ألا صلوا في الرحال"رواه البخارى
يحرم على المسلمين الخروج من بيوتهم للمساجد العامة فى الشتاء حيث البرد والمطر فقط بينما الحرمة تكون فى كل مطر لأن المطر يتسبب فى أذى الناس من حيث الوقوع وتكسر العظام أو الاصابة بألم من الوقوع على الأرض وكذلك من حيث توسخ الملابس ولذا قال تعالى:
" وما جعل عليكم فى الدين من حرج"
وقد منع الله على المجاهدين فى المطر حمل السلاح مع أخذ الحذر فى الصلاة فقال :
"ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم"
والحديث التالى يبيح تبريد اللبن قبل شربه فيقول :
2439- حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا النضر أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق قال أخبرني البراء عن أبي بكر رضي الله عنهما ح وحدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء عن أبي بكر رضي الله عنهما قال انطلقت فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه فقلت لمن (ممن) أنت قال لرجل من قريش فسماه فعرفته فقلت هل في غنمك من لبن فقال نعم فقلت هل أنت حالب لي قال نعم فأمرته فاعتقل شاة من غنمه ثم أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار ثم أمرته أن ينفض كفيه فقال هكذا ضرب إحدى كفيه بالأخرى فحلب كثبة من لبن وقد جعلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة على فمها (على فيها) خرقة فصببت على اللبن حتى برد أسفله فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت" رواه البخارى
هنا اخذ اللبن بدون إذن صاحب الغنم وهو ما يناقض أن هذا يتعارض مع أخلاق المسلمين وإن كان عند ضرورة الجوع أو العطش مباح
وهناك أحاديث تخبرنا بوجود ألبسة تسمى البرد أو البرود كما فى الحديث التالى :
3149 - حدثنا يحيى بن بكير حدثنا مالك عن إسحاق بن عبد الله عن أنس بن مالك
رضي الله عنه قال كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته ثم قال مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء رواه البخارى
وفى حديث أخر نجد ذكر البرود وهى الملابس الحريرية فى الحديث الذى قال :
5842 - حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أنه رأى على أم كلثوم عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم برد حرير سيراء رواه البخارى
وفى حديث أخر نجد برد الأقدام وهو :
3705 - حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن الحكم سمعت ابن أبي ليلى قال حدثنا علي أن فاطمة عليها السلام شكت ما تلقى من أثر الرحا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي (فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بسبي) فانطلقت فلم تجده فوجدت عائشة فأخبرتها فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت لأقوم فقال على مكانكما فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري وقال ألا أعلمكما خيرا مما سألتماني إذا أخذتما مضاجعكما تكبرا (فكبرا) أربعا وثلاثين وتسبحا (وسبحا) ثلاثا وثلاثين وتحمدا (واحمدا) ثلاثا وثلاثين فهو خير لكما من خادم رواه البخارى
والحديث لا يمكن وقوعه حيث وجد على برد قدمى النبى(ص) على صدره مع أنه قعد بينه وبين فاطمة ومن ثم سيكون جهته قدم واحدة وقدم تجاه فاطمة
ونجد فيه تحليل السبى وهو ما يخالف أن لا سبى فى الإسلام لأنه سوء تعذيب ومصيبة عظيمة كما قال تعالى :
"وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم"
كما يتناقض مع وجوب اطلاق سراح الأسرى بمقابل وبدون مقابل كما تعالى :
"فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها"
ونجد البرد هنا بمعنى القتل فى الحديث التالى :
3962 - حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا سليمان التيمي أن أنسا حدثهم قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ح وحدثني عمرو بن خالد حدثنا زهير عن سليمان التيمي عن أنس رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من ينظر ما صنع أبو جهل فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد قال آأنت (أأنت) أبا (أبو) جهل قال فأخذ بلحيته قال وهل فوق رجل قتلتموه أو رجل قتله قومه قال أحمد بن يونس أنت أبو جهل رواه البخارى
والحديث لا يصح لأن ابن مسعود المكى الذى عاش عقود عدة فى مكة لا يعرف أبو جهل وهو واحد من أكبر المعادين للمسلمين وكان يعذبهم
وفى حديث نجد ان سبب برد الدنيا وحرها من نفس جهنم وهو
1348- [187-...] وحدثنا حرملة بن يحيى ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرنا حيوة ، قال : حدثني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : قالت النار : رب أكل بعضي بعضا ، فأذن لي أتنفس ، فأذن لها بنفسين ، نفس في الشتاء ، ونفس في الصيف ، فما وجدتم من برد ، أو زمهرير فمن نفس جهنم ، وما وجدتم من حر ، أو حرور فمن نفس جهنم.رواه مسلم
والخطأ وجود زمهرير فى النار فالله لم يذكر وجود برد وصقيع فى النار والنار من اسمها تعنى الحر كما أن الله قال بسورة التوبة "قل نار جهنم أشد حرا "فجهنم هى حر فى حر تصديقا لذلك
والخطأ الأخر أن برد وحر الدنيا من جهنم بينما جهنم الموعودة حاليا فى السماء كما قال تعالى :
" وفى السماء رزقكم وما توعدون "
كما أن جهنم اشد حرا من الأرض كما قال تعالى : "قل نار جهنم أشد حرا "
فلو كانت منها الحرارة أو البرد لكانوا أشد ولكنها أقل
والموضوع الذى تحدث عنه الفقهاء فى الإبراد هو :
الإبراد بصلاة الظهر كما فى الأحاديث التالية:
4326- حدثنا عمر بن حفص قال حدثنا أبي قال حدثنا الأعمش حدثنا أبو صالح عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم * تابعه سفيان ويحيى وأبو عوانة عن الأعمش رواه البخارى
3258 - حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن مهاجر أبي الحسن قال سمعت زيد بن وهب يقول سمعت أبا ذر رضي الله عنه يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال أبرد ثم قال أبرد حتى فاء الفيء يعني للتلول ثم قال أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم رواه البخارى
والحديثين لا يصحان فشدة حر الأرض ليست من جهنم لأن حر جهنم أشد كما قال تعالى :
قل نار جهنم أشد حرا"
والمقصود تأخير الصلاة حتى يأتى الظل على الأرض التى يصلون عليها فيخفف من شدة الحر
قطعا الحديث اتهام للنبى (ص) والصحابة بأنهم لا يفهمون لأنهم من الممكن أن يعملوا سقف للمكان ومن ثم يمنع الحرارة عن أرضية المسجد أو يصلوا فى مكان مسقوف أو فى بيت وكل بيت له سقف
وفى حديث أخر نجد الحديث عن الغسل فى أرض البرد وهو :
668- [56-328] وحدثنا يحيى بن يحيى ، وإسماعيل بن سالم قالا : أخبرنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن أبي سفيان ، عن جابر بن عبد الله ، أن وفد ثقيف سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن أرضنا أرض باردة فكيف بالغسل ؟ فقال : أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثا.
قال ابن سالم : في روايته حدثنا هشيم ، أخبرنا أبو بشر وقال : إن وفد ثقيف قالوا : يا رسول الله. رواه مسلم
والحديث لا يمكن أن يقوله النبى(ص) وهو الاغتسال بالماء البارد الذى يمرض الناس بدلا من القول بتسخين المياه لتكون مقبول الغسل بها وهو ما يناقض منع الله الحرج عن المسلمين كما قال تعالى :
" وما جعل عليكم فى الدين من حرج"
والأغرب هو أنها أرض ثقيف والحالية لا يمكن أن تكون أرض باردة وإنما تتواجد الطائف وهى مساكن ثقيف فى منطقة حارة
ونجد أن الريح الباردة هى التتقبض نفوس الناس فى الحديث التالى :
7491- [116-2940] حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، عن النعمان بن سالم ، قال : سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي ، يقول : سمعت عبد الله بن عمرو ، وجاءه رجل ، فقال : ما هذا الحديث الذي تحدث به ؟ تقول : إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا ، فقال : سبحان الله ، أو لا إله إلا الله ، أو كلمة نحوهما ، لقد هممت أن لا أحدث أحدا شيئا أبدا ، إنما قلت : إنكم سترون بعد قليل أمرا عظيما ، يحرق البيت ، ويكون ويكون ، ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين ، لا أدري : أربعين يوما ، أو أربعين شهرا ، أو أربعين عاما ، فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود ، فيطلبه فيهلكه ، ثم يمكث الناس سبع سنين ، ليس بين اثنين عداوة ، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشأم ، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير ، أو إيمان إلا قبضته ، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه ، حتى تقبضه قال : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم"
وهو حديث لا يمكن أن يقوله الرسول(ص) لأن من يقبض النفوس وهى الأرواح هو ملك الموت كما قال تعالى :
" قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم "
وأما تبريد البهيمة المذبوحة قبل سلخها فأمر معروف لدى الجزارين حيث يتركونها فترة قبل سلخها