المغرب يحتاج الى حزب ذو المرجعية الامازيغية اليوم لماذا ؟

مهدي مالك في السبت ٢١ - ديسمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 المغرب يحتاج الى حزب ذو المرجعية الامازيغية اليوم لماذا ؟

مقدمة متواضعة                           

ان مغرب اليوم قد وصل الى هذا المستوى المتواضع من الديمقراطية و من حرية التعبير و الراي بفضل الإرادة الملكية الواعية بأهمية الانتقال السليم نحو الديمقراطية و الدولة المدنية عاجلا ام اجلا لان لا يمكن تحقيق هذه الامال و هذه التطلعات في ظرف 25 سنة من العهد المحمدي الزاهر بالمشاريع و المبادرات لم تكن تدور في خلد أجيال الستينات و السبعينات و الثمانينات و التسعينات الخ من نشطاء الحركات الحقوقية و النسائية و الامازيغية و حتى الإسلامية اذا جاز لنا تسميتها بهذا الاسم مع كامل احترامي للدكتور سعد الدين العثماني..

لقد قلت في مقال لي بمناسبة عيد العرش الأخير ان هذه المناسبة العظيمة في وجداننا الوطني تعتبر فرصة لتجديد الولاء و الإخلاص لملكنا الحبيب و لمسيرته الإصلاحية و التنموية طيلة 25 سنة من الزمان حيث ان مغرب سنة 1999 ليس بمغرب اليوم رغم كل شيء و رغم من وجود المشاكل الكثيرة و الطبيعية بحكم ان السلطة ابان الاستقلال الى سنة 1999 قد تركت ارثا ثقيلا من المشاكل و الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان المختلفة و غزو الأيديولوجيات الأجنبية منذ سنة 1930 من المشرق العربي على الخصوص و من الغرب المسيحي من قبيل الاشتراكية و الشيوعية الخ بمعنى ان هذا الإرث الثقيل لا يمكن تصفيته في ظرف 30 سنة لان من الصعب تغيير العقليات و الذهنيات الجامدة في كل القطاعات الحيوية ذات الارتباط الوثيق بالدين و بتاريخ هذا البلد الكريم و السياسة لان هذه الأشياء قد اساء توظيفها منذ حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956 لصالح الأحادية في كل شيء بغية انخراط المغرب في منظومة المشرق العربي السياسية ذات الصلة بالقومية العربية في اول الامر مع موجة أحزاب البعث و الناصرية ثم ذات الصلة بالإسلام السياسي الذي ادخل الى المغرب مفاهيم متطرفة للدين الإسلامي و مخالفة بشكل كلي مع طبيعة اسلام اجدادنا المساير للعصر و انظمته الناظمة للسياسة و الدين معا حيث يكفي الإشارة هنا ان اجدادنا الامازيغيين كانوا مثالا للاجتهاد الديني و السياسي انطلاقا من ما اسميه بالمرجعية الامازيغية الإسلامية  في مقالاتي أي يصعب تصفية هذا الميراث الثقيل بجرة القلم باعتباره عميق في بعض اطراف المخزن التقليدي التي تدبر الحقل الديني الرسمي او في اذهان أجيال متعاقبة من المغاربة منذ منتصف خمسينات القرن الماضي بحكم التعليم و التاطير الديني....

الى صلب الموضوع                                

يشرفني ان اتحدث هنا بصفتي عضو مؤسس لمجموعة الوفاء للبديل الامازيغي بالتشاور مع الأستاذ و المحامي الامازيغي المعروف بالدار البيضاء حميد بوهدا بصفته احد الأطر داخل هذه المجموعة الى جانب اطر اخرين مثل الأستاذ عبد الله بوشطارت و الأستاذ الحسين بوالزيت الخ.

ان هذه المجموعة قد تاسست في الصيف الماضي بهدف تأسيس حزب ذو المرجعية الامازيغية او المرجعية الامازيغية الإسلامية كما يسميها هذا العبد الضعيف لله أي انني اتحدث هنا بهذه الصفة .

ان المغرب يحتاج الى حزب ذو المرجعية الامازيغية الان لان المغرب منذ سنة 1956 قد اقبر الامازيغية بكل رموزها و ابعادها لصالح العروبة كجاهلية قائمة الذات ثم الإسلام كتاويل مخزني سلفي الذي اعتمدته ما يسمى بالحركة الوطنية سنة 1930 و هذا التاويل السلفي كان موجود في مدن المركز المحدودة حيث هناك تطبق الشريعة الإسلامية و حدودها المعروفة لكن هذا التاويل السلفي لم يكن موجود في مجموع القبائل الامازيغية المنتشرة على امتداد التراب الوطني حسب خرائط المغرب سنة 1912 أي احتساب الصحراء الشرقية أي ان هذه القبائل كانت تعترف بالسلطان كامير المؤمنين و تدعو له في صلاة الجمعة و في صلاة العيدين ..

لكنها بالمقابل كانت ترفض قوانين الشريعة الإسلامية الجامدة مع اغلب الامازيغيين هم مسلمون أي يقومون بفرائض الإسلام المعلومة لدى مسلمي العالم لكنهم اختاروا العقل قبل النقل أي احداث قوانين وضعية تحرم عقوبة الإعدام كمطلب دولي الان حيث في هذا السياق طالب المغرب في الأمم المتحدة بإلغاء عقوبة الإعدام بدون أي ادراك لتاريخ اجدادنا المدني و العلماني فلا نستغرب من هذا السلوك و سلوكيات أخرى بعد عقود طويلة من الأيديولوجيات الدخيلة سواء من المشرق العربي او الغرب المسيحي في التعليم و في الاعلام السمعي البصري......

قد قلت في مقالي بمناسبة الذكرى 49 لانطلاق المسيرة الخضراء

يبدو لي ان الوطنية المغربية قد اختزلت في الحركة الوطنية التي تاسست سنة 1930 في ظل سياق تاريخي اصبحنا نعرفه عز المعرفة حيث ان هذه الوطنية المزعومة قد الغت تاريخ مقاومة اجدادنا الأوائل أي الامازيغيين الطويل و العريض ضد الغزاة قبل اسلامهم و بعد اسلامهم الى سنة 1930 أي تم تهميش هذا التاريخ الطويل و العريض لصالح تضخيم تاريخ المشرق العربي على الخصوص و تاريخ الغرب المسيحي كذلك بعد الاستقلال الشكلي سنة 1956 حيث ان التلميذ المغربي وقتها يتعلم ان الفاتحين العرب قد حرروا اجدادنا الكرام من اغلال الجاهلية و الشرك الى مدارك الحضارة العربية الإسلامية الخ من هذه الأسس الخرافية للحركة الوطنية.

الدرس الأول هو ان مقاومة الاستعمار يعتبر فعل اصيل مارسه اسلافنا الامازيغيين طيلة تاريخهم الطويل و العريض  ضد الاستعمار مهما كان الى سنة 1975 تاريخ انطلاق المسيرة الخضراء المباركة بالامر السامي من جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله تعالى و قد يستغرب البعض من ترحمي على الحسن الثاني رغم سيئاته المعروفة لكن يبقى انسان خلقه الله و منحه حرية الاختيار الخ...

الدرس الثاني هو ان الاعتماد على ايديولوجيات المشرق العربي منذ سنة 1930 قد ساهم في احداث الكوارث العميقة في شخصيتنا المغربية الاصيلة و في احداث التقسيم في ترابنا الوطني و الحق في تقرير المصير حيث دخلت القومية العربية الى حياة المغاربة التعليمية و السياسية و الدينية بعد سنة 1956 ...

فكانت النتائج الأولى هي سرقة الصحراء الشرقية المغربية من طرف فرنسا بغية تسليمها على طبق من الذهب للنظام الجزائري و تأسيس جبهة البوليساريو الانفصالية سنة 1973 من طرف الشباب المغربي و المتعلم في الجامعات المغربية لكن تحت اطار القومية العربية و مناصرة شعوب الشرق الأوسط وقتها الخ........

الدرس الثالث لو انطلق النضال الامازيغي السياسي الحقيقي منذ سنة 1958 على اقل لكان المغرب في افضل حال من هو الحال اليوم على مختلف المستويات و الأصعدة حيث خسر المغرب عقود طويلة من الاعتماد على ايديولوجيات المشرق العربي من قبيل القومية العربية و من قبيل الإسلام السياسي..

 و في هذا الاطار يجدر بي التذكير ان الحزب الديمقراطي الامازيغي  المغربي و المؤسس سنة 2005 قد طالب بتطبيق الحكم الذاتي في المناطق المحافظة على امازيغيتها كما كان هو الحال قبل دخول الاستعمار الأجنبي الى المغرب بمعنى ان النضال الامازيغي السياسي قد انتج فكرة الحكم الذاتي ثم اعتمدها المخزن الموقر سنة 2007 في الأمم المتحدة كحل نهائي للنزاع حول الصحراء المغربية تحت السيادة المغربية من طبيعة الحال أي ان نجاح مخطط الحكم الذاتي المغربي يرجع الى اصالته التاريخية.

غير ان اليوم ظهر راي مخالف في احدى تيارات القومية العربية و بالضبط في حزب النهج الديمقراطي القانوني و المعارض للنظام بصريح العبارة لانني أتذكر في صيف سنة 2021 كان احد المواقع الإخبارية ينظم لقاءات مع الأحزاب السياسية كلها قبل الانتخابات الجماعية و التشريعية ليوم 8 شتنبر 2021 و آنذاك اكتشفت حزب النهج الديمقراطي و مواقفه الرافضة للنسق العام من قبيل المشاركة في الانتخابات الخ...

لم اكن اتخيل ان يوجد بيننا مواطن مغربي عاقل يشكك في وحدتنا الوطنية و الترابية كخط احمر و محل اجماع اغلب المغاربة حيث ان هذا الاجماع الوطني يختلف عن اجماع الفقهاء منذ 1200 سنة كما علق الأستاذ عصيد الذي اكن له الاحترام و التقدير و فهمت كلامه جيدا على أي حال ..

ان مناسبة هذا الكلام كله هو ما  صرح به رئيس الجمعية المغربية لحقوق الانسان عزيز غالي في عز النهار و داخل المغرب انه ضد مخطط الحكم الذاتي الملكي بصريح العبارة و انه مع تقرير المصير و لم يعتقله احد الى حد الان و في حين عندما يقال مثل هذا الكلام الخطير في عهد الحسن الثاني سيعتقل على الفور باعتباره قد مس بامن الدولة المغربية في الصميم ...

انني لا ادعو هنا الى اعتقاله لقدر الله و انما ادعو الى التامل في تاريخ أحزاب اليسار القومي كلها ببلادنا بعمق اكثر حيث لم يحصل المجتمع المغربي من هذا اليسار الا القليل من الأفكار السطحية امام الجمود الديني القوي في مؤسسات الدولة و في المجتمع بمعنى ان هذا اليسار القومي لم يحاول التنظير للتنوير الديني منذ سنوات 2000 و 2001 الخ بحكم وجود حزبا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و التقدم و الاشتراكية في السلطة الحكومية وقتها و قد أكون مخطئا في هذه النقطة بحكم كنت آنذاك غارقا في اوحال أيديولوجية التخلف القروي الى القاع ..

ان المغرب الان  يحتاج الى حزب ذو المرجعية الامازيغية لان الهوية الامازيغية ليست عنصرا للتفرقة و تقسيم هذا البلد الأمين بل هي صمام الأمان و الاستقرار في ظل النظام الملكي و في ظل الإسلام كدين يساير العصر و تحدياته كما مارسه اجدادنا الافاضل في سوس العالمة و في الاطلس المتوسط و في الريف العظيم  بتاريخه و بمقاومته الشجاعة للاستعمار و بفكره السياسي المدني و في الجنوب الشرقي و في الصحراء الامازيغية المغربية الكبرى تاريخيا..

ان الجدير بالتذكير هنا ان النضال الامازيغي السياسي لم يمس بامن الدولة المغربية و رموزها السيادية و وحدتها الوطنية و الترابية بل انه اقترح تمتيع المناطق المحافظة على امازيغيتها بالحكم الذاتي باعتبارها لم تستفيد من برامج الدولة التنموية و الاقتصادية و الثقافية عقود من الزمان و النماذج موجودة على ارض الواقع اليوم بدون الدخول في التفاصيل المعروفة بمعنى ان النضال الامازيغي السياسي يبحث عن الحلول من تاريخنا الاجتماعي و يقترحها للجهات العليا أي انه قوة اقتراحية ستساهم في تطوير البلاد و تحديث الإسلام و الدفاع عن وحدتنا الترابية و الوطنية المقدستان .....................

تحرير المهدي مالك                            

 

 

اجمالي القراءات 344