الناس فى أمر الجن والاستعانة بهم مختلفون وقد بين أحدهم أن الناس اعتقدوا فى الجن معتقدات كثيرة خاطئة فقال فى كتاب الاستعانة بالجن :
"كانت النظرة - لبعض الطوائف المنحرفة - للجن قائمة على تصورات فاسدة، فمن قائل : إن الجن شركاء لله في الخلق والتدبير ومن قائل: إن إبليس مع جنده يمثلون الشر في جهة، ويحاربون الله وملائكته في جهة أخرى. وكان الاعتقاد السائد أن الجن يعلمون الغيب، وذلك بما كانوا يلقونه إلى الكهان عندما كانوا يسترقون أخبار السماء، فيزيد الكهان على الكلمة من الحق مائة كذبة كما ورد في الحديث، فيصدق الناس ذلك
وكانوا يتصورون أن للجن سلطانا في الأرض، إلى غير ذلك من هذه التصورات المنحرفة الجائرة هذه التصورات المختلفة عن الجن كان لها تأثير على تفكير وسلوك هؤلاء الناس وأعمالهم وإرادتهم كما أخبرنا القرآن الكريم عن ذلك بقوله تعالى : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا )، ( سورة الجن - الآية 6 ) "
ونقل الباحث من كتب التفسير تفسيرات بعضهم للآية فقال :
"ومن خلال أقوال أهل العلم في تفسير هذه الآية، يتضح أنه كان للجن تأثير على سلوك مشركي العرب، حيث كان أحدهم يعوذ بالجن عند المخاوف والأفزاع، وأثر ذلك على عقائدهم من حيث التوجه إلى عبادة الجن والذبح لهم، محاولين استرضائهم بأي شكل من الأشكال، ولا يخفى أن التوجه بالعبادة والتعظيم لغير الله من سائر الخلق فساد أي فساد في السلوك ! ناشئ عن فساد التصور والاعتقاد الذي أرسل الله رسله وأنزل كتبه لإنقاذ البشرية من مغبته، بتصحيح تصوراتهم وتقويم سلوكهم، بما بينوه من أن الله هو خالق الجن والإنس وسائر الموجودات، وأنهم يستوون جميعا في عدم قدرتهم على تغيير سنة من سنن الله سبحانه وتعالى التي وضعها في هذا الكون، وأنهم جميعا واقعون تحت سلطان الله وقهره، وأن التوجه لغيره سبحانه بعبادة أو تعظيم شرك كبير، يستحق فاعله الخلود في النار. علاقة الإنس بالجن كما بينها الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه :- …
1)- يقول تعالى : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ
رَهَقًا ) 0( سورة الجن - الآية 6 )
* أقوال أهل العلم في تفسير الآية الكريمة :-
أ - قال الطبري قال حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ ) قال : كانوا في الجاهلية إذا نزلوا بالوادي قالوا : نعوذ بسيد هذا الوادي، فيقول الجنيون : تتعوذون بنا ولا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا ! ) ( جامع البيان في تأويل القرآن - 12 / 263 )
قال ابن كثير أي كنا نرى أن لنا فضلا على الإنس، لأنهم كانوا يعوذون بنا إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من البراري وغيرها، كما كانت عادة العرب في جاهليتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشيء يسؤهم، كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته، فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم رهقا، أي خوفا وإرهابا وذعرا حتى بقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذا بهم كما قال قتادة ( فزادوهم رهقا : أي إثما وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة، وقال الثوري عن منصور عن إبراهيم (فزادوهم رهقا) : أي ازدادت الجن عليهم جراءة وقال السدي : كان الرجل يخرج بأهله فيأتي الأرض فينزلها فيقول : أعوذ بسيد هذا الوادي من الجن أن أضر أنا أو مالي أو ولدي أو ماشيتي قال قتادة : فإذا عاذ بهم من دون الله رهقتهم الجن الأذى عند ذلك وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي حدثنا الزبير بن حرب عن عكرمة قال : كان الجن يفرقون من الإنس كما يفرق الإنس منهم أو أشد، فكان الإنس إذا نزلوا واديا هرب الجن فيقول سيد القوم نعوذ بسيد أهل هذا الوادي فقال الجن : نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم فدنوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون فذلك قول الله عز وجل : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) أي إثما : وقال أبو العالية والربيع وزيد بن أسلم ( رهقا ) أي خوفا وقال العوفي عن ابن عباس ( فزادوهم رهقا ) أي إثما وكذا قال قتادة، وقال مجاهد زاد الكفار طغيانا
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا فروة بن المغراء الكندي حدثنا القاسم بن مالك - يعني المزني - عن عبد الرحمن ابن اسحاق عن أبيه عن كردم بن أبي السائب الأنصاري قال : خرجت مع أبي من المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله - صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم - بمكة فأوانا المبيت إلى راعي غنم، فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم، فوثب الراعي، فقال : يا عامر الوادي جارك، فنادى مناد لا نراه يقول : يا سرحان أرسله. فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة، وأنزل الله تعالى على رسوله بمكة : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) قال وروى عن عبيد بن عمير ومجاهد وأبي العالية والحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي نحوه0 وقد يكون هذا الذئب الذي أخذ الحمل وهو ولد الشاة كان جنيا حتى يرهب الإنسي ويخاف منه، ثم رده عليه لما استجار به ليضله ويهينه ويخرجه عن دينه والله تعالى أعلم) ( تفسير القرآن العظيم - 4 / 429 - 430 )
ج - قال القرطبي مثل ذلك
د- وذكر مثل ذلك الشوكاني في كتابه ( فتح القدير )
هـ - قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في تفسير هذه الآية : ( كان الرجل من الإنس ينزل بالوادي، والأودية مظان الجن، فإنهم يكونون بالأودية أكثر مما يكونون بأعالي الأرض، فكان الإنسي يقول : أعوذ بعظيم هذا الوادي من سفهائه، فلما رأت الجن أن الإنس تستعيذ بها زاد طغيانهم وغيهم وبهذا يجيبون المعزم والراقي بأسمائهم وأسماء ملوكهم، فإنه يقسم عليه بأسماء من يعظمونه، فيحصل لهم بذلك من الرئاسة والشرف على الإنس ما يحملهم على أن يعطونهم بعض سؤلهم، لا سيما وهم يعلمون أن الإنس أشرف منهم وأعظم قدرا، فإذا خضعت الإنس لهم واستعاذت بهم، كانت بمنزلة أكابر الناس إذا خضع لأصاغرهم ليقضي له حاجته) ( إيضاح الدلالة في عموم الرسالة - 2 / 120 ) 2)-
ونقل تفاسير فى تفسير آية يستدلون بها على اتصال الجن والإنس فقال :
"يقول تعالى : ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدْ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِى أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ) 0( سورة الأنعام - الآية 128 )
* أقوال أهل العلم في تفسير الآية الكريمة :-
أ - قال الطبري ما قاله الإمام البغوي وزاد عليه وأما استمتاع الجن بالإنس، فإنه كان فيما ذكر، ما ينال الجن من الإنس من تعظيمهم إياهم في استعاذتهم بهم، فيقولون : ( قد سدنا الجن والإنس) ( تفسير الطبري - جامع البيان في تأويل القرآن - 5 / 343 )
ب - قال البغوي قال الكلبي : استمتاع الإنس بالجن هو أن الرجل كان إذا سافر ونزل بأرض قفر وخاف على نفسه من الجن قال : أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، فيبيت في جوارهم
وأما استمتاع الجن بالإنس : هو أنهم قالوا : قد سدنا الإنس مع الجن، حتى عاذوا بنا فيزدادون شرفا في قومهم وعظما في أنفسهم، وهذا كقوله تعالى : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) وقيل : استمتاع الإنس بالجن ما كانوا يلقون إليهم من الأراجيف والسحر والكهانة وتزيينهم لهم الأمور التي يهوونها، وتسهيل سبيلها عليهم، واستمتاع الجن بالإنس طاعة الإنس لهم فيما يزينون لهم من الضلالة والمعاصي. قال محمد بن كعب: هو طاعة بعضهم بعضا وموافقة بعضهم لبعض)( تفسير البغوي - معالم التنزيل - 3 / 188 )
ثم قال: "وقد اتخذ بعض الرقات كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى متكأ على مشروعية الاستعانة بالجن المسلم فى العلاج بأنه من الأمور المباحة ولا أري في كلام شيخ الإسلام ما يسوغ لهم ذلك، فإذا كان من البديهيات المسلم بها ان الجن من عالم الغيب يرانا ولا نراه الغالب عليه الكذب،معتد ظلوم غشوم لا يعرف العذر بالجهل،مجهولة عدالته، لذا روايته للحديث ضعيفة، فما هو المقياس الذى نحكم به على أن هذا الجنى مسلم وهذا منافق أو كافر وهذا صالح وذاك طالح، لذا الاستعانة بالجن المسلم (كما يدعى البعض) فى العلاج لا تجوز، قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى ورقى له وأمر أصحابه بالرقية فأجتمع بذلك فعله وأمره وإقراره صلى الله عليه وسلم، فلو كانت الاستعانة بالجن المسلم كما يدعى البعض فضيلة ما ادخرها الله عن رسوله يوم سحرته يهود صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته رضوان الله عليهم وهم خير الخلق وأفضلهم بعد أنبيائه. "
وكل ما سبق من تفاسير يثبت ما لا دليل عليه وهو اتصال الجن والإنس ببعضهم البعض وهو أمر محال فالجن والإنس لا يوجد أى اتصال بينهما إلا ما كان فى عهد سليمان (ص) لأن الله سخرهم له وهذه آية أى معجزة من المعجزات التى أعطاها الله فقال:
“فسخرنا له الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وأخرين مقرنين فى الأصفاد هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب”
ومن ثم لا يمكن وجود اتصال بين الجن والإنس فالنبى(ص) نفسه لم يعلم أن الجن سمعوه وهو يقرأ القرآن حتى أنزل الله سورة الجن فعرفه أنهم سمعوه وفى هذا قال تعالى :
” قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد فآمنا به”
فكل ما حدث هو أن الله أرسل هؤلاء النفر لمكان النبى(ص) ليسمعوا القرآن فقط حتى يبلغوا الرسالة الأخيرة لبقية الجن وفى هذا قال:
“وإذا صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم”
إذا الإنسان حتى النبى(ص) لم يتصل بالجن ومن ثم لا يمكن أن يوجد إتصال بين الفريقين وأقصى ما يمكن القول به هو أن الجن قد يسمعون بعض كلام الناس فقط ولكن لا يوجد أى إتصال أى كلام متبادل
استحالة اتصال الجن والإنس ببعضهم أى إتصال سواء كلامى أو جسدى أمر ثابت بالقرآن لأن كل مجتمع منهم منفصل عن الأخر تماما والاتصال بينهما كما قلت يتم بآية أى معجزة كما حدث فى عهد سليمان(ص)وقد منع الله الآيات وهى المعجزات من عهد النبى(ص) فقال :
” وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون”
وقد استنتج بعض الناس من قوله تعالى بسورة البقرة "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس"ومن قوله بسورة ص"واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الشيطان بنصب وعذاب "أن الشيطان وهو الجنى متسلط على عقل وجسم الإنسان وهو استنتاج خاطىء للتالى :
أن كلمة الشيطان لا تطلق على الجنى وحده وإنما تطلق على الجنى والإنسى مصداق لقوله بسورة الأنعام "وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن"
أن كلمة المس لا تعنى دوما الجنون وتعنى الإصابة كما فى الآية الثانية ومعنى الأولى :الذين يأخذون الزيادة على الدين لا يعملون إلا كما يعمل الذى تسيره الشهوة من الكفر ،فالشيطان هنا الشهوات التى داخل الإنسان فهى التى تسيره فى متاهات يحتار بينها ومعنى الثانية هو واذكر رسولنا أيوب حين دعا إلهه أنى أصابنى الشيطان أى المرض بتعب وآلام فقد سمى أيوب المرض شيطانا لأنه بعيد عن الخير الذى هو الصحة .
ولو فرضنا صحة الإستنتاج لحدث عدم وجود أى مسلم واحد لا رسول ولا غيره لأن الجن الكافر فى تلك الحال سيحيل حياة كل مسلم لجحيم لا يطاق حتى يكفر ولن يتحمل أحد الأمراض المؤلمة وضياع المال وغير هذا من المصائب التى سينزلها بها الجن ولكن الحادث هو غير هذا فهناك مسلمين
-أن الجن لا يقدرون على إصابة الإنسان بأى أذى مهما كان والدليل أن الشيطان أعلنها واضحة حيث قال" ما كان لى عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى" فكل سلطان الشيطان هو الدعوة أى الوسوسة وفى هذا قال تعالى بسورة إبراهيم "وقال الشيطان لما قضى الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لى عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى "