ماذا أضافت تيارات الإسلام السياسي لترسيخ قيم الإسلام الإنسانية ؟

مهدي مالك في الخميس ٢١ - نوفمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

 

 

ماذا أضافت تيارات الإسلام السياسي لترسيخ قيم الإسلام الإنسانية ؟

مقدمة متواضعة                                        

عندما اختار الانسان الحر الالحاد في مجتمعاتنا الإسلامية في القرن الحالي يتناسل الأسئلة الكثيرة امامنا تجاه هذا الاختيار الحر  باعتبارنا مؤمنين بالديانات الابراهيمية عامة و بالدين الإسلامي خاصة بحكم ان الناس في هذا العصر قد وجدوا امامهم شاحنات كبيرة من الفتاوى الفقهية تدخل الى كل شيء حتى غرف نومهم مع زوجاتهم و وجدوا امامهم قيم مسيئة للغاية للاسلام و لرسوله الاكرم من قبيل احتقار المراة و اعدام العقل الاجتهادي و تضخيم من شان النقل الخ من هذه القيم المسيئة و الكثيرة من حيث الكم و الكيف ..

 و من قبيل الجري وراء تحقيق حلم عودة دولة الخلافة المسماة بالاسلامية من جديد بغية احقاق العدل و الرحمة الخ من خرافات خطباء الجمعة و رموز تيارات الإسلام السياسي حيث ان هذا الحلم قد اتخذ ابعاد سياسية و أيديولوجية مختلفة في وعينا الإسلامي الجمعي و ستعرفون ماذا اقصد اثناء هذا المقال المتواضع ......

عندما يعلن المفكر او الباحث او الانسان العادي عن رايه حول الإسلام بشكل نقدي يسارع حراس المعبد السلفي القديم الى إدخاله الى خانات الالحاد و الظلال الخ منذ العصور الإسلامية الأولى مع فرقة المعتزلة المشهورة و مع العالم الكبير ابن رشد الامازيغي هنا في المغرب تحت حكم الدولة الموحدية التي لها حسناتها و سيئاتها باعتبارها شيء نسبي مثل جميع الدول عبر التاريخ الإنساني الى يوم القيامة أي ان محاولات الاجتهاد الديني السديد لم تتوقف الى اليوم بفضل الله لان الانسان المسلم يريد ان يتمسك بدينه الإسلامي و في نفس الوقت يريد الانتماء الى عصرنا الحالي بكل مفاهيمه و مصطلحاته من قبيل الدولة المدنية و من قبيل حقوق الانسان بشكل عام الخ ......

و لهذه الأسباب انطلق ما يسمى بالتنوير منذ اكثر 150 سنة في بلدان مصر و سوريا الخ حيث  يتبادر الى الذهن اليوم مجموعة هائلة من الأسئلة المصيرة حول القضايا المتربطة بكيفية تقديم الإسلام و قيمه للعالمين منذ 94 سنة الأخيرة او اكثر أي منذ انطلاق أولى تيارات الإسلام السياسي بمصر .

 و بكيفية تدريس الإسلام في مجتمعاتنا الإسلامية من الابتدائي الى الجامعي و ماهية منطلقات الخطاب الديني الرسمي لدولنا الإسلامية داخل المسجد و داخل البرامج الاذاعية او التلفزيونية الخ من هذه الأسئلة المصيرة لان الملحد لن يدخل الى الإسلام ابدا باعتباره لا يؤمن أصلا بوجود خالق لهذا الكون العجيب و العظيم و لا يؤمن انه ارسل الرسل و الأنبياء الى المجتمعات الإنسانية الخ من هذا السياق الايماني الراقي بمعنى ان الملحد هو غير معني بهذا السياق الايماني الراقي ..

لكن توجد حالات عديدة عاشت مؤمنة بالإسلام من الصغر الى الكبر ثم اختارت الالحاد كاختيار حر لان الله قد منح العقل و الحرية للإنسان للاختيار بين الايمان و الكفر و بين الخير و الشر الخ ...

ثم ان هذه الحالات لم تختار هذا الطريق هكذا او صدفة بل هناك أسباب عميقة و متداخلة في أمور عديدة مثل غياب  الإصلاح الديني الشامل من طرف أنظمة الدول الإسلامية بشكل حاسم و مثل  الاعتماد على الفكر السلفي في الخطاب الديني الرسمي لمعظم الدول الإسلامية بشكل فاحش كانه الإسلام الحق و مثل احتقار الهويات الإسلامية الغير عربية و تقاليدها الخ من قبيل الهوية الامازيغية على سبيل المثال الخ من المشاكل الكبرى لديننا الإسلامي داخل مجتمعاتنا الإسلامية او داخل مجتمعات الغرب المسيحي  .

انا مثلا لم افكر في الالحاد على الاطلاق لانني ابن المجتمع الامازيغي المسلم كما هو معلوم و لانني تعرفت منذ سنة 2014 على الطريق الثالث بين الالحاد و الوهابية المتوحشة الا و هو التنوير الإسلامي كما اسميه علما انني ادافع عن ما نسميه داخل حركتنا الامازيغية بالإسلام الامازيغي ..

و من بين رموز التنوير الإسلامي الذين ساهموا في تاطيري و جعلي اكتب هذه المقالات المتواضعة المرحوم الدكتور محمد شحرور عبر كتبه الرائعة التي اقراها الان بشغف كبير و الأستاذ احمد عصيد الذي اتابع فيديوهاته الشيقة باعجاب كبير و كذا الدكتور محمد فايد الذي اتابع فيديوهاته المثيرة للاعجاب و الاهتمام باعتباره قد جاء باشياء جديدة و باسئلة تحرك العقول الإسلامية نحو العلوم الكونية انطلاقا من القران الكريم كموضوع طويل ساتركه الى حين اصبح متمكن منه و عالما به انشاء الله..

الى صلب الموضوع                              

ان مشكلة العقل السلفي العويصة ليست فهم الدين الإسلامي وفق أرضية معرفية للسلف الصالح منذ 1200 سنة فقط بل رفض العقلانية الإسلامية التي انطلقت قرون مع فرقة المعتزلة و مع العالم الجليل  ابن رشد رحمه الله الى يوم الناس هذا .

 ان الله سبحانه و تعالى قد خلق الانسان و منحه العقل و الحرية و الدليل هو سيدنا ادم كاب للإنسانية جمعاء قد منحه العقل و الحرية فاختار المعصية من خلال اكل شجرة الخلود في الجنة بهذه الأرض مع زوجته كما ذكر القران الكريم بالتفصيل الخ من قصص الأنبياء داخل كتاب الله تعالى  ..

و من هذا المنطلق دعا القران الكريم الى اعمال العقل في ايات كثيرة و الحرية كالاية الشهيرة في سورة الكهف و معناها من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر أي حرية الاعتقاد الى جانب قيم الإسلام الإنسانية مثل العدل و الرحمة و المساواة بين المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات و السير في هذه الدنيا بغية اكتشاف الحضارات و الثقافات قصد تحقيق مطلب التعارف القراني الخ من هذه القيم الإسلامية الإنسانية .

لقد قلت في مقال سابق لي ان الدين الإسلامي هو خاتم الرسالات السماوية حيث جاء بثورة هادئة في شبه الجزيرة العربية الغارقة في اصر و اغلاق الجاهلية العربية فارسل الله سبحانه و تعالى رسوله الحبيب برسالة الإسلام الإنسانية و المتغيرة حسب الأزمنة و الاماكنة لان القران الكريم هو كتاب الله تعالى انزله على العقل الإنساني على مر العصور و الحقب التاريخية بدليل ان الرسول الاكرم لم يفسر القران الكريم اطلاقا حسب راي المرحوم محمد شحرور و اتكرر حسب راي المرحوم محمد شحرور بل تعامل معه حسب ظروف القرن السابع الميلادي و لو فسره ليعتبر تفسيرا مقدسا يؤدي الى اعدام العقل بدليل ما حدث بعد وفاته من الفتنة الكبرى و القتال بين معاوية ابن سفيان الاموي و الامام علي ابن طالب كرم الله وجهه بسبب السياسة بكل البساطة حيث ان الكل يدعي انه على الحق المبين  .

ان وفاة الرسول الاكرم كانت بداية لرجوع العرب شيئا فشيئا الى جاهليتهم الأولى خصوصا في ظل دولة بني امية الفاجرة و الظالمة كما أقوله دائما و في عهد دولة بني عباس ظهر عصر التدوين من خلال تدوين السيرة النبوية و الاحاديث النبوية و تفسير القران الكريم الخ من قواعد الفكر السلفي..

و منذ ذلك الحين اصبح الفكر السلفي يعتقل الدين الإسلامي في سجنه العظيم عبر اختراعاته مثل  الناسخ و المنسوخ و أسباب النزول و القياس الخ و بالتالي اصبح الدين الإسلامي ملك حصري للماضي و ملك حصري لما يسمى بدولة الخلافة الإسلامية دون منازع على الاطلاق بمعنى اعدام العقل المسلم بصفة نهائية و جعله يكفر المستقبل  الى ابعد الحدود و تقديس الماضي الى ابعد الحدود ..

عندما سقطت دولة الخلافة في أوائل عشرينات القرن الماضي في تركيا كان من المنتظر ان يأخذ المسلمين في التفكير في أسباب النهضة الإسلامية انطلاقا من داخل مرجعيتهم الإسلامية باجتهاد قراءة جديدة لكتاب الله لبداء نموذج معاصر للاسلام على مختلف الأصعدة و المستويات حيث ينطلق هذا النموذج المعاصر للاسلام من قيمه الإنسانية مثل العدل و الرحمة و المدنية و المساواة بين الرجال و النساء الخ..

لكن هذه النهضة الإسلامية لم تحدث وقتها في المشرق العربي بسبب الاستعمار المسيحي له و بسبب نزوع المسلمين عموما و الفقهاء خصوصا الى الوراء أي تطبيق  الإسلام وفق ما يصطلح عليه بالسلف الصالح بدون أي تجديد او تحديث حيث انجب هذا النزوع الكلي نحو الوراء أولى تيارات الإسلام السياسي الا و هي جماعة الاخوان المسلمين بمصر سنة 1928 و انجب هذا النزوع دولة وهابية أي المملكة العربية السعودية سنة 1932 بفضل مباركة الغرب المسيحي كما يعلم الجميع .

و نصل الان الى سؤال هذا المقال الكبير أي ماذا اضافت تيارات الإسلام السياسي لترسيخ قيم الإسلام الإنسانية ؟ حيث  سارد بكل التواضع بالقول ان هذه التيارات المسماة بالاسلامية قد تاسست منذ سنة 1928 لغرض واحد الا و هو تحقيق حلم دولة الخلافة الإسلامية كما تسمى بغية تطبيق الشريعة الإسلامية و حدودها و بيع العبيد و الاماء في اسوقنا الأسبوعية الخ من هذه المقتضيات التاريخية بمعنى ان هذه التيارات لم تقل يوما ان سلفنا الصالح قد اجتهدوا لزمانهم و نحن نجتهد لزماننا الحاضر اطلاقا .

ثم هذه التيارات المسماة بالاسلامية كانت تكفر القوانين الوضعية و الديمقراطية و الحداثة و حقوق الانسان الخ باعتبارها تعتقد الى حد الان بشكل  سري ان نظام الخلافة هو النظام الإسلامي الوحيد حسب فهم سلفهم الصالح لمفهوم الاستخلاف في الأرض و الوارد في القران الكريم حيث ان هذا الفهم يتعارض مع سنن الله في هذا الكون العجيب من قبيل التعددية و التطور و التطوير الخ بمعنى ان التطور و التطوير من سنن الله تعالى في هذه الأرض منذ البداية الى النهاية أي ان السلفية بمختلف فروعها قد كفرت بإحدى سنن خالق هذا الكون بمعنى التطور و التطوير  .

ان التيارات المسماة بالاسلامية منذ اكثر من 94 سنة لم تستطيع ان تضيف أي شيء لترسيخ قيم الإسلام الإنسانية بل على ناقض تماما استطاعت تقديم قراءة سلفية للاسلام للمجتمعات الإسلامية و الغربية منذ اكثر من 40 سنة في اطار ما يسمى بالصحوة الإسلامية بدعم مباشر من السعودية التي ارادت ان تسوق لمذهبها المتوحش على انه النسخة الاصيلة للاسلام على المستوى الدولي و هذا الكلام اتكرره طيلة سنوات ....

ان السعودية كانت قبل خلافاتها المعروفة مع جماعة الاخوان المسلمين تدعم تيارات الإسلام السياسي منذ ستينات القرن الماضي داخل دول المسلمين بغية وضع العراقيل امام تقدمها في البناء الديمقراطي و الحداثي و الحقوقي عبر استعمال منابر المساجد و الاعلام السمعي البصري لتشكيل وعي ديني معارض لتفاصيل الدولة الحديثة السياسية و الاقتصادية و الهوياتية الخ بمعنى ان تيارات الإسلام السياسي داخل دولنا الإسلامية كانت تخدم على ترسيخ القيم السلفية التي تتعارض مع قيم الإسلام الإنسانية جملة و تفصيلا ........

ان الانسان الملحد الذي يريد ان يعتنق الإسلام قصد الشعور بالراحة و بالسلام الداخلي فلا بد ان يسافر الى السعودية لزيارة الأماكن المقدسة في كل من مكة المكرمة و في المدينة المنورة .

و طبعا سيساءل هذا الانسان الشيوخ هناك عن الإسلام لكن وفق المذهب الوهابي أي الفنون حرام و السلام على المراة باليد حرام و مجرد تفكير في الفلسفة  حرام الخ من محرمات الإسلام حيث سيقول هذا الانسان في نفسه انني سابقى على الحادي لان الإسلام ليس فيه الرحمة او العدل او المساواة بين الرجال و النساء لان زوجتي عندما تسمع ان رسول الإسلام  قد مارس الجنس مع طفلة ذات تسع سنوات فانها ستقول لي ما  هذا الدين الهمجي الذي لا تحترم براءة الأطفال..

لكن تيارات الإسلام السياسي ظلت تكفر أصحاب التنوير الإسلامي طيلة عقود من الزمان باعتبارهم استخدموا عقولهم لنقد كتب التراث الإسلامي البشرية  و ليست مقدمة لانها لم تنزل من السماء بل كتبها رجالا عاشوا في  سياق دولة الخلافة حيث كان الخليفة يحتاج الى احاديث منسوبة الى الرسول  الاكرم لتبرير استبداده باسم الدين و تحليل الاستمتاع بالجواري بدون أي زواج على الاطلاق حيث ان الجارية تشترى من أسواق النخاسة لفائدة الخليفة او وزيره الخ و عندما لم تعد تعجبه فانه يرميها الى وزيره او الى الشارع تحت انظار الناس الخ ..........................

تحرير المهدي مالك

mehdi1983k@gmail.com

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 366