دخلت العلاقات المصرية الأمريكية في منعطف أزمة جديدة بعد الانتقادات الشديدة التي وجهها الرئيس بوش لزعماء العالم العربي ودول المنطقة ـ ومن بينها مصر ـ ودعوته لتخلي هذه الأنظمة عن النهج الاستبدادي والقمعي لشعوبها وإقرار إصلاحات سياسية وديمقراطية ، فضلا عن تصريحه أمام الكنيست الإسرائيلي الأسبوع الماضي بأن الدولة الفلسطينية حلم قد يرى النور بعد 60 عاما.
وقالت مصادر سياسية مطلعة إن انتقادات بوش هذه قد أغضبت الرئيس مبارك بشدة وألقت بظلالها على لقائه معه ، والذي جاء فاترا وباردا ولم يسهم في إنهاء حالة البرود التي تسود العلاقات المصرية الأمريكية ، أو انتزاع تعهدات من بوش بالتدخل لدى إسرائيل لإقناعها بالتعاطي مع الجهود العربية لتحريك عملية السلام.
وأوضحت أن القيادة السياسية لم تنجح في الحصول على ضمانات من الرئيس الأمريكي بممارسة ضغوط على إسرائيل لدعم التهدئة التي توصلت إليها الفصائل الفلسطينية بعد جهود مصرية ، حيث اكتفى بوش بتقديم دعوة مبهمة بالتدخل لما فيه خير الاستقرار في المنطقة.
ورجحت المصادر أن تسيطر حالة من التوتر على العلاقات المصرية الأمريكية خلال المرحلة القادمة ، لاسيما أن هناك تيارا قويا داخل أروقة السلطة المصرية لا يعقد آمالا على تطوير هذه العلاقة حاليا ويدعو للانتظار ، نظرا لأن ولاية بوش توشك على الانتهاء ومن الأجدى انتظار الساكن الجديد للبيت الأبيض لفتح النوافذ معه.
وأضافت أن الرئيس الأمريكي أسهب خلال لقائه مع الرئيس مبارك في الحديث عن ضرورة تدخل مصر لوقف تمدد حركة حماس ، والحد من تهريب الأسلحة عبر الحدود مع قطاع غزة ، وهو الأمر الذي استقبلته القاهرة بعدم الارتياح ، معتبرة أنه حلقة في مسلسل الانحياز من جانب بوش لإسرائيل.
وأكدت أن الرئيس مبارك أخبر بوش قبل افتتاح المؤتمر بأن خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي أحبط الشعوب العربية وأحبط عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين ، موضحا له أن هذا الخطاب أعطى الضوء الأخضر لإسرائيل لتفعل ما يحلو لها مع الفلسطينيين دون أي اعتبار للجهود المبذولة من الدول العربية لإرساء السلام وتدشين تهدئة تعمل على استقرار المنطقة.
وأوضحت أن الرئيس مبارك أخبر بوش أيضا بأنه ينبغي على إسرائيل أن تقبل بمبادرات التهدئة والوساطة المصرية لأنها الأنسب بكل المقاييس لها ، كما أنها لابد أن تتحمل أعباء احتلالها لا أن تقوم بتصديرها لمصر .
وكشفت المصادر عن أن الرئيس مبارك غادر القاعة مباشرة فور انتهائه من كلمته في افتتاح منتدى دافوس ولم يحضر خطاب بوش ، كما أن الرئيس الأمريكي لم يكن موجودا في القاعة أثناء كلمة الرئيس مبارك .
وأكدت أن الرئيس مبارك كان حادا في لهجته تجاه واشنطن ، مما دفع بعض السياسيين الذين حضروا المؤتمر لتفسير ذلك بوجود أزمة سياسية بين القاهرة وواشنطن تسبب فيها الرئيس الأمريكي بتحيزه لإسرائيل .
ولفتت إلى أن خطاب الرئيس مبارك كان شاملا في جميع النواحي ، حيث أكد أنه يخطيء من يتصور أن أحدا يمكن أن يوفر غطاء لاتفاق لا يحقق المطالب الفلسطينية ، في إشارة إلى أن الدول العربية لن توفر مثل هذا الغطاء .
وقالت إن الرئيس مبارك حرص على تأكيد أننا نمضي بإصلاحات تنبع من الداخل وتراعى ظروف مجتمعنا وخصوصياته ، ونحاذر من تجارب عديدة حاولت القفز إلى الأمام فانكفأت إلى الوراء ، ومن محاولات فرض الديمقراطية من الخارج تحت ذرائع عدة.
من جانبه ، قلل السفير عبد الله الأشعل الدبلوماسي والمحلل السياسي من إمكانية تدهور العلاقات المصرية الأمريكية ، واصفا هذه العلاقة بالغامضة والملغومة وبأنها تعد صندوق أسرار لا يستطيع أحد التنبؤ بما فيه ، مستبعدا قيام مصر بتعريض هذه العلاقات لمزيد من التدهور في ظل أهمية الدعم الأمريكي للنظام في مصر مهما كانت تجاوزاته.
وعزا الأشعل تدهور العلاقات المصرية الأمريكية وحملة الانتقادات الأخيرة إلى حزمة من الأسباب ، أهمها الدور الإسرائيلي في توتير هذه العلاقات ، ورغبة بوش في تحسين صورته أمام الرأي العام العربي والظهور بمظهر من لا يسكت عن أخطاء حلفائه في المنطقة ، ومطالبتهم بتخفيف قبضتهم على السلطة والتوقف عن تبني سياسات دكتاتورية وقمعية.
وأوضح الأشعل أن هناك معادلة تحكم العلاقات العربية الأمريكية ، مفادها السماح للأنظمة العربية بفعل ما يحلو لها من قمع لشعوبها ، مقابل السماح لواشنطن بفعل ما يروق لها دون أن يصيب هذا العلاقات بأية فتور.