قراءة فى كتاب أنباء الأذكياء بحياة الأنبياء

رضا البطاوى البطاوى في الجمعة ١٨ - أكتوبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

قراءة فى كتاب أنباء الأذكياء بحياة الأنبياء
المؤلف جلال الدين السيوطى والكتاب يدور حول كون الرسل(ص) أحياء فى قبورهم والكتاب عبارة عن سؤال أجاب عليه السيوطى والسؤال هو :
"وقع السؤال: قد اشتهر أن النبي(ص) حي في قبره وورد أنه(ص) قال ما من أحد يسلم على إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام فظاهره مفارقة الروح في بعض الأوقات فكيف الجمع وهو [ص 328] "
وقد أجاب فقال مستدلا باحاديث كلها كاذبة لأنها تكذب القرآن فقال :
"سؤال حسن يحتاج إلى النظر والتأمل فأقول:
حياة النبي(ص) في قبره هو وسائر الأنبياء معلومة عندنا علما قطعيا لما قام عندنا من الأدلة في ذلك وتواترت الأخبار.
وقد ألف البيهقي جزءا في حياة الأنبياء في قبورهم. فمن الأخبار الدالة على ذلك:
ما أخرجه مسلم عن أنس أن النبي(ص) ليلة أسرى به مر بموسى عليه السلام وهو يصلي في قبره، وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس أن النبي(ص) مر بقبر موسى عليه السلام وهو قائم يصلي فيه.
وأخرج ابو يعلي في مسنده والبيهقي في كتاب حياة الأنبياء عن أنس أن النبي(ص) قال:
الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن يوسف بن عطية قال:
سمعت ثابتا البناني يقول لحميد الطويل هل بلغك أن أحدا يصلي في قبره إلا الأنبياء قال لا.
وأخرج أبو داود والبيهقي عن أوس بن أوس الثقفي عن النبي(ص) أنه قال:
من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي الصلاة فيه فإن صلاتكم تعرض علي قالوا يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت يعني بليت فقال أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسام الأنبياء.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان والأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله(ص) من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي نائيا بلغته.
وأخرج البخاري في تاريخه عن عمار سمعت النبي(ص) يقول:

أن لله تعالى ملكا أعطاه أسماع الخلائق قائم على قبري فما من أحد يصلي علي صلاة إلا بلغتها.
وأخرج البيهقي في حياة الأنبياء والأصبهاني في الترغيب عن أنس قال:
قال رسول الله(ص) من صلى علي مائة في يوم الجمعة وليلة الجمعة قضى الله له مائة حاجة سبعين من حوائج الآخرة وثلاثين من حوائج الدنيا ثم وكل الله بذلك ملكا يدخله علي في قبري كما يدخل عليكم الهدايا أن علمي بعد موتي كعلمي في الحياة، ولفظ البيهقي يخبرني من صلى علي باسمه ونسبه فأثبته عندي في صحيفة بيضاء.
وأخرج البيهقي عن أنس عن النبي(ص) قال:
أن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدي الله حتى ينفخ في الصور.
وروى سفيان الثوري في الجامع قال:
قال شيخ لنا عن سعيد بن المسيب قال ما مكث نبي في قبره أكثر من أربعين حتى يرفع. قال البيهقي فعلى هذا يصيرون كسائر الأحياء يكونون حيث ينزلهم الله.,
ثم قال البيهقي:
ولحياة الأنبياء بعد موتهم شواهد. فذكر قصة الإسراء في لقيه جماعة من الأنبياء وكلمهم وكلموه، وأخرج حديث أبي هريرة في الإسراء وفيه "وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلى فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوة وإذا عيسى بن مريم قائم يصلي وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم يعني نفسه فحانت الصلاة فأممتهم".
وأخرج حديث "أن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق" وقال: هذا إنما يصح على أن الله رد على الأنبياء أرواحهم وهم احياء عند ربهم كالشهداء فإذا نفخ في الصور النفخة الأولى صعقوا فيمن صعق ثم لا يكون ذلك موتا في جميع معانيه إلا في ذهاب الاستشعار انتهى.
وأخرج أبو يعلي عن أبي هريرة سمعت رسول الله(ص) يقول:
والذي نفسي بيده لينزلن عيسى بن مريم ثم لئن قام على قبري فقال يا محمد لأجيبنه.

وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن سعيد بن المسيب قال: لقد رأيتني ليالي الحرة وما في مسجد رسول الله(ص) غيري وما يأتي وقت صلاة إلا سمعت الآذان من القبر.
وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن سعيد بن المسيب قال:
لم أزل أسمع الآذان والإقامة في قبر رسول الله(ص) أيام الحرة حتى عاد الناس.
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن سعيد بن المسيب أنه كان يلازم المسجد أيام الحرة والناس يقتتلون قال: فكنت إذا حانت الصلاة أسمع آذانا يخرج من قبل القبر الشريف.
وأخرج الدارمي في سنده قال أنبأنا مروان بن محمد عن سعيد ابن عبد العزيز قال: لما كان أيام الحرة لم يؤذن في مسجد النبي(ص) ثلاثا ولم يقم ولم يبرح سعيد بن المسيب المسجد وكان لا يعرف وقت الصلاة إلا بهمهة يسمعها من قبر النبي(ص) معناه فهذه الأخبار دالة على حياة النبي(ص) وسائر الأنبياء وقد قال تعالى في الشهداء (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل [ص 330] الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون). والأنبياء أولى بذلك فهم أجل وأعظم وما نبي إلا وقد جمع مع النبوة وصف الشهادة فيدخلون في عموم لفظ الآية.
أخرج أحمد وأبو يعلي والطبراني والحاكم في المستدرك والبيهقي في دلائل النبوة عن ابن مسعود قال:
لأن أحلف تسعا أن رسول الله(ص) قتل قتلا أحب إلى من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل وذلك أن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا.
وأخرج البخاري والبيهقي عن عائشة قالت:
كان النبي(ص) يقول في مرضه الذي توفي فيه لم أزل أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أو إن انقطع أبهري من ذلك السم.
فثبت كونه(ص) حيا في قبره بنص القرآن أما من عموم اللفظ وأما من مفهوم الموافقة.
قال البيهقي في كتاب الاعتقاد:
الأنبياء بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء.

وقال القرطبي في التذكرة في حديث الصعقة نقلا عن شيخه: الموت ليس بعدم محض وإنما هو انتقال من حال إلى حال. ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء يرزقون فرحين مستبشرين. وهذه صفة الأحياء في الدنيا وإذا كان هذا في الشهداء فالأنبياء أحق بذلك وأولى. وقد صح أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء. وأنه(ص) اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفي السماء ورأى موسى قائما يصلي في قبره. وأخبر(ص) بأنه يرد السلام على كل من يسلم عليه، إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أن غيبوا عنا بحيث لا ندركهم وإن كانوا موجودين أحياء وذلك كالحال في الملائكة فإنهم موجودون أحياء ولا يراهم أحد من نوعنا إلا من خصه الله بكرامته من أوليائه انتهى.
وسئل البارزي عن النبي(ص) هل هو حي بعد وفاته فأجاب أنه(ص) حي.
قال الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي الفقيه الأصولي شيخ الشافعية في أجوبة مسائل الجاجرميين قال المتكلمون المحققون من أصحابنا أن نبينا(ص) حي بعد وفاته وإنه يسر بطاعات أمته ويحزن بمعاصي العصاة منهم وأنه تبلغه صلاة من يصلى عليه من أمته، وقال أن الأنبياء لا يبلون ولا تأكل الأرض منهم شيئا. وقد مات موسى في زمانه وأخبر نبينا(ص) أنه رآه في قبره مصليا. وذكر في حديث المعراج أنه رآه في السماء الرابعة وأنه رأى آدم في السماء الدنيا ورأى إبراهيم وقال له مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح وإذا صح لنا هذا الأصل قلنا نبينا(ص) قد صار حيا بعد وفاته وهو على نبوته هذا آخر كلام الأستاذ.

وقال الحافظ شيخ السنة أبو بكر البيهقي في كتاب الاعتقاد: الأنبياء (ص) بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء وقد رأى نبينا(ص) جماعة منهم وأمهم في الصلاة وأخبروا خبر صدق أن صلاتنا معروضة عليه وإن سلامنا يبلغه وأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء. قال: وقد أفردنا لإثبات حياتهم كتابا قال وهو بعد ما قبض نبي الله ورسوله وصفيه وخيرته من خلقه(ص). اللهم أحينا على سنته وأمتنا على ملته واجمع بيننا وبينه في الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير انتهى جواب البارزي.
وقال الشيخ عفيف الدين اليافعي:
الأولياء ترد عليهم أحوال يشاهدون فيها ملكوت السماوات والأرض وينظرون الأنبياء أحياء غير أموات كما نظر النبي(ص) إلى موسى عليه السلام في قبره قال وقد تقرر أن ما جاز للأنبياء معجزة جاز للأولياء كرامة بشرط عدم التحدي قال ولا ينكر ذلك إلا جاهل ونصوص العلماء في حياة الأنبياء كثيرة فلنكتف بهذا القدر.
(فصل) وأما الحديث الآخر فأخرجه أحمد في مسنده وأبو داود في سننه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي عبد الرحمن المقري عن حيوة بن شريح عن أبي صخر عن يزيد بن عبد الله بن قشيط عن أبي هريرة أن رسول الله(ص) قال:
ما من أحد يسلم علي إلا رد الله إلي روحي حتى أرد عليه السلام.
ولا شك أن ظاهر هذا الحديث مفارقة الروح لبدنه الشريف في بعض الأوقات وهو مخالف للأحاديث السابقة وقد تأملته ففتح علي في الجواب عنه بأوجه:
الأول وهو أضعفها:
أن يدعى أن الراوي وهم في لفظة من الحديث حصل بسببها
الإشكال وقد ادعى ذلك العلماء في أحاديث كثيرة لكن الأصل خلاف ذلك فلا يعول على هذه الدعوى.
الثاني: وهو أقواها ولا يدركه إلا ذو باع في العربية:

أن قوله رد الله جملة حالية وقاعدة العربية أن جملة الحال إذا وقعت فعلا ماضيا قدرت فيها قد كقوله تعالى (أو جاؤكم حصرت صدورهم) أي قد حصرت وكذا تقدر هنا والجملة ماضية سابقة على السلام الواقع من كل أحد. وحتى ليست للتعليل بل مجرد حرف عطف بمعنى الواو فصار تقدير الحديث:ما من أحد يسلم علي إلا قد رد الله علي روحي قبل ذلك فأرد عليه.
وإنما جاء الإشكال من ظن أن جملة رد الله علي بمعنى الحال أو الاستقبال. وظن أن حتى تعليلية وليس كذلك. وبهذا الذي قررناه ارتفع الإشكال من أصله وأيده من حيث المعنى أن الرد ولو أخذ بمعنى الحال والاستقبال لزم تكرره عند تكرر المسلمين وتكرر الرد يستلزم تكرار المفارقة وتكرار المفارقة يلزم عليه محذوران أحدهما تأليم، الجسد الشريف بتكرار خروج الروح منه أو نوع ما من مخالفة التكريم إن لم يكن تأليم، والآخر مخالفة سائر الناس الشهداء وغيرهم. فإنه لم يثبت لأحد منهم أن يتكرر له مفارقة الروح وعودها في البرزخ. والنبي(ص) أولى بالاستمرار الذي هو أعلى رتبة، ومحذور ثالث وهو مخالفة القرآن فإنه دل على أنه ليس إلا موتتان وحياتان وهذا التكرار يستلزم موتات كثيرة وهو باطل، ومحذور رابع وهو مخالفة الأحاديث المتواترة السابقة وما خالف القرآن والمتواتر من السنة وجب تأويله وإن لم يقبل التأويل كان باطلا فلهذا وجب حمل الحديث على ما ذكرناه.
الوجه الثالث:
أن يقال أن لفظ الرد قد لا يدل على المفارقة بل كنى به عن مطلق الصيرورة كما قيل في قوله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام قد افترينا على الله كذبا أن عدنا في ملتكم. أن لفظ العود أريد به مطلق الصيرورة لا العود بعد انتقال لأن شعيبا عليه السلام لم يكن في ملتهم قط وحسن استعماله هذا اللفظ في هذا الحديث مراعاة المناسبة اللفظية بينه وبين قوله حتى أرد عليه السلام فجاء لفظ الرد في صدر الحديث لمناسبة ذكره في آخر الحديث.

الوجه الرابع: وهو قوي جدا:أنه ليس المراد برد الروح عودها بعد المفارقة للبدن وإنما النبي(ص) في البرزخ مشغول بأحوال الملكوت مستغرق في مشاهدة ربه كما كان في الدنيا في حالة الوحي وفي أوقات أخر فعبر عن إفاقته من تلك المشاهدة وذلك الاستغراق برد الروح، ونظير هذا قول العلماء في اللفظة التي وقعت في بعض أحاديث الإسراء وهي قوله فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام ليس المراد الاستيقاظ من نوم فإن الإسراء لم يكن مناما وإنما المراد الإفاقة مما خامره بن عجايب الملكوت وهذا الجواب الآن عندي أقوى ما يجاب به عن لفظة الرد وقد كنت رجحت الثاني ثم قوى عندي هذا.
الوجه الخامس:أن يقال إن الرد يستلزم الاستمرار لأن الزمان لا يخلو من مصل عليه في أقطار الأرض فلا يخلو من كون الروح في بدنه.
السادس:قد يقال أنه أوحى إليه بهذا الأمر أولا قبل أن يوحي إليه بأنه لا يزال حيا في قبره فأخبر به ثم أوحى إليه بعد بذلك فلا منافاة لتأخير الخبر الثاني عن الخبر الأول.
هذا ما أفتح الله به من الأجوبة ولم أر شيئا منها منقولا لأحد ثم بعد كتابتي لذلك راجعت كتاب الفجر المنير فيما فضل به البشير النذير للشيخ تاج الدين بن الفاكهاني المالكي فوجدته قال فيه ما نصه:
روينا في الترمذي قال قال رسول الله(ص) ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام.
يؤخذ من هذا الحديث أن النبي(ص) حي على الدوام وذلك أنه محال عادة أن يخلو الوجود كله من واحد مسلم على النبي(ص) في ليل أو نهار فإن قلت قوله عليه السلام إلا رد الله إلي روحي لا يلتئم مع كونه حيا على الدوام بل يلزم منه أن تتعدد حياته ووفاته في أقل من ساعة إذ الوجود لا يخلو من مسلم يسلم عليه كما تقدم بل يتعدد السلام عليه في الساعة الواحدة كثيرة فالجواب والله أعلم أن يقال:المراد بالروح هنا النطق مجازا فكأنه قال عليه السلام إلا رد الله إلي نطقي وهو حي على الدوام لكن لا يلزم من حياته نطقه فالله سبحانه يرد عليه النطقة عند سلام كل مسلم وعلاقة المجاز أن النطق من لازمه وجود الروح كما أن الروح
من لازمه وجود النطق بالفعل أو القوة فعبر عليه السلام بأحد المتلازمين عن الآخر ومما يحقق ذلك أن عود الروح لا يكون إلا مرتين عملا بقوله تعالى (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) هذا لفظ كلام الشيخ تاج الدين وهذا الذي ذكره من الجواب ليس واحدا من الستة التي ذكرتها فهو إن سلم جواب سابع وعندي فيه وقفة من حيث أن ظاهره أن النبي(ص) مع كونه حيا في البرزخ يمنع عنه النطق في بعض الأوقات ويرد عليه عند سلام المسلم عليه وهذا بعيد جدا بل ممنوع فإن العقل والنقل يشهدان بخلافه أما النقل فالأخبار الواردة عن حاله(ص) وحال الأنبياء عليهم السلام في البرزخ مصرحة بأنهم ينطقون كيف شاؤا لا يمنعون من شيء بل وسائر المؤمنين كذلك الشهداء وغيرهم ينطقون في البرزخ بما شاؤا غير ممنوعين من شيء ولم يرد أن أحدا يمنع من النطق في البرزخ إلا من مات عن غير وصية.
أخرج أبو الشيخ بن حيان في كتاب الوصايا عن قيس بن قبيصة قال قال يا رسول الله(ص) من لم يوص لم يؤذن له في الكلام مع الموتى قيل يا رسول الله وهل يتكلم الموتى قال نعم ويتزاورون.
وقال الشيخ تقي الدين السبكي:

حياة الأنبياء والشهداء في القبر كحياتهم في الدنيا ويشهد له صلاة موسى في قبره فإن الصلاة تستدعي جسدا حيا وكذلك الصفات المذكورة في الأنبياء ليلة الإسراء كلها صفات الأجسام ولا يلزم من كونها حياة حقيقة أن تكون الأبدان معها كما كانت في الدنيا من الاحتياج إلى الطعام والشراب وأما الإدراكات كالعلم والسماع فلا شك أن ذلك ثابت لهم ولسائر الموتى انتهى وأما العقل فلان الحبس عن النطق في بعض الأوقات نوع حصر وتعذيب ولهذا عذب به تارك الوصية والنبي(ص) منزه عن ذلك ولا يلحقه بعد وفاته حصر أصلا بوجه من الوجوه كما قال لفاطمة رضي الله عنها في مرض وفاته لا كرب على أبيك بعد اليوم. وإذا كان الشهداء وسائر المؤمنين من أمته إلا من استثنى من المعذبين لا يحصرون بالمنع من النطق فكيف به(ص).
نعم يمكن أن ينتزع من كلام الشيخ تاج الدين جواب آخر ويقرر بطريق أخرى وهو أن يراد بالروح النطق وبالرد الاستمرار من غير مفارقة على حد ما قررته في الوجه الثالث ويكون في الحديث على هذا مجازان مجاز في لفظ الرد ومجاز في لفظ الروح فالأول استعارة تبعية والثاني مجاز مرسل وعلى ما قررته في الوجه الثالث يكون فيه مجاز واحد في الرد فقط ويتولد من هذا الجواب جواب آخر وهو أن يكون الروح كناية عن السمع ويكون المراد أن الله يرد عليه سمعه الخارق للعادة بحيث يسمع المسلم وأن بعد قطره ويرد عليه من غير احتياج إلى واسطة مبلغ وليس المراد سمعه المعتاد وقد كان له(ص) في الدنيا حالة يسمع فيها سمعا خارقا للعادة بحيث كان يسمع أطيط السماء كما بينت ذلك في كتاب المعجزات وهذا قد ينفك في بعض الأوقات ويعود لا مانع منه وحالته(ص) في برزخ كحالته في الدنيا سواء.

وقد يخرج من هذا جواب آخر وهو أن المراد سمعه المعتاد ويكون المراد برده إفاقته من الاستغراق الملكوتي وما هو فيه من المشاهدة فيرده الله تلك الساعة إلى خطاب من سلم عليه في الدنيا فإذا فرغ من الرد عليه عاد إلى ما كان فيه، ويخرج من هذا جواب آخر وهو أن المراد برد الروح التفرغ من الشغل وفراغ البال مما هو بصدده في البرزخ من النظر في أعمال أمته والاستغفار لهم من السيآت والدعاء بكشف البلاء عنهم والتردد في أقطار الأرض لحلول البركة فيها وحضور جنازة من مات من صالح أمته فإن هذه الأمور من جملة أشغاله في البرزخ كما وردت بذلك الأحاديث والآثار فلما كان السلام عليه من أفضل الأعمال وأجل القربات اختص المسلم عليه بأن ينزع له من أشغاله المهمة لحظة يرد عليه فيها تشريفا له ومجازاة.
فهذه عشرة أجوبة كلها من استنباطي وقد قال الجاحظ:
إذا نكح الفكر الحفظ ولد العجائب.
ثم ظهر لي جواب حادي عشر وهو أنه ليس المراد بالروح روح الحياة بل الارتياح كما في قوله تعالى (فروح وريحان) فإنه قرئ فروح بضم الراء والمراد أنه(ص) يحصل له بسلام المسلم عليه ارتياح وفرح وهشاشة لحبه ذلك فيحمله ذلك على أن يرد عليه، ثم ظهر لي جواب ثاني [ص 336] عشر وهو أن المراد بالروح الرحمة الحادثة من ثواب الصلاة قال ابن الأثير في النهاية تكرر ذكر الروح في الحديث كما تكرر في القرآن ووردت فيه على معان والغالب منها أن المراد بالروح الذي يقوم به الجسد وقد أطلق على القرآن والوحي والرحمة وعلى جبريل انتهى.
وأخرج ابن المنذر في تفسيره عن الحسن البصري أنه قرأ قوله تعالى فروح وريحان بالضم وقال الروح الرحمة وقد تقدم في حديث أنس أن الصلاة تدخل عليه(ص) في قبره كما يدخل عليكم بالهدايا والمراد ثواب الصلاة وذلك رحمة الله وانعاماته.

ثم ظهر لي جواب ثالث عشر وهو أن المراد بالروح الملك الذي وكل بقبره بلغه السلام والروح يطلق على غير جبريل أيضا من الملائكة قال الراغب إشراف الملائكة تسمى أرواحا انتهى.
ومعنى رد الله إلى روحي أي بعث إلى الملك الموكل بتبليغي السلام هذا غاية ما ظهر والله أعلم.
تنبيه: وقع في كلام الشيخ تاج الدين أمران يحتاجان إلى التنبيه عليهما أحدهما أنه عزا الحديث إلى الترمذي وهو غلط فلم يخرجه من أصحاب الكتب الستة إلا أبو داود فقط كما ذكره الحافظ جمال الدين المزي في الأطراف، الثاني أنه أورد الحديث بلفظ رد الله على وهو كذلك في سنن أبي داود ولفظ رواية البيهقي رد الله إلي وهي ألطف وأنسب فإن بين التعديتين فرقا لطيفا فإن رد يعدى بعلى في الإهانة وبإلى في الأكرام قال في الصحاح رد عليه الشيء إذا لم يقبله وكذلك إذا خطاه ويقول رده إلى منزله ورد إليه جوابا أي رجع وقال الراغب من الأول قوله تعالى يردكم على أعقابكم ردوها علي ونرد على أعقابنا ومن الثاني فرددناه إلى أمه ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا. ثم يردون إلى عالم الغيب والشهادة ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق. (فصل) قال الراغب من معاني الرد التفويض يقال رددت الحكم في كذا إلى فلان أي فوضته إليه قال تعالى (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ولو ردوه إلى الرسول والى أولى الأمر منهم) انتهى.

ويخرج من هذا جواب رابع عشر عن الحديث وهو أن المراد فوض الله إلي روحي السلام عليه على أن المراد بالروح الرحمة والصلاة من الله الرحمة فكان المسلم بسلامه تعرض لطلب صلاة من الله تحقيقا لقوله(ص) من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا والصلاة من الله الرحمة ففوض الله أمر هذه الرحمة إلى النبي(ص) ليدعو بها للمسلم فتحصل إجابته قطعا فتكون الرحمة الحاصلة للمسلم إنما هي ببركة دعاء النبي(ص) له وسلامه عليه وينزل ذلك منزلة الشفاعة في قبول سلام المسلم والإثابة عليه وتكون الإضافة في روحي لمجرد الملابسة ونظيره قوله في حديث الشفاعة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ينتهي إلى محمد وفي حديث الإسراء لقيت ليلة أسرى بي إبراهيم وموسى وعيسى فتذاكروا أمر الساعة فردوا أمرهم إلى إبراهيم فقال لا علم لي بها فردوا أمرهم إلى موسى فقال لا علم لي بها فردوا أمرهم إلى عيسى، والحاصل أن معنى الحديث على هذا الوجه إلا فوض الله إلي أمر الرحمة التي تحصل للمسلم بسببي فأتولى الدعاء بها بنفسي بأن انطق بلفظ السلام على وجه الرد عليه في مقابلة سلامه والدعاء له.
ثم ظهر لي جواب خامس عشر وهو أن المراد بالروح الرحمة التي في قلب النبي(ص) على أمته والرأفة التي جبل عليها وقد يغضب في بعض الأحيان على من عظمت ذنوبه أو انتهك محارم الله والصلاة على النبي(ص) سبب لمغفرة الذنوب كما في حديث أذن تكفي همك ويغفر ذنبك فأخبر(ص) أنه ما من أحد يسلم عليه وأن بلغت ذنوبه ما بلغت إلا رجعت إليه الرحمة التي جبل عليها حتى يرد عليه السلام بنفسه ولا يمنعه من الرد عليه ما كان منه قبل ذلك من ذنب وهذه فائدة نفيسة وبشرى عظيمة وتكون هذه فائدة زيادة من الاستغراقية في أحد المنفى الذي هو ظاهر في الاستغراق قبل زيادتها نص فيه بعد زيادتها بحيث انتفى بسببها أن يكون من العام المراد به الخصوص.
هذا آخر ما فتح الله به الآن من الأجوبة وإن فتح بعد ذلك بزيادة ألحقناها والله الموفق بمنه وكرمه. ثم بعد ذلك رأيت الحديث المسؤول عنه مخرجا في كتاب حياة الأنبياء للبيهقي بلفظ إلا وقد رد الله على روحي فصرح فيه بلفظ وقد فحمدت الله كثيرا وقوى أن رواية إسقاطها محمولة على إضمارها وإن حذفها من تصرف الرواة وهو الأمر الذي جنحت إليه في الوجه الثاني من الأجوبة وقد عدت الآن إلى ترجيحه لوجود هذه الرواية فهو أقوى الأجوبة ومراد الحديث عليه الأخبار بأن الله يرد إليه روحه بعد الموت فيصير حيا على الدوام حتى لو سلم عليه أحد رد عليه سلامه لوجود الحياة فيه فصار الحديث موافقا للأحاديث الواردة في حياته في قبره وواحدا من جملتها لا منافيا لها البتة بوجه من الوجود ولله لحمد والمنة وقد قال بعض الحفاظ لو لم نكتب الحديث من ستين وجها ما عقلناه وذلك لأن الطرق يزيد بعضها على بعض تارة في ألفاظ المتن وتارة في الإسناد فيستبين بالطريق المزيد ما خفي في الطريق الناقصة والله تعالى أعلم."

والكتاب من أوله لأخره يناقض القرآن فى التالى :
موت كل الناس ومنهم الرسل(ص) كما قال تعالى :
" كل نفس ذائقة الموت "
وقال :
" إنك ميت وإنهم ميتون"
ومن ثم لا يصح وصف الرسل(ص) بكونهم أحياء فى أرضنا وهى القبور لكونهم موتى
أن كل الموتى أحياء ولكن ليس فى الأرض كما قال السيوطى وغيره اعتمادا على أحاديث كاذبة وإنما فى السماء حيث الجنة والنار الموعودتين كما قال تعالى :
" وفى السماء رزقكم وما توعدون "
والجنة فى السماء عند سدرة المنتهى كما قال تعالى :
" عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى "

فالمسلم وهو الطيب يدخل الجنة حيث تستقبله الملائكة كما قال تعالى :
"الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون"
والملائكة لا تتواجد إلا فى السموات كما قال تعالى :
" وكم من ملك فى السموات "
وقال :
" قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا"
وأما حديث رد روح النبى (ص)السلام بعد بلوغه إياه فخطأ ولو سلمنا بهذا القول لكنا مجانين لأن النبى (ص)يصلى عليه المسلمون فى كل يوم ملايين الصلوات وهذا يعنى أن أنه لن يجد دقيقة واحدة لشىء غير رد السلام وهذا ما يخالف التالى أن المسلمين فى الجنة لا يشغلهم شىء سوى التمتع بالنعيم مصداق لقوله تعالى بسورة الزخرف "الذين أمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون "والنبى (ص)لو ظل يرد السلامات فسوف ينشف ريقه ولن يجد أى وقت لراحة للسانه ولا الأكل ولا الشرب ولا غير ذلك من متع الجنة ويتعارض القول مع أقوالهم "إن الله وكل بقبره ملكا يبلغه سلام من سلم على من أمته "رواه النسائى وقولهم "إن الله ملائكة سياحين فى الأرض يبلغوننى عن أمتى السلام "رواه ابن حبان والحاكم فهنا الموصل للسلام ملك بقبر النبى (ص)وفى الرواية الثانية ملائكة سياحين فى الأرض بينما فى القول النبى (ص)نفسه هو الذى يبلغه السلام مباشرة دون وسيط .

اجمالي القراءات 411