عن القردة الخاسئين :

آحمد صبحي منصور في الخميس ١٧ - أكتوبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

عن القردة الخاسئين :

مقدمة :

سؤال من الاستاذ أمين رفعت ، أكرمه الله جل وعلا :

(  في الآيات 163-168 من سورة الأعراف. من هم أهل القرية المذكورة؟

163. وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ     

هل يمكن أن تكون فلسطين؟

164. وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ

165. فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ

166. فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ

167. وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ 

(تم غزوها وتعذيب أهلها منذ بدايتها وحتى الآن)

168. وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) تم تشتيت الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين في البلاد المجاورة وهاجر الكثير منهم إلى دولالعالم  )

الاجابة :

 

هو سؤال واحد : هل الفلسطينيون هم المقصودون بالآيات الكريمة ؟

وأقول : بالقطع : لا .

الكلام عن طائفة معتدية من بنى إسرائيل . واللقب القرآنى لهم ( اليهود ). وشرحنا ذلك من قبل .

تدبرا فى الآيات الكريمة نقول والله جل وعلا هو المستعان :

أولا :

عن القرية :( وسئلهم عن القرية ):

تتنوع ( القرى ) فى القصص القرآنى :

1 ـ هناك قرية لا نعرف مكانها ولا زمنها وأسماء الرسل المبعوثين اليها . كل ذلك غيب ، ومن يتكلم فيه فهو كفرُ لأنه إنتهاك للغيب الالهى الذى لم يكن للنبى محمد عليه السلام . قال جل وعلا :( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) يس )

2 ـ ورد مُكرّرا قرية قوم لوط . ومنه قول الله جل وعلا : ( وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) الانبياء ) .

3 ـ فى قصة يوسف : ( وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) يوسف) .

4 ـ أثناء خروج بنى إسرائيل من مصر ومسيرتهم . قال جل وعلا :

4 / 1 :( وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) البقرة )

4 / 2 : ( وَإِذْ قِيلَ لَهُمْ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162) الأعراف ). الآية بعدها تتكلم عن قرية ساحلية ، قد إستقروا فيها ، وهى موضوعنا : ( وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) الاعراف )

ثانيا :

موجز القصة :

1 ـ السؤال موجّه للنبى محمد عليه السلام أن يسأل بنى إسرائيل عن موضوع القرية الساحلية ، وما حدث من عصيان بعض أهلها وإعتدائهم فى يوم السبت ، وعقوبة المعتدين . العمل يوم السبت كان محرما . قال جل وعلا :

1 / 1 ـ عن تحريم الاعتداء فى يوم السبت ( وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمْ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمْ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً (154)  النساء ).

1 / 2  ـ وفى وعظ لأهل الكتاب المعاصرين لنزول القرآن الكريم :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (47) النساء ) . واضح هنا إنه تذكير لهم بقصة القرية الساحلية المذكورة فى سورة الأعراف .

2 ـ كان معظم سكان تلك القرية الساحلية فاسقين . ومن هنا كان إختبار سكان القرية جميعا . كانت ( الحيتان ) أى الأسماك الكبيرة تغزو الشواطىء وتكون فى متناول الأيدى فى يوم السبت فقط . ولا يرونها فى بقية أيام الأسبوع . وهو محرم عليهم العمل يوم السبت ، والعمل فيه عدوان . فاحتال الفاسقون من أهل القرية باصطياد تلك الأسماك . وهذا يشبه ( فقه الحيل ) فى المذهب الحنفى السنى .

3 ـ انقسم اهل القرية الى ثلاثة أقسام : القسم الفاسق الذى إنتهك حُرمة السبت ثم إزداد عتوا ، وقسم إعترض عليهم يعظ المعتدين ، ثم قسم سلبى يلوم الواعظين بحجة أنه لا فائدة ، وأن المعتدين سيعاقبهم الله جل وعلا . قال الواعظون إنهم بوعظهم يقدمون العُذر لربهم جل وعلا ، ثم لعل المعتدين يتوبون . لم يتب المعتدون ، ونزل الانتقام الالهى بعقاب الظالمين ، وهم نوعان : المعتدون والساكتون ، ونجا من العقاب الذين كانوا ينهون عن السوء .

4 ـ والدرس المُستفاد واضح ، فى أن الساكت عن الظلم شريك للظالمين بسكوته ، وأن الانسان لفى خُسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر . كما جاء فى سورة العصر .

ثالثا :

مدى الفائدة من هذا الدرس :

1 ـ أدمن العُصاة من بنى إسرائيل والنصارى المسارعة فى الإثم والعدوان وأكل المال السُّحت وسكت أئمتهم عن وعظهم . وظل هذا الى عصر النبى محمد عليه السلام . قال له ربه جل وعلا : ( وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) المائدة ) قوله جل وعلا ( لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) يعود على الظالمين وعلى الساكتين أيضا . والكلام لنا أيضا . المهم إن الآية التالية خطيرة ، وهى عن اليهود ، وسنتعرض لها لاحقا ، وهى قوله جل وعلا : ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)  المائدة ).

2 ـ بدلا من الاستفادة من الدرس تحولت حُرمة السبت الى قضية جدلية . قال جل وعلا : ( إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل )

3 ـ عقوبة لهم : إشتعال العداوة والبغضاء بينهم الى يوم القيامة .

3 / 1 : عن النصارى قال جل وعلا : ( وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمْ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14) المائدة ).

هذا إعجاز تاريخى . فالمسيحيون مذاهب وفرق وطوائف وملل ونحل ، وبينهم عداوة وبغضاء ، كانت ولا تزال وستظل الى يوم القيامة .

3 / 2 : عن العُصاة من بنى إسرائيل ـ وهم اليهود ـ :

3 / 2 / 1 :( وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) المائدة ). هم أيضا طوائف ومذاهب بينهم العداوة والبغضاء ، كانت ولا تزال وستظل الى يوم القيامة . وهم متخصّصون فى الفساد وإشعال الحروب .

3 / 2 / 2 : وعقوبة لهم تعرضوا وسيتعرضون لعذاب دنيوى ، وسيستمر ذلك الى يوم القيامة . قال جل وعلا : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) الاعراف ).

4 ـ يدخل هذا ضمن إهلاك وتعذيب  القرى الظالمة فى العالم ، وهو كان ولا يزال مستمرا ، نشهده فى عصرنا ، وسيستمر الى نهاية الزمان . قال جل وعلا : ( وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (58) الاسراء ).

رابعا :

من هم الذين عوقبوا بأن يكونوا قردة وحنازير :

وقعت فى خطأ حين كتبت إن موضوع عقابهم بالقردة والخنازير هو بالاسلوب المجازى كقوله جل وعلا : ( أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) الفرقان ). أو كقوله جل وعلا : ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) الجمعة ) . أُسلوب المجاز هنا واضح بالتشبيه وضرب المثل . وليس هناك مجاز فى موضوع القردة والخنازير .  هو خطأ فادح ، أرجو أن يغفره لى ربى جل وعلا . وأقوم الآن بالتصحيح .

نسترجع الآيات الكريمة :

( وسْئلهم  عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ( 163 )  وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ( 164 ) فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ( 165 ) فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ( 166 ) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ  ( 167 ) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( 168)  فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) الأعراف ). نلاحظ :

1 ـ ( أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ). وقع العذاب على المعتدين والساكتين ، ولم يرتدع المعتدون فحلّ بهم العذاب الأفظع والأشنع وهو تحويلهم الى قردة خاسئين . قال جل وعلا : ( فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ( 166 ).

2 ـ إنتهى هؤلاء من قائمة البشر، وإستمرت مسيرة بنى إسرائيل بعدهم ، وتفرقوا فى العالم . منهم عُصاة ومنهم متقون ومنهم مقتصدون. وهو فحوى الآيات  : ( 167 : 170 )

3 ـ تحويل المعتدين الى قردة جاء بالأمر الالهى ( كونوا ) . قال جل وعلا : ( فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ( 166 ). وتكرر ذلك تذكرة للعُصاة اليهود فى عصر النبى محمد عليه السلام ، قال لهم جل وعلا وعظا وتهديدا :( وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) البقرة ).

إن الله جل وعلا حين يقول ( كُن ) فلا بد ( أن يكون ): (  وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) البقرة ) (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40) النحل ) . وتكرّر هذا المعنى فى آيات أخرى بما يؤكّد أنه جل وعلا حين قال ( كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) فقد أصبحوا فعلا قردة خاسئين عقوبة على عتوّهم وتطرفهم فى العدوان . 

اجمالي القراءات 243