لعلنا نلاحظ أن قانون ازدراء الأديان لا يستخدم في مصر للغرض الذي شرع من أجله، وهو تجريم من يقومون بإشعال الفتنة بازدراء أديان الآخرين والتحريض عليهم، لكنه يستخدم لقمع الفكر، ونفس الشيء مع تهمة الإساءة إلى مصر وتهديد الأمن القومي، والتي توجه لكل من يعلن ما يعرفه القاصي والداني من أحوال البلاد المتردية.
لكن إساءة استخدام القانون من جانب طرف، لا يبرر أن تحذو حذوه باقي الأطراف، كما أن توجيه إتهام باطل لأقباط بازدراء الإسلام، فيما كانوا يعبرون عن آرائهم فيما يحدث بالوطن، لا يبرر أن يسير الأقباط على نفس النهج، ويحاولون استخدام قانون ازدراء الأديان لملاحقة الأعمال السينمائية والدرامية، وملاحقة كاتبي الكتب محدودة الانتشار، فيتيحون هم لها الانتشار بعرض مقولاتها والتنديد بها، ليقبل عليها الآلاف أو الملايين، فالعرض بالمقال أدناه لكتاب وكاتب يقول عنه المقال أنه يسعى للشهرة، فحقق له كاتب المقال والمبلغين عن الكتاب للنائب العام غرضه في الشهرة، رغم أن الكتاب حسب المقتطفات المعروضة منه يشبه قصص ألف ليلة وليلة، ورغم الجهل المستشري ببلادنا، إلا أن أمثال تلك القصص لم تعد تقنع حتى الأطفال، فمثل تلك الكتب بالتأكيد لم توزع إلا بضع نسخ، لكنها ربما تنفد طبعاتها كاملة بعد ذلك الترويج المجاني لها.
إذا كانت الدولة تصادر الفكر الذي يتعرض للخطاب الإسلامي، ويتهمه باطلاً بازدراء الإسلام، فليس معنى هذا أن يقوم أحرار الأقباط (إن كانوا أحراراً بالحقيقة) بفعل نفس الشيء، وملاحقة كل من يتعرض للمسيحية، فالمفترض أن ننادي بحرية كاملة، لا أن نسعي لكبت للحرية على جميع الأطراف وفي جميع المواضيع.
الفكر لا يرد عليه إلا بالفكر، وإذا كان السادة الغاضبون من كتاب "العوانس" يرون فيه قيمة فكرية تستدعي الرد، فليردوا عليه بكتاب، أما إذا كانوا يرون فيه مجرد خرافات وتهويمات فليتجاهلوه، فحرية الكلام الفارغ متاحة لجميع التافهين والجهلاء، ولن تستطيع دولة أو أمة ملاحقة كل من يكتب بضعة صفحات يضمنها الكثير أو القليل من العبارات المثيرة، جلباً للشهرة على حساب غوغائية المترصدين.
إن ما يحتاج للمتابعة والحسم في نظري هو فقط خطباء المساجد الذين يحرضون الجماهير على الكراهية والتدمير، ومانشيتات الصحف الصفراء، كما سبق وأن فعلت جريدة النبأ، أما أمثال محمد عمارة ومن هم دونه في الشهرة، فليكتبوا ما شاءوا في كتب يقرأونها وحدهم، فهم لا يستحقون مؤونة قراءة أعمالهم التي تكشف غثاثتها بنفسها، أنا شخصياً أكتب في جريدة القاهرة التي يكتب فيها محمد عمارة عموداً أسبوعياً، لم أفكر إطلاقاً في قراءته، وعندما لفت انتباهي أحد الزملاء لما كتب يوماً أرتفع ضغط دمي، وكلمت رئيس التحرير المستنير الأستاذ/ صلاح عيسى، ووعدني بأنه سيراجع بعد الآن ما يكتبه عماره قبل نشرة، لكنني لم أتابع بعد ذلك كتابات عمارة، لأرى إن كان صلاح عيسى قد التزم بوعده أم لا.
كلمة في أذن إخواني وأهلي الأقباط: ماذا يضيرنا أن يقال أن المسيحية محرفة؟ نحن نؤمن بهذا الكتاب المقدس الموجود بين أيدينا الآن، ولا ننتظر من أحد غير مسيحي أن يعترف به معنا، لسنا في حاجة إلى إيمان أحد بنا لكي نؤمن بكتابنا، فاليهود أيضاً لا يعترفون بالمسيحية ولا بالإسلام، كما لا تعترف المسيحية بالإسلام، وتؤمن أن اليهودية صارت باطلة بعد مجيء السيد المسيح، هكذا جميع الأديان، فلماذا الانزعاج؟ هل لمجرد أن المسلمين يستطيعون أن يعبروا عن إيمانهم بتحريف المسيحية، فيما لا يستطيع المسيحيون التعبير بالمقابل عن رأيهم في الإسلام؟ هذه بسيطة جداً، ولا تستدعي كل هذا الحنق والزعل، وذلك لسبب بسيط، أن المسلمين يعرفون رأي المسيحيين جيداً دون كتابته كل حين وأوان!!
يا أهلي الأقباط لا تشتركوا في معارك الفاشية والمهاترات الدينية، وركزوا جهودكم على قضية الحرية والحداثة، فمصر في أزمة توفير الخبز والمياه النقية وسائر مقومات الحياة الكريمة، فلا تضيعوا وقتكم في دحض وشرح خرافات الجارية التي أسلمت وأسلم معها الرهبان، ولا خرافات أمنا الغولة أو حكايات ست الحسن والجمال والشاطر حسن، اللذين قد يسلم أحدهما بسبب هيامه بالآخر.