مقدمة مؤلمة:
الشعوب الحية وحدها هى التى تستفيد من تاريخها وصحيح دينها وبذلك تتطور وترتقى ..
الشعوب الحية تقرأ تاريخها وتدينها قراءة نقدية لتستفيد من أخطاء الماضى وتعترف به حتى لا يتكرر. الحياة تطور مستمرولأنها شعوب حية فهى فى تطور مستمرباستمرار حيويتها، ولأن الحياة متحركة و"معدية" و"متعدية" فقد يمكن أن تنتقل عدوى الحيوية منها الى شعب نائم خامل ميت فتنبض فيه الحياة والحيوية ويبدأكتابة شهادة حياته بالبحث عن حقوقه المسروقة قائلا للطغاة الذين توارثوه أثناء موته ": أنا هنا يا أولاد الكلب" " انا انسان حى حر ولست متاعا للامتلاك والتوارث" . حدث هذا فى تاريخ اوروبا التى عبرت بالعالم من عصورالاستبدادوالتخلف والظلم والظلام ـ وكلها مفردات للاستبداد ـ الى العصر الحديث بقيمه العليا ومنجزاته ومعجزاته، ونقلت الحياة الى مصر حين أيقظتها الحملة الفرنسية من قرون سباتها الطويل ، وهذا يجعلنى شخصيا ممتنا للحملة الفرنسية فلولاها ما خرجت مصر من شرنقة العصور الوسطى وتنسمت ـ الى حين ـ حياة الحرية قبل أن يقتل حيويتها العسكرالمستبدون من ابنائهامنذ ثورة 1952 والذين يجعلون كل مؤرخ منصف يتحسر على رفق الاستعمار الانجليزى وتحضره فى المقارنة بجبروت الحاكم المستبد المصرى وتخلفه.
الشعوب الميتة هى التى يزدحم أحياؤها حول قبور الموتى وكتبهم تقديسا وتبركا وليس بحثا ونقدا. انها الشعوب التى يعيش فيها الموتى ويموت فيها الأحياء،يعيش فيها الأولياء الصوفية والأئمة الشيعة والسنة – بزعمهم - داخل قبورهم وصفحات كتبهم بينما يعيش أحياؤهم موتى فى غيبوبة الشعارات السياسية والأحلام التراثية أو الأوهام الصوفية أو المخدرات والمشروبات الكحولية أوارهاق المتطلبات الحياتية. المهم أن يظل ميتا او نصف ميت ونصف حى، غائبا او مغيبا عن الوعى حتى يتيح للمستبد الحاكم الأوحد أن يستوعب فى داخله كل حيوات الشعب ليعطى لنفسه الاقتناع بانه خالد لن يموت ، وحتى لو جرى عليه حكم الموت مثل الأنبياء وغيرهم فانه سيستمر بعد موته خالدا فى الحكم فى شخص ابنه الذى هو نسخة منه، والذى سيرث الرعية أو القطيع من بعده ، وستظل صورته الى جانب صورة ابنه تزين كل مكتب حكومى وكل كتاب مدرسى يقرؤه اطفال القطيع ويسبحون بحمده قبل الأكل وبعده ـ اذا كان هناك أكل ..الشعوب الميتة شعوب تنازلت عن انسانيتها ورضت أن تكون قطيعا مملوكا لواحد من "البشر" مثلى ومثلك، الا ان الظروف ساعدته بطريقة أو أخرى فوصل الى الحكم أو وصل اليه الحكم. فوجد شعبا ميتا يشجع أى خروف وديع على أن يلعب دور الأسد وليس فقط دور الذئب، فاستأسد الحمل الوديع على الموتى من ابناء قومه ، وجذب طائفة لتقوم بدور كلاب الحراسة لارهاب من يقوى على الاستيقاظ من الموتى الأحياء. ولكنه مع جبروته على قومه تراه ارنبا أو أقل امام أى حاكم غربى من أولئك الحكام الأحرار الذين يخدمون ـ ولا يحكمون ـ شعبا من الأحرار.
الشعوب الميتة يتعاقب عليها الحكام يتوارثونها فاجرا عن فاجرتحت شعارات شتى تجعل الموتى يزدادون موتا وتخلفا وضياعا, قد تكون شعارات قومية عربية أو وطنية محلية ،وبها يدعى الحاكم الفاجر أنه يمثل القوم أو الوطن ومن اختلف معه أو خالفه فهو عدو للشعب أو الوطن. أسوأهم من يزعم انه يمثل الاسلام وينطق باسم الرحمن ، وهنا تكون الكارثة العظمى لأن من يخالفه لن يكون فقط مستحقا للموت بعقوبة الردة المزعومة ولكن أيضا سيدخل النار حيث ان سلطان الحاكم المتأله يمتد من حدود دولته فى هذه الدنيا الى يوم الدين والجنة والنار، أى انه لا يغتصب فقط حقوق الناس فى هذه الدنيا بل يغتصب معها حقوق الله تعالى فى الدنيا والآخرة. ومع كخرة. ومع كل ذلك الكذب والافتراء على الله تعالى ورسوله ودينه الا أن اولئلك الخلفاء والسلاطين كانو ولا يزالون يجدون خدما لهم ممن يسمون برجال الدين يستعينون بهم فى ظلم الله تعالى وظلم الناس . ولذلك توارثوا السلطة حتى صار توارثها سنة متبعة لا اعتراض عليها مع تناقضها مع شرع الله تعالى وعدله. أدى ذلك التوارث فى السلطة الى وصولها لأصناف عجيبة من البشر كان مؤهلها الوحيد هو القرابة من السلطان الحاكم.
تعالوا بنا الى نموذج عجيب من الخلفاء العباسيين المجهولين الذين جاءت بهم وراثة الحكم فكانوا عبرة لمن يعتبر ـ مع انه من النادرأن يوجد بيننا من يعتبر، بدليل ان جريمة توارث السلطة لا تزال تعيش بيننا بمفهوم العصور الوسطى . بل أكثر من ذلك ، اذ لم يعد ارتكابها قصرا على النظم الملكية بل انتقلت عدواها السامة الى النظم الجمهورية أيضا.
اقرأ هذا المقال وانظرخلفك فى غيظ وانظر حولك فى غضب .. فقد آن لك أن تنفجر بالغضب من الماضى والحاضر، أو الماضى الحاضر. اصرخ غاضبا لتعلن انك حى . من يدرى ؟ ربما تكون مستحقا للحياة الكريمة.
الخليفة العباسى الناصر: 47 عاما من التفاهة
كان مولد احمد ابن الخليفة المستضئ بأمر الله يوم الاثنين عاشر رجب سنة 553 هـ وبويع للخلافة تحت لقب الناصر لدين الله في مستهل ذي القعدة 575 هـ وهو في الثانية والعشرين من عمره، وعلي خلاف اسلافه من العباسيين الذين كانوا في الاغلب يموتون في الشباب فأن الخليفة الناصر مات في السبعين من عمره ،بعد ان حكم سبعا واربعين عاما من التفاهة ،حيث مات يوم الاحد آخر ليلة من رمضان 623 هـ ،وحيث قد اسهم حكمه الطويل للدولة العباسية في اعدادها للسقوط ،وذلك بعد موته ب 33 عاما فقط امام المغول 656هـ ..
ومن الممكن ان يقال ان الدولة العباسية كانت قد وصلت الي الشيخوخة ولو افترضنا ان الناصر لدين الله في حكمه الطويل فعل لها كا ما يستطيع فأن موت الدولة العجوز من الامور الحتمية خصوصا امام قوة شابة كالمغول ..
ولكننا نقول ان الدولة العباسية قد استوعبت في كيانها السياسي وفي كيانها الروحي (أي الخلافة العباسية ) كل القوي العسكرية الغازية الاتية من الشرق ،فجعلتهم قوي عباسية ،اعادت انتاجهم واقلمتهم ليحكموا داخل الدولة وخارجها باسمها ،فعلوا ذلك مع البويهيين مع انهم شيعة يناوئونها فى المعتقد الدينى ، وفعلوا ذلك مع السلاجقة السنيين . وكلهم قوى حربية اتت من الشرق لتتوسع غربا علي حساب الدولة العباسية الضعيفة عسكريا وسياسيا والقوية بخلافتها الروحية . وكان من الممكن ان يحدث نفس الشئ مع المغول ،بحيث يجري لهم ما جري للبويهيين والسلاجقة ،لولا تفاهة الخليفة الناصر في حكمه الطويل والذي اسهم في اضافة الكثير من التجاعيد في وجه الدولة مما عجل بسقوطها ، ولولا ايضا حمق حفيده المستعصم الذى قتله المغول اشنع قتلة احتقارا له ، وهو الذي غلب جده الناصر في التفاهة ..ولا ننسي ان المغول بعد سقوط بغداد اسلموا وتأقلموا في المنطقة مثل سابقيهم من البويهيين والسلاجقة .
ومن الممكن ان يقال ان الدولة العباسية في عصر الناصر كانت قد وصلت ظروفها السياسية الي درجة من السوء بحيث جعلت عملية اصلاحها مستحيلة مهما حاول الناصر في حكمه الطويل لها ..
ولكننا نقول ان ظروف الدولة العباسية في عصر الناصر قد تجمعت كلها تسعي الي الناصر ليقوم بالاصلاح والنهوض واتخاذ اسباب القوة ، ولكنه هو الذي اضاع تلك الفرص النادرة ولم يستفد بها خلال حكمه الطويل الذي لم يتيسر لأي خليفة عباسي في الدولة العباسية فى عصرها الثانى .فما هي هذه الظروف المواتية للنهوض والتي اضاعها الخليفة الناصر؟ :
1. في عهده انحسر نفوذ السلاجقة بتوالي ضعفهم الي ان مات اخر ملوكهم سنة 590 في خلافة الناصر وهو السلطان طغرلبك شاة بن ارسلان بن طغرلبك بن محمد بن ملكشاه .وكان السلاجقة يسيطرون علي معظم البلاد العباسية في الشرق والشمال ،مع تبعيتهم الاسمية للخلافة العباسية .وبموت اخر ملوكهم عادت ممالك السلاجقة الي التبعية الفعلية للدولة العباسية ،وتحرر الخليفة من نفوذهم وسلطتهم وهو ما كان يتوق اليه اسلافه العباسيون ،وكسب الناصر ذلك بدون مجهود يذكر .
2. وفي عهد الناصر خفتت ثورات الشارع العباسي التي كان يتزعمها الحنابلةمن الفقهاء واصحاب الحديث والمثقفون من الادباء والكتاب ،وكان عادة أن ينضم اليهم العوام . وقد حدث هذا التلاحم بين العوام والمثقفين كثيرا في التاريخ العباسي ، ظهر أولا في فتنة الامين والمأمون ،واتضح أكثر في فتنة الحنابلة وحركة احمد بن نصر الخزاعي في خلافة الواثق . واستمرت اضطرابات الحنابلة فى العراق والشارع العباسى الي ان انضم اليهم الخليفة المتوكل تحت شعار (نصرة السنة ) . ثم اضمحلت قوة الحنابلة وورثها شيوخ من العوام تحت اسماء العيارين والشطار وهى تعبيرات مهذبة لأمراء العصابات وقطاع الطرق . ثم قام نظام الفتوة بوراثة العيارين والشطار في اطار حركات منظمة للفتيان لها طقوسها وآدابها ونشاطها شبه العسكري وسلاسلها وسراويلها ونقباؤها وشيوخها وشبابها ، وكانت حركة شعبية انتشرت في العراق والشرق واسيا الصغري. وسعت اليه هذه الحركة ليترأسها ، وفعلا ..تمكن الناصر من السيطرة علي هذه الحركة حين اخذ الفتوة من شيخها البغدادي عبد الجبار بن يوسف بن صالح سنة 578 هـ بعد ثلاث سنوات من توليه الخلافة ،فأخمد حركات المعارضة في الشارع العباسي وكان من الممكن له ان يستخدم حركة الفتوة كعنصر قوة للدولة ،ولكنه استخدمها في التجسس في عمليات بالغة التفاهة ..سنذكر بعضها فيما بعد .
3. وجاء الناصر للحكم وقد اندثرت الدولة الفاطمية الشيعية في مصر ،والتي وصل نفوذها الي تهديد العباسيين في بغداد نفسها في حركة البساسيري من قبل ،ثم اضمحلت الدولة الفاطمية ومات العاضد اخر خلفائها وحل محله السلطان صلاح الدين الايوبي التابع –اسميا – للخلافة العباسية والذي تلقب ايضا بلقب الناصر صلاح الدين . وحين تولي الناصر لدين الله العباسي الخلافة ،كان صلاح الدين الايوبي في اوج عظمته وجهاده ضد الفرنجة والصليبيين ،وكان من مصلحة الحليفين العمل معا ضد الصليبيين ،وهذا بالقطع ما كان يتمناه صلاح الدين الايوبي في انتصاراته وهزائمه مع الصليبيين وغيرهم ،ولكن الخليفة انشغل عن هذا كله ومات صلاح الدين سنة 589 وضاعت فرصة التحالف بينهما ،وضاعت فرصة التحالف بينه وبين السلطان العادل الايوبي الذي خلف اخاه صلاح الدين في قوته وسيطرته وفي ولائه للخلافة العباسية ،وضاعت نفس الفرصة مع ابناء العادل الايوبي ،وخصوصا الملك الكامل صاحب مصر . أضاع الناصر العباسى كل هذه الفرص لانشغاله بالتفاهات فى عصر الجد والحروب الصليبية واوج انتصاراتها فى عهد صلاح الدين ثم تراجعها وانكسارها فى عهد من أتى بعده : العادل والكامل. والخليفة الناصر العباسى باعتباره الزعيم الأكبر للمسلمين تقاعس عن نصرة صلاح الدين ورفض أن يشاركه فى صنع التاريخ. . واتاح الفرصة ـ فرصة السقوط ـ لخلفاء صلاح الدين ، فسقطوا فى مستنقع التفاهة الذى يتربع فيع الخليفة الناصر طيلة حكمه الطويل.
باختصار اندثر السلاجقة والفاطميون واصبحت اكبر قوة اسلامية مع الناصر لدين الله العباسي وليست ضده ،وتتطلع للتحالف معه ،ويستوي في ذلك الايوبيين والجماهير التي انتظمت في تشكيلات شبه مسلحه (الفتوة والفتيان) وكانت معركة الخلود وفرصة المجد امام الخليفة ماثلة امامه تدعوه طيلة حكمه للمشاركة والقيادة ،ولكنه اعرض عنها اكتفاءا بتفاهاته وظلمه . ونقصد بها الجهاد ضد الصليبيين والذي لم يشارك فيه الخليفة الناصر مطلقا ،لافي انتصارات المسلمين ولا في مساعدتهم وقت المحنة والانكسار .
باختصار اكثر كان المسرح معدا للخليفة العباسي الناصر لكي يقوم بالدور المأمول منه للنهوض بدولته وامته ولم يكن ينقصه الا ان يقوم بالدور العادي المطلوب بدون عبقرية او عمل خارق ، فقط يقوم بتولي القيادة باعتباره الخليفة الوحيد للعالم الاسلامي ،وباعتباره الخليفة التي تخطب المنابر باسمه ويحكم السلاطين بأسمه ،واخيرا باعتباره اكثر الخلفاء بقاءا في الحكم.. .. ولكنه اضاع ذلك كله .
ونأتي للسؤال الاهم ..اذا ماذا كان يفعل الخليفة في حكمه الطويل ؟وبماذا اشتهر طالما افتقده عصره في اهم ملامح تاريخنا في الصراع مع الصليبيين؟ : في وقت فراغه الطويل انشغل الخليفة الناصر بالظلم والهوايات الغريبة ،مثل التجسس ورمي البندق واللعب بالحمام الزاجل .
-عن الظلم يقول عنه المؤرخ ابن الاثير في تاريخه الكامل (كان الناصر سئ السمعة، خربت في ايامه العراق، مما احدثه من الرسوم واخذ املاكهم واموالهم ،وكان يفعل الشئ وضده ،وكان يرمي بالبندق ويغوي الحمام) وجدير بالذكر ان المؤرخ ابن الاثير كان معاصرا للخليفة الناصر وقد عاش بعده مما شجعه علي ان يكتب فيه ما يشاء بعد موته.
واختلف الحال مع المؤرخ ابن الجوزي الذي كان يعيش شيخوخته عندما تولي الخليفة الناصر الحكم ،وحين ادرك المؤرخ العجوز جبروت الخليفة الشاب كف عن التأريخ ،وانهي كتابه الهام في التاريخ وهو كتاب (تاريخ المنتظم ) بنهاية الخليفة المستضئ ،او بمعني اصح سنة 574 هـ قبيل موت المستضئ . وفي عهد الخليفة المستضئ والد الناصر كان ابن الجوزي في اوج شهرته كأعظم علماء عصره في الحديث والتاريخ والفقه والوعظ ،وكان في تأريخه في السنوات الاخيره من تاريخ المنتظم يشير الي مجالس وعظه وتوليه المناصب بعناية العباسيين ،وانتهي ذلك كله بمجئ الناصر وظلمه . ومات ابن الجوزى سنة 597 هـ في خلافة الناصر بعد ان قاسي منه الامرين . ولم يستطع المؤرخ المسكين أن يسجل الظلم الذى حاق به فى أواخر أيامه تاركا تلك المهمة لمن جاء بعده من المؤرخين.
ويذكر ابن كثير في تاريخ (البداية والنهاية )في ترجمة ابن الجوزي ان ابن الجوزي في مجلس وعظه الذي كان يحضره الخليفة المستضئ ،قال للخليفة علانية امام الملأ :{ " يا امير المؤمنين إن تكلمت خفت منك وان سكت خفت عليك ،وان قول القائل لك اتق الله خير لكم من قوله لكم ..انكم اهل بيت مغفور لكم " .. وظل يعظه الي ان ابكاه وجعله يتصدق بمال كثير ويكسي الفقراء ويطلق المساجين ..}
فلما جاء الناصر بجبروته وخفته وتفاهته اخاف ابن الجوزى . وقد سئل ابن الجوزي بحضرته عن افضل الناس بعد الرسول صلي الله عليه وسلم ،فقال (افضلهم بعده من كانت ابنته تحته)،وقالها هكذا حتي تنطبق الكلمة علي {ابي بكر} و{علي} معا ،حيث لم يكن يجرأ علي التصريح بأي منهما خوفا من الخليفة ،اذ كان معروفا أن الخليفة الناصر يتشيع علي مذهب الشيعة الامامية بخلاف المذهب الرسمي للدولة . وربما ادرك ابن الجوزي ان الخليفة الناصر يتصيد له الاخطاء ،فتهرب من هذه الاجابة . الا ان ذلك لم يعصمه من اضطهاد الخليفة حيث نفاه الخليفة الي واسط ،وظل فيها خمس سنين قاسي فيها الكثير ،وكان وقتها في الثمانين من عمره ،ثم عفا عنه فعاد الي بغداد قبيل موته بعام . فاذا كان يفعل ذلك مع اكبر علماء عصره واشهرهم وفي هذه السن المتأخرة فكيف بالاخرين من العوام ؟؟لذلك لا نتعجب من هجرة اهل العراق وتركهم ممتلكاتهم للخليفة بعد ان شاع ظلمه .
2- اما في التجسس فقد كان فيه باع كبير. ولا ريب انه استخدم فيه جماعات الفتوة وتنظيماتها . الا ان استخدام التجسس هنا كان لأهداف تافهة الغرض منها الدعاية للخليفة وقدرته علي كشف الغيوب والاسرار والتلاعب بالناس. ولم يحدث ان توجهت هذه القدرة الفائقة علي التجسس الي حرب الفرنجة لمساعدة المسلمين .وقال عنه الذهبي (اصحاب اخباره في اقطار البلاد يوصلون اليه احوال الملوك الظاهرة والباطنة ،وكانت له حيل لطيفة ومكائد غامضة ،وخدع لا يفطن اليها احد ،يوقع الصداقة بين الملوك المتعادين وهم لا يشعرون ،ويوقع العداوة بين الملوك المتفقين وهم لا يفطنون ) . وحكي الذهبي من ذلك اعاجيب منها ان رسول مازندران اختلي بأمرأة دخلت اليه سرا ،فجاءت اليه ورقة من الخليفة الناصر تصف كل شئ .وجاء رسول من الخوارزمي شاه برسالة مختومة الى الناصر فعرفه بمحتوي الرسالة فرجع ،وجاءه رجل من الهند ببغاء تقرأ (قل هو الله احد )فماتت منه في الطريق ،فجاءت اليه رسل الخليفة الناصر تخبره بأنه عرف قصته منذ خرج من بلاده وتعطيه الجائزة ،واشياء كثيرة من هذا القبيل ،حتي قيل انه كان له اتباع من الجن يخبرونه .
وقال عنه ابن واصل (كان له اصحاب اخبار في العراق وسائر الاطراف يطالعونه بجزئيات الامور ،حتي ذكر ان رجل ببغداد عمل دعوة وغسل يديه قبل اضيافه فكتب له الناصر: – {هذا سوء الادب من صاحب الدار .)
باختصار تحول التجسس لديه الي لعبة لا تفترق عن الضرب بالبندق وتطيير الحمام.
فهل خلا عصره من الاحداث الجسام بحيث يتفرغ امام المسلمين وخليفتهم الى هذه التفاهات ؟
ان القارئ لسنوات حكم الناصر (575-623)يجدها حافله بالاحداث الجسام التي حفرت في ذكراتنا الاسلاميه والقوميه .وكان الناصر عنها غائبا بحيث يغيب في سطور التاريخ نفسها، إذ اجبرت تلك الاحداث وابطالها التاريخ والمؤرخين على العكوف عليها تسجيلا تاركين الناصر يتلاعب بالحمام والبندق والتجسس والظلم ..
ونعطي امثله للاحداث التي غاب عنها الناصر :
1-فقد ادرك الناصر جهاد صلاح الدين الايوبي ضد الصليبين بانتصار حطين واستعادة بيت المقدس سنة 583 بعد احتلال دام 91 سنة .وما نتج عن ذلك من قيام الحمله الصليبيه الثالثه الالمانيه الانجليزيه وصراعها مع صلاح الدين واستعادتها لعكا ، وعقد ريتشارد قلب الاسد الصلح مع صلاح الدين صلح الرمله سنة 588.
ومات صلاح الدين في 27 صفر سنة 589 ،وجاء رسول من الايوبين الى الخليفه الناصر يحمل معه لامة الحرب التي كان يضعها صلاح الدين على رأسه والفرس التي كان يركبها ،ومقدار ما تركه صلاح الدين من اموال ، وهو دينار واحد وستة وثلاثون درهما لم يخلف غيرها..فهل يا ترى بعثوا بذلك للخليفه التافه على سبيل العظه ،ام الاستهزاء،ام ابراء الذمه ؟
2- وهجم الصليبيون على رشيد وفوه سنة 600 ،وقبلها باربع سنين حدثت في مصر مجاعه هائله بسبب توقف النيل حتى اكل الناس الكلاب والميته واكلوا بعضهم ،وجاءت الحمله الصليبيه الرابعه التي غيرت طريقها من الهجوم على مصر الى الهجوم على القسطنطينيه واستباحتها سنة 601 هـ.ثم كانت حملة الاطفال الصليبيه ،ثم كانت الحمله الصلبيه الخامسه التي استولت على دمياط في عهد الكامل الايوبي ،واستردها المصريون بعد اربع سنوات سنة 618 هـ.
باختصار كان تاريخ العالم يسجل بالدماء والنيران في عصر الناصر العباسي وفي العالم الاسلامي الذي يقوده ، والذي جاء فيه الفرنجه الى العالم الاسلامي غزاة ..ولكنه انشغل عنهم بالهو واللعب .والتلاعب بين الحكام يوقع بينهم الحب او البغضاء ..
*وعن طريق احدى هذه اللعب كان تدمير الدوله العباسيه فيما بعد على يد المغول.
إذ ان الناصر بأحدى الاعيبه اوقع بين جنكيز خان ـ سلطان التتار والمغول فى الصين وما حولها ـ وخوارزم شاه مؤسس الدولة الخوارزمية فى آسيا الوسطى ومركزها كان فى أفغانستان الحالية وتجاور الدولة العباسية. لم تكن هناك عداوة تذكر بين الزعيمين القويين . حيث كان التوسع المغولى يجد طريقه سهلا ميسرا فيما يعرف الآن بروسيا ومناطقها الواسعة بين أوربا ,آسيا. ولكن الاعيب الناصر غيرت اتجاه زحف جنكيزخان نحو جارته القوية الدولة الخوارزمية. وقامت الحرب سجالا بينهما حيث اشتعل الثأر بين زعيمين قويين لا يرضى أحدهما لنفسه الهزيمة ،و بعد هزيمة ماحقة للسلطان خوارزم شاه تمكن ابنه جلال الدين منكبرتى من اعادة ملك أبيه، و استمر الثأر بين جلال الدين منكبرتي بن خوارزم شاه والمغول . وتمكن المغول فى النهاية من تدميرالدولة الخوارزمية الاسلامية التى كانت حاجزا مرعبا يفصل تماما بين القوة المغولية الفتية الشابة الغازية وبين الدولة العباسية الهرمة المتهالكة ، فانفتح الطريق سهلا امام المغول للزحف غربا بعد ان ازالوا ذلك الحائط الذي كان يفصلهم عن الدوله العباسيه ، فكان تدمير الدولة العباسية سنة 656 ..
*ترى هل كان ذلك الخليفه الاحمق - الذي كان يعلم الغيب بزعمهم- يدرك انه كان يحفر قبور آله واسرته ودولته؟
وبعد ؟ ماذا تبقى لنا من ذلك التافه ؟ الناصر العباسى ؟؟؟
1 ـ هذا الخليفة المأفون لا يذكره أحد الآن برغم العمر الطويل الذى قضاه فى السلطة يملك الارض وما عليها ومن عليها بزعمهم. أخاف العلماء والمؤرخين وتقاعس عن نصرة شعبه وأمته فكان عقابه الاهمال فى زاوية التاريخ برغم حكمه الطويل . لا أحد يسمع عنه الا اذا كان متخصصا فى التاريخ العباسى ودقائقه بينما يسمع الناس حتى عصرنا عن المؤرخ ابن الجوزى الذى كان ضحية لذلك الخليفة المأفون . والعادة أنه اذا اختلف السيف والقلم فان الخلود والغلبة للقلم فى النهاية . ولكن الحكام البلهاء ـ حتى فى عصرنا ـ لا يفقهون .
عاش هذا الخليفة يحكم 47 سنة ومات نسيا منسيا لا يذكره أحد الآن بينما يظل عمر بن عبد العزيز حيا عزيزا فى ذاكرتنا الاسلامية والانسانية برغم انه حكم 29 شهرا فقط ملئت كلها عدلا، فظل بها حيا محبوبا محترما حتى الآن وكل آن . ولكن الحكام الظالمين فى عصرنا لا يعقلون.
هذا الخليفة التعس كان اسمه أحمد ولكن تلقب ـ على عادة الكهنوت العباسى ـ بلقب " الناصر لدين الله ". فهل نصر دين الله وكان بامكانه أن يفعل ؟ كل ما فعله هو أن أضاف حلقة من سلسلة التفاهات التى يمتلىء بها تاريخنا العربى "الاسلامى".
2ـ هذه السلسلة التافهة تقع مسئوليتها على جريمة قديمة حديثة اسمها :"وأد الشورى الاسلامية ". الشورى الاسلامية التى تعنى وفقا للتشريع القرآنى تطبيق الديمقراطية المباشرة الكاملة حتى بدون التمثيل النيابى عن الشعب والناس. ولكن منذ بيعة السقيفة تم هدم ووأد ودفن هذه الفريضة الاسلامية شيئا فشيئا وبالتدريج الى أن تم استبدالها بأفظع نقيض لها وهو الدولة الدينية والخليفة الذى يملك الارض وما عليها ، والذى يورث لولى عهده رعيته واملاكه وامتعته من البشر والشعب والناس والوطن . ويترك الناس سبايا ومنحة رخيصة فى يد ولى عهده. وعلى حسب حظ المساكين من الرعية أن يكون الحاكم الجديد تقيا ـ وتلك حالة استثنائية لا يقاس عليها ـ أو أن يكون طاغية جبارا عصيا ـ وهذا هو الاصل والقاعدة.
ولكن بعض الطغاة كانت لهم بعض الميزات السياسية اذ حافظوا على ممتلكاتهم من القطيع البشرى وغيره أو أنشاوه أوانتصروا على المعتدين عليهم . فعل ذلك كثيرون من الحكام المستبدين فى تاريخنا الاسلامى ، خصوصا اولئك الذين أقامو الدول أو قاموا بتوطيدها. بدأ ذلك بمعاوية أول ملك فى تاريخ المسلمين , ولم ينته بصلاح الدين الأيوبى . ولكن لأنهم طغاة فقد قاموا بتوريث الأوطان و الناس والحكم للابناء وتكوين أسر حاكمة تحتكر السلطة والثروة مغتصبة حقوق الناس عاصية لشريعة رب العالمين. فعل ذلك معاوية حين ورث ابنه الفاسق يزيد ، وفعل ذلك أيضا صلاح الدين الآيوبى حين ورث ابنه الخامل العزيز عثمان.
المشكلة الحقيقية هى أن وأد اليمقراطية الاسلامية المباشرة واحلال الاستبداد والطغيان بديلا عنها قد اتاح الفرصة لكثير من المختلين عقليا والتافهين والأنذال ليرثوا السلطة لأن مؤهلهم الوحيد هو درجة القرابة للسلطان او الخليفة. ومن الطبيعى عندما تتوطد اسرة ما فى الحكم أن ينشا ابناء السلاطين على ادمان اللذات المباحة والمحرمة و الترف والميوعة والأنانية والحمق وسوء التربية ، يغذيها فيهم النفاق الذى يحيط بهم , وهالة الحكم والجبروت الذى يغلف حياتهم اليومية , وتبرع الفقهاء لتبرير نزقهم وعصيانهم باسم الشرع . لذا فالأغلب ألا يجيد أحدهم الا اللعب واللهو والمجون تاركا الحكم لوزير قوى وفق وزارة التفويض فى العصر العباسى التى راج أمرها منذ عهد هارون الرشيد والبرامكة واستمرت بعدهم تعطى اكبر متسع من الوقت للخليفة التافه كى يزداد مجونا وخلاعة وتهتكا بين ندمائه وخلانه . ونفس الحال حدث فى عهد الوزراء العظام للدولة الفاطمية وخلفائها المتألهين . الذين تركوا الأمر والنهى للوزراء لينهمكوا مثل اقرانهم العباسيين فى شتى انواع الفجورو الشذوذ .
والمصادر التاريخية التراثية تطفح بذلك كله مما يشين الانسانية جمعاء . لكننا لا نقرأ تاريخنا . وحين يقرؤه بعضنا فانه يقرأ بعض الجوانب المضيئة فقط متعاميا عن أغلبه وهو ما يخزى ويشين. ولهذا لا نتعلم من ماضينا وتاريخنا.
3 ـ والانسان حيوان تاريخى فضله الله تعالى على بقية الحيوانات بأن له ذاكرة ، وعلمه الاسماء والكتابة لكى يستذكر تاريخه ويعيه ويستفيد منه عبرة ودرسا وموعظة حتى لا يقع فى نفس الخطأ الذى وقع فيه السابقون ، وحتى تتطور حياته الى الأحسن بفضل ذلك التراكم المعرفى.
الحيوان وحده هو الذى يعيش الحاضر فقط ولا يعى الماضى ولا يستفيد منه . لذلك وقع فريسة للانسان الذى جاء بعده متأخرا الى هذا الكوكب. لا يزال الحيوان يقع فى نفس المصيدة التى وقع فيها أسلافه منذ الوف السنين . لم يتغيرحاله ، لا يجتر الا طعامه دون ذاكرته. هكذا خلقه الله تعالى وسخره للانسان ذى العقل والذاكرة والاختيار الحر. أكثر من ذلك أرسل الله تعالى للانسان قٌرآنا كريما يحثه على التعقل و ألا يركن الى التقليد وثوابت الآباء ، اذ لا بد من تعقلها والاحتكام فيها للعقل . بل وقص عليه قصص الأنبياء ليؤكد بشريتهم ولنتعلم من أخطائهم وليؤكد على أهمية العظة فى التاريخ الانسانى . وفى نفس الوقت وصف القرآن اولئك المتبعين لما وجدوا عليه آباءهم بلا عقل ولاعلم ولا هدى ـ وصفهم بالحيوان الذى ينعق بما لا يسمع ولا يعى، بل جعلهم اضل سبيلا من الحيوان . لأن الحيوان مخلوق هكذا ولا حيلة له فى ذلك . أما هم فقد انحطوا بأنفسهم وبارادتهم الى درجة الحيوان ليتمسكوا بتراث ضال متخلف وتمجيد تاريخ أكثره عار يخالف شرع الله تعالى وقيم دينه العليا من العدل والحرية والسلام والاحسان.
3 ـ النتيجة المؤلمة أن القرآن معنا ولكننا اتخذناه مهجورا حبا وتقديسا لأحاديث كاذبة اخترعها الأسلاف ثم اضاعوا أجيالا فى الاختلاف حولها . وفى غمرة هذا الضلال تخلفنا بينما بدأ الغرب نهضته بالتعقل المجرد وبالرؤية النقدية يراجع تاريخه وينتقد تراثه ويسير فى الأرض يبحث فى آلآء الله تعالى فى الكون بمنهج علمى ـ قرره القرآن سلفا ـ فأقام الحضارة الحديثة التى نعيش فى خيرها اليوم عالة على ذلك الغرب الذى يلعنه بعضنا ويحكم بكفره ليل نهار.
تحرر الغرب من عبادة السلف وخرج من نفق عبادة الأبطال الذى لا زلنا نتعثر فيه حتى الآن .
4 ـ ولهذا فلا زلنا نعيش عصر الناصر العباسى ولا زلنا نرى ملامحه "الكريمة " فى حكامنا " الأبطال ".
وحتى محنة توارث الملك "العضوض " لا تزال تؤرق حاضرنا الذليل. الصراع على ولاية العهد فى النظم الملكية الحالية يذكرنا بما كان يحدث فى العصور الوسطى فى عهود الأسرات الحاكمة .
وفى الجمهوريات الحالية التى لم يعرفها عهد الخليفة الناصرالعباسى ، والتى اقامها آباء الكفاح فى سبيل الاستقلال مالبث أن أوصلها الحكم العسكرى المستبد الى حكام من الدرجة الثانية ، لا يختلفون كثيرا عن ورثة النظم الملكية الحالية ويطمعون فى توريث الجمهوريات الى الأبناء لينجوا بانفسهم وبسرقاتهم وجرائمهم من الحساب عندما يتولى السلطة غيرهم ويفتح ملفاتهم المطوية. بتوريث الجمهورية اتيحت لهم الفرصة لينتجوا نوعا جديدا من النظم الجمهورية الملكية ، سماه المناضل المصرى د. سعد الدين ابراهيم " النظم الجملوكية " على وزن الملوخية.
5 ـ بين الرؤساء والملوك العرب ترى ملامح واضحة للناصر العباسى عدا اختلاف ضئيل . فالناصرالعباسى استوعب فى ملكه التنظيمات الشعبية الدينية المختلفة للفتوة وكان فيها بعض النخوة والمروءة وأخلاق الفرسان ، أما فى عصرنا الذليل فان التنظيمات السلفية السياسية تزايد على الحكام المستبدين فى الأستبداد والتخلف وسفك الدماء للمسالمين والمساكين حتى من الضيوف والنساء والاطفال . وانظر مايحدث فى العراق والجزائر، وهم يفعلون ذلك ولم يصلوا بعد للسلطة . فكيف اذا وصلوا لها ؟
5 ـ بهم جميعا ـ الحكام والمعارضة السلفية الأرهابية ـ اصبح الآسلام متهما بالتطرف والتعصب والارهاب. واصبح محتاجا لمن يعانى فى سبيل تبرئته من هذه التهم الباطلة وهو فى الأصل دين القيم العليا التى يطبقها الغرب الآن فتقدم وتفوق وتحضر ولا يزال ، بينما نعيش نحن على هامش التاريخ نتعثر فى ردهاته المظلمة . واذا حاول مفكر مسلم انصاف الاسلام واصلاح المسلمين به تقافزت امامه الماعزغضبى ، وهددته بقرونها الكباش ، وعوت فى وجهه الذئاب .
لم يعان المصلحون من الاضطهاد فى أوربا منذ قرون مثلما يعانيه المصلحون اليوم فى العالم العربى. كان فى فرنسا باستيل واحد قبل ثورتها ، وحين اقتحمته الجماهير لم تجد فيه ما تتوقع من كثرة عدد المساجين .. ترى كم عدد السجون فى العالم العربى ؟ وكم عدد النزلاء فيها ؟ وكم عدد المعذبين "بكسر الذال " وكم عدد المعذبين " بفتح الذال"؟ وكم عدد الحالات الحقيقية "للاختفاء القسرى " ؟ وهل ستأتينا الاجابة الصحيحة عن عددهم فيما بعد حين نكتشف بعض المقابر الجماعية ؟ والسؤال الأهم :"لماذا كل هذا "؟ والاجابة الوحيدة ": ليحتفظ الناصر العباسى بالسلطة ويورثها للأحبة حتى يظل مسلسل التفاهة مستمرا " وليذهب المعارضون والمصلحون الى السجون والمنافى ..!!
اننا فى سبيل الاصلاح نقع تحت سيف الاضطهاد من الحكام والمتطرفين معا. تطاردنا مكائد والاعيب الناصر العباسى وفتاوى فقهاء الثعبان الأقرع.
6 ـ ولكن يبقى الأمل فى المستقبل . ومن يدرى ؟ ربما يأتى فى القرن القادم باحثون أفاضل يقرأون تاريخنا الحالى قراءة نقدية كما أفعل الآن مع ذلك الناصر العباسى المأفون . وأتخيلهم وهم يتعجبون كيف سكت اجدادهم على هذا الذل وكيف تحملوا تسلط اولئك الأقزام ؟ وكيف تقاعسوا عن نصرة المصلحين والمناضلين الشرفاْء .. ستكون الملفات المطوية الآن مفتوحة غدا . وسيعلم الأحفاد كيف كان الشيطان ـ متخفيا خلف العمائم واللحى ـ يتصدر للوعظ باكيا متظاهرا بالتقوى وهو يحث قطعان الماعز على ملاحقة المصلحين المسلمين. وسيعلم الأحفاد كيف بيعت الشعوب والذمم والآوطان والاعراض لقاء الوصول للحكم أو الاحتفاظ به أو توريثه .
فى الغد ان شاء الله تعالى ستنتصر الأقلام الشريفة على كل مواكب الطغيان واتباعهم من الفقهاء والترزية والكتبة والقيان والعبيد والخصيان . وسيكون كل حرف مكتوب اليوم معلقا برقبة صاحبه غدا ، يحكم له أو يحكم عليه . وان غدا لناظره قريب..