التلفزة المغربية و الثقافة الامازيغية في عهد الراحل الحسن الثاني أي تحليل ديني و وطني الجزء الاول ؟
مقدمة متواضعة
ان اية ثقافة اصيلة في أي مجتمع انساني هي نتاج للتراكم المعرفي أي معرفة الأشياء و إعادة انتاجها في قوالب جديدة تحت جدلية التطور و التطوير منذ ان خلق الله سيدنا ادم كاب البشرية و ليس الإنسانية حسب ما فهمته خلال قراءتي المتواضعة لكتاب الكتاب و القران للمرحوم المفكر السوري محمد شحرور أي ان هذا الكائن الحي قد قطع العديد من المراحل و المحيطات بغية الوصول الى المرحلة الإنسانية مع نزول الرسالة الخاتمة على رسول الله عليه الصلاة و السلام...
و من هذا المنطلق فان اية ثقافة اصيلة هي حاملة لجدلية التطور و التطوير و التراكم المعرفي و القيمي منذ بدء الخلق الى يوم القيامة حيث لا يعلم الغيب الا الله سبحانه و تعالى .......
ان الثقافة الامازيغية تدخل في اطار الثقافة الاصيلة او الاصلية باعتبارها بنت منطقة شمال افريقيا عموما و المغرب خصوصا منذ عهود سحيقة لا يعلمها الا الخالق.
لكن حسب الأبحاث العلمية الراهنة في هذه الحقول المعرفية تقول بان مهد البشرية هو هذا البلد السعيد بفضل عثور على العديد من الشواهد الدالة على هذا المعنى دون الدخول في التفاصيل بمعنى ان الثقافة الامازيغية هي قديمة قدم الكائن البشري في هذا العالم حسب هذه الأبحاث العلمية الراهنة لان العلوم الإنسانية هي خاضعة كذلك لجدلية التطور و التطوير منذ اكتشاف النار الى قيام الساعة .
ان الثقافة الامازيغية تميزت بروح التعايش و المقاومة في نفس الوقت عبر العصور ما قبل الإسلام او ما يسمى بالجاهلية لدى السلفيين و الوهابيين على الخصوص علما ان اجدادنا الامازيغيين ما قبل الإسلام لم يعرفوا قط الجاهلية كما هي معروفة في شبه الجزيرة العربية من قبيل عبادة الاصنام و من قبيل ود البنات في التراب باعتبار ان اجدادنا الامازيغيين قد تفاعلوا بشكل إيجابي مع حضارات خوض البحر الأبيض المتوسط ثقافيا و دينيا بحكم ان الامازيغيين قد ساهموا في الدين المسيحي بقسط وافر عبر رموز امازيغية دينية خدلها التاريخ بمداد من الفخر و الاعتزاز ......
و نفس الشيء يقال عن ما بعد اعتناق اجدادنا للرسالة الإسلامية الخاتمة باقتناع عميق بعيدا عن سلوكيات ولاة بني امية الفاجرة حيث ان كتب المؤرخين العرب انفسهم كما يقول الدكتور كلاب بشكل دائم ترسيخا للمركزية المغربية في التاريخ .....
لقد كانت كتب المؤرخين العرب تعج بفضائح هؤلاء الولاة الامويين مع البنات و النساء الامازيغيات عبر ارسالهن الى فراش الخليفة بدمشق بدون أي اعتبار لاخلاق الإسلام المحافظة على شرف المراة المسلمة كانت او المسيحية او اليهودية ..
غير ان الدولة الاموية لا تحترم مبادئ الإسلام و لا حدوده حيث عندما يقول الخليفة الاموي امام الملا انه يريد ان يتلد بالبربرة أي انه يجاهر بممارسة الفاحشة العلانية كما يقول المرحوم محمد شحرور في كتابه الشيق تحت عنوان الدين و السلطة الذي استمتع بقراءته الان..
و بالتالي لو قال احد نشطاء الحركة الامازيغية او الحقوقية مثل هذا الكلام الخطير امام الملا الان تحت مفهوم الحريات الفردية او مفهوم العلاقات الرضائية ستقوم الدنيا عليه من طرف جيش من الوهابيين و السلفيين باتهامه بالفسق و بالفجور بينما يصمتون صمت القبور عندما يتعلق الامر بفجور الخلافة الإسلامية كما تسمى عموما و الخلافة الاموية خصوصا لان هؤلاء القوم يجتهدون باظهار اننا نفعل الذنوب و المعاصي بينما ان سلفهم الصالح كانوا ملائكة فوق الأرض يطبقون شرع الله بين عباده بالعدل و بالرحمة الخ من أكاذيب هؤلاء القوم..
ان الثقافة الامازيغية تعايشت مع الرسالة الإسلامية الخاتمة كدين و كقيم عليا مدة 14 قرن من العيش المشترك و التفاعل المتبادل حتى اطلق المرحوم الأستاذ احمد الدغرني مصطلح الإسلام الامازيغي في سنة 2004 أي في سياق وجود المعهد الملكي للثقافة الامازيغية كمؤسسة استشارية و اكاديمية لا اقل و لا اكثر لان الحركة الثقافة الامازيغية لم تستطيع التنظير لمصطلح الإسلام الامازيغي علانية منذ سنة 1967 الى سنة 2004 رغم وجود مشروع تمزيغ الفكر الإسلامي لدى الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي منذ البدايات الأولى.
الى صلب الموضوع
ان الثقافة الامازيغية أصبحت ما بعد الاستقلال الشكلي شيء يحيل الى المفاهيم السلبية للغاية وضعتها الحركة الوطنية ذات المرجعية السلفية المزعومة في سياق الثلاثينات من القرن الماضي عبر أيديولوجية الظهير البربري التي وظفتها بشكل فضيع بعد سنة 1956 في مجالات الحياة العامة ذات الأولوية مثل الحقل الديني الرسمي و التعليم و الاعلام و السياسية الرسمية الخ..
ان هذه المفاهيم السلبية يمكن اختزالها في عناوين كبرى مثل السيبة و الجاهلية و التنصير و الفرنكوفونية و العمالة للدولة الفرنسية الاستعمارية حيث ساشرح بعض هذه المفاهيم السلبية حسب علمي المتواضع لان العلم المطلق لله سبحانه و تعالى ..
و ابدا من مفهوم السيبة أي السائبة يعني الحرة حيث كما هو معلوم فان القبائل الامازيغية كانت تمتع بنوع من الحكم الذاتي عن المخزن المركزي حيث قد تقع الحروب بين المركز المركزي و القبائل الامازيغية بسبب رفضها لدفع الضرائب الثقيلة للمخزن المركزي الخ ..
و عندما تتصالح هذه القبائل مع المخزن المركزي يعترف هذا الأخير لها بنظامها العرفي أي الوضعي بلغة عصرنا الحالي لكن الحركة الوطنية قد استعملت مفهوم السيبة لاظهار ان القبائل الامازيغية تميل الى الفوضى و الخروج عن طاعة السلطان باعتباره امير المؤمنين و حامي الملة و الدين في مختلف العصور و المراحل لان الامازيغيين يحترمون النظام الملكي منذ ما قبل الإسلام بقرون عديدة.
اما مفهوم الجاهلية فانه يحيل الى ما قبل الإسلام في شبه الجزيرة العربية لكن حسب رايي المتواضع فان الاعراب قد اعادوا هذه الجاهلية لكن بثياب الإسلام خصوصا في الخلافة الاموية رغم ان بعض المفكرين المحسبين على التيار التنويري مثل المرحوم محمد شحرور الخ راوا ان الجاهلية رجعت قبل الخلافة الاموية لكنني احترم الخلفاء الراشدون و لن اخوض في أي نقاش لا طائل منه الان
..
اما استعمال الحركة الوطنية لمفهوم الجاهلية في سياق الثلاثينات من القرن الماضي أو في سياق ما بعد سنة 1956 فهدفه الاسمى هو جعل اجدادنا الامازيغيين لا بعد ديني لهم على الاطلاق طيلة تاريخهم الإسلامي لان الدول التي حكمت المغرب هي عربية مشرقية أي لا يوجد اية اسهامات لهم و لثقافتهم الاصلية في بناء حضارتنا الإسلامية المغربية اطلاقا ..
اما التنصير او التبشير فانه دعوة لاعتناق المسيحية حيث استعملت الحركة الوطنية هذا المفهوم الأسطوري لايهام المغاربة و المسلمين في العالم الإسلامي وقتها ان الاستعمار الفرنسي أراد تنصير الامازيغيين عبر اصدار ظهير 16 ماي 1930 و سارجع الى هذه النقطة لاحقا ضمن هذا المقال .
و نفس الشيء بالنسبة للفرنكوفونية ..
فاذن هذه المفاهيم السلبية ظلت تشكل تاطير أيديولوجي و سياسي لمعاداة الامازيغية بكل ابعادها و تجلياتها داخل مؤسسات الدولة الرسمية آنذاك .
و من هذا المنطلق كانت التلفزة المغربية ذات هوية السلطة الافتراضية و الهوية الفرنكوفونية تهمش الثقافة الامازيغية تهميش مع سبق الإصرار و الترصد حيث من الناحية الدينية فكانت التلفزة المغربية لا تبث أي برنامج ديني بفروع اللغة الامازيغية الثلاث على الاطلاق علما ان خطاب الحركة الوطنية يدعي ان هناك عملية تنصير البربر و فرنسيتهم ...
و بالتالي فمن واجب الدولة محاربة هذه الظاهرة ابان الاستقلال الوطني باعتماد ما يسمى باللهجات البربرية في الإذاعة الوطنية الناطقة بالعربية و التلفزة المغربية و لو بالخطاب السلفي للحركة الوطنية لان الامازيغيين البسطاء يحبون الاستماع الى الارشاد الديني المتعلق باركان الإسلام مثل جدتنا الخ من الذين لا يعرفون الا الامازيغية بفروعها الثلاث
لكن الدولة لم تفعل أي شيء من هذا القبيل لان تنصير الامازيغيين هي اكذوبة حقيرة و سطحية لان لا يوجد أي اثر لهذه العملية في الهوامش الامازيغية حيث كان الإباء لا يرسلون ابناءهم الى المدارس بعد سنة 1956 خوفا من شبح التنصير عبر تعلم اللغة الفرنسية الخ من هذه المؤشرات الواضحة على زيف هذه الأسطورة و التي شرحتها بالعمق في كتابي الأخير ....
و للحديث بقية ..
المهدي مالك