التلفزة المغربية بين هوية السلطة الافتراضية و الهوية الفرنكوفونية أية مقاربة و أي تناقض ؟

مهدي مالك في السبت ١٧ - أغسطس - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

التلفزة المغربية بين هوية السلطة الافتراضية و الهوية الفرنكوفونية أية مقاربة و أي تناقض ؟

مقدمة متواضعة                                                   

  لقد أسس النموذج الهوياتي لحظة الاستقلال الشكلي سنة 1956 على  هوية السلطة الافتراضية و الهوية الفرنكوفونية لا غير .

 ان ما اصطلح عليه بالحركة الوطنية حين تاسيسها 1930 قدمت نفسها للمغاربة باعتبارها ذات المرجعية السلفية التي دخلت اول تاثيراتها من المشرق العربي آنذاك و دون نسيان ان مناطق المخزن المحدودة في المركز أي الرباط و سلا فاس كانت تطبق الشريعة الإسلامية و حدودها أي ان الحركة الوطنية كما تقول او تزعم جاءت لتحرير هذا البلد العربي الإسلامي حسب منظورها الأيديولوجي من الاستعمار الكافر و من مخلفاته الثقافية و التشريعية و بالتالي فتطبيق الشريعة الإسلامية و حدودها كاية دولة عربية إسلامية مثل المملكة العربية السعودية كنموذج ظاهر و قوي في العقود الخمسة من القرن الماضي ابتداء من سنة 1932  ...

غير ان الحركة الوطنية في لحظة الاستقلال الشكلي قد تخليت عن مطلب تطبيق الشريعة الإسلامية لصالح تطبيق قوانين فرنسا  الوضعية امام راهنات الدولة الوطنية الحديثة بين الانخراط التام في منظومة المشرق العربي او الانخراط التام في منظومة الغرب و لذلك مسكت الدولة العصا من الوسط أي الازدواجية بين التشريق و التغريب مع الحصار الشديد لما اصطلح عليه بالمرجعية الامازيغية الإسلامية .

و بمعنى اخر ان الدولة الوطنية الحديثة تحاكمت الى قوانين وضعية قد وضعها الفرنسيين ذوي الديانة المسيحية  مما سيعني ضرب صريح في شرعية تأسيس الحركة الوطنية سنة 1930 على المرجعية السلفية المزعومة حينما عارضت ظهير 16 ماي  1930 الوطني باعتباره جاء لتنظيم شيء اصيل عند اجدادنا الامازيغيين ذوي الديانة الاسلامية منذ قرون طويلة و ليس منذ دخول الاستعمار الفرنسي الى المغرب رسميا سنة 1912 أي بعد التوقيع لعقد الحماية بين المخزن المركزي و الدولة الفرنسية  .

ان السلفية الاصيلة ترفض بشكل مطلق  التحاكم الى القوانين الوضعية باعتبارها كفر صريح بالله الذي انزل القران الكريم و السنة النبوية باعتبارهما  وحيان للشريعة الإسلامية كنظام شمولي للحياة بكل ابعادها اذن ان الشريعة الإسلامية هي شرط أساسي  لبناء الدولة الإسلامية الحقيقية أي دولة الخلافة التي ليست لها وجود الان الا في ادبيات الحركات الإسلامية بالمشرق العربي ونظيرتها في دول المغرب الكبير بعد منتصف السبعينات من القرن الماضي تحت تاثير النموذج الوهابي الذي كان تمثله الدولة السعودية التي قامت أواخر سبعينات القرن الماضي بتسويق هذا النموذج الكارثي للاسلام على الصعيد الإسلامي و على الصعيد الغربي بالضوء الأخضر من الولايات المتحدة الامريكية للأسف الشديد قصد خدمة مصالحها و صراعها الدائم مع الاتحاد السوفياتي سابقا و روسيا حاليا ....

اما الحركة الوطنية ذات المرجعية السلفية المزعومة كما اعتبرها بصفتها قبلت ان مغرب الحرية و الاستقلال ان يتحاكم الى القوانين الوضعية من ابداع الكفار و الفاسقين الخ من هذه النعوت السلفية التي قيلت ضد الامازيغيين و ضد نظامهم العرفي ابان ثلاثينات القرن الماضي و لم تقال ضد تحاكم الدولة المغربية لقوانين فرنسا الاستعمارية بعد بزوغ فجر الحرية و الاستقلال .

ثم ان هذه المرجعية السلفية المزعومة قبلت التعايش مع تفاصيل الدولة الوطنية الحديثة التي تركها فرنسا ذات الدين المسيحي من قبيل المؤسسات مثل الابناك التقليدية التي تتعامل بالربا و مثل البرلمان كمؤسسة تشريعية تصدر القوانين الوضعية و من قبيل قانون السير باعتباره   قانون وضعي يخدم مصالح الانسان في الطرق الوطنية ..

لكن هذه السلفية المزعومة قد رفضت رفضا مطلقا التعايش مع شيء اسمه الامازيغية بمختلف تجلياتها و ابعادها طيلة عقود من الزمان اللهم ما قام به الراحل علال الفاسي أواخر حياته في الاشراف على البحث الجامعي القيم الذي قدمه المرحوم امحمد العثماني لدار الحديث الحسنية أواسط سبعينات القرن الماضي حول موضوع الواح جزولة و التشريع  الإسلامي أي العرف الامازيغي و الشريعة الإسلامية بلغة عصرنا الحالي ...

غير ان حزب الاستقلال ذو المرجعية السلفية المزعومة ظل يحارب الامازيغية بكل تجلياتها و ابعادها حتى بعد خطاب اجدير التاريخي و تأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية بسنوات  حيث صرح امينه العام الأستاذ عباس الفاسي للصحافة بما معناه سنكافح قصد ان لا تكون الامازيغية لغة رسمية في الدستور قبل سياق ظهور حركة 20 فبراير 2011 و في صيف تلك السنة تم استضافة القيادي البارز في هذا الحزب العتيق الأستاذ امحمد الخليفة الى التلفزة المغربية لتعبير عن موقف الحزب من مشروع الإصلاحات الدستورية على ضوء خطاب 9 مارس 2011 التاريخي حيث رفض هذا القيادي الاستقلالي بالقوة مطلب ترسيم اللغة الامازيغية بوصفها لغة رسمية في الدستور الحالي تحت ذريعة انها لهجات ثلاث أي تريفت و تمازيغت و تشليحت الخ من اعتبارات سياق العقود الماضية بسبب سلفية حزب الاستغلال كما اسميه........

الى صلب الموضوع                            

تم تاسس التلفزة المغربية في 3 مارس 1963 على هوية السلطة الافتراضية أي الجمع بين تقاليد اهل مدن فاس و الرباط و سلا الدينية و الثقافية و تقاليد المشرق العربي الدينية و الثقافية و الهوية الفرنكوفونية كلغة و كثقافة و كفنون..

لقد تم اختزال هوية السلطة في البعد الاندلسي العربي كما كان يسمى آنذاك الى الامس القريب لان وقتها لم يكن يوجد أي وعي تاريخي واقعي بان بناءة حضارة الاندلس الإسلامية الحقيقيين هم الامازيغيين طيلة 9 قرون من العمران و التعايش بشكل نسبي بين مكونات المجتمع الاندلسي الثقافية و الدينية .

و بالإضافة الى ان كتاب مفاخر البربر لكاتب مجهول في العصر المريني قد ذكر العديد من أسماء الاسر و العلماء و الفقهاء الخ كانوا امازيغ في الاندلس وقتها علما ان القائد الامازيغي طارق بن زياد عندما فتح او غزا الاندلس كان معه 12 الف جندي امازيغي في اطار الدولة الاموية المارقة في المشرق العربي كما يعلم الجميع قديما و حديثا و كذلك في مغربنا هذا حيث اساءوا السيرة كثيرا مع اجدادنا الامازيغيين المسلمين وقتها ادا صدقنا قصة الوفد الامازيغي الذي سافر الى المدينة المنورة بغية لقاء الرسول الاكرم صلى الله عليه و سلم أي هناك تفاصيل كثيرة تؤكد ان الامازيغيين قد استقلوا عن الدولة الاموية في سنة 740  ميلادية بعد انتصارهم الخالد على اعراب الجزبرة العربية وطردهم بصفة نهائية من المغرب الأقصى حيث ان العاقل سيفهم كلامي هذا  .

لكن هذا الوعي التاريخي القويم للهوية المغربية لم يكن موجود على الاطلاق عندما تاسست التلفزة المغربية سنة 1963 بل يوجد وعي تاريخي اخر يعطي المركزية المطلقة للمشرق العربي باعتباره اصل المغاربة و حضارتهم العظيمة في العهد الإسلامي كله أي ان كل الدول العظمى التي تعاقبت على حكم المجال المغاربي و الصحراوي الافريقي و الاندلسي كانت عربية مشرقية خالصة و انتهى الكلام عندها بدون أي نقاش او اية اعتراضات انذاك.

و عليه فكانت التلفزة المغربية مختبر لاظهار هوية السلطة الافتراضية و الهوية الفرنكوفونية التي دخلت مع الاستعمار الفرنسي الى بلادنا لكن عندما دهب الاستعمار الفرنسي  الى حال سبيله سنة 1956 بقيت الهوية الفرنكوفونية في بلادنا قوية في التعليم و في الاعلام السمعي البصري و في الاعلام المكتوب أي ان الفرنسية كلغة و كثقافة و كاذاب تحظى بالمكانة الرفيعة داخل هذه المجالات دون أي اعتراض من أحزاب الحركة الوطنية مثل حزب الاستقلال المتحالف مع السلطة وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض لها كما هو معروف وقتها .

ان هوية السلطة الافتراضية و الهوية الفرنكوفونية ظلتا متعايشتان داخل التلفزة المغربية لعقود طويلة رغم تعارضهما الشديد في كل شيء الى حد الخصام فهوية السلطة الافتراضية لها تاويل سلفي او وهابي للاسلام أي متعارض بشكل تام للغرب المسيحي و حضارته المادية بجانبها الإيجابي و بجانبها السلبي ......

و بينما الهوية الفرنكوفونية تقدم للمشاهد المغربي قيم التغريب مثل الحرية و الديمقراطية و تحرر المراة بمفهومها الطيب و بمفهومها الذي لا يتناسب مع اعراف المغاربة و تقاليدهم الاصيلة أي ان المشاهد المغربي ذو الخلفية  السلفية سيقول آنذاك عندما يشاهد احدى المسلسلات المكسيكية الناطقة بالعربية ما هذا الفجور في تلفزيون مملكة امير المؤمنين اد يرقص الرجل مع زوجة  صديقه امام الملا الخ.

ان المشاهد المغربي ذو الخلفية التغريبية سيقول آنذاك عندما يشاهد مسلسل هارون الرشيد التاريخي كم كان هارون الرشيد محظوظا اد له زوجات و جواري لا حد له و سيتساءل هنا من قال لا يوجد العلاقات الرضائية خارج اطار الزواج في تاريخنا الإسلامي ؟  

 ان هذه التعليقات تعكس ان التلفزة المغربية ظلت لعقود  طويلة تعطي المركزية المطلقة للتشريق و التغريب و لو بنسبة اقل من القناة الثانية آنذاك لان التلفزة المغربية كانت تمثل هوية السلطة الافتراضية حيث تبث الدروس الحسنية الرمضانية و تبث برنامج ركن المفتي مساء كل يوم الجمعة مع فقيه فاسي او رباطي او سلاوي ادا كانت ذاكرتي قوية و تبث المسلسلات التاريخية ذات طبيعة دينية مثل محمد رسول الله و عمر بن عبد العزيز و هارون الرشيد او ذات طبيعة مصرية مثل ليالي الحلمية و رفت الجهان و الثلاثية الخ من هذه المسلسلات التاريخية المشرقية التي شاهدتها على يوثيوب للترفيه و اخذ الملاحظات..

 ان السلطة كانت تريد عبر بث هذه المسلسلات التاريخية ذات طبيعة دينية ان ترسخ  في الوعي الجمعي للمغاربة ان المغرب ظل تابع للمشرق العربي أي لم يستقل منه على الاطلاق لان كل الدول التي تعاقبت على حكم المغرب كانت عربية خالصة تحكم بالشريعة الإسلامية فقط و هذا ما كان يتناسب مع المرجعية السلفية المزعومة لما اصطلح عليه بالحركة الوطنية و مع تيارات الإسلام السياسي الدخيلة الى بلادنا منذ أواسط سبعينات القرن الماضي ............

توقيع المهدي مالك

اجمالي القراءات 751