مقدمة الباب الثالث : تفوّق القرآن الكريم على النحويين وغيرهم

آحمد صبحي منصور في السبت ١٧ - أغسطس - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة الباب الثالث : تفوّق القرآن الكريم على النحويين وغيرهم

كتاب ( القرآن الكريم والنحو العربى )

الباب الثالث : تفوّق القرآن الكريم على النحويين وغيرهم

مقدمة الباب الثالث : تفوّق القرآن الكريم على النحويين وغيرهم

 

أولا : تجربة حياة

1 ـ لا أملّ من تكرار حكاية هذه القصة التى غيّرت حياتى ، وأثرت من خلالى فى مسيرة التفكير الدينى وظهور ما يُعرف بالقرآنيين وأهل القرآن . هى درس أراه هاما لأحبتى أهل القرآن ، بالاضافة لأهميتها فى موضوع تفوق القرآن الكريم على النحويين وغيرهم .

2 ـ بعد عام ونصف العام وفى سنة 1977 قدمت رسالتى للدكتوراة عن ( أثر التصوف فى مصر العصر المملوكى ) كانت مكتوبة فى 1500 صفحة ، وبمئات المصادرالأصلية المخطوطة والوثائق وكتب التاريخ وشتى المصادر السنية والصوفية . لم يكن مألوفا فى أعرق جامعات مصر وغيرها بحث الحياة الدينية ل ( المسلمين ). فكيف  بجامعة الأزهر وهى مستنقع راكد ممنوع فيه التفكير والخروج عن المألوف ، بل كانوا يكرهون التاريخ أصلا ، ولهم مقالة مشهورة فيه : ( العلم به لا ينفع والجهل به لا يضرّ ). هذا مع أن أبحاث الدكتوراة فى قسم التاريخ كانت سرقة وتجميعا من كتابات سابقة ، وتحت إشراف أساتذة غاية فى الجهل والوضاعة . إرتاع المشرف على الرسالة حين قرأها ، رفضها وأذاع بعض المكتوب فيها ومنها ما إعتبره هجوما على الأولياء الصوفية والبخارى وأئمة الحديث والتفسير . وسريعا ما تكوّن ( لوبى ) يتزعمه شيخ الأزهر وقتها ( عبد الحليم محمود ) ومعه عميد الكلية ورئيس الجامعة ونائبه . كلهم ضد مدرس مساعد ( 28 عاما ). وجاء تهديدهم صريحا بإلغاء الرسالة وبحث موضوع تقليدى ، وإلّا فسيكتب المشرف تقريرا يقول فيه إننى لا أصلح باحثا ، وعندها يتم تحويلى من مدرس مساعد الى موظف إدارى ، ويتعين علىّ أن أدخل الجيش لأن التأجيل الذى معى مشروط بالحصول على الدكتوراة . المشكلة الكبرى كانت : هل معقول ان أكون أنا على الحق وكل الشيوخ على الباطل ؟ المعادلة هنا صفرية ، إما أنا على الحق وهم على الباطل ، وإما إنهم على الحق وأنا على الباطل . كان لا بد من حلّ هذه الإشكالية وليس مهما تحويلى الى موظف .

3 ـ فى رسالتى فى الدكتوراة بحثت بتمحيص المصادر التاريخية والصوفية والسنية وفق مصطلحاتها ، وكنت أستشهد بالقرآن الكريم بفهم سطحى . جاء الأوان لأحتكم الى القرآن الكريم بدراسة متعمقة متدبرة لأرى هل أنا على الحق أم هم ، ولأحدد موقفى .

بعد موت والدى ـ وكان مثلى الأعلى ـ الذى علمنى القرآن وعودنى الالتزام بالصلاة ـ وجدت نفسى يتيما مقهورا فتعلمت أن ألجأ الى ربى وحده أشكو اليه فى صلواتى ، وأورثنى هذا إعتزازا بالنفس فى مواجهة الناس حولى فإتخذت وقتها شعارا يقول :( لست أحسن من أحد ، ولكن ليس هناك من هو أحسن منى ).

فى هذه المحنة عام 1977 برز أكثر إعتزازى بعقلى الذى يمنعنى من تقديس البشر حتى الأنبياء.  لم يكن لدى أى شك فى أن التقديس كله للخالق جل وعلا وحده ، وأن محمدا بشر كما تكرر فى القرآن الكريم . القضية لم تكن ( لا إله إلا الله ) بل هل القرآن الكريم ـ بإعتباره مصدرا للاسلام ـ هل هو من عند الله جل وعلا أم تأليف ( محمد بن عبد الله بن عبد المطلب )؟ . قلت لنفسى : " إننى قد وصل لى بالتراكم علم أكبر من الذى كان عليه ( محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ) . بالتالى إذا كان هو الذى صنع القرآن الكريم وقام بتأليفه فمن السهل علىّ العثور على تناقضات وإختلافات فيه ، خصوصا مع التكرار فى القرآن والإيجاز والتفصيل . وقد سبق أن فضحت فى رسالة الدكتوراة ما فى كتب الحديث والتصوف والتاريخ من تناقضات وإختلافات حتى فى الصفحة الواحدة . سيكون الأمر أسهل لو كان القرآن الكريم صناعة بشرية صنعه رجل عربى  فى القرن السابع الميلادى ".

بدأت ببحث القرآن الكريم من أول آية فى سورة البقرة الى أن إنتهيت بعد عام من تدبر القرآن الكريم كله بمنهج علمى بارد محايد ، يريد التعرّف على الحق . كنت أسجل كل شىء ، وتجمعت لدى آلاف الصفحات ظلّت رصيدا علميا لى سنوات طويلة . إنتهيت وقد سجدت مؤمنا بأن القرآن الكريم هو كلام الله جل وعلا الذى يعلو على أن يكون صناعة بشرية .

4 ـ هذا الاكتشاف غيّر حياتى : تضاءل الشيوخ أكثر ، ورأيت كفرهم واضحا صريحا ، بل رأيت نفسى متهاونا فى مواجهتهم ، وإنه لا بد من أكون صارما معهم . وتطلّب هذا أن أستعد لأى عواقب . وضعت لنفسى قاعدة لا زلت أتمسك بها وأنا فى خريف العمر ، وهى : ( القدرة على الإستغناء ) . كنت أحلم بشراء سيارة فطردت هذا الحلم نهائيا . لا أستطيع الاستغناء عن التنفس والطعام والشراب بالقدر المعقول ، واللباس والسكن المعقول . ولا طموح فى أكثر من ذلك . وفى مواجهة كيدهم ـ وهم لا يرقبون فى مؤمن إلّا ولا ذمة ــ إعتصمت بما جاء فى القرآن الكريم من الحتميات ( فى الرزق والميلاد والمصائب والموت ) كل ذلك أقدار حتمية  لا مهرب منها ، لا يستطيع شخص أن يميتنى قبل موعد موتى ولا أن ينجينى إذا حلّ موعد موتى، ولا يستطيع أحد منع رزق كتبه الله جل لى ولا يستطيع منع أو تأجيل مصيبة . أخذت من القرآن الكريم شعارا أتمسك به ، وهو قوله جل وعلا :(  وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) الطلاق ) . وبه واجهتهم متحديا .

5 ـ فوجىء الشيوخ بموقفى الصّامد الذى يتحدّاهم ، فأشاعوا أننى مدفوع من جهات أجنبية لتدمير الأزهر ، وصدّقوا هذا فترجعوا عن التهديد بإحالتى الى عمل إدارى ، ووصلنا الى حلّ وسط ، بدلا من إلغاء الرسالة أن أحذف ثلثيها ، وتتم مناقشة الثلث فقط . وهذا ما حدث ، وحصلت على الدكتوراة فى اكتوبر عام 1980 بمرتبة الشرف الأولى .. وواصلت الطريق بعدها ، وحتى الآن . .

6 ـ بعد كل تلك السنين من عام 1977 وحتى الآن فلا يزال القرآن الكريم يُدهشنى ، ولا زلت أعرف منه المزيد ، وأتأكّد أننى لا زلت على ساحل المعرفة بالقرآن ، وأن ما أجهله أضعاف أضعاف ما أعرفه . ولذا أعرض كتاباتى للنقد بإعتبارها وجهة نظر ، راجيا أن يبنى عليها الأحبة .

ثانيا :  لماذا أذكر هذا ؟

 1 ـ لولا تقصير علماء النحو ومن تبعهم خلال 14 قرنا ما كانت مشكلتى .

بتدبر القرآن الكريم آية آية عام 1977 ، إكتشفت كنزا معرفيا لا يزال يدهشنى . أوراقى التى سجلت فيها ملاحظاتى كانت أساسا لكتب لاحقة ، وسلاسل بحثية من نوعية ( القاموس القرآنى ) و ( القصص القرآنى ) ( علوم القرآن ) و ( القرآن والواقع الاجتماعى ) وغيرها مما تم نشر بعضه هنا .

2 ـ فى تسعينيات القرن الماضى كتبت بحثا عن إعجاز القرآن الكريم للقرن القادم ( الحادى والعشرين )، كان ضمن مخطوطات مكتوبة بخطى أريد نشرها فى الموقع ، كنت قد حملتها معى فى هربى لأمريكا . بعثت به مع كتب مخطوطة أخرى ليُكتب على الكومبيوتر فى مصر، فقبض أمن الدولة على من أرسلته وصادر تلك الكتب . فى هذا الكتاب ــ عن إعجاز القرآن الكريم للقرن الحادى والعشرين ـ أذكر أننى فى الجزء الأول منه تعرضت فيه لإعجازات القرآن الكريم التاريخية ، فى الكشف عن خبايا فى التاريخ القديم للرسل والأمم ، وفى الإخبار مقدما عن أحداث ستقع بعد سنوات اثناء نزول القرآن مثل :( الم (1) غُلِبَتْ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) الروم ) ، وهزيمة الأحزاب : ( جُندٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنْ الأَحْزَابِ (11)  ص )، وأحداث بعد انتهاء القرآن الكريم نزولا ، كالفتنة الكبرى بين صحابة الفتوحات : ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) الانعام ). ثم غيوب علامات الساعة وقيامها والتى لم تحدث بعد ، ومشاهد يوم القيامة . وفى الجزء الثانى انتقلت لإعجازات سيشهدها القرن الحادى والعشرين فى الإشارات العلمية القرآنية عن الجبال وتكوين الجنين والنفس والبرزخ والحشرات ( الذباب والعنكبوت والنمل والبعوض )  وإعجاز الحفظ الالهى للقرآن الكريم بكتابته  الفريدة ، وبدايات الإعجاز الرقمى المؤسس على تلك الكتابة القرآنية ثم المنتظر تطورها والوصول الى أساسها العام الذى يشمل كل التفصيلات .

3  ـ فى كل ما سبق من عام 1977 وحتى الآن لا زلت أُنظّف بالقرآن الكريم عقلى من جبال الخرافات التى تعلمتها فى الأزهر ، أقوم بتدميرها وتأسيس معالم الاسلام المنسية المهجورة .

4 ـ السؤال هنا ( لو ) : لو قام علماء النحو ـ وهم الروّاد ـ بواجبهم نحو القرآن الكريم لعرف العالم روائع القرآن الكريم العلمية والتاريخية والفصاحية . كان المفروض على علماء النحو ـ وهم الروّاد ـ أن يولوا وجوههم شطر القرآن الكريم يكتشفون كنوزه العلمية ، ولكنهم تجاهلوه فى عملهم فذهبوا الى الأعراب فى فيافى الصحراء يجمعون المفردات العربية ويقتنصون الشواهد الى تتناسب مع أرائهم ، وإن لم يجدوا شواهد إخترعوها إختراعا ، وهم فى كل هذا مختلفون . وهم فى كل هذا يؤكدون تفوّق القرآن الكريم عليهم . وإذا كان القرآن الكريم أسمى وأعزّ مكانة ان يصل الى مستواه الراسخون فى العلم فما بالك بالراسخين فى الجهل .!

أخيرا :

1 ـ موضوع تفوق القرآن الكريم على علماء النحو ـ وغيرهم ـ يشمل فصلين : الأول عن الفصاحة والآخر عن موضوع الزمن .  

2 ـ وسيظل ما نكتبه هنا مجرد وجهات نظر ، نرجو أن تثير شهية التفكير لدى من يهمهم الأمر . والله جل وعلا هو المستعان .

اجمالي القراءات 1453