ف 5 ب 2 : علماء النحو وإختراع مصطلحات جديدة فى الدين و ( العلوم )
كتاب ( القرآن الكريم والنحو العربى )
الباب الثانى : بين مصطلحات اللسان العربى القرآنى وغيره
الفصل الخامس : علماء النحو وإختراع مصطلحات جديدة فى الدين و ( العلوم )
السُّنّة :
1 ـ فى اللسان العربي تعنى الشرع، تقول "سن قانوناً" أى شرع قانوناً. وفى القرآن الكريم تأتى منسوبة لله جل وعلا ، أى ( سُنّة الله ) .
وهذا فى التشريع بمعنى الشرع ، حتى فيما يخص النبى محمدا عليه السلام . قال جل وعلا : ( مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38) الأحزاب ) ، أما النبى فهو صاحب القدوة والأسوة ، وتكون فى موقف معين ، وليست مطلقة . قال جل وعلا للمؤمنين حول النبى محمد فى موقعة الأحزاب : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) الأحزاب ) ، وقال جل وعلا للمهاجرين القرشيين :( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) الممتحنة).
نعود للسُنّة ( سُنّة الله جل وعلا ) وعرفناها فيما يخصُّ التشريع حتى للنبى .
والناحية الأخرى هى ( سُنّة الله ) جل وعلا فيما يخُصُّ تعامله جل وعلا مع المشركين، وتكون هنا بمعنى المنهاج والطريقة . قال جل وعلا :
( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (62)الأحزاب 62،)
( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) فاطر 43،)
( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)غافر )
( وَلَوْ قَاتَلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوْا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (23) الفتح 23) .
ولكن السنة فى التراث تعنى شيئاً مختلفاً سياسياً ومذهباً فقهياً.
1 ـ سياسيا :
1 / 1 : في العصر الاموى استعمل مصطلح السّنة في معرض الاعتراض علي السياسة الاموية واهمية ان ترجع الي ما كانت عليه سنة النبي ،أي طريقته العادلة فى الحكم .وبها بدأ الاستعمال السياسي لكلمة السنة وقتها.
1 / 2 : وحين نجح الشيعة الكيسانية في الدعوة للرضى من آل محمد ـ الامام المختفى غير المعلوم ـ وكان مفترضا أنه من ذرية علىّ بن أبى طالب، كان من ادبياتهم نفس الاستعمال السياسي لمصطلح السنة مع الاستعمال لمصطلح الشيعة الذى يدل على المعتقدين بأحقية ذرية على بن أبى طالب فى الحكم. وحين ظهر ان الخليفة الموعود ليس من ذرية علي وانما من ذرية ابن عباس حدث الشقاق بين انصار العباسيين القائمين مع الخليفة العباسي وبين المطالبين بأحقية ذرية علي بالخلافة دون العباسيين .وظلت كلمة شيعة أوالصحابه تطلق علي انصار العباسيين ، حتي تولي ابو جعفر المنصور الخلافة وتقاتل مع العلويين فى الحجاز فى ثورة محمد النفس الزكية فى الحجاز ، وأخيه ابراهيم فى العراق . عندها استبقي الخلفاء العباسيون لأنفسهم مصطلح السنة ،وأهملوا لقب الشيعة، فاصبح خاصّا بخصوم الدولة العباسية والخارجين عليها .
1 / 3 : فى إطار الدولة العباسية ومن يدور فى فلكها ( العالم السُنّى ) أُضيفت للشيعة اوصاف اخري سياسية وعقيدية اهمها الرافضة .
2 ـ فكريا :
2 / 1 : تحول مصطلح السنة في العصر العباسي الثانى بدءا من خلافة المتوكل العباسى ليدل علي الدين ( الأرضى ) السائد المعترف به من الدولة العباسية . وقد إضطهد خصوم السنيين من الشيعة والصوفية والمعتزلة والفلاسفة والمثقفين ثقافة عقلية بالفلسفة اليونانية والهلينية . وقد كانوا يطلقون على خصومهم من الفقهاء السنيين المحافظين مصطلح الحشوية ، يتهمونهم بأنهم كانوا يحشون عقولهم بروايات منسوبة للنبى يؤمنون بها ويجادلون بها الآخرين بدون عقل أو منطق متمسحين بالدين.
2 / 2 : ثم مالبث أولئك الفقهاء الحشويون السنيون أن دخلوا فى جدال مع المعتزلة ، فأصبحت السّنة تعني من ناحية العقائد والفلسفات ذلك الاتجاه الفكرى العقائدى المحافظ الذي يمثله أبو منصور الماتوريدى وأبو الحسن الأشعري بعد ان ترك المعتزلة .
3 ـ فقهيا :
3 / 1 : بسيادة الدين السُنّى أصبحت السنة تعنى المذاهب الفقهية الاربعة المنسوبة للأئمة ابي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل ،هذا في عصر الاجتهاد الفقهي .
3 / 2 : بالتعصّب بين هذه المذاهب فى عصور التقليد أواخر العصر العباسى والعصرين المملوكى والعثمانى ، تركّز ــ أكثرــ في كتب الفقه السنى مصطلح للسُنّة يشيرالي درجة اقل من درجات الواجب ،فيقال هذا فرض واجب ،وهذا سنة .اويقال "يسنّ"بمعني يستحسن.
الحديث
إسلاميا : يجب الايمان بحديث واحد هو حديث الله جل وعلا فى القرآن الكريم : ( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) الاعراف ) ( 50 ) المرسلات ) ( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) الجاثية ). كل حديث فى الدين هو حديث شيطانى ، سواء كان منسوبا لله جل وعلا أو للرسول . وهم قد جعلوا أحاديثهم ( الشيطانية ) قسمين : القدسى والنبوى .وقسّموا الحديث النبوى الى ( متواتر ) و ( أحاد ) وقسموا ( الآحاد ) الى قول وفعل وتقرير ، وهناك تقسيمات أخرى حسب تقييم الضعف والقوة طبقا لما أسموه ب ( علم المصطلح ) . هو مختلفون فى كل شىء . .
( الشيعة )
قرآنيا :
مصطلح ( شيعة ) قرآنيا جاء فى الآيات الكريمة بمعنى الطائفة والطوائف المتحاربة والمتعادية . مثل :
1 ـ ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) 65) الانعام )
2 ـ ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) (159) الانعام )
3 ـ ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ (10) الحجر )
( ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً (69) مريم )
( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ ) (4) القصص )
( وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ) (15) القصص )
( وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم )
طوائف الهدى من الأنبياء : ( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإٍبْرَاهِيمَ (83) الصافات )
تراثيا :
الشيعة يجمعهم مصطلح ( التبرى والتولى ) . التبرؤ من خصوم (على ) ، أى أبو بكر وعمر وعثمان وعائشة والزبير وطلحة ..الخ ، وموالاة (على ) وبنيه ، وهم أصحاب المصطلح ( آل البيت ) ومن ينتسب اليهم يحملون مصطلح ( الأشراف ) بما يعنى نزع الشّرف عن بلايين المحمديين قديما وحديثا . مصطلح ( آل البيت ) قرآنيا يعنى الزوجة . وليس فى القرآن الكريم مطلقا مصطلح الشرف والأشراف .
إذا كان السنيون قد إفترقوا الى ( مذاهب ) فإن الشيعة إفترقوا الى عشرات الطوائف التى تقسّمت داخليا ، لأسباب عقيدية مثل مدى تقديس (على ) ومدى التبرؤ من خصومه . هناك معتدلون مثل الزيدية الأوائل ، وهناك من يتطرف فى تقديس على وبنيه . ثم هناك أسباب سياسية ، فى الخلاف حول ولاية العرش الفاطمى ( المستعلية والنزارية ).
فى صراعهم مع السنيين أطلقوا على السنيين مصطلح (النواصب ) أى الذين ( يناصبون أهل البيت العداء ) . ونفس المصطلح ( النواصب ) له معنى مختلف فى علم النحو إذ يعنى أدوات النصب التى تنصب الفعل المضارع أو الاسم ، بل ان كلمة ( النصب ) تعنى التحايل على الناس و( النصب) عليهم، ولا علاقة لهذا ( النصب) على الناس بعلم النحو.
التصوف :
أدخل التصوف مصطلحات دينية مستحدثة فى الحياة الدينية لم يعرفها المسلمون الأوائل فى عصر النبوة . ومنها الكرامة ، المريد، المقام ،الوقت ،الحال ، القبض ، الصحو والسكر ، الذوق الشرب ، المحو والإثبات ، الستر والتجلي، المحاضرة والمكاشفة ، الحقيقة والطريقة ، الوارد، الشاهد، السر، المجاهدة ، الخلوة ، الزهد، الولاية ، .. إلخ ، ولكل منها مدلول فى دين التصوف ، وسطرت فى ذلك الكتب ، وبالطبع هم مختلفون فى معناها وعددها.وبعض هذ الألفاظ كان مستعملا فى الإسلام بغير ما يقصده الصوفية ، إلا أنهم أولوها وأستحدثوا لها مدلولات جديدة تخرج عن الإسلام مثل (الولى والولاية ).
شلّالات المصطحات فى العلوم :
1 ـ كلمة ( النحو ) فى حد ذاتها مصطلح جديد ، ومثله المصطلحات جديدة فى إطاره مثل الرفع و الجر والسكون والاعراب و البناء و الفعل و الاسم و المبتدأ و الخبر و الفاعل و المفعول به ..الخ ..
2 ـ و مصطلحات أخرى فى علم الصرف والبلاغة ، وقد اخترع العبقرى العربى الخليل بن أحمد علم العروض ووضع له المصطلحات مثل البحور الشعرية بمصطلحاتها المختلفة.
3 وشلالات من المصطلحات فى الفقه والتفسير والحديث والجرح والتعديل و وعلم الكلام و التوحيد و والمعتزلة و المرجئة والشيعة والسنة و الصوفية والبلاغة من استعارة وكناية وتشبيه و محسنات بديعية و معنوية و طباق وجناس و شتى مصطلحات الفنون والأداب..
الخلاصة :
1 ـ انتجت الحضارة العربية كمّا هائلا من المصطلحات الدينية والعلمية والأدبية والفنية لم تكن فى عهد ال نبى محمد عليه السلام، بعضها تمت صياغته لأول مرة وبعضها تبدل معناه واكتسب مدلولا جديدا.
2 ـ هذه المصطلحات التراثية لا يجوز فى المنهج العلمى أن نستعملها فى فهم القرآن الكريم ، ليس فقط لأنها تمت ولادتها بعد عصر القرآن متأثرة بظروف سياسية واجتماعية وفكرية ، ولكن أيضا لأن للقرآن مفاهيمه الخاصة ومصطلحاته الخاصة التى تعارض بل وأحيانا تناقض تلك المصطلحات التراثية المستحدثة.كما إنه لا بد للباحث التاريخى والأصولى أن يتفهّم مصطلحات العلم الذى يبحث فيه .