إذاعة اكادير الجهوية و أسئلة الهوية الامازيغية المحلية اية مقاربات سياسية ؟

مهدي مالك في الإثنين ١٢ - أغسطس - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

 

إذاعة  اكادير الجهوية و أسئلة الهوية الامازيغية المحلية اية مقاربات سياسية ؟

مقدمة متواضعة                                           

يظهر لي ان السلطة ابان استقلال المغرب فضلت المركزية في كل شيء تقريبا بغية الهروب الى الامام لتفادي الأسئلة المقلقة حول مجموعة من المسائل من قبيل المرجعية الامازيغية الإسلامية كما اسميها و من قبيل اشراك الامازيغيين كقوة سياسية اصيلة في الحكم فعليا وقتها و من قبيل تنمية الهوامش الامازيغية البعيدة عن مركز القرار و من قبيل إعادة الاعتبار للتاريخ المحلي لاجل كتابة تاريخنا الوطني بشكل موضوعي و واقعي الخ من هذه المسائل المقلقة حتى حدود الان .

ان هذه المركزية المفرطة قد اضاعت علينا عقود كاملة من التنمية الشاملة سواء على الصعيد الحضري و على الصعيد القروي على حد السواء.

 و اضاعت علينا عقود من الاعتراف بقيمة التعدد بمفهومه الثقافي و اللغوي و الديني لمالا لان اجدادنا الامازيغيين كانوا يؤمنون باليهودية و بالمسيحية و بالإسلام كخاتم هذه الرسالات الجليلة باعتبارها انزلت من طرف خالق هذا الكون العظيم.

ان  هذه المركزية المفرطة قد صانعت لاجيال كاملة ما بعد سنة 1956 هوية أحادية شعارها هو العروبة و اسلام المخزن من خلال مؤشر تعظيم عادات اهل فاس و اهل الرباط و اهل سلا الدينية و الثقافية داخل التلفزيون المغربي باعتبارها تمثل الاصالة المغربية الحقيقية بدون ادنى شك في ذلك الزمان.

 هذه الهوية الافتراضية للمغرب وقتها كانت تنظر الى الهوامش الامازيغية نظرة الاحتقار و الدونية كانها مجالات للسيبة أي الفوضى الخارجة عن اية ضوابط مهما كانت  كما رسخت الوطنية المغربية كما اصطلح عليها في عقول أجيال ما بعد سنة  1956 .

او انها مجالات لم تساهم بالمرة في بناء الحضارة المغربية ببعدها الثقافي و ببعدها الديني و ببعدها السياسي حيث كنا نسمع الى الامس القريب على قنواتنا التلفزيونية الوطنية مصطلحات غريبة و عجيبة مثل الحضارة العربية الإسلامية بالمغرب ك ان كل من يكتب بالعربية منذ ما يسمى بالفتح الإسلامي في مغربنا هذا فهو عربي يرجع اصوله الى شبه الجزيرة العربية و ماذا سنقول للمغربي الذي يكتب باللغة الفرنسية منذ الاستقلال الى  الان هل هو فرنسي يرجع أصوله الى فرنسا مثلا ؟  .

يظهر لي ان منطقة سوس تم تهميشها كغيرها من المناطق المحافظة على امازيغيتها كما اسميها من طرف السلطة منذ سنة 1956 رغم مجموعة من المعطيات على سبيل المثال لا نهاية لها بالنسبة لي  من قبيل ان منطقة قد عرفت نشوء الدول العظمى التي حكمت المغرب و رقعة مهمة من شمال افريقيا و جنوب الصحراء الافريقية و اسبانيا الحالية كما يعلم الجميع مثل الدولة المرابطية كاول دولة مركزية في العهد الإسلامي ثم الدولة الموحدية ثم الدولة السعدية رغم ما يقال عن نسبها الشريفي أي العربي ان صح التعبير علما ان اجداد الرسول الاكرم صلى الله عليه و سلم ليسوا عربا بدليل صريح الا و هو سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام الذي جاء الى مكة المكرمة لوضع قواعد بيت الله الحرام  .........

و من قبيل ان منطقة سوس كانت مركز ديني و ثقافي للصحراء المغربية الحقة حسب حدود المغرب سنة 1912 أي باحتساب الصحراء الشرقية و موريتنا الحالية الى دولة مالي الحالية لكن ليست هذه دعوة لاسترجاع هذه الأراضي الى حضن الوطن الام على الاطلاق .

 غير ان الامر يختلف بالنسبة للصحراء الشرقية من طبيعة الحال كما يعلم الجميع ..

و من قبيل ان منطقة سوس كانت نموذج للتزاوج بين القوانين الوضعية الامازيغية و مقاصد الشرع الإسلامي و بين العادات ذات ابعاد اجتماعية او فنية و اخلاق الدين الإسلامي العليا الخ من هذه الثنائيات الفريدة من نوعها تعكس بشكل جلي وجود ما نسميه بالإسلام الامازيغي الان في الواقع التاريخي ........

لقد كان يمكن للسلطة ابان الاستقلال ان تعتبر ان منطقة سوس قد ساهمت بشكل عظيم في بناء الحضارة المغربية ببعدها الديني و السياسي و القانوني كغيرها من الهوامش الامازيغية الأخرى على امتداد خريطة المغرب.

غير ان راهنات السلطة ابان الاستقلال هي المركزية المفرطة و اماتة الامازيغية بكل ابعادها و تجلياتها باستعمال سلفية الحركة الوطنية المزعومة لاقناع فقهاء اهل سوس العظماء وقتها و في مقدمتهم المرحوم سيدي الحاج المختار السوسي  الذي يعتبر من رموز ما يسمى بالحركة الوطنية لكنه مارس نوعا من النقد الذاتي نحوها و نحو افكارها من خلال موسوعة المعسول في 20 جزء تدور حول تراجم علماء سوس و خرافات الصوفية و عادات المجتمع  السوسي الخ حيث اجد شخصيا صعوبة في قراءة هذه الموسوعة لانها تتضمن على الخرافات الصوفية على كل حال لان أي مجتمع انساني له خرافاته الدينية او السياسية او الثقافية الخ..

 

لكنني اعتبر ان المرحوم المختار السوسي قد أسس الجذور الأولى للحركة الثقافية الامازيغية سنة 1967 بالمغرب من خلال تنظير لوجود لغة تسمى آنذاك بالشلحية و تنظير لوجود عادات امازيغية لا تتعارض مع مقاصد الإسلام العليا أي شتان بين المرحوم في خمسينات القرن الماضي و الوهابية الدخيلة الان بسوس العالمة  ...

و على ذكر تيارات الإسلام السياسي الدخيلة بصريح العبارة و منطقة سوس العالمة باختصار حيث ان رموز هذا التيار قد صرحوا بتصريحات مسيئة لاهل سوس طيلة فترة تدبيره للشان الحكومي و المحلي و هذه التصريحات يجب قراءتها بشكل ذكي أي ان الإسلاميين لهم ارتباطات وثيقة مع المشرق العربي عبر أيديولوجية جماعة الاخوان المسلمين بمصر و الوهابية بالمملكة العربية السعودية كما هو معلوم أي انهم دخلاء على المجال المغربي عموما و على المجال السوسي خصوصا بمعنى انهم ينظرون باستعلاء الى كل يتعلق بالهوية الاصلية للمغرب و تاريخه العريق..

الى صلب الموضوع                        

ان مدينة اكادير هي قديمة التاسيس حيث ترجع مرحلة تأسيسها الى العهد السعدي و كلمة اكادير تحيل الى تاريخنا الاجتماعي المهمش منذ سنة 1956 لان اجدادنا الكرام قد اسسوا مجموعة من المؤسسات ذات وظائف اجتماعية و اقتصادية و سياسية مثل مؤسسة اكادير او بنك الامازيغيين الاوائل قبل ظهور البنوك باوروبا ربما و كان اجدادنا الكرام يعتبرون مؤسسة اكادير مكان لخزن اشياءهم الثمينة مثل الحبوب و الوثائق و حلي نساءهم الخ من هذه الأشياء الثمينة....

 و لا تقتصر مؤسسة اكادير على هذه الوظيفة فقط بل هي مكان لاجتماع القبيلة و اصدار القوانين الوضعية او العرف الامازيغي  كاية مؤسسة حديثة الان في المغرب او في فرنسا باعتبارها مهد عصر الانوار و الحداثة الخ ............

لقد تاسست إذاعة اكادير الجهوية سنة 1971  في سياق المركزية المفرطة بمقابل الهوامش الامازيغية المنسية من كل شيء تقريبا حيث لم اعاصر زمان انطلاق إذاعة اكادير الجهوية و لا عقد الثمانينات..

 غير انني سمعت من بعض الأصدقاء في احدى ندوات مهرجان اسني وؤرغ صيف سنة 2018 عبر الفايسبوك حيث كانت ندوة قيمة للغاية لان من المفيد استماع الى مثل هذه الندوات باعتبارها تحكي عن تاريخ الاعلام السمعي البصري الامازيغي عموما و تاريخ إذاعة اكادير الجهوية خصوصا حيث تحدث الأستاذ رشيد عبد الواحد عن  برنامجه الخاص بالأطفال بالامازيغية خلال ثمانينات القرن الماضي على اثير إذاعة اكادير الجهوية و عن بعض الحوادث التي وقعت له في ذلك السياق التاريخي  .

لقد بدات الاستماع الى هذه الإذاعة في شهر رمضان الموافق لسنة 1993 حيث وجدت الأستاذ محمد ولكاش مازال يقدم برنامجه الرياضي بالامازيغية حول نتائج الفرق السوسية في البطولة الوطنية لكرة القدم للقسم الأول و الثاني الخ و هكذا بدات علاقتي باذاعة اكادير الجهوية التي تبث من الثامنة صباحا الى الثانية بعد الظهر او الى الخامسة مساءا بعد سنة 2000 باللغتين العربية و الامازيغية على الأمواج المحلية و على الأمواج الوطنية و الدولية مرة في الأسبوع بالنسبة  للإذاعة الوطنية الناطقة بالعربية و الإذاعة الامازيغية المركزية لمدة 4 ساعات.

و وقتها أي في منتصف التسعينات كانت إذاعة اكادير الجهوية لها السبق وطنيا ربما في تقديم برنامج يهتم بالثقافة الامازيغية بشكل صريح و واضح عبر برنامج تاوسنا تامزيغت أي الثقافة الامازيغية للأستاذ محمد اكوناض باعتباره مناضل امازيغي اصيل في جمعية تاماينوت وقتها و التي كانت تناضل من احقاق الحقوق الثقافية و اللغوية الامازيغية على الصعيد الوطني و على الصعيد الدولي ......

لقد انطلق هذا البرنامج الإذاعي سنة 1993 كما قال صاحبه أي الأستاذ اكوناض في سياق ما بعد التوقيع على ميثاق اكادير صيف سنة 1991 و ظهور اول فيلم ناطق بالامازيغية بالمغرب من انتاج اهل سوس أي فيلم تامغارت وورغ الذي تم تصويره في احدى قرى إقليم تيزنيت في ظروف شاقة على مختلف المستويات و الاصعدة أي ان هذا البرنامج القيم قد انطلق في ظل تلك المؤشرات الإيجابية في صفوف الحركة الثقافة الامازيغية......

 لكن بالمقابل كان الجمود يسيطر على السلطة حتى بعد خطاب الراحل الحسن الثاني الشكلي في يوم 20 غشت 1994 و بالمناسبة كنت يومها في الدار البيضاء مع اسرتي في اطار مناسبة عائلية معينة ........

ان إذاعة اكادير الجهوية وقتها أي في منتصف التسعينات حاولت تحطيم الحصار المضروب على الثقافة الامازيغية من طرف السلطة من خلال برامج تهتم بالشعر الامازيغي عبر البريد العادي كان يقدمه الأستاذ بوبكر انفاكار و برنامج اخر كان يقدمه مع الأستاذ مبارك ادمولود حول مسابقات فن الروايس و فن المجموعات العصرية بين المستمعين عبر الهاتف ..

و كما قدم الأستاذ انفاكار في سنة برنامج حواري مع رؤساء الجماعات المحلية بجهة سوس ماسة درعة سنة 2000 و يبث هذا البرنامج النادر آنذاك على الأمواج المحلية و الوطنية و الدولية ....

و هناك صوت نسائي خالد في إذاعة اكادير الجهوية حيث اتحدث هنا عن الأستاذة المقتدرة حادة العويج الغنية عن أي تعريف على الصعيد الجهوي و الوطني ببرامجه المختلفة بين كل ما يتعلق بامور المراة و توعيتها خصوصا في البوادي السوسية بلسانها الامازيغي اليومي حيث ان البوادي السوسية طيلة العقود الماضية تفتقر الى مقومات الحياة العصرية من الكهرباء و الماء الصالح للشرب و الطرق الصالحة للسير الخ من هذه المقومات و أتذكر ان دوارنا المسمى باسك و المتواجد في نواحي ايموزار اداوتنان الى حدود سنة 1995 لا يتوفر على هذه المقومات و انما كان الناس يستعملون الطاقة الشمسية لتشغيل التلفاز و الصحن الهوائي الخ و بالنسبة للبث الإذاعي فان إذاعة اكادير الجهوية هي قوية من ناحية البث حسب ذاكرتي و اما بث الإذاعة الامازيغية المركزية في المساء فهو ضعيف بسبب تشويش الإذاعات الاسبانية و هذه مجرد ذكريات لا اقل و لا اكثر .

فان مسار الأستاذة حادة العويج هو حافل بالبرامج الحوارية مع الروايس و المجموعات العصرية و فناني الثقافة الامازيغية بصفة عامة حيث كان لي شرف رايتها في ابريل 2000 في اطار زيارة الوزيرة المكلفة بالمعاقين لمركزنا أي وردة الجنوب بحي الخيام حيث كنت آنذاك غارقا في نتائج مشاكلي العميقة مع ما اسميه بايديولوجية التخلف القروي  .......

و على العموم فان إذاعة اكادير الجهوية أصبحت الان تبث برامجها على مدار 24 ساعة بخريطة من البرامج في مختلف الحقول و الميادين لكن السؤال المطروح الان هو متى سنرى قناة تلفزيونية جهوية هنا في عاصمة سوس ماسة طاطا ؟

 

توقيع المهدي مالك                   

اجمالي القراءات 664