من تدبر الآية الكريمة : ( اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) الرعد ) يتضح الآتى :
1 ـ لم تأت الآية الكريمة بأسلوب القصر ، فلم يقل جل وعلا ( اللَّهُ وحده يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ) أو (( لا يعلم الا اللَّهُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ )، أى هناك هامش من العلم مُتاح للبشر .
2 ـ كلمة تحمل فى ( اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ ) لا يقتصر على الحمل الذى فى الرحم ، بل يشمل عموم ما تحمله الأنثى فى جسدها أو على رأسها أو ظهرها .
3 ـ كلمة (كل أنثى ) فى ( اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى ) يشمل كل الاناث من الحشرات والطيور والحيوانات والبشر والجن والشياطين والملائة . فكل المخلوقات زوجين : ذكر وأُنثى .( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) الذاريات ) (وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) الزخرف ) ، ويقول جل وعلا : (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) يس )، اى من الأزواج ما لا نعرف ، مثل المخلوقات البرزخية التى ترانا ولا نراها . وهى كلها تتناسل وتتكاثر . و الله جل وعلا وحده هو الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد . والله جل وعلا هو الذى يعلم ما تحمل كل أُنثى من كل المخلوقات .
4 ـ وكلمة ( ما ) فى ( اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ) عام فى كل المحمول الذى تحمله كل أنثى ، فى داخلها أو فى خارجها . أنت مثلا لا تعرف ما يترسب على جلدك من جراثيم ، ومنها ما ينفذ الى داخلك بالتنفس وبالبلع ومن مسام الجلد ، ولا تعرف ماذا يخترق جسمك من أشعة مرئية وغير مرئية . كل ما تحمله كل أنثى لا يقتصر على ما فى الأرحام بل يشمل كل شىء ، ونحن ـ حتى الآن ـ لم نكتشف كل شىء تحمله أجسادنا وينمو عليها ، ويتكاثر ، ويعيش ويموت ، ويخترق ويخرج مع الشهيق والزفير .
5 ـ وقوله جل وعلا : ( وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ): تغيض الارحام اى تتناقص وهو عكس إزديادها . ومن داخل الرخم يحدث زيادة حجمه مع زيادة نمو الجنين ، ويرجع الرحم الى حجمه الأول بولادة الجنين . هذا من الداخل . من الخارج فالرحم داخل الطفلة يكبر حجمه وينمو مع نمو الطفلة الى ان تبلغ مرحلة القابلية للإنجاب . هذا كله ممكن رؤيته . ولكن الذى يمكن رؤيته ـ حتى الآن ـ هو الكيفية والآلية .
6 ـ وقوله جل وعلا : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) الرعد )، اى كل شىء بتقدير دقيق ، وهذا خاص بالخالق جل وعلا ، لذا جاء باسلوب القصر .
أخيرا
بعض الناس السطحيين ينبهر بمكتشفات العلم ، مع ان هذا العلم يكتشف آلاء الخالق جل وعلا ، وبدلا من أن ينبهر بآلاء الخالق جل وعلا الذى أحسن كل شىء خلقه نراه يغتر بما يتم إكتشافه من بعض الظواهر ويغتر بها . وفيهم يقول جل وعلا : (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) الروم ) (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (83) غافر )