صحفي روسي يكتب ….90 دقيقة بصحبة مقاتلي الجيش السوري الحر

في السبت ٠٥ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً


كتب فاليري ميلنيكوف (وكالة “نوفوستي” الروسية)
يصفهم النظام السوري بالعصابات الإرهابية المسلحة، عندما أعلنت عن نيتي
الذهاب إلى حمص، حذروني منهم وقالوا “الجيش السوري الحر يكره الروس..
سيقتلونك حتما”.
أثناء تجولي في أحد أحياء حمص الفارغة من السكان، وصلت إلى أحد نقاط
الحراسة المهجورة، ليشق الصمت صوت طلقات رشاش آلي، ظهر بعده من أحد
الشوارع الجانبية مواطن سوري مسن، لوح لي بيديه وأخبرني أن التقدم خطر
جدا، “إنهم يطلقون النار”، ومن ثم سألني من أين أنا؟ وماذا أفعل هنا؟
بعد أن عرف أنّي من روسيا، عرض اصطحابي إلى أحد أصدقائه الذي يجيد اللغة
الروسية، وبعد حوالي دقيقتين، كنت أجلس بصحبة أربعة سوريين، أحضروا لي
عصيرا وقهوة وسجائر،. ومن ثم سألوني كيف استطعت الوصول إلى حمص، وماذا
أفعل هنا؟
من خلال حديثي مع أكبر الجالسين، فهمت أنه درس في جامعة موسكو الحكومية،
وسكن في موسكو عدة سنوات، سألني إذا كنت راغبا في أن أرى حمص من الجانب
الآخر، وأن أتعرف على سورية الأخرى؟ بالتأكيد كان ردي بالموافقة. ليتم
نقلي بسيارة نقل إلى الجانب الآخر، بصحبة مقاتلي الجيش السوري الحر.
المستشفى
بعد رحلة طويلة نسبيا، انتقلت إلى سيارة أخرى بصحبة اثنين من مقاتلي
الجيش السوري الحر، لنتوجه إلى حي الخالدية، الذي كان مدمرا بشكل كامل،
وكان المنظر مشابها للعاصمة الشيشانية غروزني في العام 2000، حي الخالدية
كان بشكل كامل تحت سيطرة الجيش الحر، مقاتلين شباب قاموا بحراسة تقاطعات
الطرق، الشوارع شبه خالية، وطوال الوقت كان من الممكن سماع زخات رصاص
متفرقة وأصوات انفجارات، كنا نشاهد طوال الوقت مجموعات من الأسر والنساء
والشيوخ في تجمعات. هؤلاء كانوا لاجئين غادروا بيوتهم بعد تدميرها.
وصلنا بالسيارة إلى منطقة قريبة من مبنى المستشفى، كان يفصلنا عنها شارع
فارغ، يتعرض طوال الوقت لزخات رصاص، وطلقات القناصة.
المقاتلين الذين صاحبوني، شرحوا لي بالإشارات، أنه يجب أن نقطع الشارع
ركضا، وكل على حدة، ليقوم أحدهم بعد ذلك برمي زجاجة فارغة في الطريق،
وبعد أن لم يلحظ ردة فعل من القناصة، قطع الشارع راكضا بسرعة، لأتبعه
أنا، والمقاتل الثاني من بعدي.
كان واضحا أن المستشفى تضرر بعد إطلاق النار والقذائف عليها، بالإضافة
إلى تعرضه لحريق، وتحطم جميع نوافذه. فوق مدخل المستشفى انتصبت صورة
كبيرة لحافظ الأسد، الرئيس السابق للبلاد، ووالد الرئيس الحالي. الصورة
أيضا كانت محترقة. أحد المقاتلين قام بإشارة ما بجسده باتجاه الصورة،
وقال بضعة كلمات بالعربية، لم أفهم معناها، لكن كان واضحا أنه لم يتمنى
للصورة شيئا جيداً.
عبرنا خلال العنابر والأسرّة المكسرة والمحترقة إلى الفناء الداخلي
للمستشفى، حيث قبع عدة مقاتلين، أعطونا قناعين مضادين للغازات السامة،
أحد المقاتلين ساعدني على ارتداء القناع، وقام بشده بقوة على رأسي. بعد
دقيقتين وعند وصولنا إلى المشرحة، فهمت سبب لبس الأقنعة المضادة للغازات،
التي لم تستطع منع الرائحة الكريهة للجثث من التسلل إلى أنفي. فالمكان
كان بلا كهرباء أو ماء. عرض المقاتلون علي عددا من الجثث، التي لم أفهم
من هم أصحابها.
بعد خروجنا من المشرحة، دخلنا إلى جزء آخر من المستشفى، وصعدنا عدة
طوابق، لنلتقي بأحد المقاتلين الجالسين وراء مدفع رشاش يطل من فجوة في
الجدار، بالاشارت شرح لي بأنهم من هنا يقومون بحماية المستشفى من
الاقتحام، وسمح لي بالتقاط عدة صور.
عندما نظرت عبر الفجوة في الجدار، لم أر بيتا واحدا، إلا وكانت عليه آثار
إطلاق النار والقصف، بعد مغادرتنا المبنى، انطلقنا مرة أخرى بالسيارة،
التي كانت تدور عبر الشوارع بشكل غريب، متفادية المواقع الحكومية، وصلنا
إلى ساحة ليست بالكبيرة جداً، تم تغطية مداخل الشوارع المطلة عليها
بالأغطية، لحماية المتواجدين من نيران القناصة. مقاتلي الجيش السوري الحر
الذين تواجدوا في الساحة، كانوا طيبين وودودين ورحبوا بي، ورفعوا الأعلام
السورية بمرح من أجل أن ألتقط لهم صورا.
اقترب مني شاب، مدجج بمخازن الرصاص، رحب بي بالعربية، وقال أنه ضابط
برتبة نقيب بالجيش السوري الحر، عرض علي بالإشارات أن أصطحبه إلى أحد
الشوارع الجانبية، حيث فوجئت حين رأيت سيارة مدرعة مصنوعة بجهود ذاتية،
كانت شبيهة جدا بمكواة ضخمة.
أثناء التقاطي الصور للمدرعة، قام النقيب بالاتصال عبر هاتف أقمار
اصطناعية بجهة ما، وعرض علي الحديث، شارحا لي بأن قناة الجزيرة ترغب
بالحديث معي، أنا رفضت.
الغداء
مدخل البيت كان مزدحما بالأحذية، بعد أن نزعنا أنا واثنين من المقاتلين
أحذيتنا، دخلنا، المكان كان مقر إقامة مجموعة من المقاتلين، حيث توفرت
الكهرباء والماء، التلفاز كان يعمل. في الغرفة جلس عدة أشخاص، أعربوا عن
سعادتهم عندما عرفوا أنني صحافي من روسيا، لكنهم طلبوا ألا ألتقط لهم
الصور.
أحد المقاتلين كان يجيد الإنجليزية، أشار إلى أحد رفاقه المصاب في قدمه،
وأخبرني أنه قبل مدة قصيرة كان في داغستان. أخبرته أن لدي جذورا قوقازية،
وسألته في أي مدينة بالتحديد كان في داغستان؟ الشاب أجاب أنه كان في
مدينة نالتشيك. يبدوا أنه لم يفهم السؤال أو أنه لا يعرف أين تواجد!
(مدينة نالتشيك الروسية هي عاصمة جمهورية قبرطا بلقاريا، ولا تقع في
داغستان. ملاحظة المحرر).
في الغرفة المجاورة تم إعداد طاولة الغداء، فطائر طازجة وجبن وشاي، بعد
تأدية الصلاة، التف الجميع حول الغداء. أحد الشبان عرض علي صور والده
المقتول، أوضح أنه لو لم تقتل السلطات والده، لما حمل السلاح في يده
أبداً. المقاتلين الآخرين عرضوا علي صور أقربائهم وعائلاتهم المقتولة. هم
لم يكونوا يريدون القتال.
في هذا الحي عاش السوريون دائما في مودة وسلام، المسلمون والمسيحيون، في
شارع واحد انتصب مسجد وبجانبه كنيسة. بعد القصف تضررت البنايتان بشدة.
المقاتلون حدثوا كيف أن الاحتجاجات والتظاهرات كانت في البداية سلمية،
الناس أرادوا تغييرا وإصلاحا، لكن بعد أن بدأت الحكومة بإطلاق النار
عليهم وقتلهم، لم يبق لديهم مخرج آخر. بعد الغداء، طلب مني المقاتلون أن
أتصور معهم في صورة جماعية للذكرى.
مستشفى الثوار
توقفت السيارة بنا أمام ورشة تصليح سيارات تقع في الطابق الأول لبناية
سكنية، عدة أشخاص كانوا يصلحون سيارة مليئة بثقوب جراء تعرضها لإطلاق
نار، عرضوا عليّ الهبوط إلى الطابق التحت أرضي.
تحت الأرض تم تحويل الطابق إلى مستشفى متكامل، قابلنا سورياً يرتدى بذلة
أنيقة، انه الطبيب، هو كان يجيد الانجليزية، وكان في المستشفى عدد من
الجرحى، أحدهم كانت حالته حرجة.
سمحوا لي بالتقاط الصور، بعد أن أخفوا ووجوههم بأيديهم، أخبرني الطبيب عن
عدم كفاية المواد الطبية والأدوية، مشيرا أن ما لديهم، هو بقايا أدوية
المستشفى القديمة التي دمرت وحرقت.
بعد أن عرف أنني من روسيا، قال الطبيب أن السوريين يحبون الشعب الروسي
ويحترمونه، لكنهم لا يستطيعون فهم لماذا بوتين وروسيا يدعمون بشار الأسد
وحكومته؟ لماذا روسيا لا تنتبه إلى ما يدور حقيقة على الأرض، إلى أن
الناس يموتون؟
هو سألني، إلى جانب من أنا؟ أجبته أنني كصحافي، يجب أن أكون محايدا، وإلا
فأنا لست صحافيا. بعد وهلة قصيرة من الصمت، قال الطبيب أنه يتفهم موقفي،
وينظر إليه باحترام، وطلب مني أن أعمل على أن يعرف الشعب الروسي ما
عرفته، وأن يرى ما رأيته في حمص.
خرجنا إلى الشارع، حيث تجمع عدد من الناس الذين حضروا من البيوت
المجاورة، وكلهم سألوني نفس الأسئلة، عن بوتين والأسد وروسيا.. التي
نسيتهم

اجمالي القراءات 4742