أثر التصوف فى الاتجاهات ( العلمية ) فى العصر المملوكى

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٦ - يونيو - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

أثر التصوف  فى الاتجاهات ( العلمية ) فى العصر المملوكى

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

 أثر التصوف  فى الاتجاهات ( العلمية ) فى العصر المملوكى

 تنقسم هذه الاتجاهات إلى مؤلفات بأكملها ثم الى تفريعات داخلية . ونمثل لكل منها :ــ

1ــ وضعت مؤلفات في أصول صوفية كالولاية. وللسيوطي رسائل وكتب في تطور الولى ورؤيته النبي  والملك وفضائل آل البيت وفضائل المسبحة وعمل اليوم في الأوراد [1] . وألف ابن داود في الأوراد مجلدا ضخما  [2] . واهتم المؤلفون بكتب الزوايا والمناقب وحكايات الصالحين مثل الكواكب السيارة لابن الزيات وتحفة الأحباب للسخاوي، وألف الميقاتي احد مشايخ الزوايا "غرائب الأخبار" في حكايات الصالحين وجمع كتابا فيه قبور الصالحين بالقرافتين   [3] . وفي القرن السابع أكثر شيوخ التصوف من التأليف في عقائد التصوف تحت مسمى ( التوحيد في الطريق وآدابها على المقامات والأحوال والحقائق ) [4] ويذكر ان الأبشيهي فى كتابه ( المستظرف فى كل فنّ مستظرف ) تابع ابن عبد ربه في كتاب ( العقد الفريد ) وزاد عليه الابشيهى ــ متأثرا بالتصوف ــ مناقب الصالحين وكرامتهم وذكر فصلا عن التصوف والوجد [5].....

2ــ وألف السيوطي في المظاهر الصوفية مثل "العجاجة الزرنبية في السلالة الزينبية" لبحث انساب الأشراف ، والمقصد في عمل المولد ، وقال فيه ان الشيخ تاج الدين ـــ الفكاهاني ألف كتابا في عمل المولد  [6] . وللسيوطي رسالة أخرى في حياة الأنبياء في القبور .

3 ــ وساد الاعتقاد في الاتصال بالجان وتشكلهم وتجسدهم الحسي امام الأولياء، فوضع الشبلي كتابا هاما في أحكام الجان، وتابعه الشعراني الذي فى كتابه ( الران ..)

4 ـ والشعرانى قصر كتابا آخر هو (المنن الصغرى) على الهدية وأحكامها حيث كانت النذور ــ أو القرابين ــ تنهال على المتصوفة من النساء والرجال .

5 ــ  وشارك أولياء الصوفية فى الانحلال الخلقي في العصر المملوكي ، وتلون تصوفهم بهذا اللون السيء ، وعكست بعض المؤلفات مظاهر ذلك فيما يعرف بالأدب المكشوف،  فالسيوطي له كتاب : " رشف الحلال الزلال "  جعل فيه عشرين إماما من أئمة المعرفة يتحدثون بالتفصيل عن ليلة زفافهم كل بأسلوب علمه. وله أيضا (دقائق الأترج فى دقائق الغنج ). وفصل تحت هذا العنوان رسالة بأكملها أسندها للحور العين ولم ير فيما ذكره عيبا.

6 ـ ونشر الصوفية الشذوذ الجنسى وجعلوه من ملامح عقيدتهم وعبادتهم ، فردّ عليهم فقهاء سنيون مثل ابن تيمية فى كتابه (التنفير من الأمرد) وقال فيه :" وأما من نظر إلى الأمر ظانا أنه ينظر الى مظاهر الجمال الإلهي وجعل ذلك طريقا إلى الله كما يفعله طوائف المدعين للمعرفة فقوله هذا اعظم كفرا من عبادة الأصنام ) [7]...وكتب أبو الفتوح الدجاني فيهم : ( حُكم الأمر) وفيه قال (من آفات هذا الزمان صحبة المردان خصوصا في فقراء هذا الأوان زاعمين أن صحبتهم طريق إلى الرحمن ) [8].....

6 ـ واكتشف الصوفية الحشيش ونادي بتشريعه وأنه حلال ، فألف الزركشي رسالة في الرد على من نادى من الصوفية بحل الحشيش.

7 ــ وأشاعت دعوات المتصوفة جوا من الاتهام السريع بالكفر ، فوضع الرشيدي رسالة جمع فيها الألفاظ المكفرة على عهده.  ولابن حجر رسالة فى ( الخصال المكفرة ) [9]

8 ــ وكتب الصوفية في مناقب اوليائهم ، وتطوع آخرون فكتب في مناقب غير الصوفية كمناقب الشافعي والليث   [10] ، وشاعت ثقافة تزكية النفس والغير ، فانتشرت كتب المناقب حتى أن السيوطي عدّد مناقب البرغوث في رسالة ( الطرثوث في فوائد البرغوث).  وكثرة  مؤلفات السيوطي وكثرة ما جمعه وضعف شخصيته العلمية اوقعه في التناقص في المؤلفات،  فبينما وضع رسالة (ليس في الإمكان ابدع مما كان) وضع أخرى في (الرد على من جهل ان الاجتهاد فرض) وبينما جمع الحديث صحيحا وموضوعا في الجامع الكبير ألف رسالة ، فيمن يروى الموضوع من الحديث...

9ــ والتفريعات الخاصة بالتصوف والمتأثرة به أكثر من أن تستقصى، واهمها عن الكرامة وصلتها بالمعجزة  [11] والمقارنة بين الذكر الصوفي وقراءة القرآن ، وأفضل صيغ الذكر  [12] والخضر وحياته،  وزيارة قبر النبي عليه السلام  [13] ، وحكم النظر في علم النجوم  [14] تأثرا بالكشف الصوفي ، وأثر جبل قاف في احداث الزلازل في الأرض  [15] وحكم ركوب الأسد من الناحية الفقهية  [16] تأثرا بما أشيع عن كرامات الأولياء الذين يركبون السباع . وبحث السبكي وغيره في معنى حديث (كنت نبيا وادم بين الماء والطين )من خلال العقيدة الصوفية (الحقيقة المحمدية الصوفية )  ، وألف الأزرعي كتابا في الفقه سماه (الغوث ) [17] تأثرا بالقطب الغوث في عقيدة التصوف المملوكى . هذا ويقول السخاوي [18] في ترجمة ابن الديري أنه (ألف الكواكب النيرات في وصول الثواب للطاعات إلى الأموات ) اقتفى فيه أثر السروجي مع زيادات كثيرة .... والسهام المارقة في كبد الزنادقة) وفتوى في ( هل تنام الملائكة ام لا) إلى غير ذلك من أمور يهتم بها المتصوفة والمتأثرون بهم ...

أثر دعوى العلم اللدنى الصوفية فى الزعم بعلوم وهمية

أُكذوبة العلم اللدني الصوفية تفرع عنها ادعاء الكثير من العلوم التي اختلفوا في تحديد أسمائها واتفقوا في انها من خصائص الأولياء دون غيرهم،  وكلها محض اختلاق..

فالمرسي كان يتحدث في ( العقل الأكبر والاسم الأعظم والأسماء والحروف ودوائر الأولياء واعداد الأذكار ومقامات الموقنين والملائكة المقربين ، ويوم المقادير وشان التدبير وعلم البدء وعلم المشيئة وشأن القبضة ورجال القبضة وعلوم الأفراد )......الخ  ) [19] .

ويرى الدسوقي ان العارف الصوفى : ( أُعطى العلوم المكتوبة في ألواح المعاني، ففهم رموزها وعرف كنوزها وعرف العلوم المودعة في النقط  ومعاني الحرف والقطع والوصل والهمز والشكل والنصب والرفع . ولهم الاطلاع على ما هو مكتوب على أوراق الشجر والماء والهواء ، وما في البر والبحر ، وما هو مكتوب على خيمة السماء، وما في جباه الانس والجن ) [20] . وزعم الدسوقي علم الدنيا والأخرة وعلم سدرة المنتهى وعلم الساعة وكلام الغيوب واللوح المحفوظ ، وعلم أسماء المنكرين عليه وعلم القدرة الأبدية ، وعلم الموت الذي يقبض به عزرائيل الأرواح، وعلم الأسماء المكتوبة على شجرة المنتهى  ، والعلم الذي تسير به الرياح والسحاب الذي ينزل به الغيث والعلم الذي يصعد به الملائكة السماء، وعلم  الاسم الأعظم ، وحفظة الاسم الذي ينزلون به الى الأرض ......) [21]الخ  ..

 والمتبولى الصوفى الأمي قال : ( لا يكمل الرجل عندنا حتى يعلم حكمة كل حرف تكرر في القرآن ويخرج منها سائر الاحكام الشرعية ما شاء ) [22] وقال المتبولي (أعطيت استخراج العلوم من القرآن العظيم من فقه واصول وبيان وجدل وعروض وغير ذلك  ) [23] وهذا الاعتدال لم يعجب أفضل الدين الشعراني فادعى أنه استخرج من سورة الفاتحة (مائتي ألف علم ونيفا وأربعين ألف علم ) [24]  

بعيدا عن تلك الخرافات الصوفية نذكر ان اهم علوم اشتهرت عند الصوفية هي الحرف والكيمياء وكيمياء الرمل .... وبهم إشتهرت  في العصر المملوكي ...وقد سبق التعرض لها فى مبحث التحايل فى الجزء الثالث عن أثر التصوف فى الانحلال الخُلُقى ، فى موضوع التحايل من كتاب ( أثر التصوف فى الحياة الدينية فى مصر المملوكية ) . فلا داعى للتكرار .

 وهكذا فإن تلك ( العلوم الصوفية ) ــ و لا يصح أساسا وصفها بالعلوم ــ قائمة على أن أساس الادعاء ولا يصلح ذلك أساسا لأي منهج علمي ، فهي لا تختلف عن الأنواع الخرافية من أسماء العلوم التي ذكرت في اول المبحث.



[1]
ــ ر اجع الكتب والرسائل في ثبت المراجع الخاص بالسيوطي

[2]ــ التبر المسبوك 401

[3]ــ تحفة الأحباب 217 ، 219

[4]ــ على صافى حسين : ابن الصباغ القوصى 161

[5]ــ المستظرف 1 ــ 98 ، 99 ، 136 ، 146 وما بعدها ..

[6]ــ المقصد في عمل المولد 306 مخطوط مجاميع تيمور ..

[7]ــ التنفير من الأمرد  255

[8]ــ حكم الأمرة مخطوط ورقة 40

[9]ــ التبر المسبوك 232

[10]ــ في كتب المناقب وفي الطالع السعيد الأدفوى

[11]ــ قواعد الصوفية 1 ــ 48

[12]ــ عمار : الشاذلى 1 ــ 202

[13]ــ الإلمام للنويري مخطوط  1 ــ 137 ، 231

[14]ــ الإلمام للنويري مخطوط 1ــ 137 ، 231

[15]ــ الدميري حياة السيوان 2 ــ 16

[16]ــ العيدروس  النور السافر 2 : 5 مخطوط

[17]ــ تاريخ ابن اياس 1 ــ 2 ــ 287

[18]ــ الضوء اللامع 4 ــ 252

[19]ــ ابن عطاء لطائف المنن 71 ،

[20]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 1 / 144 ، 146

[21]ــ طبقات الشرنوبي مخطوط ورقة 1

[22]ــ لواقح الأنوار 271

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[23]ــ لطائف المنن للشعرانى 55..

[24]ــ لواقح الأنوار 284

اجمالي القراءات 1783