الفرق بين المعتصمين بالله تعالى والناكرين الكافرين لآياته سبحانه.

Brahim إبراهيم Daddi دادي في الأربعاء ١٢ - يونيو - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

عزمت بسم الله،

بداية من القرن العشرين أصبحت الكرة الأرضية كلها عبارة عن مقر واحد يتمكن الناس فيها من الاتصال فيما بينهم قبل أن يرتد إليهم طرفهم، وأصبح البحث في التراث وما كتبت أيدي البشر قديما وحديثا بين أيدي كل باحث دون أدنى عناء، كل هذا بفضل الله تعالى الذي علم الإنسان ما لم يعلم، لقد كان الأولون يُلَقَّنون وينقُلون عن بعضهم البعض ما لُقِّنوا، واليوم والحمد لله يمكن لأي باحث أن يتأكد من صحة ما نُقل إلينا مما كتبت أيدي السلف، والمقارنة بين الكتب والروايات خاصة ما يتعلق بدين الله تعالى، وما نُسب إلى الرسول من قول وعمل وتقرير، فَبِالْبحث قد اتضح أن أكثر رجال الدين كانوا ينقلون ولا يعقلون، والدليل أننا نجد الكثير، الكثير من التناقض والاختلاف بين ما أنزل الله تعالى في الكتاب وما دُون بعد وفاة النبي بحوالي قرنين من الزمن، والطامة الكبرى فقد تمكن أعداء الله تعالى والمشركون من وضع سياج محكم على عقول رجال الدين حتى لا يكتشفوا التناقضات والاختلافات بين ما يُلقنون وما بَلَّغ الرسول من الوحي الذي أنزل عليه وهو القرآن لا غير، ومن معتقداتهم التي لا يقبلها عقل مؤمن بوحدانية الله تعالى أن يقال: ( السنة تقضي على القرآن والقرآن لا يقضي على السنة.).

يقول الله سبحانه: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُوَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. آل عمران 101. تساؤل يستوجب التوقف فيه كثيرا ومحاولة فهم معنى هذه الآية الكريمة الواضحة المبينة، فقوله سبحانه ( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ) تساؤل استنكاري لأن آيات الله تتلى عليكم وفيكم رسوله، أي لما كان الرسول حيا بينهم كان يتلو عليهم القرآن ولا شيء معه أبداً، ولما توفاه الله تعالى بقي الرسول الحي الذي لا يموت وهو كتاب الله تعالى ( القرآن). يقول الله سبحانه: كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَوَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ. الرعد 30. وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِوَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا. الكهف 27. فبمجرد أن مات الرسول انقلب الكثير من الصحابة على أعقابهم، والعليم الخبير أخبر الرسول بما سيقع بعد وفاته فقال سبحانه:وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ. آل عمران 144. فقد أخبرنا الله تعالى في الكتاب أن أكثر الناس لا يؤمنون إلا وهم مشركون ولا يتقبلون إلها واحدا وكتابا واحدا القرآن العظيم الذي أرسله الله تعالى كافة للناس بشيرا ونذيرا. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. سباء 28. لقد كانت مهمة الرسول تبليغ ما أنزل الله تعالى عليه في الكتاب، ولا يمكنه أن يتقول على الله تعالى أبداً لأن الله تعالى قد أخبرنا بمصيره إن هو تقول على الله تعالى، فقال سبحانه: فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ* وَمَا لا تُبْصِرُونَ* إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ* وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ* تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ* وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ. الحاقة 38/47.

وبعد التقاتل من أجل الحكم بدأ مشروع صنع الروايات ونسبتها إلى الرسول لتأخذ قدسية، فبدلوا وغيروا كل ما لا يوافق هواهم ومصالحهم، واخترعوا أحاديث سموها ( قدسية) حتى لا ينكرها أحد، بينما هم ينكرون آيات الله تعالى المنزلة في الكتاب وقد اخبرنا الله تعالى عن ذلك فقال سبحانه: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَاقُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. الحج 72. الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ* وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ. الأنبياء 49/50. أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ* أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ* أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌبَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ. المؤمنون 68/70. اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ* وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ* وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ. غافر 79/81.

نعم يا رب لقد أنكر الكثير من رجال الدين آياتك الكونية والقرآنية الذي هو أحسن الحديث، لأنهم لا يؤمنون، ولأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، فهم يسترزقون بالدين وينشرون الخرافات التي تُخدِّرُ عقول أتباعهم الواثقين فيهم، لكن الله تعالى يقول محذرا:  

وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ* فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ* وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ* لّا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ*

إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ* وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ* وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ* أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ* قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ* لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ* ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ* فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ* فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ* فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ* هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ* نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ* أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ* أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ* نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ* عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ* وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ* أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ* أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ* لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ* إِنَّا لَمُغْرَمُونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ* أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ* لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ* أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ* أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ* نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ* فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ* فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ* إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ* لّا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ* تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ* أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ* وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ. الواقعة 41/82. لاحظوا قول الله تعالى: (أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ* وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ). ولم يقل سبحانه: أبهذا الحديث وحديث النبي أنتم مدهنون، إنما هو حديث الخالق ( القرآن) وهو أحسن الحديث. أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ* اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْهَادٍ. الزمر 22/23. صدق الله العظيم.

 

ختاما أذكر رجال الدين بقول الله تعلى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ* ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ. البقرة 174/176. لم يذكر الله تعالى كتابا آخر بل قال: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِثَمَنًا قَلِيلاً). والسلام على من اتبع هدى الله تعالى فلا يضل ولا يشقى.

اجمالي القراءات 1897