ميلاد مأساة !? الظاهر أن "فريدريك نيتشه" مصيب في حدسه !? ******

يحي فوزي نشاشبي في السبت ٠٨ - يونيو - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

بسم  الله  الرحمن  الرحيم.

 ***

ميلاد مأساة !?

الظاهر  أن  "فريدريك  نيتشه"  مصيب  في  حدسه !?

******

 

       كنتُ في  كل  رجوع  لي  من سفر،  أرجع  منه  معززا  بزاد  وبغنيمة  جديدة، تتمثل في شخصية جديدة  تعرفت عليها، وكان  الكتاب  الذي  لازمني  هذه المرة  بكل حرص  وتفان  وصبر، ومستجيبا  لي  كعادته  بدون  ملل، ولا  كلل،  كان كتابا  متوسط  الحجم،  مؤلفا  من 167 صفحة، وكان  رفيقي  هذا  ثريا  ومفعما  بأفكار عالية  نبيلة، ولا  أخفي  أن المفاجأة  كانت  ذات  حجم  ومثيرة  لوابل من  الأفكار والمواضيع  الحساسة  الأخرى  لاسيما  كانت أفكارا  مصيرية،  وقد  يكون  سبب  المفاجأة، لأني  لم  أكن  أنتظر  منه  تلك الإثارة ؟

أما عن مؤلف الكتاب الذي جاء  تحت  عنوان فكار

"يوميات مسلم  ألماني"  كان  بالفرنسية كما  يلي:

              JOURNAL  D’UN  MUSULMAN  ALLEMAND

والمؤلف  هو  السيد: مراد ويلفريد  هوفمان.

MURAD  WILFRIED  HOFMANN.

مراد  ويلفريد  هوفمان،  حاصل على  دكتوراه  في  القانون،  وتخرّج  من جامعة  هارفارد  (الولايات  المتحدة  الأمريكية)  وجامعة  ميونيخ  (ألمانيا). ولد عام 1931 في  أشافنبورغ  (بافاريا، ألمانيا)، اعتنق الإسلام  عام  1980، من القرن  الماضي،  وأدّى  العمرة  مع  زوجته  التركية عام 1982. دبلوماسي منذ عام 1961، كان متمركزا في بعثات بلاده بالجزائر العاصمة، وبرن، وباريس، وبروكسل، وفيينا،  وبلغراد.  ومنذ أغسطس 1987 أصبح  سفيرا  لجمهورية  ألمانيا  الاتحادية  بالجزائر.
          ومن  بين  الملاحظات  الأولى، أن أغلبية  الذين يعتنقون  الاسلام  يهتمون  بتغيير اسمهم   إلى  اسم  عربي،  وكأنّ  ذلك  هو  الشرط  من  بين  الشروط  المفروضة،  أو  كأنّ  للاسم  دخلا   في  الموضوع،  والأدهى،  هو  أن  النطق  بالشهادة  مفروضة  بأن  تكون  باللغة  العربية،  حيث  نرى  المعني  بالأمر  يبذل  قصارى  الجهد  ليتتبع   ملقن  الشهادة  له،  محاولا  أن  يأتي  بالنطق  سليما،  ومن  الغريب ؟  كيف  يحصل  السهو  بـــأن  الأهم   في  النطــق  بالشهادة  هو  الفهم  والوعي؟  ومـــــن  المفروض  أن  
تترجم  عباراتُ  الشهادة  ليتلفظ  بها  المتلفظ  بلغته  التي  يتقنها  -  ما  دام  الخالق  سبحانه  وتعالى -  هو  خالق  اللغات  أو  الألسن ، ومن  المفروض  أن  المتلفظ  بالشهادة يكون  فاهما  ما  يقول  وعالما  ما  يقول،  ومدركا  تمام  الادراك  المجال  أو  العالم  الذي  هو  داخل  فيه  وقيمة  وأهمية  الأمانة  التي  هو  شارع  في  تحمّلها ؟  وهنا  يتبادر  إلى  الذهن  تلك  الآية  القرآنية   رقم  43  الواردة  في  سورة  النساء: (يا أيها  الذين  آمنوا  لا  تقربوا  الصلاة  وأنتم  سكارى  حتى  تعلموا  ما تقولون).  وأما  بالنسبة  للأستاذ  " مراد  ويلفريد  هوفمان"  فإنه  يقول  بأنه  تلفظ  بالشهادة  بالمركز  الاسلامي  بمدينة  (كولون -  (Cologne،  سنة  1980.          
          وأما  عن  الفقرة  المثيرة  والهامة  والملفتة  حقا  في  الكتاب،  فهي  تلك  التي  جاءت   في   صفحة   92،  تحت  العنوان  التالي  بالفرنسية :
(PERCEE  DE  L’ISLAM)
أي :  اختراق  الإسلام،  والفقرة  مترجمة  إلى  العربية  كما  يلي :
اختراق الإسلام
                                                                                    بون، 4 يونيو 1983
          لقد حدث أفضلُ ما يمكن أن يحدث  للإسلام  في ألمانيا  الفيدرالية:  كتب أستاذ اللاهوت البروتستانتي، الدكتور بول  "شوارزيناو"،  (دليل القرآن للمسيحيين) (Koran-Kunde für Christen شتوتغارت 1982) يؤيد  فيه  الحقيقة :  القرآن،  حتى  عندما  يتعارض  مع  الكتاب المقدس.  ويدرك  "شوارزيناو"،  المدين  للتحليل  النفسي  الذي  أجراه  (سي جي يونج، -   (C.G. jung)أنّ القرآن  يعكس نماذج  أولية  تتفق  مع اللاوعي  الجماعي.  وهذا   يقوده  إلى  التأكيد على  أن  القرآن  وحي  تاريخي  نقي  وغيرُ  ملفق:  حقيقة  مدمجة،  حقيقة  أبدية.  ويشبه  الكتاب  ببلورة   دوارة  متعددة  الجوانب  تعكس  نور  الله   في   ومضات  لا  تعدُّ   ولا  تُحصى.
          باختصار،  يصل  "شوارزيناو"  إلى  قناعة  مفادها  أن  الإسلام  هو الدين الأصلي،  وهو  التوحيد  البدائي،  وبالتالي،  فهو  أقدم  الديانات  وأحدثها. (وهذا  وحده يبدو أنه  يجعل المسلم  بالمعنى  الحرفي  لهذا  الأستاذ  المسيحي).  لا يقبل "شوارزيناو"، بالطبع،  فكرة  الثالوث،  أي  مساواة   يسوع   مع  الله  في  الجوهر.
          أما  عن  الفقرة  الأخرى  التي   يبدو أنها  جاءت  نتيجة  الفطرة  المطهرة  البريئة  من  أيـــة  خلفية،  فهي   تلك  التي  صـرح  بها  المؤلف  قائلا :  " ومع  ذلك، لا
أزال  أشعرُ بعدم  الارتياح.  هل  يــجب   تقديم   القرآن  بشكل  جمالي  حتى  يتم  تقديره، ؟  فن  من  أجل  الفن ؟
          ألم يكن  لدى  "فريدريك  نيتشه"   الحدس  الصحيح،  بالمعنى  الأوسع،  عندما  كتب  في "Die Geburt der Tragedies"  (ولادة المأساة)  إنّ  المسيحية  الحقيقية  "تنكر  كل  القيم  الجمالية"؟
          ألم  يؤكد عامة  الناس،  من  خلال  سماع  كلمتي  "الله"  و"محمد"  بهذا التكرار،  من  جديد  تحيزهم  بأن  المسلمين،  قياساً  على  المسيحيين،  هم  "محمديون"؟
          أليس  المسلمون  الوهابيون  على  حق،  عندما  يثبطون  الأداء  الجمالي  واللذيذ  حتى  للأذان: الأذان  والإقامة؟
          ألم  نصل اليوم  إلى النقطة  التي  يهيمن  فيها  الفن  على  الصلاة ؟  ويطغى عليها،  ويصبح  الفن عائقًا  أمام  الصلاة ؟  (بروكسل 31 مارس 1985) - الصفحة 128-
          وباختصار  فالظاهر  أن  حدَسَ  السيد  "فريدريك  نيتشه"  ما  زال  حدسا  قائما  صائبا  ومصيبا، وفي  الصميم،  وأن  المأساة   كما  سماها  ووصفها  الفيلسوف  "تيتشة"  ما  زالت  حية  ترزق،  وما  زالت  تفعل  أفاعيلها  على  كل  المستويات.  يمكننا  أن نقول  على  وزن  أو  مثل  ما  يراه  الفيلسوف  "تيتشه" :  إنّ  الاسلام  الحقيقي  ينكر  كل  القيم  الجمالية  التي  تتحول  إلى  عائق  أمام  الصلاة، والمفروض  أن  يثور  ويتخلص  من  ربقة  هذه  المأساة.
          وأما عن  الفقرة  التي  تـُـضحك  الحزين،  فهي  تلك  التي  جاءت  في  صفحة 137  من  الكتاب  وهي :  "  إنه  مضحك  حقا.   كلما   زاد  عدد  الناس  الذين يؤمنون  بوجود  الشيطان،  زادت  شعبيته.  وإليكم  الإطراء  الذي  يوجهه "بودلير"  إلى  لوسيفر: " إن إقناع الناس بعدم  وجوده  هو  تحفة الشيطان!"  (يمكننا  أن  نقول  نفس الشيء  من عمل  الشيطان!"  (وأعتقد أن  الشيء  نفسه  يمكن  أن يقال  عن الكي جي بي).  (KGB).
         وفي  صفحة :  119  من  الكتاب  جاءت  الفقرة  المثيرة  للتحديق  فيها  والتأمل  مليا وهي:

         الحرية التي لا يلطفها الحب تؤدي إلى الاستغلال-  العقلانية التي لا يخففها الحــب  يمكن أن  تؤدي إلى المحرقة - الحب الذي لا تضبطه العقلانية

يمكن أن يصبح  مدمرًا ذاتيًا- العقلانية من دون حرية هي وصفة طبية لأرخبيل غولاغ- 

         اقرأ الأخوة (بدلاً من الحب)، واحترام المعرفة التي يمكن الوصول إليها (بدلاً من العقلانية)، والكرامة الفردية (بدلاً من الحرية)، وسوف تفهم لماذا يمكن للحضارة الإسلامية الحقيقية أن تتجنب الخلل الحالي في التوازن بين هذه العوامل الرئيسية في الغرب.

         لقد قمتُ اليوم، في مقر حلف شمال الأطلسي بتوزيع هذا الكتيب على مؤتمر مسؤولي الإعلام الوطنيين، وحثثتهم على أخذ استراحة من همومهم المباشرة والتركيز على مهمتهم  طويلة المدى: مواجهة ثورة  ثقافية  صامتة وغير محسوسة تقريبًا  تعمل على تآكل  المجتمع  الدولي. أسس منظومة القيم الغربية  (بروكسل، 7 ديسمبر 1985). – الصفحة 119.

         وفي  صفحة  150:

         ويتبين في هـــذا السياق أن أي  محاولة  لتبــرير  مفهوم الثالوث، بعد  مرور  15 قرناً، لا تزال متعثرة. 

         على النقيض من هذه الخرافات، فإن المفهوم الإسلامي عن الله  نقيّ  ومتماسك وواضح. إنها  صورة  الله  التي  حددها  بنفسه  في القرآن: الواحد، غير القابل  للتجزئة، غير الوالد ، غير المولود، الخالق، الكامل، الذي لا مثيل له، المالك، المطلق، الأزلي، الذي لا يحتاج  إلى  كماله. الله  القدير العليم  الذي  يهدي  الإنسان  بأنبيائه  بلا تجسد  ولا تناسل  ولا تضحية.

****** 

 

 

اجمالي القراءات 1342