نظرات فى كتاب علو الله على خلقه

رضا البطاوى البطاوى في السبت ٢٠ - أبريل - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

نظرات فى كتاب علو الله على خلقه
المؤلف وليد السناني وهو يدور حول أن لله جهة هى العلو والقوم يثبتون لله ما نفاه عنه نفسه وهو وجود جهة له فلو كانت له جهة لأشبه خلقه مكذبا قوله تعالى " ليس كمثله شىء"
استهل السنانى كتابه بمقدمة عن العلو الإلهى المكانى فقال :
"إن مما يجب أن يعلمه العبد بالضرورة ويؤمن به أن ربه سبحانه وتعالى في السماء كما تقرر ذلك بالضرورة نقلا وعقلا وفطرة وإجماعا، فأدلة الكتاب والسنة على ذلك لا تحصى إلا بكلفة وحسب المسلم دليل واحد
كما قال الله سبحانه: {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور}
وقال سبحانه: {الرحمن على العرش استوى} أي: علا وصعد واستقر عليه"

قطعا التفسير السابق لآية الخسف هو تفسير يتنافى مع القرآن لأن معناه ان الله حاليا يحل فى مكان هو السماء وحلوله فى المكان معناه أن أنه محدود وله جسم ومن ثم يشبه خلقه الذين يحلون فى المكان وله أجسام وهم محددون بحدود مكانية
وأما التفسير الصحيح فهو حسب قوله " "وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله"فمعنى آية الخسف : هل أمنتم عقاب إله من فى السماء أن يزلزل بكم جانب البر فإذا هى تتحرك
فالله هو إله من فى الأرض وهو إله من فى السماء ومن ثم إذا حل فى السماء فهو يحل فى الأرض طبقا للتفسير الظاهرى لقوله تعالى :
"وهو الله فى السموات وفى الأرض"
ومن ثم تثبت صفة العلو وهى فى السماء وتثبت صفة السفل وهى فى الأرض
ومن يأخذون بهذا التفسير الظاهرى عليهم أن يقولوا بكونه ايضا فى السفل ولكنهم يطبقون التفسير على هواهم لأن الله ليس له جهة مكانية لا علو ولا سفل ولا جانب
وتحدث السنانى عن كون الله فوق السماء مع أنه أثبت كونهفى السماء بآية الخسف فقال:
"وعرشه فوق سماواته:
وفي الحديث الثابت عنه في الصحيحين وغيرهما عن عدد من الصحابة -رضي الله عنهم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
(ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا كل ليلة فيقول: هل من داع فأستجيب له، هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له فيظل هكذا حتى يطلع الصبح ) أو كما قال"
الغريب ان حديث النزول للسماء الذى يستدل به على أن الله فوق السموات لا يفيد فى الاستدلال لأنه إذا نزل فقد أصبح فوقه غيره
وقرر الرجل نفس الأمر من خلال حديث الجارية فقال :
"فعلو الله سبحانه على خلقه واستواؤه على عرشه أصل عظيم من أصول الإيمان، ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يختبر به الإيمان كما في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سأل الجارية بقوله: (أين الله؟
قالت: في السماء
قال: (من أنا؟
قالت: رسول الله
فقال لسيدها: (اعتقها فإنها مؤمنه )
قطعا كونه فى السماء لا يعنى انه فوق السموات كما عنون السنانى الفصل وإنما يعنى ان هناك من هو اعلى منه تعالى عن ذلك
ويناقض الرجل استدلاله فيقول :
"وليس معنى كونه سبحانه في السماء أن السماوات تحيط به فإنه أعظم من ذلك وأكبر وأجل-سبحانه وتعالى-كيف؟
والسماوات السبع والأرضين السبع في كفه كخردلة في كف أحدنا كما في الأثر المروي عن ابن عباس :
وهو يوم القيامة يضع السماوات والأرضين وسائر الخلق على أصابع كفيه -سبحانه وتعالى- ثم يهزهن فيقول: أنا الملك كما ثبت ذلك في الصحاح، وكما قال سبحانه: {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه}
وكما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيح أنه قال: (تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة. يكفؤها الجبار بيده كما يكفؤ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة *.
فكيف يظن في من هذا بعض عظمته - سبحانه- وهو الظاهر فليس فوقه شيء أن يحيط به شيء من مخلوقاته تعالى عن ذلك علوا كبيرا، بل هو بكل شيء محيط."

إذا الرجل أدرك المصيبة التى وقع فيها وهو الأخرون ولكنه يستدرك استدراكا لن ينقذه هو والروايات التى لم يقلها النبى(ص) ولا الصحابة وإنما نسبت لهم زورا لكى نقع فى مصيبة الحلول
ومن أجل الخروج من المأزق حاول أن يصلح ما أفسده فقال :

"و [في] هنا المذكورة في قوله: في السماء ليست ظرفية وإنما لذلك معنيان صحيحان:
الأول: أن في هنا بمعنى على وهذا صحيح في اللغة دلت عليه النصوص كقوله سبحانه: [فسيروا في الأرض] أي: على الأرض
وكقوله سبحانه أن فرعون قال للسحرة: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} أي: عليها وغير ذلك.
الثاني: أن السماء هنا العلو وليس السماوات السبع المعروفة
وهذا أيضا صحيح في اللغة فقد أخبر الله – سبحانه- بأنه ينزل الماء من السماء ومعنى ذلك أنه ينزله سبحانه من السحاب.
والسحاب غير السماوات السبع، كما قال سبحانه: {والسحاب المسخر بين السماء والأرض} وأدلة أخرى كثيرة، ولكن بدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم وتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون، فخبطوا في هذا الباب تخبيطا عظيما متفقين في نبذ كتاب الله مختلفين في ما ذهبوا إليه من آرائهم وأهوائهم فقالت طائفة منهم:
إن الله ليس فوق العالم ولا تحته ولا داخله ولا خارجه ولا ولا ولا إلى آخر ما قالوه من زندقتهم وجنونهم فلم يزيدوا على أن وصفوا الله سبحانه بالعدم
وقابلتهم طائفة أخرى - وهم أكثر من ينتسب إلى القبلة الآن-
فزعموا أن الله سبحانه وتعالى في كل مكان كما تقوله الجهمية -لعنهم الله-"

والرجل يزعم أن القوم تخبطوا فى مقالاتهم ولم يعلم أن القول " ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا" هو مصيبة وهو النزول وثانيا كلمة السماء الدنيا فهنا حددت الجهة التى فوقها ست طبقات أخرى ومن ثم استدلاله بتلك الروايات جعله يتخبط هو ومن قالوا قولته
ومع هذا جعل المتكلمين الآخرين كفرة وأما هو والذى وقع مثلهم فى الحلول من خلال حديث النزول للسماء الدنيافليس بكافر وهو قوله:
"وكلا القولين ونحوهما كفر عظيم من جهتين:

1. تكذيب خبر الله سبحانه ورسوله -صلى الله عليه وسلم-
2. ومن جهة انتقاص الله سبحانه بنفي كماله وجماله عنه ونسبة ما لا يليق به وإليه، وليس لقولهم الباطل إن الله في كل مكان - تعالى الله- إلا ثلاثة معان كلها بدعة باطلة لم يرد بها كتاب ولا سنة:
الأول: أن تكون [في] هنا وصفية كما تقول مثلا للشجاع: إن فيك شجاعة؛ فمعنى هذا أن الشجاعة صفته التي هي جزء منه فإن كان هذا مرادهم بقولهم إنه في كل مكان – سبحانه- فهو أعظم الكفر والإلحاد وهو دين أهل الإتحاد ووحدة الوجود وحقيقته أن صفاته مخلوقاته ومخلوقاته صفاته؛ وخلاصة ذلك أن الخالق والمخلوق شيء واحد - تعالى الله- عن ذلك علوا كبيرا.
الثاني: أن تكون [في] هنا ظرفية كأن تقول مثلا: زيد في الخيمة، فليس زيد صفة الخيمة ولكنه داخلها فهي محيطة به.
فإن كان هذا هو مرادهم بقولهم ذلك فهو أيضا من أعظم الكفر والإلحاد، لأن معناه أن الأمكنة المخلوقة محيطة بالله سبحانه وتعالى
وما عرف الله سبحانه وما قدره حق قدره من ظن هذا فإنه - سبحانه- أعلى من ذلك وأعظم وأجل وأكبر وأوسع وهو بكل شيء محيط.
الثالث: أن تكون [في] هنا بمعنى [على] فهذا اللفظ لم يأت في كتاب ولا سنة فيما نعلم بل أخبر الله سبحانه وتعالى أنه استوى على العرش ولم يقل استوى على كل مكان فتبين أن هذا اللفظ بدعة لم يرد بها نص من الكتاب والسنة فيجب تركها والإعراض عنها والاكتفاء بما جاء في النصوص، مع أني لا أعلم أحدا ممن يقول هذا القول الباطل يريد به هذا المعنى الثالث الأخير ولذلك قال ابن تيمية - رحمه الله- في الصنف الأول القائلين بأن الله سبحانه ليس كذا ولا كذا إنهم لا يعبدون شيئا، وفي الصنف الثاني القائلين بأنه سبحانه في كل مكان إنهم يعبدون كل شيء.
ولذلك أفتى السلف - رضي الله عنهم- فيمن يقول: إن الله في كل مكان، أنه يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وبانت منه امرأته، ودفن في المزابل بعيدا عن المسلمين؛ لأنه ليس منهم
وأجمعوا على أن الله سبحانه أعلى وليس أسفل، في السماء وليس في الأرض، وأن ما جاءت به نصوص الوحيين من معيته وقربه ونزوله وغير ذلك من صفاته سبحانه حق على حقيقته وعلى ظاهره كما جاء يصدق ما تقدم لا ينافيه، والقول في ذلك كله قول واحد تماما لا تفريق فيه ولا تناقض، وأنى يكون متناقضا وهو من عند الله - سبحانه وتعالى-، وأن ما خالف هذا أو شيئا منه فهو كفر أكبر لما فيه من تكذيب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- وانتقاص الله سبحانه بنفي صفات الكمال عنه.
وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وهو الذي نعبد الله به.

ومن انتحل غير هذا أو ذهب إلى شيء يخالف هذا الحق أو شيئا منه فليتب إلى الله، وليستغفره، وليترك هذا الباطل إلى الحق، ولا يصدنه عن ذلك أنه شيء جديد عليه أدرك أسلافه وأشياخه وعلماءه على خلافه؛ فإن هذه فتنة عظيمة لا ينجو منها إلا من سبقت لهم من الله الحسنى.
وإن من قوة اليقين والإيمان ترك الباطل والبراءة منه ومعاملته وأهله بما يجب وإن كان عند الكبراء والعلماء وعامة الناس حقا.
فأثبت ما أثبته الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- كما جاء وانف ما نفاه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- واسكت عن ما سكت الله عنه ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فلا تقل ما لا علم لك به نافيا أو مثبتا، تسلم وتنج وتهتد إلى ما ضل عنه أذكياء الناس الذين لم يحققوا هذا الشرط فدخل عليهم من الخلل في دينهم وعقولهم بحسب ما تركوا من هذا الشرط العظيم.
وهذه هي حقيقة العبودية لرب العالمين والمتابعة لسيد المرسلين التي هي دين الإسلام الذي لا يقبل الله دينا سواه من العالمين
اللهم وفقنا لذلك واجعلنا من الفائزين"

قطعا ما قاله من إثبات العلو ينافى كلام الله فى عدم وجود مثل له وجهة العلو تثبت شبه الله بخلقه فى وجود جهة له وهو ما يعارض قوله تعالى :
" ليس كمثله شىء "
فالله خارج الجهة أيا كانت

اجمالي القراءات 1018