ب 3 / ف 1 / ج 1 : رمضان بين سطور التاريخ : الجزء الأول (أربع مقالات )
كتاب ( رمضان والصيام بين الاسلام والدين السنى ) دراسة أصولية تاريخية
الباب الثالث : لمحة عن رمضان فى التاريخ
الفصل الأول : رمضان بين سطور التاريخ : الجزء الأول ( أربع مقالات )
المقال الأول :
غرائب وقعت في رمضان
1 ـ في رمضان 787هـ حدث في القاهرة أمر غريب، ولدت إمرأة طفلة لها رأسان كاملان على صدر واحد ويدين ومن تحت السرة تنقسم إلى شكل نصفين في كل نصف ساقان كاملتان، وماتت ولم تعش .. ولو عاشت لشهد العصر المملوكي نموذجاً للتوأم السيامي قبل أن يعرف العالم أين تقع سيام .
2 ـ والحوليات التاريخية كانت تسجل الغريب من أحداث الشارع الشعبي ،كأنما كان المؤرخون يشترطون على الفرد العادي أن يأتي بالشيء المستغرب حتى يستحق شرف التسجيل مع كبار رجالات العصر. وإن لم يكن بمقدور الشخص العادي أن يفرض نفسه على صفحات التاريخ فإن غرائب الطبيعة أرغمت المؤرخين على أن يحولوا بصرهم عن السلطان وحاشيته ويلتفتوا حولهم يسجلون أخبار ثورات الطبيعة من سيول وأمطار وعواصف وأوبئة وظواهر بلا تفسير .
ونلتقط بعضها مما حدث في رمضان :
في 24رمضان 707هـ ذكر المؤرخ ابن كثير أن مطراً قوياً شديداً وقع بالشام في أيامه وذكر أن الناس كانوا مشتاقين للمطر منذ مدة ، فاستبشروا بذلك خيراً ورخصت الأسعار،ولم يتمكن الناس من الخروج للصلاة من كثرة المطر.
ونفس الحال تقريباً حدث في القاهرة في أيام المقريزي وسجله في أحداث رمضان 838هـ في سلطنة الأشرف برسباي حيث وقع مطر غزير ودلفت المياة إلى سقف البيوت وسالت المياة من جبل المقطم سيلاً عظيماً وظل الماء في الصحراء عدة أيام ،" ويقول المقريزي "وهذا مما يندر وقوعه بأرض مصر" وصدق في هذا.
ومن المطر إلى العاصفة الشديدة التي هبت على القاهرة ليلة الجمعة 5رمضان 770هـ تلك العاصفة التي أسقطت الزروع والنخيل وأعالي البيوت في القاهرة وأغرقت عدداً من السفن ، وتسبب عنها موت جماعة من الناس تحت البيوت التي تهدمت.. يقول المقريزي "وكان أمراً مهولاً عامة تلك الليلة ". "
وكل ذلك مفهوم ويحدث ولكن غير المفهوم هو تلك الواقعة الغريبة التي يذكرها المقريزي في حوادث رمضان807هـ يقول "وفي هذا الشهر ظهر في بر الجيزةعلى شاطئ النيل وفي النيل وفي مزارع القليوبية شبه نيران كأنها مشاعل وفتايل سرج تقد ، ونار تشتعل فكان يرى من ذلك عدد كبير جداً مدة ليالٍ متوالية ، ثم اختفى.". أي كانت هناك نار تظهر غامضة على شكل مشاعل ومصابيح موقدة ولهيب مشتعل وفي أعداد كبيرة لمدة ليالٍ متتابعة ثم اختفى كل ذلك . ولو حدث ذلك في عصرنا لكتبت عنه وكالات الأنباء ، ولتحدث عن ذلك المغرمون باخبار الأطباق الطائرة وأهل الكواكب الأخرى . ويظل هذا الخبر الذي حدث في رمضان 807هـ أحد الأخبار الغامضة التي رآها وسجلتها الحوليات التاريخية مثل الأجرام السماوية التي كانت تمر على مرأى العين وربما كان منها مذنب هالي ، وكانوا يطلقون عليها لفظ النجوم أو الكواكب ، ولعل المغرمين بأخبار الأطباق الطائرة يعتقدون أنها لا تختلف عن الأطباق الأخرى التي رصدتها كتب السابقين .. علم ذلك عند الله وحده.
وفي يوم الإثنين 27 رمضان 738هـ وفي سلطنة الناصر محمد بن قلاوون حدثت سلسلة من الغرائب كان اجتماعها معاً سلسلة من الغرابة في حد ذاتها : ..
يقول المقريزي " أنه في ذلك اليوم هبت ريح سوداء معتمة بناحية الغربية ــ وسط الدلتا ــ وأظلم الجو وسقطت دور كثيرة ثم سقط من السماء قطع سوداء طعمها مُرّ جاءت به الريح من نحو البحر حتى ملأت تلك القطع الطرقات ، وكان بعضها يزن قدر بيضة النعامة وبعضها أقل من ذلك ، وكان الزرع قد قارب الحصاد فلما وقعت تلك القطع الغامضة على الزرع أهلكته وأهلكت معه أغناماً كثيرة ، بل وأسقطت شجرة جميز ضخمة سقطت في نصفها احدى تلك القطع فشطرتها نصفين ، كما لو كانت منشاراً ، وسقطت إحدى تلك القطع على ظهر بقرة فشقتها نصفين ، واتلفت تلك "القنابل المجهولة" زروع ثمانية وعشرين بلداً فجمع الفلاحون زرعها وجاءوا به للسلطان الناصر محمد فأمر والي الغربية أن يكشف تلك النواحي وما حدث فيها ويسقط عنها الخراج .
وجاء الخبر من قوص بأن السماء إحمرت في شهر رمضان هذا حتى ظهرت النجوم متلونة فكانت تحمر ساعة وتسود ساعة وتبيض ساعة إلى ان طلع الفجر فجاء مطر لم يعهد مثله في تلك البلاد . وجاء الخبر أيضاً بأن أسوان شهدت ريحاً هائلة هدمت عامة البيوت وكثيراً من النخل وهبت ريح أخرى في نواحي ( قنا ) فأسقطت ألفين وخمسمائة نخلة مثمرة، وقدم بذلك محضر بيد القاضي فيها .
وجاء الخبر من منفلوط بأن الفئران تكاثرت فيها فحصدت الزرع حصداً وأتلفت جرون الغلال بحيث كان يذهب ربع الجرن في ليلة واحدة ، فصار الناس يبيتون بالمشاعل طول الليل . وهم يقتلون الفئران ثم يتولى أمر النهار طائفة أخرون لا يفترون عن قتلهم ، ثم يحمل ما قتل منه في الشباك كل يوم نحو مائة حمل . وشوهد منه عجب وهو أن جمعاً عظيما من فئران بيض خرجوا حتى ملأوا الأرض فخرج مقابلهم فئران سود واصطفوا صفين في أرض مساحتها فدانان ثم تصايحوا وحمل بعضهم على بعض واقتتلوا ساعة وانكسرت الفئران السود وتبعتهم البيض يقتلونهم حتى مزقوهم في تلك الأراضي ، وكان ذلك بمحضر عالم كبير من الناس ، فكتب بذلك إلى السلطان والأمراء فنقص خراج السلطان بناحية منفلوط ستين ألف أردب فول بسبب الفئران . هذا ما يذكره المقريزي. وهو إن كان يبالغ فيما يقول فهي غريبة ، وإن كان صادقاً فذلك أغرب .
المقال الثانى |
بعض أعمال للخير فى رمضان .. زمان
أولا :
موائد الرحمن يقيمها وزير الخليفة المقتدر بالله العباسى
سنة 306 هـ أصدر الخليفة المقتدر بالله مرسوماً بتعيين حامد بن العباس وزيراً ، وكان حامد مشهوراً بالثراء وبالكرم ، وكان يتفنن في الإنفاق في رمضان، حتى أنه كان يقيم ولائم للناس في داره ويجعلها عامة لكل من أراد الدخول، وكان عدد الموائد يبلغ أحياناً أربعين مائدة ، وقد غضب على القائمين على الموائد حين رأى قشراً في مخلفات الطعام فظن أن ضيوفه يأكلون البقول دون اللحوم، وهدأ غضبه حين تأكد أن الضيوف عنده يأكلون أطيب الطعام ويحملون الفائض إلى بيوتهم .
وحدث وهو يتفقد الآكلين في تلك الموائد الرمضانية أن وقفت له امرأة وشكت له الفقر، فكتب لها ورقة بمائتي دينار ، فلما ذهبت للصراف لتصرفها استنكر الصراف كلمة دينار وذهب للوزير وعرض عليه الورقة، فضحك الوزير وقال : " والله ما كان في نفسي إلا أن أعطيها مائتي درهم ولكن شاء الله أن كتبت دينار مكان درهم، فأعطها المكتوب كما هو "!.
وفي اليوم التالي كان عند الإفطار يتفقد الضيوف على عادته فوقف له رجلاً وشكا له أنه زوج تلك المرأة وأنها أصبحت تتغطرس عليه وتطلب منه الطلاق بعد أن أعطاها الوزير مائتي دينار، وطلب الزوج من الوزير أن يجعلها تكف عنه، فضحك الوزير وأمر له بمائتي دينار وقال له : " قد صار لك الآن مثل مالها فلن تتغطرس عليك ولن تطالبك بالطلاق."
ثانيا : فى العصر المملوكى
كثيراً ما كان رمضان ينجح في إلانة القلوب المتحجرة للحكام الظلمة ، وما كان أقسى قلوب المماليك والعسكر عموما عندما يحكمون . ولكن رمضان كان ينجح أحيانا فى أن يدفع بعض المماليك إلى عمل الخير بالإفراج عن المساجين والبر بالمساكين ، ويأتي المؤرخون فيبتهجون بذلك العطف السامي والكرم النادر ويسارعون بتسجيله في الحوليات التاريخية ، مع بقية الأحداث الأخرى التي تعطينا فكرة عن الواقع الحقيقي الذي جعل ذلك الحاكم الظالم يفعل الخير .
الأمير الكبير برقوق قبيل أن يعلن نفسه سلطاناً ــ أمر بالإفراج عن المساجين بسجن الديلم وسجن الرحبة ــ وكان من بين المساجين من هو محبوس على ديون فسددها عنهم ،وكان ذلك في رمضان 874هـ ، وبعدها أعلن نفسه سلطاناً يوم الأربعاء 19رمضان 874هـ إذن كان السبب هو تهيئة الجو له ليتقبله الناس سلطاناً وينهي حكم أسرة قلاوون .
ولاقى السلطان برقوق عنتاً من إختلاف الأمراء عليه فعاد في رمضان التالي 785هـ يسدد ديون المسجونين في سجن القضاء ويوفّي عنهم ديونهم على يد الأمير جركس الخليل، وبذلك أفرج عنهم .
وحدثت محنة للأمير شيخ وهو أمير فى دمشق على الشام التابع وقتها للدولة المملوكية ــ وكان ذلك قبل أن يصير الأمير شيخ سلطاناً للدولة المملوكية. لذا بعد أن جاءه الفرج خرج من منزله بدار السعادة ماشياً إلى جامع بني أمية ، وهو حافٍ بلا حذاء متواضع لربه تعالى ، حتى دخل الجامع وتصدق باقراص محشوة بالسكر فأطعم الفقراء والقراء ــ أي الطلبة ــ وسدد ديون المحبوسين المعسرين عن السداد وذلك في ليلة 21رمضان 811هـ.
وتسلطن الأمير شيخ تحت لقب المؤيد شيخ ،وكانت لديه نزعة خير تظهر أحياناً خصوصاً في رمضان، وكانت خزانة شمايل من أسوأ السجون المملوكية ، وقد تم هدمها ، ولكن أقيم بعدها سجن ضيق قاسى فيه المساجين غماً وكرباً بسبب ضيق مساحته وكثرة عددهم ، فاختار لهم قصر الحجازية ليكون سجناً واستأجره من صاحبه بعشرة الآف درهم لمدة سنتين وأعده ليكون سجناً . ثم أهمل الموضوع ، وكان ذلك في رمضان سنة 820هـ .
أما السلطان الأشرف برسباي فقد أصابه المرض الذي مات فيه، وأثناء هذا المرض في رمضان 841هـ أصدر السلطان قراراً بالإفراج عن جميع المساجين وأمر بغلق السجون كلها وألا يسجن أحدُ ، فأغلقت السجون . ولكن ترتب على ذلك كما يقول المقريزي "انتشار اللصوص والمجرمين والمفسدين في البلاد ، وامتنع من عليه أموال أن يسددها لأصحابها لأن السلطان اطلق المحبوسين الذين كانت عليهم ديون، ومنع أن يحبس أحد بسبب ما عليه من دين ."
وفي يوم الخميس 22رمضان 875هـ أصدر الأمير الكبير يشبك ــ الرجل الثاني في عهد السلطان قايتباي ــ قراراً باطلاق سراح الفلاحين المحبوسين بسبب ما عليهم من ديون واطلاق سراح من صودرت أمواله ودخل السجن ، وبذلك القرار تم الإفراج عن مائة وسبعين مسجوناً ، ودفع الأمير يشبك ما عليهم من ديون للدولة , والسبب في ذلك الكرم المفاجئ الذي انتاب الأمير يشبك المشهور بقسوته وظلمه ،أنه كان على وشك السفر في حملة عسكرية لتأديب شاه سوار الثائر على الدولة المملوكية في العراق ،وقد قصد الأمير يشبك أن يتقرب إلى الله تعالى بهذا البر في رمضان حتى يمن الله عليه بالنصر ، وحدث أن لقي ذلك الأمير حتفه في تلك الحملة. ولا تزال القبّة التى بناها فى الميدان المسمى فى القاهرة ب " ميدان القبة ".
وأصاب الفقراء والمساكين خير كثير في رمضان من نوبات الكرم التي كانت تصيب المماليك ، فالأمير بيدرا مرض حتى أوشك على الموت وقيل أنه شرب السم ثم عوفي في رمضان سنة 691هـ فتصدق بصدقات جمة ورد أملاكاً كان قد اغتصبها من أصحابها، وأطلق كثيراً من المسجونين في سجونه وجمع الناس في 10رمضان بجامع بني أمية في دمشق وعملا حفلاً لختم القرآن وزع فيه الصدقات .
وفي الشام أيضاً كان الأمير هو (شيخ) الذي ارتبط بالشوام فترة طويلة وحدث أن جاء غلاء ضخم في رمضان 808هـ في سلطنة فرج بن برقوق حين كان شيخ نائباً للسلطان في دمشق ، فقام الأمير شيخ بجمع الفقراء وتفريقهم على الأغنياء ليقوموا باطعامهم ، واختص نفسه بعدد كبير منهم يقوم على اطعامهم بنفسه ، وحدثت مأساة في بعض الليالي إذ تكاثر الفقراء لأخذ الطعام فمات في الزحام أربعة عشرشخصاً..!! ولك أن تتخيل عدد الفقراء وقتها.
وتولى شيخ السلطنة في القاهرة ولم يشهد صلاة الجمعة في أول رمضان 819هـ بسبب مرضه ، وحتى يشفيه الله تعالى فأنه فرق مبلغاً من المال في الخانقاه التي أنشأها ــ وهي الخانقاه المؤيدية ــ وجهز عدة أبقار فذبحت في مواضع متعددة، وفرق لحمها، وكانت تلك عادة للظاهر برقوق من قبل .
وأثناء توليه السلطنة زار المؤيد شيخ الشام الذي عاش فيه أميراً سنين طويلة وتصادف أن كان ذلك يوم الجمعة 25 رمضان 820هـ فزار بيت المقدس وفرق في أهله مالاً جزيلاً وصلى الجمعة وجلس بالمسجد ، وقرأ الفقهاء صحيح البخاري ـ كتابهم المقدس ـ بين يديه ، وقام المداحون بعدهم ينشدون، فانتشى السلطان وأنعم عليهم بالأموال ، ثم ذهب الى مدينة الخليل حيث زار مشهد أو ضريح ابراهيم الخليل وتصدق هناك .. مع أن المعروف أن ذلك الضريح مزور ، أقيم للاسترزاق .
وبويع الأمير ططر سلطاناً للدولة المملوكية ، وكان وقتها في دمشق وذلك في يوم الإثنين 17رمضان 824هـ . واستبشاراً بتوليه السلطة وتقرباً للناس وقبل ان يرتحل الى القاهرة عاصمة الدولة المملوكية أصدر السلطان الجديد (الظاهر ططر ) قرارات للتخفيف عن أهل الشام ،منها أن المحتسب كان يجمع لوالي دمشق 1500 ديناراً يجمعها من الناس ظلماً فأمر ططر بإعطاء الوالي ضيعة في نظير أن يستغني عن ذلك المال الذي يجمعه له المحتسب ، وأذاع بياناً في دمشق يقول فيه : إن طلب منكم المحتسب يا أهل دمشق شيئاً فارجموه.. ونقش هذه الحادثة على حجر في المسجد الأموي .. وأثناء عودته لمصر وفي طريقه للقدس عرف أن والي القدس يأخذ ضريبة سنوية من الفلاحين قدرها أربعة آلاف دينار زيادة عما هو مقرر فأمر بتعويض الوالي عن هذه الضريبة وأبطلها ، ونقش ذلك على حجر بالمسجد الأقصى .. وفعل كل ذلك الخير في رمضان 824هـ.
وحدث ما أراده السلطان إذ استبشر الناس بولايته خيراً.
وأخيرا
ولا تزال نوبات الخير تؤثر أحيانا فى الحكام المستبدين خلال شهر رمضان .. حتى لو كان أولئك المستبدون من العسكر..وانظر الى ما يفعلونه أحيانا فى شهر رمضان بدءا من الفوازير إلى اطعام الناس لحوم الحمير .!!
المقال الثالث :
نطلب رأى الصائمين فى هذه الحكاية
هذه حادثة لا أستطيع تصديقها أو تكذيبها ، ولم تحدث فى رمضان ، ولكنها أقرب ما تكون الى رمضان بما فيها من شفافية وصوم . .
الحادثة رواها ابن الجوزى فى تاريخه ( المنتظم : ج 11 : 151 ـ ) فى احداث عام 230
وبطلتها زوجة كانت تعيش فى قرية فى منطقة خوارزم أواسط آسيا مما يطلق عليه اليوم افغانستان ، قتل الأتراك زوجها وعانت من الجوع فرأت نفسها فى منام حيث قابلت زوجها وأطعمها فى المنام ، واستيقظت ، وظلت بعدها تعيش دون جوع ، ودون أن تأكل ، ودون أن تضطر للاخراج من بول وغيره . واشتهر أمرها فى المنطقة وامتحنوا أمرها فتيقنوا من صدقها .. ننقل الرواية كما هى .. ونطلب رأى الصائمين .
يقول ابن الجوزى : ( ثم دخلت سنة ثلاثين ومائتين ... ... وظهر في هذه السنة في بعض قرى خوارزم عجب من امرأة رأت منامًا فكانت لا تأكل ولا تشرب ، وقد ذكر قصتها أبو عبد الله الحاكم في تاريخ نيسابور . أخبرنا زاهر بن طاهر قال: أخبرنا أبو بكر البيهقي أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري قال: سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول: سمعت أبا العباس عيسى بن محمد المروزي يقول:
وردت في سنة ثمان وثلاثين مدينة من مدائن خوارزم تدعى هزارسف ، فأخبرت أن بها امرأة من نساء الشهداء رأت رؤيا: كأنها أطعمت في منامها شيئًا فهي لا تأكل ولا تشرب منذ عهد عبد الله بن طاهر والي خراسان ـ وكان قد توفي قبل ذلك بثماني سنين ـ فمررت بها وحدثتني حديثها فلم أستعص عليها لحداثة سني ، ثم إني عدت إلى خوارزم في آخر سنة اثنين وخمسين ومائتين فرأيتها باقية ، ووجدت حديثها شائعًا مستفيضًا ، فطلبتها فوجدتها غائبة على عدة فراسخ ، فمضيت في أثرها ، فأدركتها بين قريتين تمشي مشية قوية ، وإذا هي امرأة نصف جيدة القامة حسنة البنية ظاهرة الدم متوردة الخدين ، فسايرتني وأنا راكب وعرضت عليها الركوب فلم تركب . وحضر مجلسي أقوام فسألتهم عنها فأحسنوا القول فيها ، وقالوا: أمرها عندنا ظاهر فليس فينا من يختلف فيها . وذكر لي بعضهم أنهم لم يعثروا منها على كذب ولا حيلة في التلبيس ، وأنه قد كان من يلي خوارزم من العمال يحضرونها ويوكلون بها من يراعيها فلا يرونها تأكل شيئًا ولا تشرب ولا يجدون لها أثر غائط ولا بول ، فيبرونها ويكسونها . فلما تواطأ أهل الناحية على تصديقها سألتها عن اسمها فقالت: رحمة بنت إبراهيم ، وذكرت أنه كان لها زوج نجار فقير يأتيه رزقه يومًا بيوم ، وأنها ولدت منه عدة أولاد ، وأن ملك الترك عبر على النهر إليهم ، وقتل من المسلمين خلقًا كثيرًا . قالت: ووضع زوجي بين يدي قتيلًا فأدركني الجزع ، وجاء الجيران يساعدونني على البكاء ، وجاء الأطفال يطلبون الخبز وليس عندي شيء، فصليت وتضرعت إلى الله تعالى أسأله الصبر وأن يجبر بهم ، فذهب بي النوم في سجودي ، فرأيت في منامي كأني في أرض خشناء ذات حجارة وشوك وأنا أهيم فيها وألزم خبري أطلب زوجي ، فناداني رجل: إلى أين أيتها الحرة ؟ قلت: أطلب زوجي. قال: خذي ذات اليمين . فأخذت ذات اليمين ، فوقفت على أرض سهلة طيبة الثرى ظاهرة العشب ، فإذا قصور وأبنية لا أحسن وصفها ، وإذا أنهار تجري على وجه الأرض من غير أخاديد ، وانتهيت إلى قوم جلوس حلقًا حلقًا ، عليهم ثياب خضر ، قد علاهم النور ، فإذا هم القوم الذين قتلوا في المعركة ، يأكلون على موائد بين أيديهم ، فجعلت أتخللهم وأتصفح وجوههم أبغي زوجي، لكنه بصرني فناداني: يا رحمة يا رحمة، فتحققت الصوت ، فإذا أنا به في مثل حالة من رأيت من الشهداء ، وجهه مثل القمر ليلة البدر وهو يأكل مع رفقة له قتلوا يومئذ معه. فقال لأصحابه: إن هذه البائسة جائعة منذ اليوم أفتأذنون لي أن أناولها شيئًا تأكله؟ فأذنوا له ، فناولني كسرة خبز ، وأنا أعلم حينئذ أنه خبز ولكن لا أدري كأي خبز هو! أشد بياضًا من الثلج واللبن وأحلى من العسل والسكر وألين من الزبد والسمن، فأكلته فلما استقر في معدتي قال: اذهبي فقد كفاك الله مؤونة الطعام والشراب ما بقيت في الدنيا ، فانتبهت من نومي وأنا شبعى ريًا لا أحتاج إلى طعام وشراب ، وما ذقته منذ ذلك اليوم إلى يومي هذا ، ولا شيئًا مما يأكله الناس .
قال أبو العباس: وكنا نأكل فتتنحى وتأخذ على أنفها تزعم أنها تتأذى برائحة الطعام ، فسألتها: هل تتغذى بشيء غير الخبز أو تشرب شيئًا غير الماء فقالت: لا . فسألتها: هل يخرج منها ريح قالت: لا . أو أذى ؟ قالت: لا . قلت: فالحيض ؟ أظنها قالت: انقطع بانقطاع الطعم .قلت: فهل تحتاجين حاجة النساء إلى الرجال؟ قالت: لا . قلت: فتنامين ؟ قالت: نعم أطيب نوم . قلت: فما ترين في منامك ؟ قالت: ما ترون . قلت: فهل يدركك اللغوب والإعياء إذا مشيت قالت: نعم . وذكرت لي أن بطنها لاصقة بظهرها ، فأمرت امرأة من نسائنا فنظرت فإذا بطنها لاصقة بظهرها ، وإذا هي قد اتخذت كيسًا فضمنته قطنًا وشدته على بطنها ليستقيم ظهرها إذا مشيت . فأجرينا ذكرها لأبي العباس أحمد بن محمد بن طلحة بن طاهر والي خوارزم فأنكر ، وأشخصها إليه ، ووكل أمه بها ، فبقيت عنده نحوًا من شهرين في بيت فلم يروها تأكل ولا تشرب ولا رأوا لها أثر من يأكل ويشرب ، فكثر تعجبه، وقال: لا تنكر لله قدرة . وبرّها وصرفها ، فلم يأت عليها إلا القليل حتى ماتت رحمها الله .) . انتهى..
ما رايكم ؟ دام فضلكم ؟ وتقبل الله جل وعلا صومكم ؟
المقال الرابع :
دجال يخدع السلطان
في يوم الخميس 17 رمضان قدم مصر الشيخ يوسف الكيماوى في سلطنة الناصر محمد بن قلاوون سنة 730هـ ، وسبقته شهرته لمصر وللسلطان . في ذلك الوقت كانت الكيمياء تعني المقدرة على تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب عن طريق الكرامات أو القوة النفسية ، أي كانت طريقة للتحايل على الناس ، ولكنها كانت تتمتع بتصديق الناس لأنها ارتبطت بالكرامات في عصر كان يعتقد في الكرامات وأساطير المعجزات والخوارق التي يدعيها محترفو المشيخة ، وكان منهم صاحبنا الشيخ يوسف الكيماوي الذي اكتسب لقبه من حرفته الكيمياء .
يقول المقريزي عن هذا الرجل أنه كان نصرانياً من الكرك ــ الأردن ــ فأسلم ، ثم مضى إلى صفد ، وقابل أميرها بهادر وأظهر له التقوى ، فاعتقد فيه الأمير بهادر وصدق دعاويه ، وأنفق عليه أمواله على أمل أن يقلب له المعادن ذهبا حقيقيا ، فلما يأس منه بعد مدة عرف حقيقته فأدخله السجن وبعدها أطلقه. وخرج يوسف الكيماوى إلى دمشق وعرض على أميرها بضاعته ، ولكن الأمير تنكز نائب السلطان في الشام وواليه على دمشق كان لديه علم بذلك الدجال فأمر بشنقه فصاح يوسف قائلاً " أنا جيت للسلطان حتى أملأ خزائنه ذهباً وفضة". وعنئذٍ خاف الأمير تنكز أن يشنقه فيتهمه أعداؤه بأنه أضاع على السلطان فرصة كان يمكن أن تنجح ، لذا اضطر إلى إرساله إلى السلطان في القاهرة مع البريد ومعه بعض الثقات من أتباعه ورسالة فيها التحذير للسلطان من ألاعيب ذلك الرجل ودهائه .
ولما وصل الشيخ يوسف للسلطان الناصر محمد استمع إليه وأصغى إليه ، وفى ذلك الوقت كان الناصر محمد واقعاً تحت تأثير التصوف ورجاله بعد أن انقلب على صديقه السابق الإمام ابن تيمية وسجنه ، وبعد أن اصطلح مع الصوفية وأنشأ لهم خانقاه سعيد السعداء ، وأعطى أذنه لأشياخ الصوفية يلقون فيها بأساطير الكرامات ، ومن هنا كان سهلاً أن ينخدع السلطان بأقاويل الشيخ يوسف الكيماوى ويعرض عن تحذيرات الأمير تنكز نائبه في الشام . وسرعان ما أخذ الشيخ يوسف وضعه كما يحلو له عند السلطان الناصر محمد فأنزله السلطان عند الأمير بكتمر الساقى ، وأجرى عليه الأموال والرواتب ، وأقام عنده الخدم يتولون أمره ، وألبسه التشريفة ، وأحضر له كل ما يريد لكى يباشر مهمته في تحضير الذهب من المعادن الرخيصة، وانتظر السلطان النتيجة . .
وفى الموعد المحدد حضر يوسف بين يدى السلطان الناصر محمد ، ليعرض عليه ما توصل إليه ، وكان في المجلس أعيان الدولة ومنهم ناظر الجيش وتاج الدين إسحاق وابن هلال الدولة والأمير بكتمر الساقى وعدد من الأمراء والشيخ ابراهيم الصائغ كبير الصاغة وعدد من الصاغة. فأوقدت النار على بوتقة قد ملئت بالنحاس والقصدير والفضة حتى ذاب الجميع فألقى عليه الشيخ يوسف شيئاً من صنعته وأوقدوا عليها النار ساعة ، ثم أفرغوا ما فيها فإذا سبيكة ذهب أجود ما يكون زنتها ألف مثقال، فأعجب السلطان ذلك كثيراً وأنعم على الشيخ يوسف بهذه السبيكة، وألبسه التشريفة للمرة الثانية وأركبه فرساً مسرجاً بالحرير وبالغ في إكرامه وحقق له ما يريد . واتصل بيوسف الكيماوى الخدم وقدموا له أشياء كثيرة فاستخف عقولهم حتى ملكها وأكل أموالهم ، ثم سبك يوسف للسلطان سبيكة ثانية من الذهب فكاد يطير به فرحاً وصار يستحضره بالليل ويحادثه فيزداد محبة فيه فأذن له أن يركب الخيول السلطانية ويمضي حيث شاء بالقاهرة ، فركب وأقبل على اللهو ، واتى إليه عدة من الناس يعطونه أموالهم ليعلمهم صناعة الكيمياء أو تحويل المعادن إلى ذهب ، وعاش أجمل أيامه، ثم سأل السلطان أن يأذن له بالعودة إلى موطنه بالأردن لإحضار نبات هناك فأركبه السلطان خيل البريد وأرسل معه الأمير طقطاي مقدم البريدية وكتب إلى نائب غزة ونائب الكرك بخدمته وقضاء جميع حوائجه من ديوان الخاص (أى ديوان السلطان) فمضى يوسف إلى الأردن واختفى وانقطع خبره . بحث السلطان عنه حتى وجدوه وقد ظهر للسلطان كذبه فأودعه في السجن .
وفي رمضان( أيضاً ) في العام التالي سنة 731هـ هرب يوسف الكيماوي من السجن ، فنودى عليه بالقاهرة ومصر ، وصدرت الأوامر على البريد لولاة الأقاليم بالقبض عليه . وفي شهر ذي الحجة 731هـ قبض عليه في مدينة أخميم بالصعيد ، وحمل مقيداً في الحديد إلى قلعة الجبل ، فوصلها في 24 ذي الحجة وسأله السلطان عن المال فقال إنه ضاع منه، فسأله السلطان عن الكيمياء فقال: كل ما كنت أفعله إنما هو خفة يد .!! فعوقب بالضرب الشديد، ثم اعتقل بخزانة شمائل . ومات ليلة الأحد 25 ذي الحجة، وطيف بجثته بالقاهرة يوم الأحد. وما أغنى عنه ماله وما كسب .. وكل عام وانتم بخير.
تنويه مع الاعتذار
بعد تركى جامعة الأزهرسنة 1987 وغلق كل ابواب الرزق فى وجهى عانيت اشد سنوات الضنك والفقر الشديد فيا بين 1989 – 1995 فالتفت الى موهبتى فى كتابة السيناريو لأتعيش منها كمورد رزق وامل يبدد الكآبة والاحباط من حولى ، فعكفت على اتمام مشروع " تحويل التراث الاسلامى الى دراما "وكان قد اكتمل لدى العلم بكل دقائق تاريخ المسلمين وتفصيلاته الدينية والعقيدية والعقلية واللغوية والحضارية .
بدأت ببحث التاريخ المجهول للشخصيات عير المعروفة فى تاريخ المسلمين كنوع من أنواع التحدى لمهنتى كباحث تاريخى ومفكر اسلامى ، ثم قمت بتحويل تلك الأبحاث الى قصص تاريخية بدأتها بالشخصيات النسائية ، وكنت املأ الفجوات التاريخية بابداعى الأدبى والفنى أى باختراع أحداث وشخصيات مستعينا بفهمى لأحداث العصر التاريخى وشخصياته وثقافته وعقلياته وعاداته فى الملبس والحديث والتصرفات الاجتماعية. ونشرت هذه السلسلة من القصص التراثية تحت عنوان " نساء بين سطور التاريخ " نشرتها مجلة "حواء" ثم مجلة " سطور " واتسعت الحلقات التالية المنشورة فى "سطور" لتشمل قصصا عن الشخصيات التاريخية المغمورة من الرجال من المستوى الثانى والثالث فى الأهمية . وقمت بعدها بتحويل العديد من تلك القصص التاريخية الى سيناريوهات كاملة تحت اسم " مشروع تحويل التراث الاسلامى الى دراما " والى الآن لم أجد من ينتجه ليخرج للنور.
من أوراقى فى مشروع تحويل التراث الى دراما ذلك الملخص التاريخى عن الشيخ يوسف الكيماوى الذى خدع السلطان المملوكى الناصر محمد . اعداد ملخص تاريخى هى المرحلة الأولى (البحثية ) ثم كانت المرحلة الثانية وهى تحويل الأحداث التاريخية الى قصة ، ثم المرحلة الأخيرة تحويلها الى سيناريو . أقول هذا حتى لا يسطو بعضهم على هذه القصة التاريخية ويحولها الى سيناريو. فلم يكن سهلا البحث بين سطور التاريخ المملوكى و مخطوطاته للعثور على هذه الحكاية الواقعية . ولذا فاننى احتفظ بحقى فى تحويلها الى عملا درامى . اقول هذا حتى لا أجد حرجا من نشر كل قصصى التاريخية على اساس احتفاظى بكل الحقوق كمؤلف . أما الكتابات الاسلامية والقرآنية فهى مباحة مجانا للنشر لكل من أراد.