سرقة كابل السد العالي تهدد مصر بفيضان يصل إلي القاهرة خلال 8 ساعات

في الثلاثاء ١٣ - مايو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

عندما وصل الفساد والنهب إلي بيع القطاع العام وسرقة أموال المعاشات والتأمين الصحي وعندما وصل الفساد إلي بيع عدد من المرافق والصناعات الحيوية والاستراتيجية للعدو الاسرائيلي، توقع الناس انها نهاية ما يمكن ان يصل اليه الفساد في بر مصر، لكن القضية التي نفجرها هنا تؤكد انه لا تزال هناك فصول جديدة للفساد اكثر فزعا ورعبا من الفصول السابقة لأنها تمس واحدا من الانجازات التاريخية التي تحمي مصر ومستقبلها.. إنها تمس امن السد العالي حجر الامان في جنوب الوادي ومفتاح شريان الوجود في هذه الأمة.

بداية تفجير هذه القضية عندما جلست مع عدد من بناة السد العالي الاوائل الذين شهدوا علي عملية حجر الأساس ثم تحويل مجري النيل وحتي انتهاء الأعمال في السد العالي عام 1970 وبعدها بسنوات عملوا في هيئة السد العالي لسنوات طويلة وحتي سن التقاعد، كان الخبر الذي كنا نعرفه هو ان محمد رضا البنداري رئيس هيئة السد العالي أعلن عن سرقة الكابل الاساسي المغذي للأوناش في حوض السد، علم العمال الخبر وعندما تأكدوا من صحة المعلومات، لم يصدقوا ما حدث وأكدوا استحالة ان يحدث ذلك.. لكن بعد فترة تأكدت المعلومة وتحولت إلي كابوس مخيف أعاد إلي الذاكرة سنوات الفيضان، خاصة ان هذه السرقة تعني عدداً كبيراً من الحقائق في مقدمتها ان هذا الكابل هو المسئول عن رفع الشباك الواقية لمداخل أنفاق السد العالي من جهة بحيرة ناصر وبدونه تسقط الشباك ويمكن ان يدخل جسم غريب إلي جسم السد العالي، اي انه بمثابة حارس علي بوابة السد العالي، وهذا الكابل وزنه يتراوح بين 2 و3 أطنان وطوله يصل إلي 300 متر، كما انه مثبت بتقنية شديدة الدقة والتعقيد و فكه يحتاج إلي ساعات طويلة من العمل الشاق تحت الماء.. والاهم من ذلك ان هذه المنطقة مكهربة ولا يمكن لأحد الاقتراب منها الا بعد فصل الكهرباء الخاصة بالكابلات كلها من غرفة التحكم في السد العالي، والاخطر من ذلك هو وجود عدد كبير من الكاميرات التي تراقب جسم السد العالي دون توقف ففي غرفة المراقبة الاولي يوجد 49 كاميرا لمراقبة انفاق السد العالي والغرفة الثانية تضم 72 كاميرا لمراقبة جسم السد العالي. وبالإضافة إلي ذلك توجد سيارتان علي مدخل ومخرج السد العالي مزودتين بأحدث التقنيات الالكترونية لاستشعار اي أخطار علي بعد مئات الأمتار وقد تكلفت عملية شرائهما 22 مليون جنيه.

الأكثر ازعاجا في هذه القضية، هو خطورة المكان الذي تمت فيه عملية السرقة، فهو طبقا لوصف أبوالمجد أبوالوفا وهو من قدامي بنائي السد العالي فإن هذه المنطقة تمثل قدس اقداس السد العالي ، فهي المنطقة الجنوبية لجسم السد والتي تضم المخزون الاساسي لمصر من مياه النيل « 177 متراً فوق سطح البحر الابيض المتوسط»، وهذا يعني ان دخول اي شخص إلي هذه المنطقة يهدد الامن القومي للسد العالي، وهذا ما أشار إليه ابو المجد ابو الوفا الذي تحدث معي والخوف يملأ صوته وقال : ان الخطورة ليست في سرقة الكابل بل الخطورة في دخول شخص إلي هذه المنطقة، اي أنه يمكن لأي شخص الدخول إلي حوض السد وزرع قنبلة زمنية تهدد جسم السد وتفتح مخزون المياه الهائل الذي سيؤدي إلي طوفان كبير «يكنس» مصر في ثماني ساعات فقط ! هذا الهاجس تمكن من عقل ابو المجد وجعله يكتب رسالة بخط يده يشرح فيها خطورة حادثة السرقة الأخيرة ويوزعها علي من يريد ان يعي خطورة الموقف. وشرح عامل السد العالي في رسالته تفاصيل مهمة عن عمليات السرقة التي طالت حوض السد أو «المأخذ» كما يلقبونه، خاصة ان المنطقة التي تمت فيها عملية السرقة عبارة عن منطقة محاطة من الجانبين الشرقي والغربي بسدين صغيرين من الركام والفتحة الوحيدة الموجودة في هذه المنطقة هي البوابة التي لا تتعدي 40 متراً ومثبت عليها شباك حديدية يصعب اختراقها، لأن مجرد اختراقها يعني تعرض الأنفاق ومحطة الكهرباء للخطر.

بعد كل هذه التفاصيل، كيف استطاع أربعة صيادين بمركب صياد متواضعة الدخول لسرقة هذا الكابل كما تدعي مباحث أسوان ؟ المعلومات التي استطاعت «الفجر» الحصول عليها تؤكد زيف هذا الادعاء، وان الشرطة حاولت إغلاق هذا الملف بنفس الطرق المعروفة بتلفيق القضية لأربعة من الشباب، والزج بهم في السجون، ومن المفارقة ان نكتشف ان هؤلاء الشباب هم أبناء عدد من بنائي السد القدامي، ومن داخل منطقة السد العالي التي تم إنشاؤها في الستينيات، قابلنا معروف ضرار الصغير الذي يعمل ميكانيكياً في هيئة السد العالي ووالد محمد معروف وسعيد معروف وهما من المقبوض عليهم علي ذمة قضية سرقة كابل السد العالي، كشف معروف عدداً من الحقائق المهمة ومنها ان الشرطة القت القبض علي ابنه محمد من المنزل بعد الاعتداء علي اهل المنزل وضرب والدة المتهم، كما تم القاء القبض علي ابنه الاخر سعيد من الكتيبة العسكرية التي يعمل فيها بادفو بتهمة سرقة الكابل، علي الرغم من تأكيد العقيد المسئول عن الكتيبة التي يخدم فيها سعيد بأنه لم يغادر الكتيبة منذ شهر وهذا ما أثبته العقيد في تحقيقات النيابة. بالإضافة إلي ان الشرطة القت القبض علي اولاده منذ يوم 16ابريل الماضي دون قرار من النيابة، وتم عرضهم علي النيابة يوم 23 أبريل الماضي وسجل الضابط انه القي القبض علي المتهمين الأربعة يوم 23 ابريل، الأمر الذي جعل النيابة تأمر بحضور شهود العيان الذين أكدوا إلقاء القبض علي المتهمين يوم 16 أبريل، وأكد والد المتهمين ان أبناءه تعرضوا للتعذيب طوال هذه الفترة لإجبارهم علي الاعتراف بجريمة سرقة الكابل، وانه شاهد اثار الجروح والتعذيب علي أبنائه أثناء عرضهم علي النيابة.

وكشف لـ«الفجر» حسين إبراهيم الشمام رئيس المكتب الفني لمنسوب مياه بحيرة ناصر، ان المعلومات التي وردت عن سرقة الكابل غير منطقية حتي ولو دخل الصياديون الاربعة بالونش لجر الكابل، فأجهزة المراقبة الموجودة لدينا نري من خلالها العصافير التي تقف علي جسم السد، وهذه المنطقة شديدة الحساسية، بالنسبة للكاميرات وحتي اذا تم فصل الكهرباء فالكاميرات لا تتوقف عن العمل لأنها تعمل علي خلية ضوئية خاصة وليس لها علاقة بالكهرباء. والاهم من ذلك ان الكابل المسروق مصنوع من نحاس ذي أنسجة ويتحمل الصدمات المختلفة، لذا فكه يحتاج إلي متخصصين كبار يستطيعون فصله عن العوامات المكهربة والتي تجعل الماء في هذه المنطقة مكهرباً ولا يستطيع احد من الصيادين الاقتراب منها نهائيا، فالكابل وحده قوته 11 ألف فولت.

وفتحت هذه الواقعة ملفاً كبيراً وهو ملف المشكلات التي يتعرض لها السد العالي والعاملون فيه منذ تسعينيات القرن الماضي وبالتحديد منذ بداية عمليات التطوير المزعومة التي تولتها شركة أمريكية، ويروي محمد سنوسي الذي كان يعمل في السد العالي منذ عام 1962 في قطاع الكراكات عن عمليات الفساد التي شابت التطوير الأخير للسد العالي، خاصة ان الصحف الأمريكية راحت تقول : الامريكان يصلحون ما افسده الروس، ولكن حقيقة ما حدث ان التطوير كان يهدف إلي تغيير ريشة التوربينات التي تؤدي إلي تحريك مياه السد لتتحول إلي كهرباء، وفوجئنا بأن الامريكان فشلوا في فك الريشة القديمة لذا لجأوا إلي تقطيعها وبيعها خردة رغم قيمتها الغالية، حيث كان من الممكن الاحتفاظ بالريشة القديمة في حالة عطل الجديدة او تخزينها لوضعها في متحف السد العالي، لكنها بيعت بتراب الفلوس للحاجة زينب التي كانت اشهر بائعة خردة في مصر انذاك. وبعد تركيب الريشة الامريكاني فوجئنا بأنها تحتاج إلي تكييف خاص كي تعمل فاضطرت الهيئة لشراء التكييف الخاص لهذه الريشة. لكن المفاجأة ان الشركة التي قامت بعملية التطوير باعت نصيبها لشركة اخري وبالتالي فقدنا حق الصيانة الدورية للريش، واذا حدث اي اتلاف لهذه الريشة لن نجد الشركة المسئولة عن تركيبها، علي الرغم من ان عملية التطوير تكلفت 200 مليار جنيه وتحملت مصر 25% من المبلغ.

اجمالي القراءات 3747