المذاهب

محمد مهند مراد ايهم في الخميس ٠٦ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

لقد اختلف أهل السنة إلى مذاهب كثيرة في الفروع والأصول ، كمذهب سفيان بن عيينة بمكة ، ومذهب مالك بن أنس بالمدينة ، ومذهب أبي حنيفة وسفيان الثوري بالكوفة ، ومذهب الأوزاعي بالشام ، ومذهب الشافعي والليث بن سعد بمصر ، ومذهب إسحاق بن راهويه بنيسابور ، ومذهب أحمد بن حنبل وأبي ثور ببغداد . . . وغيرها . إلا أن أكثر تلك المذاهب انقرض بين الناس ، وظلت آراء أصحابها مدونة في بطون الكتب عند أهل السنة ، وبقيت من تلك المذاهب : الأربعة المعروفة ، وهي مذهب أبي حنيفة النعمان ، ومذهب مالك بن أنس ، ومذهب محمد بن إدريس الشافعي ، ومذهب أحمد بن حنبل .وهذه المذاهب صارت هي المذاهب التي عليها أهل السنة في كافة الأمصار منذ أن حصر التقليد فيها إلى عصرنا الحاضر .
نشأة المذاهب الأربعة :
كان الناس في زمن النبي يلجؤون في امور دينهم الى النبع الصافي وهو القرآن وان جد أمر لهم سألوا النبي الطاهر فكان الجواب يأتيهم من القرآن و أمثلة ذلك كثيرة (يسألونك – قل) وبقي الحال على ذلك إلى أن قبض النبي وأما بعد زمان النبي فكان الناس يسألون الخلفاء خاصة والصحابة عامة لما تفرقوا في سائر البلدان ، لأنهم كانوا أقرب الناس إلى رسول الله ، وكانت التوصية من الخلفاء لهؤلاء بالإجابة من كتاب الله <<< وإن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال : إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول شيئا ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله ، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه) تذكرة الحفاظ للذهبي>>>ولما جاء عصر التابعين وتابعي التابعين انقسم العلماء إلى قسمين : أهل الحديث ، وأهل الفتوى . وكثر المفتون في المدينة ومكة والشام ومصر والكوفة وبغداد وغيرها من بلاد الإسلام ، فكان العامة يسألون من يظهر لهم علمه ومعرفته ، دون أن يتمذهبوا بقول واحد بعينه .
إلا أن المهاترات التي وقعت بين أهل الحديث وأهل الفتوى وبالأخص أهل الرأي منهم من جهة ، مضافا إلى تقريب الخلفاء لبعض العلماء دون البعض الآخر من جهة أخرى ، ولد روح التعصب عند الناس لبعض الفقهاء ، والحرص على الالتزام بآرائه الفقهية وطرح آراء غيره . ولما ظهر أبو حنيفة كفقيه له آراؤه الفقهية ، استطاع أن يستقطب له تلاميذ صار لهم الدور الكبير بعد ذلك في نشر تلك الآراء ، ولا سيما القاضي أبو يوسف الذي نال الحظوة عند الخلفاء العباسيين ، فتولى منصب القضاء لثلاثة من الخلفاء : المهدي والهادي والرشيد ، فنشر مذهب أبي حنيفة بواسطة القضاة الذين كان يعينهم هو وأصحابه . ولما بزغ نجم مالك بن أنس أراد أبو جعفر المنصور أن يحمل الناس على العمل بما في الموطأ ، وأمر من ينادي في الناس : ألا لا يفتين أحد ومالك بالمدينة . وحظي مالك بمكانة عظيمة عنده وعند من جاء بعده من أبنائه الخلفاء ، كالمهدي والهادي والرشيد ، فسبب ذلك ظهور أتباع له يروجون مذهبه ، ويظهرون التعصب له . ثم تألق الشافعي وبرز على علماء عصره ، وساعده على ذلك تتلمذه على مالك في المدينة ، ونزوله ضيفا لما ذهب إلى مصر عند محمد بن عبد الله بن الحكم الذي كانت له في مصر مكانة ومنزلة علمية ، وكان مقدما عند أهل مصر ، فقام هذا الأخير بنشر علم الشافعي وبث كتبه ، مضافا إلى ما لقيه الشافعي في بادئ الأمر من المالكية في مصر من الإقبال والحفاوة ، بسبب كثرة ثنائه على الإمام مالك ، وتسميته ب‍الأستاذ ولما وقع الإمام أحمد بن حنبل في محنة خلق القرآن ، وضرب وحبس ، مع ما أظهر من الصبر والتجلد ، جعل له المكانة عند الناس ، ولا سيما بعد أن أدناه المتوكل العباسي وأكرمه وعظمه ، وعني به عناية فائقة . هكذا نشأت هذه المذاهب وانتشرت دون غيرها . ثم إن الأغراض السياسية والمآرب الدنيوية كانت وراء دعم الخلفاء لهذه المذاهب ، فإن خلفاء بني العباس أرادوا أن يلفتوا الناس إلى علماء من أهل السنة ، لتكون لهم المكانة السامية عند الناس ، باعتبارهم أئمة في الدين ، ليصرفوا الأنظار عن أئمة الشيعة، الذين كانت نقطة التوتر بينهم هي الأولوية بالخلافة . ولهذا كان شعراء بني العباس يثيرون هذه المسألة في مناسبات كثيرة ، يعرضون فيها بأبناء علي وفاطمة ، ويحتجون بأن الخلافة ميراث النبي ، وعلي ابن عم النبي والعباس عمه ، وابن العم لا يرث مع وجود العم .
ومما أنشده مروان بن أبي الجنوب للمتوكل :
ملك الخليفة جعفر * للدين والدنيا سلامه
لكم تراث محمد * وبعدلكم تنفى الظلامه
يرجو التراث بنو البنا * ت وما لهم فيها قلامه
والصهر ليس بوارث * والبنت لا ترث الإمامه
ما للذين تنحلوا * ميراثكم إلا الندامه
أخذ الوراثة أهلها * فعلام لومكم علامه
لو كان حقكم لما * قامت على الناس القيامة
ليس التراث لغيركم * لا والإله ، ولا كرامه
أصبحت بين محبكم * والمبغضين لكم علامه

قال مروان : فعقد لي على البحرين واليمامة ، وخلع لي أربع خلع ، وخلع علي المنتصر ، وأمر لي المتوكل بثلاثة آلاف دينار ، فنثرت علي قال ابن حزم في كتابه الإحكام في أصول الأحكام : وليعلم من قرأ كتابنا أن هذه البدعة العظيمة - نعني التقليد - إنما حدثت في الناس وابتدئ بها بعد الأربعين ومائة من تاريخ الهجرة ، وبعد أزيد من مائة عام وثلاثين عاما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لم يكن قط في الإسلام قبل الوقت الذي ذكرنا مسلم واحد فصاعدا على هذه البدعة ، ولا وجد فيهم رجل يقلد عالما بعينه ، فيتبع أقواله في الفتيا ، فيأخذ بها ولا يخالف شيئا منها . ثم ابتدأت هذه البدعة من حين ذكرنا في العصر الرابع في القرن ، ثم لم تزل تزيد حتى عمت بعد المائتين من الهجرة عموما طبق الأرض ، إلا من عصم الله عز وجل وتمسك بالأمر الأول الذي كان عليه الصحابة والتابعون وتابعو التابعين بلا خلاف من أحد منهم .
وسواء كانت هذه المذاهب سبقت هذا الزمان قليلا أو كثيرا فهي على كل حال لم تكن في زمن النبي وإنما استحدثت بعد أكثر من قرن من وفاته
فرض المذاهب الأربعة مذاهب رسمية :
بقي العمل بالمذاهب المتعددة عند أهل السنة ، الأربعة وغيرها ، إلى أن جعل الخلفاء المدارس وقصروا التدريس في هذه المذاهب ، كما أن مناصب القضاء حصرت أيضا في القضاة الذين يقضون بفتاوى الأئمة الأربعة ، واستمر الحال على ذلك إلى أن أمر السلطان الظاهر بيبرس الذي كان له النفوذ والسلطان على مصر والشام وغيرهما من بلاد الإسلام بجعل قضاة أربعة في مصر : لكل مذهب قاض خاص ، وكان ذلك في سنة 663 ه‍ ، ثم جعل بعد ذلك بعام في بلاد الشام قضاة أربعة أيضا ، وعلى ذلك استمر الحال ، فانحصرت المذاهب عند أهل السنة في هذه الأربعة منذ ذلك الوقت إلى زماننا الحاضر .قال المقريزي : فلما كانت سلطنة الظاهر بيبرس البندقداري ولى بمصر أربعة قضاة ، وهم شافعي ومالكي وحنفي وحنبلي ، فاستمر ذلك من سنة 665 ه‍ ، حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب الإسلام سوى هذه المذاهب الأربعة ، وعملت لأهلها مدارس والخوانك والزوايا والربط في سائر ممالك الإسلام ، وعودي من تمذهب بغيرها ، وأنكر عليه ، ولم يول قاض ولا قبلت شهادة أحد ، ولا قدم للخطابة والإمامة من لم يكن مقلدا لأحد هذه المذاهب ، وأفتى فقهاء الأمصار في طول هذه المدة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها قال ابن كثير في البداية والنهاية : ثم دخلت سنة أربع وستين وستمائة ، استهلت والخليفة : الحاكم العباسي ، والسلطان : الملك الظاهر ، وقضاة مصر أربعة ، فيها جعل بدمشق أربعة قضاة من كل مذهب قاض كما فعل بمصر عام أول . . . وقد كان هذا الصنيع الذي لم يسبق إلى مثله قد فعل في العام الأول بمصر كما تقدم ، واستقرت الأحوال على هذا المنوال وذكر ذلك أيضا : الذهبي في كتابه العبر في حوادث سنة 663 ه‍ .وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب ، وتغري بردي في النجوم الزاهرة وغيرهم وقال السيد سابق في فقه السنة: وبالتقليد والتعصب للمذاهب فقدت الأمة الهداية بالكتاب والسنة ، وحدث القول بانسداد باب الاجتهاد ، وصارت الشريعة هي أقوال الفقهاء ، وأقوال الفقهاء هي الشريعة ، واعتبر كل من يخرج عن أقوال الفقهاء مبتدعا لا يوثق بأقواله ، ولا يعتد بفتاويه . وكان مما ساعد على انتشار هذه الروح الرجعية ما قام به الحكام والأغنياء من إنشاء المدارس ، وقصر التدريس فيها على مذهب أو مذاهب معينة ، فكان ذلك من أسباب الإقبال على تلك المذاهب ، والانصراف عن الاجتهاد ، محافظة على الأرزاق التي رتبت لهم ! سأل أبو زرعة شيخه البلقيني قائلا : ما تقصير الشيخ تقي الدين السبكي عن الاجتهاد وقد استكمل آلته ؟فسكت البلقيني . فقال أبو زرعة : فما عندي أن الامتناع عن ذلك إلا للوظائف التي قدرت للفقهاء على المذاهب الأربعة ، وإن خرج عن ذلك لم ينله شئ ، وحرم ولاية القضاء ، وامتنع الناس عن إفتائه ، ونسبت إليه البدعة . فابتسم البلقيني ووافقه على ذلك

أصحاب المذاهب الأربعة :

1 - أبو حنيفة النعمان : هو النعمان بن ثابت بن زوطي ، مولى بني تيم الله بن ثعلبة ، أصله من كابل، ولد بالكوفة سنة 80 ه‍ ونشأ فيها ، رأى أنس بن مالك ، وكان يبيع الخز ويطلب العلم في صباه ، ثم انقطع للتدريس والإفتاء ، وهو إمام أهل الرأي .روى له الترمذي والنسائي في سننهما ، من أشهر تلاميذه القاضي أبو يوسف ، ومحمد بن حسن الشيباني ، له كتاب المسند في الحديث ، جمعه تلاميذه ، والمخارج كتيب صغير في الفقه ، رواه عنه تلميذه أبو يوسف ضربه أمير العراقين عمر بن هبيرة ليتولى قضاء الكوفة فامتنع ، وأراده أبو جعفر المنصور بعد ذلك للقضاء ببغداد ، فامتنع أيضا ، فحبسه إلى أن مات ببغداد سنة 150 ه‍ ، وله مزار معروف بالقرب من بغداد في محلة تعرف بالأعظمية نسبة إليه ، وقد بنى ذلك على قبره محمد بن منصور الخوارزمي مستوفي مملكة السلطان ملك شاه السلجوقي سنة 459 ه‍
2 - مالك بن أنس : هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي الحميري ، أبو عبد الله المدني . ولد سنة 93 ه‍ ، وقيل غيرها ، وقيل : حملت به أمه سنتين ، وقيل : ثلاث سنين ، لقب بإمام دار الهجرة روى عنه الإمام الشافعي والسفيانيان والأوزاعي وغيرهم . له كتاب الموطأ في الحديث . قال الشافعي : ما في الأرض كتاب أكثر صوابا من موطأ مالك ، وقال البخاري : أصح الأسانيد : مالك عن نافع عن ابن عمر . مات بالمدينة سنة 179 ه‍ وعمره تسعون سنة ، وقيل : خمس وثمانون ، ودفن بالبقيع.
3 - محمد بن إدريس الشافعي : هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب القرشي المطلبي المكي . ولد في غزة بفلسطين سنة 150 ه‍ ، وقيل : باليمن ، مات أبوه وهو صغير وحملته أمه إلى مكة وهو ابن سنتين . فنشأ بمكة ، ثم انتقل إلى المدينة وقرأ الموطأ على مالك . روى عن ابن عيينة ومالك وغيرهم ، وروى عنه أحمد بن حنبل وأبو ثور والمزني وغيرهم . اعتبره بعضهم هو المجدد على رأس المائتين ، له كتاب الأم وفيه آراؤه الفقهية الجديدة ، وكتاب المسند في الحديث ، وأحكام القرآن وغيرها ، وله شعر جيد ، ومنه :
ما حك جلدك مثل ظفرك * فتول أنت جميع أمرك
وإذا بليت بحاجة * فاقصد لمعترف بفضلك
زار بغداد سنة 195 ه‍ فاجتمع به أحمد بن حنبل وأبو ثور وغيرهما ، وأقام بها حولين وصنف بها كتابه القديم ، ثم عاد إلى مكة ، ثم رجع إلى بغداد سنة 198 ه‍ ، ومكث فيها شهرا ، ثم قصد مصر سنة 199 ه‍ ، وصنف بها كتبه الجديدة كالأم ، والأمالي الكبرى ، ومختصر البويطي ، ومختصر المزني ، ومات فيها سنة 204 ه‍ وعمره 54 سنة ، وقبره معروف بالقرب من المقطم
4 - أحمد بن حنبل : هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي البغدادي ، صاحب المسند . خرجت به أمه من مرو حملا ، وولد في بغداد سنة 164 ه‍ ، ونشأ بها ، وتوفي أبوه وهو ابن ثلاث سنين ، طلب الحديث سنة 179 ه‍ ، وقيل : 187 ه‍ ، وطاف بالبلاد ، ودخل الكوفة والبصرة والحجاز واليمن والشام والجزيرة ، سمع من هشيم عن الشافعي وسفيان بن عيينة وغيرهم ، وروى عنه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم ، وروى عنه الترمذي والنسائي وابن ماجة بواسطة رجل واحد . دعي إلى القول بخلق القرآن في زمن المأمون العباسي سنة 218 ه‍ ، ثم في زمن المعتصم ، فأبى وامتنع ، فحبس نحوا من ثمانية وعشرين شهرا ، أو 28 يوما على اختلاف النقل ، وضرب ، فثبت على قوله ، فأطلقه المعتصم سنة 221 ه‍ ، وبقي مدة في منزله ، وفي سنة 237 ه‍ استقدمه المتوكل العباسي إليه وأكرمه وقربه . مات ببغداد سنة 241 ه‍ ، وعمره سبع وسبعون سنة
فتاوى غريبة في المذاهب الأربعة وغيرها

لقد صدرت من أعلام أهل السنة وأئمة مذاهبهم فتاوى غريبة ، وأحكام عجيبة ، صارت محل تندر وتفكه من غيرهم ، حتى نظمها الشعراء في أشعار ساخرة ، وقصائد لاذعة . والفتاوى الغريبة عندهم كثيرة جدا ، إلا أنا نذكر اليسير ، ومن أراد المزيد فلينظر في أقوالهم ، وليتتبع فتاواهم. وهي عدة طوائف :
1 - بعض فتاوى أبي حنيفة :
1 - صلاة أبي حنيفة : قال ابن خلكان في وفيات الأعيان : ذكر إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني في كتابه الذي سماه ( مغيث الخلق في اختيار الأحق ) أن السلطان محمود [ بن سبكتكين ] كان على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه ، وكان مولعا بعلم الحديث ، وكانوا يسمعون الحديث من الشيوخ بين يديه وهو يسمع ، وكان يستفسر الأحاديث ، فوجد أكثرها موافقا لمذهب الشافعي رضي الله عنه ، فوقع في خلده حكة ، فجمع الفقهاء من الفريقين في مرو ، والتمس منهم الكلام في ترجيح أحد المذهبين على الآخر ، فوقع الاتفاق على أن يصلوا بين يديه ركعتين على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه ، وعلى مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه ، لينظر فيه السلطان ويتفكر ويختار ما هو أحسنهما ، فصلى القفال المروزي بطهارة مسبغة وشرائط معتبرة من الطهارة والسترة واستقبال القبلة ، وأتى بالأركان والهيئات والسنن والآداب والفرائض على وجه الكمال والتمام ، وقال : هذه صلاة لا يجوز الإمام الشافعي رضي الله عنه دونها ، ثم صلى ركعتين على ما يجوز أبو حنيفة رضي الله عنه ، فلبس جلد كلب مدبوغا ، ولطخ ربعه بالنجاسة ، وتوضأ بنبيذ التمر ، وكان في صميم الصيف في المفازة ، واجتمع عليه الذباب والبعوض ، وكان وضوؤه منكسا منعكسا ، ثم استقبل القبلة ، وأحرم للصلاة من غير نية في الوضوء ، وكبر بالفارسية : دو برك سبز ، ثم نقر نقرتين كنقرات الديك من غير فصل ومن غير ركوع ، وتشهد ، وضرط في آخره من غير نية السلام . وقال : أيها السلطان ، هذه صلاة أبي حنيفة . فقال السلطان : لو لم تكن هذه الصلاة صلاة أبي حنيفة لقتلتك ، لأن مثل هذه الصلاة لا يجوزها ذو دين . فأنكرت الحنفية أن تكون هذه صلاة أبي حنيفة ، فأمر القفال بإحضار كتب أبي حنيفة ، وأمر السلطان نصرانيا كاتبا يقرأ المذهبين جميعا ، فوجدت الصلاة على مذهب أبي حنيفة على ما حكاه القفال ، فأعرض السلطان عن مذهب أبي حنيفة ، وتمسك بمذهب الشافعي رضي الله عنه
2 - أفتى بجواز شرب المثلث ، وهو أن يطبخ عصير العنب حتى يذهب ثلثاه ، ويبقى الثلث ويشتد ، ويسكر كثيره لا قليله ، ويسمى ( الطلا ) قال ابن حزم : ولا خلاف عن أبي حنيفة في أن نقيع الدوشات عنده حلال وإن أسكر ، وكذلك نقيع الرب وإن أسكر . والدوشات من التمر ، والرب من العنب
3 - وأفتى بأن رجلا لو تزوج امرأة في مجلس ، ثم طلقها فيه قبل غيبته عنهم ، ثم أتت امرأته بولد لستة أشهر من حين العقد ، لحقه الولد ، وكذا لو تزوج رجل في المشرق بامرأة في المغرب ، ثم مضت ستة أشهر ، وأتت بولد ، فإنه يلحق به ، لأن الولد إنما يلحقه بالعقد ومضي مدة الحمل ، وإن علم أنه لم يحصل منه الوطء
4 - وأفتى بأنه لو تزوج رجلان امرأتين ، فغلط بهما عند الدخول ، فزفت كل واحدة إلى زوج الأخرى ، فوطأها وحملت منه ، لحق الولد بالزوج لا بالواطئ ، لأن الولد للفراش
5 - وأفتى بأنه لو ادعى مسلم وذمي ولدا ، وأقام كل منهما بينة ، فإن الولد يلحق بالمسلم وإن كان شهود الذمي مسلمين ، وشهود المسلم من أهل الذمة . معللا بأن ذلك موجب لإسلام الولد
6 - قال ابن تيمية : إذا آجر الرجل الدار لأجل بيع الخمر واتخاذها كنيسة أو بيعة ، لم يجز قولا واحدا ، وبه قال الشافعي ، كما لا يجوز أن يكري أمته أو عبده للفجور . وقال أبو حنيفة : يجوز أن يؤاجرها لذلك
7 - وأفتى أبو حنيفة بأن الرجل إذا استأجر المرأة للوطء ، ولم يكن بينهما عقد نكاح ، فليس ذلك بزنا ، ولا حد فيه . والزنا عنده ما كان مطارفة ، وأما ما فيه عطاء فليس بزنا هذا وقد عقد ابن أبي شيبة في كتابه ( المصنف ) بابا لمخالفات أبي حنيفة للأحاديث المروية عن النبي ، أسماه : كتاب الرد على أبي حنيفة . وقال : هذا ما خالف به أبو حنيفة الأثر الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وذكر فيه 125 موردا ، فراجعه وروى ابن عبد البر في كتاب الانتقاء ، والخطيب في تاريخ بغداد عن وكيع بن الجراح قال : وجدت أبا حنيفة خالف مائتي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى الخطيب عن يوسف بن أسباط أنه قال : رد أبو حنيفة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة حديث أو أكثر

2 - بعض فتاوى مالك بن أنس :

3 - أفتى بحلية الزواج من بنته من الزنا ، ومن أخته وبنت ابنه ، وبنت بنته ، وبنت أخيه وأخته من الزنا ، مستدلا بأنها أجنبية منه ، ولا تنتسب إليه شرعا ، ولا يجري التوارث بينهما ، ولا تعتق عليه إذا ملكها ، ولا تلزمه نفقتها ، فلا يحرم عليه نكاحها كسائر الأجانب وسيأتي قريبا هذا القول للشافعي أيضا .
4 - وذهب الإمام مالك إلى أن أقصى مدة الحمل سبع سنين ، فلو طلق الرجل امرأته أو مات عنها ، فلم تنكح زوجا آخر ، ثم جاءت بولد بعد سبع سنين من الوفاة أو الطلاق ، لحقه الولد ، وانقضت العدة به
3 - بعض فتاوى الشافعي :
1 - أفتى الشافعي بحلية الزواج من بنته من الزنا ، ومن أخته وبنت ابنه ، وبنت بنته ، وبنت أخيه وأخته من الزنا ، مستدلا بنفس دليل الإمام مالك في هذه المسألة كما مر آنفا. وهذه المسألة ذكرها الفخر الرازي في مناقب الشافعي مسلما بها ومدافعا فيها عنه
2 - وأفتى بحلية الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها ، لأن التسمية مستحبة عنده غير واجبة ، لا في عمد ولا في سهو وهذا القول مروي أيضا عن أحمد بن حنبل ، مع أن الله تعالى يقول ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق )
4 - بعض فتاوى أحمد بن حنبل :
1 - إذا ادعى اثنان ولدا فإن لم يكن لأحدهما بينة ، أو كان لكل منهما بينة تعارض الأخرى ، فهنا يعرض على القافة ، فإن ألحقه القافة لحق به ، وإن ألحقوه بالاثنين لحق بهما ، فيرثانه جميعا ميراث أب واحد ، ويرثهما ميراث ابن وكذا لو ادعاه أكثر من اثنين ، فألحقه القافة بهم
قلت : بهذه الفتوى يكون له أبوان أو ثلاثة آباء أو أكثر ، مع أن المقطوع به أنه ابن لواحد فقط ، ثم إن مسألة الميراث الأمر فيها سهل ، ولكن إلى من ينتسب هذا المولود ، فإن الانتساب إلى أكثر من واحد لا يتأتى . قال ابن حزم : لا يجوز أن يكون ولد واحد ابن رجلين ، ولا ابن امرأتين
2 - ذهب الإمام أحمد إلى أن أقصى مدة الحمل أربع سنين ، فلو طلق الرجل امرأته أو مات عنها ، فلم تنكح زوجا آخر ، ثم جاءت بولد بعد أربع سنين من الوفاة أو الطلاق ، لحقه الولد ، وانقضت العدة به
- فتاوى مختلفة لعلماء آخرين :

1 - أفتى ابن حزم وداود الظاهري بأن الرجل الكبير البالغ له أن يرتضع من امرأة فيكون ابنها من الرضاعة ، فيحل له بعد ذلك ما يحل لابنها من الرضاعة ، وهذا الحكم يثبت له وإن كان المرتضع شيخا
: أخرج مسلم في صحيحه - واللفظ له - ، وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي والبيهقي في سننهم ، ومالك في الموطأ ، وأحمد في المسند والطبراني في الكبير وغيرهم ، عن عائشة ، قالت : جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم ( وهو حليفه ) . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أرضعيه . فقالت : وكيف أرضعه وهو رجل كبير ؟ ! فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : قد علمت أنه رجل كبير وفي رواية أخرى : فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أرضعيه تحرمي عليه ، ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة . فرجعت فقالت : إني قد أرضعته ، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة وفي رواية ثالثة : قالت : إنه ذو لحية . فقال : أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة وعند أبي داود : فأرضعته خمس رضعات ، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة . وعند النسائي : فأرضعته وهو رجل .
2 - وذهب الزهري إلى أن الجنين قد يبقى في بطن أمة سبع سنين ، وقال أبو عبيد : ليس لأقصاه وقت يوقف عليه
4 - وأفتى محمد بن الحسن الشيباني - تلميذ أبي حنيفة - بأن ما أسكر كثيره مما عدا الخمر مكروه وليس بحرام
5 - وأفتى عطاء ومجاهد ومكحول والأوزاعي والليث بأنه لو ذبح النصارى لكنائسهم أو ذبحوا على اسم المسيح أو الصليب ، أو أسماء من مضى من أحبارهم ورهبانهم فذبيحتهم لا يحرم الأكل منها
6 - وأفتى ابن حزم بجواز الاستمناء ، ونقل الفتوى بذلك عن الحسن البصري وعمرو بن دينار وزياد بن أبي العلاء ومجاهد
7 - قال ابن حزم : أباح الأحناف لمن طالت يده من الفساق أو قصرت أن يأتي إلى زوج أي امرأة عشقها ، فيضربه بالسوط على ظهره حتى ينطق بطلاقها مكرها ، فإذا اعتدت المرأة أكرهها الفاسق على أن تتزوجه بالسياط أيضا ، حتى تنطق بالقبول مكرهة ، فيكون ذلك عندهم نكاحا طيبا ، وزواجا مباركا ، ووطء حلالا ، يتقرب به إلى الله تعالى
9 - وأفتى محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح بأن لبن البهيمة ينشر الحرمة ، فلو شرب اثنان أو أكثر من لبن شاة واحدة صاروا إخوة أو أخوات من الرضاعة .
قال السرخسي في المبسوط : ولو أن صبيين شربا من لبن شاة أو بقرة لم تثبت به حرمة الرضاع ، لأن الرضاع معتبر بالنسب ، وكما لا يتحقق النسب بين آدمي وبين البهائم فكذلك لا تثبت حرمة الرضاع بشرب لبن البهائم . وكان محمد بن إسماعيل البخاري صاحب التاريخ رضي الله عنه يقول : تثبت الحرمة . وهذه المسألة كانت سبب إخراجه من بخارى، فإنه قدم بخارى في زمن أبي حفص الكبير رحمه الله ، وجعل يفتي فنهاه أبو حفص رحمه الله ، وقال : لست بأهل له . فلم ينته ، حتى سئل عن هذه المسألة فأفتى بالحرمة
مصادر البحث
سنن الترمذي –صحيح البخاري- صحيح سنن ابن ماجة للألباني وصحيح سنن الترمذي لنفس الكاتب وصحيح سنن النسائي وله أيضا-المغني لابن قدامة-مناقب الإمام الشافعي-المبسوط للسرخسي-الإحكام في أصول الأحكام-البداية والنهاية-وفيات الأعيان- سير أعلام النبلاء-وغيرها

اجمالي القراءات 28575