الكذّاب ( ابن الجوزى ) فى تاريخه ( المنتظم ) ( 1 )
مقدمة :
1 ـ فى أوربا العصور الوسطى تحالف فيها الملك والكنيسة وإقتسموا بينهما مصّ دماء الناس وقهرهم. الدولة الأموية كانت أقرب الى الدولة العلمانية المستبدة . العباسيون فى دعوتهم السياسية قبل تأسيس دولتهم إخترعوا أحاديث تمهد لهم ، وبعد تأسيس دولتهم إستمرّ إختراع الأحاديث ، تبشّر بأسماء الخلفاء وتمتدحهم ، وظل الأعتقاد فى دوام ملكهم سائدا حتى أرعب هولاكو الذى دمّر دولتهم . وفى أواخر العصر المملوكى عقد السيوطى فصلا فى كتابه عن الخلفاء فصلا عن الأحاديث فى فضل الخلفاء العباسيين .
2 ـ أخذ الخلفاء العباسيون فى إستغلال إسم الله جل وعلا لمصلحتهم السياسية ، وهذا بالتلقّب بألقاب فيها إسم الله جل وعلا ، تأكيدا على الصبغة الكهنوتية ، مثل ( المتوكل على الله ) و (المعتضد بالله ) و ( القاهر بالله )..الخ . وبعد سقوط الخلافة العباسية فى بغداد أرجعها المماليك فى القاهرة لتكون سندا شرعيا لهم ، وأصبح الخليفة العباسية خادما للسلطان المملوكية يسير فى ركابه ويحمل نفس اللقب الكهنوتى ، وبعضهم إحترف التسول فأطلق عليه المصريون : ( المستعطى بالله ).
3 ـ الدولة العباسية إخترعت دينها السُنّى بأحاديث يصنعها لهم الرّواة إستغلالا لاسم الرسول محمد عليه السلام . ولكن كان الشعراء هم الأقرب للخلفاء ولعطاياهم . بدأ الرواة يصنعون أحاديث للدولة وطاعة الحاكم ، ثم بدأوا فى المزايدة فى الدين السُنّى على الخلفاء . وهى عادة سيئة فى أى دولة مستبدة تستخدم الدين الأرضى ، إن لم يكن لرجال دينها نصيب من السلطة والثروة فلا مفرّ من الصدام . وحدث الصدام بين الدولة العباسية ورواة أحاديثها الذين حملوا لقب ( الحنابلة )، ومنشور لنا هنا كتاب عن ( الحنابلة ـ أُمّ الوهابية ـ وتدمير العراق فى العصر العباسى الثانى ). وعرضنا فيه لأزمة خلق القرآن فى عهد الخليفة المأمون وإضطهاده لأصحاب الحديث الذين رفضوا رأى المعتزلة فى خلق القرآن ، وما حدث بعدها من ضرب إبن حنبل بالسياط وسجنه فى عهد الخليفة المعتصم ، ثم ثورة الحنابلة بقيادة أحمد بن نصر الخزاعى ، وقد قتله الخليفة الواثق بيده وأمر بصلبه عام 231. وأراد الواثق ووزيره المعتزلى ( محمد بن الزيات ) عزل ولى العهد ( أخ الواثق ) ليحل محله إبن الخليفة ، ولكن سرعان ما نجحت مؤامرة قتل الخليفة الواثق شابا عمره اثنتين وثلاثين سنة ، بعد خلافة قصيرة ( خمس سنين وسبعة اشهر وخمسة أيام) . تولى ولى العهد بلقب المتوكل عام 232 ، وإشتهر المتوكل بالتعصّب ؛ تعصّب ضد العرب والفرس فطردهم من الجيش واستجلب بدلهم الأتراك ، وتعصب ضد الشيعة والصوفية وأهل الكتاب ، وإنحاز للسنيين . بل تعصّب ضد إبنه ولى عهده ( المنتصر ) وإنحاز الى ابنه المعتز، وأراد خلع المنتصر ليولى المعتز، فتآمر المنتصر مع أتباعه فقتلوا أباه المتوكل وهو يشرب الخمر مع وزيره الفتح بن خاقان .
4 ـ معظم مؤرخى الدولة العباسية كانوا سنيين كالطبرى والخطيب البغدادى وابن سعد ، وكان منهم حنابلة ، وأشهرهم ابن الجوزى . ابن الجوزى هو الذى إستخدم تاريخه ( المنتظم ) فى النيل من خصومه فى المذهب . كان يؤرّخ للسابقين نقلا عن الطبرى وغيره ، ولكنه إخترع أكاذيب لم يذكروها ، وصنع لها إسنادا ليجعل لها صُدقية دينية سُنية . إبن الجوزى كان أشهر القصّاصين فى عصره ، ولم يتورّع عن إختراع قصص فى تاريخه ( المنتظم ) يخلط بين القصص والتاريخ ، مفتقدا الأمانة العلمية والنزاهة الخُلُقية . ونعطى نماذج من كذب ابن الجوزى :
أولا : عن قتل وصلب أحمد بن نصر الخزاعى يقول :
1 ـ : ( أخبرنا عبد الرحمن القزاز قال: أخبرنا الخطيب أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا إبراهيم بن هبة الله الجرباذوقاني أخبرنا معمر بن أحمد الأصبهاني قال: أخبرني أبو عمرو عثمان بن محمد العثماني إجازة قال: حدثني علي بن محمد بن إبراهيم حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن خلف ) ثم يأتى موضوع الحكاية قال الراوى : ( كان أحمد بن نصر خلّي ( أى خليلى وصاحبى ) فلما قتل في المحنة ، وصُلب رأسه ، أُخبرت أن الرأس يقرأ القرآن ، فمضيت فبتّ بقرب من الرأس مشرفًا عليه . وكان عنده رجالة وفرسان يحفظونه . فلما هدأت العيون سمعت الرأس يقرأ: {آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} الآية . فاقشعر جلدي . ثم رأيته بعد ذلك في المنام وعليه السندس والإستبرق وعلى رأسه تاج، فقلت: ما فعل الله بك يا أخي ؟ قال: " غفر لي وأدخلني الجنة إلا أني كنت مغمومًا ثلاثة أيام " فقلت: ولم ؟ قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بي ، فلما بلغ خشبتي حوّل وجهه عني. فقلت له بعد ذلك: يا رسول الله قُتلت على الحق أم على الباطل ؟ قال: أنت على الحق . ولكن قتلك رجل من أهل بيتي فإذا بلغت إليك أستحي منك . ) . يعنى جعلوا الرسول يستحى من أحمد بن نصر .!
2 ـ وفى رواية أخرى جعلوا رأس أحمد بن نصر تدور نحو القبلة ، فكلفوا رجلا يعيدها كل مرة خلاف القبلة : ( أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا الخطيب قال: قرأت على أبي بكر البرقاني عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي أخبرنا محمد بن إسحاق السراج قال: سمعت أبا بكر المطوعي قال: لما جيء برأس أحمد بن نصر صلبوه على الجسر فكانت الريح تديره قبل القبلة فأقعدوا له رجلًا معه قصبة أو رمح فكان إذا دار نحو القبلة أداره إلى خلاف القبلة . ).
3 ـ لم يرد هذا من قبل فى تاريخ الطبرى ، ولم يذكره آخرون بعد ابن الجوزى ت 597
ثانيا :
1 ـ يفترى إبن الجوزى فى قصة طويلة عن موت الخليفة الواثق مات فجأة من وصفة طبية لعلاج الضعف الجنسى (المنتظم 11 / 186 : 188 ). يقول : ( وقد روي في سبب موته خبر طريف: أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري حدثنا أبو يعقوب الحافظ أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسن الرازي حدثنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن معاوية الرازي حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال: سمعت مسعر بن محمد بن وهب يحدث أبي عن المتوكل قال: كان الواثق يحب النساء وكثرة الجماع فوجه يومًا إلى ميخائيل الطبيب فدعا به ، فدخل عليه وهو نائم في مشرفة له وعليه قطيفة خز ، فوقف بين يديه فقال: " يا ميخائيل أبغني دواء للباه " فقال: " يا أمير المؤمنين بدنك فلا تهده بالجماع فإن كثرة الجماع تهد البدن ولا سيما إذا تكلف الرجل ذلك فاتق الله في بدنك وأبق عليك فليس لك من بدنك عوض " فقال له: " لا بد منه " ثم رفع القطيفة عنه فإذا بين فخذيه وصيفة قد ضمها إليه ذكر من جمالها وهيئتها أمرًا عجيبًا فقال: " من يصبر عن مثل هذه ؟ " قال: " فإن كان ولا بد فعليك بلحم السبع ". وأمر أن يؤخذ لك منه رطل فيغلى سبع غليات بخل خمر عتيق فإذا جلست على شرابك أمرت أن يضرب لك منه ثلاثة دراهم فانتقلت به على شرابك في ثلاث ليال فإنك تجد فيه بغيتك واتق الله في نفسك ولا تسرف فيها ولا تجاوز ما أمرتك به ." . فلهى عنه أيامًا فبينا هو ذات ليلة جالس قال: " علي بلحم السبع الساعة " ، فأخرج له سبع من الجب وذبح من ساعته وأمر فكبب له منه ثم أمر فأغلي له منه بالخل ثم قدم له منه فأخذ يتنقل منه على شرابه ، وأتت عليه الأيام والليالي فسقى بطنه ، فجمع له الأطباء فأجمع رأيهم على أنه لا دواء له إلا أن يسجر تنور بحطب الزيتون ويسخن حتى يمتلئ جمرًا ، فإذا امتلأ كسح ما في جوفه فألقي على ظهره وحشي جوفه بالرطبة ويقعد فيه ثلاث ساعات من النهار فإذا استسقى ماء لم يسق ، فإذا مضت ثلاث ساعات كوامل أخرج وأجلس جلسة مقتضبة على نحو ما أمروا به ، فإذا أصابه الروح وجد لذلك وجعًا شديدًا . وطلب أن يرد إلى التنور فترك على تلك الحال ولا يرد إلى تلك التنور حتى تمضي ساعات من النهار، فإنه إذا مضت ساعات من النهار جرى ذلك الماء وخرج من مخارج البول وإن سقي ماء أو رد إلى التنور كان تلفه فيه . فأمر بتنور فسجر بحطب الزيتون ، حتى امتلأ جمرًا أخرج ما فيه وجعل على ظهره ثم حشي بالرطبة، وعري وأجلس فيه فأقبل يصيح ويستغيث ويقول: " أحرقتموني اسقوني ماء " ، وقد وكل به من يمنعه الماء ولا يدعه أن يقوم من موضعه الذي أقعد فيه ولا يحرك ، فسقط بدنه كله وصار فيه مفاجات مثل أكبر البطيخ وأعظمه ، فترك على حالته حتى مضت له ثلاث ساعات من النهار ، ثم أخرج وقد كاد يحترق. أو يقول القائل في رأي العين قد احترق ، فأجلسه الأطباء فلما وجد روح الهواء اشتد به الوجع والألم ، وأقبل يصيح ويخور خوران الثور ويقول: " ردوني إلى التنور فإني إن لم أُرد مُت" ، فاجتمع نساؤه وخواصه لما رأوا ما به من شدة الألم والوجع وكثرة الصياح فرجوا أن يكون فرجه في أن يرد إلى التنور فردوه إلى التنور ، فلما وجد مس النار سكن صياحه ، وتقطرت النفاخات التي كانت خرجت ببدنه ، وخمدت وبرد في جوف التنور ، فأخرج من التنور وقد احترق وصار أسود كالفحم فلم تمض ساعة حتى قضى .) فيلم رُعب بلا شك يدل على مهارة ابن الجوزى فى القصص .!!
2 ـ هذه الرواية لم يذكرها أحد قبل ابن الجوزى ، فقد قال الطبرى الرواية الرسمية إنه مات بمرض الاستسقاء : ( تاريخ الطبرى 9 / 150 ) . ومن جاء بعد ابن الجوزى لم ينقل عنه هذه الرواية .
ثالثا
أكاذيب فى مدح المتوكل بعد مقتله :
قال ابن الجوزى :
1 ـ ( أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن الخطيب الحافظ قال: حدثنا عبيد الله بن عمر الواعظ قال: حدثني أبي حدثنا محمد بن عبد الواحد قال: أخبرني أبو أيوب جعفر بن أبي عثمان الطيالسي قال: أخبرني بعض الزمازمة الذين يحفظون زمزم قال: غارت زمزم ليلة من الليالي فأرخناها فجاءنا الخبر أنها الليلة التي قتل فيها المتوكل .)
2 ـ ( أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب الحافظ قال: أخبرنا الأزهري قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد العكبري حدثنا أبو الفضل محمد بن أحمد النيسابوري قال: حدثنا سعيد بن عثمان الحناط قال: حدثنا علي بن إسماعيل قال: رأيت جعفر المتوكل في النوم وهو في النور جالس قلت: المتوكل فقال: المتوكل قلت: ما فعل الله بك قال: غفر لي . قلت: بماذا قال: بقليل من السنة أحييتها . )
3 ـ ( أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال: أخبرنا محمد بن يوسف بن حمدان الهمذاني قال: حدثنا أبو علي الحسن بن يزيد الدقاق قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد الحارثي حدثنا عمر بن عبد الله الأسدي قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن العلاء قال: قال لي عمرو بن شيبان الحلبي: رأيت في الليلة التي قتل فيها المتوكل في النوم حين أخذت مضجعي كأن آتيًا أتاني فقال لي: يا نائم الليل في أقطار جثماني أفض دموعك يا عمرو بن شيبان أما ترى الفتية الأرجاس ما فعلت بالهاشمي وبالفتح بن خاقان وافى إلى الله مظلومًا فضج له أهل السموات من مثنى ووحدان وسوف تأتيكم أخرى مسومة توقعوها لها شأن من الشان فابكوا على جعفر وابكوا خليفتكم فقد بكاه جميع الإنس والجان قال: فأصبحت وإذا الناس يقولون إن جعفرًا قد قتل في هذه الليلة . )
4 ـ ( قال أبو عبد الله: ثم رأيت المتوكل بعدها بأشهر كأنه بين يدي الله تعالى فقلت له: ما فعل بك ربك قال: غفر لي . قلت: بماذا قال: بقليل من السنة تمسكت بها . قلت: فما تصنع ها هنا قال: أنتظر ابني محمدًا أخاصمه إلى الله الحليم العظيم الكريم . )
5 ـ كُفر ابن الجوزى وصل به الى الافتراء على مقام الله جل وعلا وزعم رؤيتهم له فى المنام . وإفتراءاته فى كتابه ( مناقب أحمد بن حنيل ) أفظع وأضلُّ سبيلا .