الإخوان يتجملون ولكن..!!

كمال غبريال في الخميس ٠٦ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

تحاول جماعة الإخوان المسلمين ومشتقاتها أو أجنحتها بمصر الالتفاف على التعديلات الدستورية الأخيرة، وبالتحديد المادة الخامسة، التي منعت العمل السياسي بمرجعية دينية، وإن كان التوصيف الأكثر دقة لهذه المحاولة هو تحدي الشرعية ممثلة في الدستور، فيما يبدو كما لو كان استعراض عضلات في مواجهة الدولة المصرية والنظام السياسي بكامله، وتحد له أن يدافع عما أقره لتوه من تعديلات دستورية، لا يخفى أنها جاءت أساساً لوضع حد للعبث والتدمير الذي تمارسه تلك الجماعة منذ عقود في الحياة المصرية بشتى مجالاتها، لذا فالأمر إشكالية خطيرة بالنسبة لهم، لأنه يحرمهم من المتاجرة بالدين، وتوظيفه لاستقطاب الجماهير، بعد إقناعها بأنهم وحدهم المتحدثون باسم الله، بما لابد وأن يعني أن الآخرين يتحدثون باسم الشيطان، وتأتي محاولتهم الالتفاف على الدستور نصاً وروحاً، بالتخفي في برنامج حزب سياسي يجري إعداده، ويدلنا ما تم تسريبه منه عبر وسائل الإعلام، على حجم ما يحتويه من تلاعب وتشويه وتشوه، حيث تم فيه عن قصد وتعمد واضح خلط الأرضي بالسمائي، والنسبي بالمطلق، والمادي الموضوعي بالأخلاقي والروحي، وتم استبدال المفاهيم والتعبيرات الاقتصادية والقانونية المحكمة والمحددة المعنى، بتعبيرات هلامية مأخوذة من الخطاب الديني الوعظي، لتكون النتيجة مسخاً مشوهاً للعناصر والأفكار المتفق عليها تقريباً من الجميع، والتي تناولتها برامج جميع الأحزاب المصرية بما فيها الحزب الوطني، ولم يأت هذا الخلط والاختلاط بالطبع مجانياً، أو من قبيل العجز عن استخدام الأفكار والتعبيرات العلمية الصارمة ولو بالنقل الآلي عن الآخرين، بقدر ما جاء لتحقيق الغرض الأساسي من هذا البرنامج، وهو الالتفاف على تحريم الدستور لإقحام الدين في السياسة، فكان أن تفتق الذهن الإخواني ذو الخبرة الطويلة في التلون والتلاعب، عن حيلة تقديم برنامج سياسي الشكل ديني المحتوى، يتحدث عن العبادات فيما هو يناقش أموراً اقتصادية، ويتحدث عن الحرية بعبارات تشي بالهيمنة والوصاية على أدق خصوصيات الإنسان، متجاوزاً كل الأطر التي سبق تحديدها للعقد الاجتماعي المعروف لدى جميع الأمم، والذي بموجبه تخلى الإنسان الحر بطبيعته، عن جزء محدود من حريته للكيان المشترك الذي تمثله الدولة، مقابل قيامها بمهام تنظيم الحياة بين أفراده الأحرار المتساوين، لكن ليس لتسلب الإنسان خصوصيته، حتى تصل إلى العلاقة بينه وبين ربه، وفي المقابل تسلب الهداية والتبشير بكلمة الله وتعاليمه ممن نذروا أنفسهم لتبليغها للناس بالحكمة والموعظة الحسنة، لتوكلها إلى أجهزة دولتهم المزعومة، التي تفوق معالم استبدادها كل ما عرفه العصر الحديث من نظم قهر واستبداد.
الحقيقة أن المطالبات الدائمة للجماعة المحظورة بالكف عن التخفي خلف المقولات الدينية العامة وغير محددة المعنى، وتقديم برنامج عملي محدد لحل مشاكل مصر، تهدف هذه المطالبات إلى تعرية الإخوان من دروعهم وأصدافهم المقدسة التي يتمترسون داخلها، ليدخلوا في جدل موضوعي حول وسائل حل الإشكاليات الحياتية لما يزيد عن خمسة وسبعين مليون مصري، تحولت حياتهم إلى كتلة واحدة هائلة من الفشل والبؤس والفوضى.
الملعب الذي يراد سحبهم أو دفعهم إليه أبداً ليس ملعبهم، وقواعد اللعب به مجهولة وغريبة عليهم، فهم لم يحترفوا إلا التلاعب بالعواطف الدينية لشعب مؤمن منذ فجر التاريخ، واحترفوا فتاوى النساء، مستغلين الحجم الذي تشغله المرأة في فكر الرجل الشرقي، سواء كلفه بها ودورانه حولها، كحالة طبيعية في مجتمعات ما قبل الصناعة، حيث الفراغ الطويل من العمل في المجتمعات الزراعية والبدوية، أو نتيجة لتأثير حرارة الجو في المناطق المدارية والمناخ القاري، مستفيدين من حساسية الرجل الشرقي ضد أي انتهاك لملكيته للمرأة، التي لا يرى فيها إلا جسداً لإشباع شهوة واستثارة شهوات، إشباع شهوة مالكها، واستثارة شهوات جميع المحيطين بها وبه، وهي الرؤية التي نراها جلية في ملصقاتهم على الجدران، والتي تحض المرأة على "الحجاب في عصر الذئاب"، فهذه هي رؤيتهم التي لا يجوز تخطئتها، حيث هي تعبير عن دخيلة سيكولوجية وفكرية، ترى كل امرأة فريسة وكل رجل ذئب، لتصير تلك القضية الواحدة هي محور الكون بالنسبة لهم، فيرون الإنسان بكل ثراء قدراته وملكاته مجرد ذكر والمرأة مجرد أنثى، وتكون قصة الإنسانية هي قصة مطاردة الذكر للأنثى، أو حسب تعبيراتهم مطاردة الذئب للفريسة، ومن الطبيعي والحالة هذه أن يتلهف الرجل –كل رجل- إلى من يدله على وسائل ومبررات، ليضع ما يمتلك من أجساد شهوانية داخل زنازين محكمة ومظلمة، يحتفظ وحده بمفاتيح أقفالها!!
الوتر الثالث الذي احترف الإخوان اللعب عليه، بعد وتري التحدث باسم الإله والتلاعب بالعواطف الدينية، ووتر وقوع الرجل الشرقي أسير شهواته ونظرته للجنس كمحور للكون، هو وتر استثارة الكراهية للآخر، وهي لعبة رابحة مربحة حيث يسود الجهل ويغيب العقل، فلا يتحرك الإنسان إلا بوحي من العاطفة التي يفضل أن تكون دائماً متأججة، فأقوى عامل لاجتذاب جماهير هذا هو حالها، هو تخويفهم من آخر، يصور كعدو شرير، عدو للإله أولاً، وعدو لهم ثانياً، ويكون من الطبيعي في هذه الحالة أن يهرول الناس للالتحاق والالتفاف حول من يشير محذراً من عدو الله وعدوهم، وأن يلتزموا صاغرين بكل ما يوسوس به في آذانهم، أو ما يجأر به في صياحه وصراخه من تعاليم، باعتبار أن من لا يلتزم الطاعة لكل ما تتفوه به الشفاه المقدسة، سيكون مصيره جهنم في الآخرة، والوقوع فريسة لأعداء الله في الحياة الدنيا!!
بهذا التكتيك ثلاثي الأبعاد حقق الإخوان انتشارهم وتفوقهم على كل القوى الاجتماعية والسياسية، بل وعلى أنظمة الحكم بالمنطقة، رغم شموليتها وجبروتها، وحين يأتي الحاسدون الناقمون على الانتصارات الإخوانية الإلهية، ليدعونهم إلى التخلي عن كل ما يملكون ويتقنون، وإلى النزول إلى ساحة مختلفة تماماً، ساحة لا يتحدثون فيها باسم الإله وإنما باسم أنفسهم، ويكون عليهم أن يعرضوا مقولاتهم، وأن ينتظروا رأي الجماهير فيها، والذي قد يأتي بالتأييد أو التشكيك أو الرفض، ولا يكون أمامهم عندها إلا الإقناع أو الاقتناع، وهذا بالتأكيد غير مناسب لهم من كل الوجوه، فقد اعتادوا أن يفتوا والناس تطيع، ولم يعتادوا محاورة رافض أو متشكك، فقط نعته بالكفر، أو بإنكار معلوم من الدين بالضرورة، بعدما أدخلوا تحت هذا المفهوم كل الأمور كبيرها وصغيرها، ثم هم أصلاً غير مستعدين أو مؤهلين للدفاع عما يقولون، وقد استمدوا جله من تراث بشري ينسبونه زوراً للمقدس، ولا برهان لهم عليه إلا بإسناده لما كتب فلان بن فلان، وهذا كاف لديهم ليجعل مما يقولون فوق أي نقد أو مراجعة، دون أن يتحلوا بالقدر الأدنى من الضمير واستشعار المسئولية، ليتساءلوا عن مدى مناسبة وفائدة ما يقولون لعصرنا الحالي!!
الساحة الجديدة الغريبة أيضاً تجر الإخوان بعيداً عن موضوعهم الواحد الوحيد وهو جسد المرأة، ليبحثوا مشاكل التعليم والمياه والصرف الصحي والإسكان والبطالة وما شابه، وكلها أمور يتمتعون فيها بأمية لا يحسدون عليها، كما ستفرض على ذواتهم المقدسة المنزهة أن تقف على قدم المساواة، أمام ما يطرحه علمانيون متخصصون، كما تهددهم تطبيقات الواقع بكشف زيف مقولاتهم وفشلها، وهم من اطمأنوا إلى قول ما يحلو لهم، حيث الحكم مرجأ إلى يوم القيامة.
لسنا في حاجة إلى انتظار أن تقوم جماعة الإخوان المحظورة بإعلان برنامجها السياسي بصورة رسمية، لكي نحدد إن كان مقصوداً حقيقة لذاته، ولإنقاذ الشعب المصري من ورطته الحضارية الراهنة، أم هو حلقة من حلقات التلون الثعباني التي تخصصوا وبرعوا فيها، ومحاولة لتجميل ما يستعصي على التجمل، فأوراقهم كلها مكشوفة، ولم تعد صالحة لأن تخدع أحداً، إلا من كان يخادع نفسه قبل أن يحاول خداعنا، فالجميع يعرف أنهم أهل هيمنة وأهل صدام مع العالم، ومع كل من يتجرأ ويتساءل عن حقيقة ما يظهرون وما يبطنون، ورجل الشارع المصري يدرك جيداً أنهم إذا ما تولوا قيادة السفينة فسوف يوجهونها للاصطدام بأقرب صخور، ويعرف أنهم زراع كراهية، وأنهم تستهدفون أن يحجبوا عنه سماء مصر وشمسها بملاءة سوداء ينشرونها على حقولنا الخضراء، والشعب المصري رغم كل شيء مازال محباً للحياة، ولا يتقن صناعة الموت كما تحرضه ملصقاتهم ولافتاتهم التي يختارون لها اللون الأسود، في تعبير غير متعمد عن دخائلهم.. الثقة في الشعب المصري لا تستند إلى الأوهام أو الأحلام، فالشعب المصري صانع الحضارة على مر العصور، لن يسلم رقبته لدهاقنة الموت والإرهاب، مهما تستروا وخادعوا وتجملوا.. الشعب المصري لن يسمح أبداً بدولة طالبانية أو خومينية على وادي النيل!!

اجمالي القراءات 11073